سادساً: معاوية يستقطب الدهاة ويستعملهم ويقربهم وعلي لا يسمع لهم ويبعدهم

تعادل فريق معاوية وعلي في عدد دهاة الشخصيات؛ فقد كان معاوية من أدهى دهاة العرب، أضيف إليه داهية آخر هو عمرو بن العاص، وسيرا كل محطات المواجهات بينهم وبين علي بحكمة وحنكة سياسية، ومكر وخديعة، ولم يتركا وسيلة من وسائل المكر والاستقطاب والتهديد والوعيد واللين والجذب والخديعة إلا واستخدماها، ونجحا بذلك أيما نجاح، وتغلبا على دولة علي، وفي النهاية آلت إليهما الدولة وكسبا المعركة والرهان.

في صف علي كان قيس بن عبادة، وهو داهية العرب الثالث، الذي قال: "لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب"، ومعه ابن عباس والأشتر النخعي، وهذان الأخيران يعدلان عمرو بن العاص لولا أن علياً يغلبهم على آرائهم ولم يستمع إلى أحد منهم، وعلى الحياد المغيرة بن شعبة الذي ينصح علياً مرة ويغشه مرة.

وقيس بن سعد هو والي علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- على مصر، ولا يحب المكر والخديعة مع علمه أن لا حرب إلا بمكر وقادر على أشد أنواع المكر، بينما كان كثيراً ما يقول: "والله لئن قُدِّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا"!

اقرأ أيضاً لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (5) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (4) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟.. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (3) لماذا حسم معاوية المعركة لصالحه؟ .. قراءة في موازين القوة بين علي ومعاوية (2) لماذا لا تردوا على كلام الغفوري؟ الحسين بن علي في ذكرى مقتله رقم 1384: لماذا انهزم وليس هناك ابن بنت نبي غيره ؟! عن حكاية علي بن أبي طالب والسبية الهمدانية الإسلام رسالة عالمية وليست خرافة ضيقة الأفق الرسول صلى الله عليه وسلم يرتب مراتب الصحابة في حياته علي بن أبي طالب يُكَذِّب الشيعة وافتراءات الولاية الجبواني: هكذا سيكون نظام الحكم في اليمن هل علي خليفة من السماء؟

فقد كان يوم صفين مع علي بن أبي طالب، وهو يخطط بدهائه لهزيمة معاوية بالمكر والخديعة، فكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يُمكن أن يودي بمعاوية وبمن معه في يومٍ أو بعض يوم، بَيْدَ أنَّه يتفحَّص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيِّئ الخطر، ثم يذكر قول الله - سبحانه: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}( فاطر: (43)، وقد قال وهو في معركة صفين: "لولا أن المكر فجور، لمكرت مكراً يضطرب منه أهل الشام بينهم".

من يقرأ عن شخصية علي -رضي الله عنه- بتمعن يجد شخصية حادة وصدامية وصارمة، لا يلين عند التحدي، وهذا يعتبر ضعفاً سياسياً، ولكن من ناحية عسكرية فقد كان رجلاً صلباً جلداً تنفيذياً أيضاً، ولكنه ليس قيادياً يتألف الناس من حوله، فشخصيته كانت منفرة، ولا يسمع نصحاً من أحد إلا قليلاً، وكان يكتفي برأيه ويميل غالباً إلى التحدي والإشارة باستعمال القوة، ولقد دار بينه وبين ابن عباس، وكذا المغيرة بن شعبة، حديث طويل في هذا الشأن وخاصة في أمور الحرب والمكر والسياسة والخديعة.

قال ابن عباس لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما: "معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى ما ثبتهم فما يبالون بمن ولي هذا الأمر، ومتى تعزلهم يقولون: قتل صاحبنا فيؤلبون عليك فتنتقض عليك الشام وأهل العراق، مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك، وأنا أشير عليك أن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعليّ أن أقلعه من منزله"، قال علي: "والله لا أعطيه إلا السيف، ثم تمثل:

وما ميتةٌ أن مُتها غير عاجزٍ بعارٍ إذا ما غالتِ النفسَ غَولُها

فقلت يا أمير المؤمنين: "أنت رجل شجاع لست صاحب رأي في الحرب، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحرب خدعة"؟، فقال: "بلى". فقلت: "أما والله لئن أطعتني لأصدرنهم بعد ورد، ولأتركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم عليك"، فقال: "يابن عباس: لست من هِنّاتك ولا من هِنّات معاوية بشيء"!( الكامل: لابن الأثير- ج3/صـ87 – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – ط1 – 1407هـ - 1987م، وكذلك عند الطبري: صـ795، 796).

وهذا الكلام، وتحقق كل مشورات ابن عباس، يدل على أنه كان داهية ولكنه مضيع وغير مفَعّل.

بينما نجد على الطرف الآخر معاوية -رضي الله عنه- استشارياً لأصحابه، ولا يأنف أن يأخذ النصح من أحد ولو كان طفلاً صغيراً، وكان كثيراً ما يرجع إلى عمرو بن العاص وغيره ويقول له: ما ترى أنت في كذا وكذا؟ مع أن معاوية رجل داهية في التفكير والتدبير، وكان يقول: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"، وقيل: وكيف؟، قال: "كنت إذا مدوها خليتها، وإذا خلوها مددتها"، وكان يقول: "لا أحمل السيف على من لا سيف معه، وإن لم تكن إلا كلمة يشتفي بها مشتفٍ جعلتها تحت قدمي ودبر أذني.."، فهذا القول يبين حلمه وطول باعه في السياسة، وهدوء أعصابه إذا جابهته المعضلات، إذا نزلت بساحته الكوارث والمشكلات، وكان كلما طالبه أهل العراق بعزل عامل فعزله، فقيل له في ذلك، فقال: "لأن أعزل عاملاً لهم خير من أشهر عليهم مائة سيف ثم لا أدري لي أم علي"( قرة العيون: من هامش تعليق للمؤرخ محمد بن علي الأكوع، صـ86).

لقد كانت أهم خدع معاوية وعمرو بن العاص لعلي في قضية التحكيم، وكثير من الروايات تقول: إن علياً كان متقدماً في صفين وكاد يخلص إلى معاوية وأهل الشام ثابتون معه ثبات الجبال، ولكن صفهم قد تضعضع وضعف، فما كان من عمرو بن العاص إلا أن طالب بالتحكيم، واستطاع أن ينقذ الجيش من الهزيمة، والأقرب إلى الصواب مع كل مامضى من التحليلات هو أن قضية التحكيم جاءت لتنقذ الطرفين من فناء كبير لاستبسال الطرفين في الميدان، ولما رأى بعض العقلاء أن المسلمين سيفنون في هذه المعركة خرج بعضهم، ومنهم الأشعث بن قيس الكندي، منادياً بحقن الدماء والسعي في الصلح، وهنا كانت مشورة التحكيم التي رفضها ابن عباس والأشتر وحتى علي نفسه لأنهم اشتموا رائحة الخديعة من عمرو بن العاص، ونزل علي عند التحكيم مكرهاً بفعل تخاذل صفه وخاصة ما يسمون العُباد أو القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد حتى لا يتفرق الجيش ويتشتت الشمل، ورغم كل ذلك فقد حصل المحذور، وخرجوا عليه، وصار بين نارين من القتال؛ قتال معاوية وقتال الخوارج، وهذا الأمر أضعفه كثيراً.

أُثر عن معاوية في صباه أن الحارث بن عبد كلال وفد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلم وحسن إسلامه، فأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- معاوية بن أبي سفيان أن ينطلق به فينزله في بيت عبد الله بن رواحة الأنصاري، وكان أيماً لا زوجة له، قال: فانطلقت بالرجل وإذا برجل فيه نبه النعمة وذكاء المملكة وخيلاء القدرة فعمد إلى ناقته فركبها في المدينة، قال له معاوية: إن قريشاً تعيب من الركوب في المدينة والمدن. فقال: العيب لذي العيب. قال معاوية: فسرت بين يديه وهو راكب وأنا راجل في يوم صايف شديد الحر، فلما استوجعت من الرمضاء قلت له: يا شيخ هل لك في إردافي معك؟ قال: لست من أرداف الملوك أمثالي. قال معاوية: قلت له فأعرني نعليك أقي بهما رجلي من حر الرمضاء. قال له: إنهما لا يحملان مثلك ولا يقلان شكلك، ولكن سر في ظل فرسي من حر الرمضاء فكفى لك بذلك شرفاً عند قومك. قال معاوية: فعلمت أن فيه عُجْب الملك وعجرفة الجاهلية، فسرت بين يديه ثم بلغت به حيث أمرني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-. ثم إن الحارث بن عبد كلال أدرك معاوية خليفة فقدم عليه فقربه معاوية وأدناه من مجلسه وخلع عليه وأجرى إليه، فقال عمرو بن العاص: أتذكر ما كان منه يا معاوية من شطط القول عليك يوم إسلامه. فقال معاوية: إنا لا نحقد على الضيوف ولا نتبلد عند الجتوف. فسكت عمرو حتى دخل الحارث إلى مجلس معاوية فقرعه عمرو، فغضب الحارث وعزم على الإنصراف من مجلس معاوية وردّ عطيته، فمشى إليه معاوية في جميع بني أمية معتذراً فرضي وأمسك.(كتاب الفاصل بين الحق بين الباطل من مفاخر أبناء قحطان واليمن- للملك المؤيد داوود بن يوسف الرسولي، تحقيق محمد عبدالرحيم جازم ومنير عربش).

.... يتبع

المصدر: المشهد اليمني

كلمات دلالية: عمرو بن العاص صلى الله علیه رضی الله ما کان

إقرأ أيضاً:

لماذا أكثر أهل النار من النساء؟ .. الإفتاء تجيب

أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها مضمونه: "لماذا أكثر أهل النار من النساء؟"، لترد موضحة أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاء) رواه البخاري.

وقالت إن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ) فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ)، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ : (فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟) قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: (فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا) رواه البخاري.

وورد حديث صحيح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، يدل على أن المرأة إذا فعلت 5 أمور دخلت الجنة، وهي: الصلاة، والصيام، وعدم ارتكاب الزنا، وطاعة الزوج.

وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف، قال رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم -: «إذا صَلَّتْ المرأةُ خمسَها، وصامَتْ شَهْرَها، وحفظَتْ فَرْجَها، وأَطَاعَتْ زَوْجَها، قيل لها: ادْخُلِي الجنةَ من أَيِّ أبوابِ الجنةِ شِئْتِ».

شرح حديث إذا صلت المرأة خمسها

شرح حديث أن المرأة المسلمة إذا حافظت على صيام رمضان، وأداء الصلوات الخمس المفروضات، وأطاعت زوجها فيما ليس فيه معصية، وحصنت فرجها من الحرام دخلت الجنة، وقال المناوي في فيض القدير وهو يشرح هذا الحديث: «إذا صلت المرأة خمسها» المكتوبات الخمس «وصامت شهرها» رمضان غير أيام الحيض إن كان «وحفظت» وفي رواية أحصنت «فرجها» عن الجماع المحرم «وأطاعت زوجها» في غير معصية «دخلت» لم يقل تدخل إشارة إلى تحقق الدخول «الجنة» إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو تابت توبة نصوحًا أو عفي عنها.

من هم الذين لا يدخلون النار
دخول الجنة هو الفوز الذي يبحث عنه كل إنسان، يقول الله تبارك وتعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"، [آل عمران:185]، وقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟، تحرم على كل قريب هين لين سهل".

يقول الشيخ محمد أبو بكر، الداعية الإسلامي، إن هناك 10 أشياء لو حرص الإنسان على اجتنابها لكان من أهل الجنة وإن فعلت لكان صاحبها من أهل النار وهي:

1- علم لا يعمل به .. أي أن الإنسان هو صاحب علم سواء أكان العلم ديني أم دنيوي لكنه يكتمه ولا يعمل به.

2- عمل لا إخلاص فيه أو اقتداء.. فكم من أعمال فقد فيها الإخلاص فكان هباء منثورا.

3- مال لا ينفق منه.. فهذا المال لا استمتع به صاحبه ولا ادخره عند الله في الآخر.

4- قلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به وهذا القلب لا يعرف الأمان ولا الطمأنينة.

5- بدن معطل من طاعة الله وخدمته.

6- محبة لا تتقيد برضا المحبوب.. أي كون الإنسان مدعياً محبته لله ورسوله ويفعل ما يخالف ما أمرا به.

7- وقت معطل عن استدراك ما فات.

8- فكر يجول فيما لا ينفع.

9- خدمة من لا تقربك طاعته من الله.

10- الخوف والرجاء من العبد.. أي انشغالك بخدمة الخلق.

طباعة شارك شرح حديث إذا صلت المرأة خمسها لماذا أكثر أهل النار من النساء أهل النار

مقالات مشابهة

  • هل قراءة سورة يس بعد صلاة الفجر تقضي الحوائج؟.. فيها 5 عجائب
  • مسؤولون وناشطون: اليمن يعيد رسم موازين القوى الإقليمية
  • ما هو يوم الحج الذي أوجب الله عليه الناس؟ تعرف عليه
  • لماذا أكثر أهل النار من النساء؟ .. الإفتاء تجيب
  • لماذا يجب أن نصلي صلاة العشاء في وقتها؟.. لـ15 سببا لا تعرفها
  • برلماني أوروبي: الاتحاد الأوروبي سيدرك استحالة حل الصراع الأوكراني في ساحة المعركة
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • باكستان تقلب موازين القوة: هزيمة تكنولوجية روسية على الهواء مباشرة في الهند
  • ما حكم قراءة القرآن من المصحف في الصلاة.. الأزهر للفتوى يوضح
  • الفرق بين الحمد والشكر.. تعرف عليه