الإفتاء توضح الصوفية الحق.. لا تُخالف الكتاب والسنة ومصادرها إسلامية
تاريخ النشر: 21st, September 2024 GMT
ظهرة الانتقادات الشديدة للطرق الصوفية على الساحة بقوة مؤخرًا، عقب اتهام صلاح التيجاني -وهو أحد المُدعين انتسابهم للصوفية- بالتحرش، ولطالما كان هناك خلاف حول الصوفية وطُرقها بسبب شطحات ومُغالة، ومُبالغات من يدعون التصوف، ونستعرض فيما يلى رأي دار الإفتاء وتوضيحها للصوفية الحقيقية.
. الصوفية الحقيقية لا غلو فيها ولا شطط
الصوفية لا تُخالف الكتاب والسنة ومصادرها إسلامية
قالت دار الإفتاء المصرية على موقعها الرسمي أنه قد اتُّـهِم التصوف بـمخالفته للكتاب والسنة، ولعل من أسباب هذا الاتـهام أن أقوامًا نظروا إلى ما أحدثه بعض مدعي التصوف، وظنوا أن ما يفعلونه هو التصوف، فقاموا في تسرع بغير روية، وبغير اطلاع على مبادئ التصوف وأقوال أئمته بإصدار الأحكام العامة مـما تسبب فيما نحن فيه، لذا كان أهل الله من الصوفية الـمخلصين يعتنون ببيان أن هذه الـمظاهر ليست هي التصوف، فها هو أبو نصر سراج الطوسي يقول في "ديوان الحلاج":
لا تسأمنَّ مقالتي يا صاح واقبل نصيحة ناصحٍ نصَّاح
ليس التصوف حيـــــــــــلة وتكلفًا وتقشـــــــــــفًا وتواجـــــــدًا بصياح
ليس التصوف كـــــــذبة وبطالة وجـــــــهالة ودعــــــــــابة بـمزاح
بل عفـــــــــة ومروءة وفتـــــــــوة وقنـــــــــاعة وطـــــــــهارة بصلاح
وتقى وعلم واقتداء والصفا ورضى وصدق والوفا بسماح
وتابعت الإفتاء أن عبارات أئمة الصوفية تؤكد على أنه لا تصوف إلا بـموافقة الكتاب والسنة، ومن ذلك ما قاله إمام الصوفية الإمام الجنيد في "الرسالة القشيرية": [الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام... وقال: من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة].
وقال العلامة شاه الكرماني في "الرسالة القشيرية": [من غَضَّ بصره عن الـمحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعَمَّر باطنه بدوام الـمراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعَوَّد نفسه أكل الحلال، لم تخطئ له فِراسة] .
وقال ذو النون الـمصري في "الرسالة القشيرية" : [مِن علامات الـمحبة لله عز وجل متابعةُ حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه] اهـ.
وأضافت الإفتاء أنه قد أنصف التصوفَ علماءٌ لم ينتسبوا إليه كابن خلدون؛ حيث أكَّد على أن أصل التصوف متابعة الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة؛ فقال في “مقدمة ابن خلدون": [وأصله -أي التصوف- أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها -من الصحابة والتابعين ومن بعدهم- طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذةٍ ومالٍ وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عامًّا في الصحابة والسَّلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختصَّ الـمقبلون على العبادة باسم الصوفية والـمتصوفة.
المُستشرقين عن التصوف
ووضحت الإفتاء أن الـمستشرقين شهدوا أن التصوف أصوله إسلامية، ومتابعة الكتاب والسنة من أسسه، وقد نقل ذلك الأستاذ الدكتور أمين يوسف عودة؛ حيث قال: ولم يستطع الـمستشرقون أنفسهم، على كثافة دراساتـهم للتصوف، واختلاف أهدافهم، إلا أن يقروا بالـمصدر الإسلامي له. راجع بحث "أصل مصطلح التصوف ودلالته"
مصادر التصوف الأربعة
أما ماسينيون، فإنه يرى بعد دراسته لـمصطلحات التصوف أن مصادرها أربعة:
1- القرآن الكريم، وهو الـمصدر الرئيسي للمصطلحات الصوفية.
2- العلوم العربية الإسلامية؛ كالحديث والفقه وغيرها.
3- مصطلحات الـمتكلمين الأوائل.
4- اللغة العلمية التي تكونت في الشرق في القرون الستة الـمسيحية الأولى من لغات أخرى؛ كاليونانية والفارسية وغيرهما، وأصبحت لغة العلم والفلسفة.
وانتهت دار الإفتاء المصرية أن التصوف الإسلامي ظاهرة سنية ظهرت بين أهل السنة والجماعة وصدرت عن أسس إسلامية، وهذا لا يمنع -بل لعل هذا هو ما حدث فعلًا- أنها تأثرت في رحلة تطورها الطويلة بمؤثرات خارجية كان لها أثر ملحوظ في صبغ هذه الظاهرة السنية الإسلامية ببعض الألوان الجديدة، مع بقاء الظاهرة مرتبطة بأصولها الأولى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصوفية التصوف دار الافتاء المصرية الإفتاء الكتاب والسنة الکتاب والسنة
إقرأ أيضاً:
نور على نور
#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
في حديقة عامة، جذب انتباهي رجل كان جالسا على مقعد قريب من أرجوحات يلعب عليها الأطفال، كان نظره معلقا بنقطة محددة لا ينزاح عنها، حيث كان ابنه يلعب، بالطبع لم يكن تركيزه ذاك لأجل الفرجة على مهارات ابنه، بل للرقابة لأجل التدخل الفوري في حال لزم الأمر.
من يؤمن بالله وبدينه الذي أنزله، يوقن أنه ما خلق خلقه بهذا الكمال خلقة وخلقا، إلا لهدف عظيم ومهمة جليلة، فالمنطق يفترض أنه لا يمكن أن يتركهم هملا بلا رقابة منه ولا عناية بهم، لذا فهم تحت رقابته الدائمة، لا يغفل عنهم لحظة.
هذه الرقابة اللصيقة ليست للتفرج، وإنما للتدخل عندما تقتضي الحاجة، ولأن الله أرأف بعبده من الوالد بولده ومن الأم بوليدها، لذلك فهو أحرص منهما على رعاية عباده.
وبما أنه تعالى حرم على نفسه الظلم، فالأولى أن لا يسمح لعباده بممارسته، لذلك نلاحظ أنه تاريخيا لا يمكن لظلم البشر لبعضهم أن يدوم طويلا، وسواء طال أمده أم قصر فهو زائل لا محالة، ولكن الله يجري سننه الكونية على البشر، ويبدل الأحوال لتستقيم سننه في الأرض، والتي لا يبدلها استجابة لرغبات الناس، ولا يغير فيها بناء على سوء أفعالهم او صلاحها.
ولو تأملنا فيما يحدث في القطاع منذ سنتين، من تقتيل وتدمير وتهجير، وفوق ذلك حصار وتجويع للسكان المدنيين، بلا ذنب اقترفوه ولا جرم ارتكبوه، بل لأنهم قالوا ربنا الله، ونحن متمسكون بمنهجه، ورافضون لترك أرضنا.
ربما يتساءل المرء: متى يتدخل الخالق الرحيم لوضع حد لكل هذا الظلم الفادح، ويكبح جماح المعتدين!؟.
الإجابة على هذا السؤال: انه مع اليقين الكامل بحتمية تحقق وعد الله، إلا أنه وفقا لفهمنا لسننه، فهو قريب جدا لكن لم يحن بعد.
1 – القاعدة الأولى في هذه السنن: “بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ” [الأنبياء:18]، فالله تعالى هو من يوجه أهل الحق لمقارعة أهل الباطل، ونتيجة هذا الصراع محسومة سلفا وهي زوال الباطل، والذي لا يتحقق إلا بانتصار أهل الحق، وإذا فالنتيجة حتما دائما هزيمة أهل الباطل.
2- الثانية: أنه في كل العصور سيبقى تصارع الحق والباطل قائما: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” [البقرة:251]، فالله تعالى هو من يزين لأهل الباطل أفعال السوء بظلم الآخرين، ويحرضهم على البغي على أهل الحق بإغرائهم بأن لهم فرصة عالية للنيل منهم، وهذا العدوان يستفز أهل الحق، فيستخرجون كوامن قوتهم ويقارعون أهل الباطل، وبذلك تنكشف المعادن الطيبة فيهم من المنافقين الذين كانوا مندسين بينهم غير مكشوفين، كما يتخذ الله من المؤمنين الأخيار شهداء، فيبدلهم نعيما دائما بدل متاع الدنيا الزائل.
3 – الثالثة أنه لم يكن هلاك أهل الباطل إلا حينما كانوا في عز استعلائهم وغطرستهم.
فلم ينهدم ملك فرعون إلا عندما كان يقول أنا ربكم الأعلى.
ولم تهلك عاد بحرب بل عندما كانت تظن أنه ليس هنالك من هو أشد منهم قوة.
واندثرت حضارة ثمود في ذروة تقدمهم عندما جابوا الصخر بالواد.
4 – أما الرابعة فهي أن أمد هذا الصراع قد يطول أو يقصر، وفقا لمرادات الله من مدى تحقق مناطات السنن الثلاث الأولى، لكن التدخل الإلهي المباشر، والذي ينهي الصراع بنتيجة محسومة دائما وهي نصر المؤمنين، يقدره الله بحكمته وتقديره: “حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ”.
وتطبيقا على فهم السنن الأربع نتوصل الى ما يلي:
تحققت السُنّة الأولى حينما ألهم الله المجاهدين بالقيام بعملية السابع من اوكتوبر، فوفقهم وحماهم حتى حققت المراد، واستفز العدو ليهاجم بكل غطرسة وتبجح، وليكشف أعداء الأمة الأوروبيين الذين هبوا لدعمه وتمويله.
وتحققت الثانية: ودلالتها صمود المجاهدين وفشل العدو في النيل من عزيمتهم، لا شك أن ذلك من فضل الله ليثبت أقدامهم لحين تحقق نصرهم، كما كشف المنافقين وكذب مدعي الوطنية والدين.
كما تحققت الثالثة فعليا.
وتبقى الرابعة وهي حتمية نصر المجاهدين وزوال الكيان اللقيط.
وهي موقوتة بأن تهب الأمة لنصرة المجاهدين عمليا وليس بمجرد الدعاء.