معظم الأحداث التاريخية، أثبتت بعد مراجعات موضوعية ـ فكرية وعقلية ـ أن التاريخ يكتبه دائمًا المنتصرون والمتغلبون، الذين يفرضون روايتهم، ويحذفون كل ما لا يناسبهم، ورغم ذلك هناك من ينجح في كشف الأكاذيب الكبرى.
لذلك تترسخ بوجداننا وأذهاننا، محطات كثيرة وفاصلة في حياتنا، تتضمن مواقف وشخصيات وأحداثًا وكلمات وذكريات، لا نستطيع نسيانها أو تجاهلها، لتظل محفورة في ذاكرتنا وقلوبنا، مهما طال الزمان، أو تبدَّلت الأحوال!
ربما لا تبرح ذاكرة الكثيرين، خصوصًا مَن تجاوز الخمسين من العمر، أشهر مقدمتين تلفزيونيين، كانتا الأكثر انتشارًا في تسعينيات القرن الماضي، تتناولان ما «حدث في مثل هذا اليوم».
ورغم مرور عقود، إلا أنهما تظلان مقدمتين رائعتين وراسختين بالوجدان، خصوصًا في شهر «سبتمبر/ أيلول» من كل عام، نظرًا لأحداثه المزلزلة، التي غيَّرت مجرى التاريخ ومعالم الجغرافيا في منطقتنا العربية المنكوبة.
إذن، لا ندري، لماذا تبقى الذاكرة حاضرة بقوة في بعض المواقف والأحداث المرتبطة بهذا الشهر، الذي يظل دائمًا ضيفًا ثقيلًا، لارتباطه بأحداث كبرى عند العرب، منذ عصر «البابليين» وحتى الآن؟!
ارتبط «سبتمبر/ أيلول» في تاريخنا، ببداية الاحتلال الانجليزي لمصر، وهزيمة أحمد عرابي في معركة التل الكبير، ثم غزو القوات الإيطالية مصر أثناء الحرب العالمية الثانية.
وفي الذاكرة العربية المعاصرة، عُرف بـ«أيلول الأسود»، عندما شهد ذروة صراعٍ دامٍ استمر عامين، بين الفلسطينيين والأردنيين في 1970، أضيف إليها مؤخرًا استشهاد البطل الأردني ماهر الجازي، منفذ عملية الكرامة.
بالطبع تظل ذاكرة «سبتمبر/ أيلول» ممتلئة بأحداث صعبة ومريرة، كان لها ارتباط مباشر بعالمنا العربي، بدءًا من مشهد وفاة «جمال عبدالناصر»، مرورًا باستشهاد الطفل محمد الدرة، ثم توقيع اتفاقية أوسلو «المشؤومة» بين ياسر عرفات وإسحاق رابين، وليس انتهاء بمقتل وزيرة خارجية السويد «آنا ليند» في 2003، مأسوفًا عليها!
ربما يكون المشهد الأبرز «مِصريًّا»، ما حدث في سبتمبر 1981، عندما أصدر الرئيس الراحل أنور السادات، قراراته الشهيرة بإغلاق جميع الصحف غير الحكومية، واعتقال رموز العمل الوطني والسياسي والديني ورجال الفكر، الذين تجاوز عددهم 1530 شخصًا!
أخيرًا.. ربما لم تستعد ذاكرة الألفية الجديدة عافيتها حتى الآن، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، إثر انهيار بُرْجَي نيويورك، لتُحدث تغييرًا جذريًّا في العالم، من خلال انتشار «فوضى الإرهاب»، وعودة «الاحتلال الغربي» مجددًا، وإن كان بطرق وأشكال مختلفة.. لكن المصادفة اللافتة لهذا التاريخ أنها ذكرى ميلاد الرئيس السوري بشار الأسد!
فصل الخطاب:
حكمة: «إذا أردتَ أن تَقْهَرَ شعبًا، ما عليك إلا أن تهز ثقته في ذاكرته وتاريخه».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إيلول الأسود جسر اللنبي جمال عبدالناصر محمود زاهر السادات بشار الأسد أحداث 11 سبتمبر الإرهاب الاحتلال
إقرأ أيضاً:
مبدعون وساسة وصحفيون في عدد جديد من «ذاكرة مصر» الصادرة عن مكتبة الإسكندرية
أصدرت مكتبة الإسكندرية العدد السادس والخمسين من مجلة "ذاكرة مصر"، التي تُعنى بالتوثيق التاريخي والثقافي، وتضمن العدد الجديد مجموعة من الموضوعات المتميزة التي تستعرض مسيرة عدد من الشخصيات البارزة في مختلف المجالات.
وافتتح العدد الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، بكلمة تأبينية في حق الراحلة الدكتورة علياء شكري، أستاذة علم الاجتماع، مشيدًا بعطائها العلمي ومساهمتها الأكاديمية، وواصفًا إياها بـ"نموذج العلم المطمئن".
وتضمن العدد ملفًا خاصًا عن الكاتب والسياسي الراحل صلاح عيسى، شمل أوراقه ومخطوطاته التي قامت المكتبة بتوثيقها ضمن مشروع "ذاكرة مصر"، الذي أطلق في ديسمبر الماضي، إلى جانب مقالات عن عدد من الرموز الفكرية والثقافية من بينهم: الدكتور صوفي أبو طالب في مئوية ميلاده، واللواء مصطفى كامل، والصحفي مصطفى شردي، والصحفية الرائدة أمينة السعيد، والروائي فتحي غانم، والنحات آدم حنان، والفنان توفيق الدقن، والناقد الأدبي د.علي الراعي.
كما تناول العدد موضوعًا موسعًا عن تاريخ الكرة المصرية في مائة عام، بالإضافة إلى جولة ثقافية ميدانية في إقليم البرلس، وُصفت فيه المنطقة بـ"درة الشمال المصري" لما تزخر به من تراث وثقافة محلية.
وشارك في إعداد موضوعات العدد نخبة من الكُتّاب والباحثين، منهم: سيد محمود، وعلاء عبد الهادي، وياسر أيوب، وإيمان رسلان، ود.حسين عبد البصير، وزينب عبد الرازق، ورشدي الدقن، ود.عمرو مصطفى شلبي، وأحمد سليم عوض، وإخلاص عطا الله، وأحمد حسن، ومحمد مطش.
وتُعرض المجلة ضمن فعاليات معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب، المُقام في الفترة من 7 إلى 21 يوليو الجاري وتُعد "ذاكرة مصر" من الإصدارات الدورية التي تلقى رواجًا واسعًا داخل معارض الكتب، نظرًا لتناولها التاريخ بلغة مبسطة وجذابة للجمهور العام و يرأس تحرير المجلة الدكتور سامح فوزي، وتُشرف على سكرتارية التحرير الباحثة إيمان الخطيب.