ظهرة الانتقادات الشديدة للطرق الصوفية على الساحة بقوة مؤخرًا، عقب اتهام صلاح التيجاني -وهو أحد المُدعين انتسابهم للصوفية- بالتحرش، ولطالما كان هناك خلاف حول الصوفية وطُرقها بسبب شطحات ومُغالة، ومُبالغات من يدعون التصوف، ونستعرض فيما يلى رأي دار الإفتاء وتوضيحها للصوفية الحقيقية.

عضو هيئة كبار العلماء.

. الصوفية الحقيقية لا غلو فيها ولا شطط بعد اتهامه بازدراء الأديان.. شطحات صلاح التيجاني في الدين الإسلامي

 

الصوفية لا تُخالف الكتاب والسنة ومصادرها إسلامية

قالت دار الإفتاء المصرية على موقعها الرسمي أنه قد اتُّـهِم التصوف بـمخالفته للكتاب والسنة، ولعل من أسباب هذا الاتـهام أن أقوامًا نظروا إلى ما أحدثه بعض مدعي التصوف، وظنوا أن ما يفعلونه هو التصوف، فقاموا في تسرع بغير روية، وبغير اطلاع على مبادئ التصوف وأقوال أئمته بإصدار الأحكام العامة مـما تسبب فيما نحن فيه، لذا كان أهل الله من الصوفية الـمخلصين يعتنون ببيان أن هذه الـمظاهر ليست هي التصوف، فها هو أبو نصر سراج الطوسي يقول في "ديوان الحلاج":
لا تسأمنَّ مقالتي يا صاح واقبل نصيحة ناصحٍ نصَّاح
ليس التصوف حيـــــــــــلة وتكلفًا وتقشـــــــــــفًا وتواجـــــــدًا بصياح
ليس التصوف كـــــــذبة وبطالة وجـــــــهالة ودعــــــــــابة بـمزاح
بل عفـــــــــة ومروءة وفتـــــــــوة وقنـــــــــاعة وطـــــــــهارة بصلاح
وتقى وعلم واقتداء والصفا ورضى وصدق والوفا بسماح

بعض أقول أئمة الصوفية

وتابعت الإفتاء أن عبارات أئمة الصوفية تؤكد على أنه لا تصوف إلا بـموافقة الكتاب والسنة، ومن ذلك ما قاله إمام الصوفية الإمام الجنيد في "الرسالة القشيرية": [الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام... وقال: من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يُقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة].


وقال العلامة شاه الكرماني  في "الرسالة القشيرية": [من غَضَّ بصره عن الـمحارم، وأمسك نفسه عن الشهوات، وعَمَّر باطنه بدوام الـمراقبة، وظاهره باتباع السنة، وعَوَّد نفسه أكل الحلال، لم تخطئ له فِراسة] .
وقال ذو النون الـمصري في "الرسالة القشيرية" : [مِن علامات الـمحبة لله عز وجل متابعةُ حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه] اهـ.
 

ابن خلدون عن التصوف 


وأضافت الإفتاء أنه قد أنصف التصوفَ علماءٌ لم ينتسبوا إليه كابن خلدون؛ حيث أكَّد على أن أصل التصوف متابعة الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة؛ فقال في “مقدمة ابن خلدون": [وأصله -أي التصوف- أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها -من الصحابة والتابعين ومن بعدهم- طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذةٍ ومالٍ وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عامًّا في الصحابة والسَّلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختصَّ الـمقبلون على العبادة باسم الصوفية والـمتصوفة.


المُستشرقين عن التصوف 


ووضحت الإفتاء أن الـمستشرقين شهدوا أن التصوف أصوله إسلامية، ومتابعة الكتاب والسنة من أسسه، وقد نقل ذلك الأستاذ الدكتور أمين يوسف عودة؛ حيث قال: ولم يستطع الـمستشرقون أنفسهم، على كثافة دراساتـهم للتصوف، واختلاف أهدافهم، إلا أن يقروا بالـمصدر الإسلامي له. راجع بحث "أصل مصطلح التصوف ودلالته"

 

مصادر التصوف الأربعة


أما ماسينيون، فإنه يرى بعد دراسته لـمصطلحات التصوف أن مصادرها أربعة:
1- القرآن الكريم، وهو الـمصدر الرئيسي للمصطلحات الصوفية.
2- العلوم العربية الإسلامية؛ كالحديث والفقه وغيرها.
3- مصطلحات الـمتكلمين الأوائل.
4- اللغة العلمية التي تكونت في الشرق في القرون الستة الـمسيحية الأولى من لغات أخرى؛ كاليونانية والفارسية وغيرهما، وأصبحت لغة العلم والفلسفة.
 


وانتهت دار الإفتاء المصرية أن التصوف الإسلامي ظاهرة سنية ظهرت بين أهل السنة والجماعة وصدرت عن أسس إسلامية، وهذا لا يمنع -بل لعل هذا هو ما حدث فعلًا- أنها تأثرت في رحلة تطورها الطويلة بمؤثرات خارجية كان لها أثر ملحوظ في صبغ هذه الظاهرة السنية الإسلامية ببعض الألوان الجديدة، مع بقاء الظاهرة مرتبطة بأصولها الأولى.
 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الصوفية التصوف دار الافتاء المصرية الإفتاء الكتاب والسنة الکتاب والسنة

إقرأ أيضاً:

الجامع الأزهر: الهجرة من الباطل أساس نصر الأمة وصلاح المجتمع

عقد الجامع الأزهر، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "الصراع بين الحق والباطل" "من دروس الهجرة" رؤية فقهية. 

الهجرة النبوية.. أين اختفت الجمال الثلاثة عن أعين المشركين؟ معجزات ربانيةملتقى الأزهر يناقش «الهجرة والتحول الحضاري» في إطار معالجاته لقضايا العصر

ويستضيف الملتقى: الدكتور حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر الشريف، والأمين المساعد لمجمع البحوث الإٍسلامية، والدكتور مجدي عبد الغفار، الرئيس السابق لقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين، وأدار الحوار الدكتور هاني عودة، مدير الجامع الأزهر.

في مستهل الملتقى أكد الدكتور مجدي عبد الغفار على أن الصراع الدائر بين الحق والباطل صراع متواصل، وعلينا الحذر من مسلك أهل الباطل الذين يكونون سببا في الضرر لكل من حولهم، مع ضرورة  الانحياز إلى سبيل أهل الحق لما يجلبه من رحمة وخير وعدل، لأن الأمة الإسلامية هي أمة الحق لهذا قال القرآن الكريم: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. 

وفي هذا دليل على أن هذه الأمة تنطلق إلى الحق لتظل راية الحق خفاقة في كل مكان، كما أن نصرة الحق شرف لا يحاذيه شرف، ولنعلم أن نصرة الحق تتطلب عزيمة وصبرا وتحملا للمشقة، لما يترتب على ذلك من جزاء عظيم؛ وهو رضا الله سبحانه ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأوضح الدكتور مجدي عبد الغفار أن هناك أربع قواعد أساسية للدفاع عن الحق، أولًا: من الخطأ الاعتقاد بأن من لا يعرف الحق سيدافع عنه أو ينصره في يوم من الأيام، وعلينا ألا ننخدع بالشعارات التي في ظاهرها دعوة للحق وفي باطنها مكيدة وخدعة لإلحاق الإضرار بنا، ثانيًا: لا يمكن أن يدافع عن الحق من لا يحسن عرضه أو لا يستطيع الدفاع عنه، لأنه سيكون في هذه الحالة كمن يقتل نفسه، ثالثًا: يجب أن يمتلك المدافعون عن الحق الفراسة لمعرفة المواطن الصحيحة لنصرة هذا الحق، رابعًا: من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف مسالك أهل الباطل، حتى لا ينخدع، ففي هذه القواعد الأربع ضرورة لازمة لانتصار أهل الحق وغلبتهم، وبهذه القواعد الأربع كانت دولة المسلمين الأوائل مثالًا يحتذى به في الحق، مشيرًا إلى إنه بالنظر في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجد أنه بعدما تآمر عليه المشركون سعيًا لإجهاض الدعوة التي جاء بها، جاءت مكيدتهم لتؤكد أن أهل الباطل يتكاتفون فيما بينهم، وأن ما يجمعهم هو التكالب على الحق، ولذلك، اختاروا فتى شابًا من كل قبيلة، درءًا لمطالبة أي طرف بالثأر لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواقع الذي نشهده اليوم، أن تجمع مواطن القوة في كل دولة كبرى لتوحيد جهودهم ضد هذه الأمة.

من جهته ذكر الدكتور حسن الصغير أن الصراع بين الحق والباطل هو في حقيقته صراع داخلي، وهجرة كل منا من الباطل الكامن في داخله هي هجرة واجبة في هذه الأيام، وهذا هو ما يفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" وحديثه صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه"، ونحن أحوج ما نكون هذه الأيام إلى هذه الهجرة الداخلية التي تحقق صلاح الإنسان مع ذاته ومع من حوله، ويجب أن ندرك الحق الحقيقي كي لا ننخدع بالدعوات الزائفة، وعلينا أن نكون أكثر تفاؤلاً، فالنظرة السوداوية قد تسقط الإنسان في شراك الباطل.

وبين الدكتور حسن الصغير أن الوفاء بالحقوق المتبادلة بين الناس يعتمد بشكل كلي على هذه الهجرة الداخلية، فمن المستحيل أن تؤدى هذه الحقوق ما لم يتمسك الإنسان بالحق، وينتصر داخليًا على رغبات الباطل ويتجرد منها كليا، وأشار إلى أن الخلافات المستشرية في مجتمعاتنا اليوم بين الأزواج، وبين الأخوة في قضايا الميراث، وبين التجار، إلى أخره، لا سبيل لإصلاحها إلا بامتلاك الإنسان القدرة على هذه الهجرة الداخلية، وما نرصده اليوم من أنماط من الانحراف في السلوك تحتاج منا إلى ضرورة العودة إلى طريق الحق، كما أن ما تواجهه أمتنا اليوم من تحديات لا يمكن لأمتنا أن تحقق النصر فيه، بدون هذه الهجرة الداخلية لأفرادها،  لأن انتصار الحق داخل الأفراد ينعكس على الواقع العام لهذه الأمة.

من جانبه شدد مدير الجامع الأزهر على ضرورة أن يتوافق الحق مع شرع الله تعالى، وأن يدعو إلى الخير والعدل والرحمة، إذ إن كل ما يخالف ذلك ويقود إلى الظلم والفساد والضلال؛ فهو باطل لا خير فيه، وهذا أمر يجب أن ندركه جميعًا، فالصراع بين الباطل والحق لن يحسم لصالح الحق ما لم نلتزم به بالحق والخير في كل شيء، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، رغم كل ما تعرض له من أذى، كان دائمًا داعيًا للحق والصلاح، لهذا كان النصر حليفه في كل خطوة يخطوها،  ولو تأملنا في صراعات الحق والباطل عبر الأمم السابقة؛ حينها سندرك أن الغلبة في نهاية المطاف كانت دائمًا للحق، وهذه سنة كونية نتيجتها حتمية لهذا الصراع الأزلي، الذي مهما تعددت أشكاله، فإن نتيجته لا تتغير، وما يحدث في العالم اليوم من كيل بمكيالين ليس دعوات للحق والصلاح كما يحاولون أن يخدعونا، بل هو باطل يسعون من خلاله إلى باطل آخر.

يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.

طباعة شارك الجامع الأزهر الأزهر الشريف الملتقى الفقهي الهجرة دروس الهجرة

مقالات مشابهة

  • الطرق الصوفية تحتفل بالعام الهجري الجديد .. الخميس
  • الجامع الأزهر: الهجرة من الباطل أساس نصر الأمة وصلاح المجتمع
  • هل تصح صلاة المرأة إذا انكشفت قدماها؟ دار الإفتاء توضح
  • هل أقضي الصلاة الجهرية سرا ؟.. الإفتاء توضح أسهل طريقة لقضاء الفوائت
  • عندى شعور مستمر بعدم الرضا .. أمينة الفتوى توضح
  • مصطلحات إسلامية: الولاء والبراء
  • هل الزواج في شهر محرم مكروه شرعا ؟.. دار الإفتاء توضح
  • حكم إقامة حفلات التخرج والضوابط الشرعية لها؟.. الإفتاء توضح
  • آداب الرجوع من الحج.. الإفتاء توضح
  • هل يجوز إعطاء الأبناء من زكاة المال؟ .. الإفتاء توضح الضوابط الشرعية