دور الأعراف القبلية في اليمن في حفظ التوازن الاجتماعي وتعزيز النسيج المجتمعي .. قراءة قرآنية وتطبيقية
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
في ظل التحوّلات السياسية والأمنية والاجتماعية المتسارعة التي شهدتها اليمن في عهد المسيرة القرآنية ، تبرز الأعراف القبلية بوصفها إحدى أهم ركائز التوازن الاجتماعي والحفاظ على النسيج الأهلي، خاصة في المناطق التي غابت عنها الدولة أو تراجعت فيها مؤسسات القانون الرسمي، لقد شكّلت القبيلة اليمنية عبر تاريخها الطويل منظومة متكاملة من القيم والعادات والتقاليد التي لم تكن مجرد موروث اجتماعي، بل بنية حيوية ساهمت في تنظيم العلاقات، وحلّ النزاعات، ومنع التدهور الأخلاقي والاجتماعي، وحفظ الأمن.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
يتناول هذا التقرير بالدراسة والتحليل دور الأعراف القبلية في اليمن في بناء وتحصين المجتمع، مستعرضًا كيف ساعدت هذه الأعراف في حفظ النسيج الاجتماعي، ودرء النزاعات، وحماية الممتلكات العامة، ومقاومة التبعية للخارج، وكيف تفاعلت هذه الأعراف مع الخطاب القرآني، فوجدت فيه إطارًا مرشدًا وداعمًا لقيم العدل والتكافل والشورى.
كما يستعرض التقرير كيف أن المسيرة القرآنية كمشروع فكري وثقافي واجتماعي عملت على إعادة توجيه الأعراف القبلية اليمنية نحو الرشد والانضباط، من خلال تعزيز القيم الإيجابية فيها، ومواجهة مظاهر الانفلات التي شوّهت الصورة الأصيلة للقبيلة، وتفعيل دور القبائل في التصدي للعدوان الخارجي وإسقاط مشاريع العمالة والارتهان السياسي.
جذور الأعراف القبلية في اليمن تاريخياً
تعود جذور الأعراف القبلية في اليمن إلى آلاف السنين، حيث كانت القبيلة هي الإطار الحاكم والإداري قبل ظهور الدول المركزية، وتولّت تنظيم شؤون الحياة اليومية من الأمن والقضاء إلى إدارة المياه والزراعة والموارد المشتركة، وقد أسّست ممالك اليمن القديمة مثل سبأ وحمير ومعين منظومات قانونية ذات طابع قبلي تم نقشها في المسند اليمني القديم، ما يشير إلى قدم الفكرة المؤسسية للقبيلة.
ومع مجيء الإسلام، لم يلغِ هذه الأعراف بل أعاد توجيهها وفق قيم العدل والرحمة والحق، فصارت الأعراف تخضع لموازين الشرع وتُوظَّف في خدمة الإصلاح المجتمعي في كل مناحي الحياة ، وهو ما منح القبيلة في اليمن دورًا مزدوجًا من كونه حارسًا للقيم الموروثة، وحاملاً للمشروع الديني والمجتمعي معًا.
دلالة الأعراف القبلية في القرآن الكريم
القرآن الكريم تناول الأعراف بوصفها مجموعة من القيم والمعايير التي تفصل بين الخير والشر، وتضبط السلوك الاجتماعي، وتوفر إطارًا للحفاظ على النظام الأخلاقي والاجتماعي، قال تعالى : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) ، والعرف مصطلح يشير إلى حدود التوازن بين الناس التي تؤكد على أهمية القوانين والقيم الاجتماعية.
وقد تم توجيه المجتمع القبلي اليمني عبر هذه الآية الكريمة إلى الالتزام بالقيم التي تحافظ على الأمان والاستقرار، ما يجعل الأعراف القبلية جزءًا لا يتجزأ من منظومة القيم الإسلامية، وليس مجرد عادات متوارثة.
وظيفة الأعراف في حفظ التوازن والنسيج الاجتماعي
في اليمن، صارت الأعراف القبلية مصدراً من مصادر تنظيم العلاقات الاجتماعية، فهي تحافظ على التوازن بين العائلات والقبائل عبر آليات مثل “التحكيم القبلي” و”الديات الجماعية”، ما يمنع تصاعد النزاعات ويقلل من ظاهرة الثأر العشوائي.
وتُعزز الأعراف مفهوم المسؤولية الجماعية بحيث يتحمل أفراد القبيلة مسؤولية ما يقع على أحد أعضائها، وهذا يدفع القبائل إلى مراقبة سلوك أفرادها والالتزام بالقوانين القبلية، ما يضمن حفظ النسيج الاجتماعي واستمرارية التماسك.
دور الأعراف في مقاومة التبعية والعمالة للخارجشهدت اليمن موجات هجرة عمالية للخارج بحثًا عن فرص العمل، إلا أن الأعراف القبلية لعبت دورًا في الحد من هذه الظاهرة من خلال شبكة التكافل والتعاون القبلي، فالقبيلة توفر مظلة اقتصادية واجتماعية لأفرادها فتقلل من الحاجة إلى الهجرة.
كما أن الأعراف تعزز القيم الوطنية والرفض لأي أشكال من التبعية أو الاستغلال الخارجي، ما يجعل المجتمع القبلي حائط صد أمام مشاريع العمالة والإرتهان التي تهدف إلى تفكيك المجتمع.
إسهام المسيرة القرآنية في ترشيد الأعراف القبليةعملت المسيرة القرآنية على توجيه المجتمع اليمني لإحياء القيم الإسلامية، وساعدت في تصحيح بعض مظاهر الانحراف داخل الأعراف القبلية، إذ أعادت ربط العرف بالشرع من خلال تعزيز مبادئ العدالة والرحمة والتكافل.
وقد ساعد ذلك على استعادة دور التحكيم والصلح ضمن إطار شرعي يقبل به الجميع، ويمنع الاستغلال السياسي أو العنف المفرط تحت غطاء العرف ، وشجعت على كل الأعراف القيمية المرتبطة بالهوية الإيمانية اليمنية وعملت على تعزيزها بصورة مركزة وفاعلة ومؤثرة .
نماذج تطبيقية من الواقع اليمني
التحكيم القبلي في نزاعات الأراضي والدماء أسهم في وقف نزيف الثأر الذي قد يؤدي إلى صراعات طويلة الأمد.
الديات الجماعية (الغرم) ساعدت في توفير التعويضات بشكل منظم وحفظ الأمن بين القبائل.
قرارات تقليدية فرضت وقوف القبائل ضد هجرة الشباب العشوائية إلى الخارج واحتواء مطالبهم المعيشية من منظور تكافلي .
النكف القبلي الذي يعتبر نموذجاً عملياً راقياً للأعراف الأصيلة النابعة من منهج القرآن والتي كان لها الأثر البالغ في التصدي لكل مؤامرات الأعداء .
خصوصية الأعراف القبلية في اليمن ودورها في حفظ النسيج الاجتماعيالأعراف القبلية في اليمن تتميز بخصوصيات فريدة، وفي مقدمتها الهوية والانتماء القوي الذي يحمي الأفراد من التشتت والانزلاق نحو العنف أو العمالة ، وكذلك قدمت الأعراف العدالة السريعة عبر آليات التحكيم التي تضمن حلولاً عادلة وفورية لضمان حفظ الأمن والسلم الأهلي ، وكانت الأعراف عنواناً للمسؤولية الجماعية التي تحفز القبيلة على مراقبة الأفراد، وعززت من دور المشايخ كحماة للعدل والكرامة ضمن منظومة شرعية وعرفية ، وهي أساس لتعزيز قيم الكرم والفزعة والتكافل التي تشكل شبكة أمان اجتماعية اقتصادية.
دور الأعراف في مواجهة العدوان وحماية الممتلكات العامة
شَكّلت القبائل اليمنية جبهات دفاعية رئيسية في مواجهة العدوان، حيث حافظت على خطوط الإمداد وحمت الممتلكات العامة، ورغم محاولات بعض الأطراف تعطيل دور الشيوخ، ظلّت الأعراف تعمل كقوة حفظ للسلم الأهلي واستقرار المجتمعات المحلية.
إشادة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي بالأعراف القبلية
لقد كرّس السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله في العديد من خطاباته أهمية ودور الأعراف القبلية في اليمن باعتبارها ركيزة أساسية لحفظ التماسك الاجتماعي والتصدي لمؤامرات الأعداء التي تستهدف تفكيك المجتمع اليمني ، حيث أكد السيد القائد في خطابات عدة أن الأعراف القبلية تمثل جدار الصد الأول أمام محاولات الهيمنة والتدخل الأجنبي، فهي التي تحافظ على الهوية الوطنية وتحمي المجتمع من الانزلاق نحو العمالة والتبعية، ودعا إلى تعزيز هذه الأعراف، وتفعيل دورها بشكل رشيد وفق المبادئ الإسلامية الأصيلة ، مؤكداً إن القبائل اليمنية بمشايخها وأفرادها هم القلعة الحصينة التي تصدت وتتصدى لكل محاولات العدوان والإرهاب والتقسيم، مشددًا على أن وحدة القبيلة ووحدتها الاجتماعية والالتزام بالأعراف هي التي أنقذت اليمن من مخططات الأعداء
كما شجع السيد القائد يحفظه الله ، على تجسيد مفهوم الصلح والوفاق القبلي كأساس لبناء القوة الاجتماعية والسياسية، مؤكدًا أن الأعراف ليست عائقًا، بل هي مصدر قوة وحكمة في مواجهة المخاطر التي تواجه اليمن. وأوضح أن المسيرة القرآنية تهدف إلى ترشيد الأعراف بما يخدم وحدة المجتمع ورفعة الوطن، ويرسخ قيم العدالة والرحمة بين أفراد القبيلة
خاتمة :تظل الأعراف القبلية في اليمن، المدعومة بالقيم القرآنية، أكثر من مجرد موروث ثقافي؛ فهي شبكة أمان اجتماعية حيوية تحمي النسيج الاجتماعي من الانهيار، وتُسهم في حفظ التوازن والاستقرار في مجتمع يواجه تحديات سياسية وأمنية كبيرة. وقد برهن الواقع والتاريخ على أن هذه الأعراف، عندما تُدار بحكمة وبما يتوافق مع الشرع الإسلامي، تُمثل صمام أمان ضد مخططات العمالة، والارتهان الخارجي، والعدوان ، كما أكدت إشادات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله أن تعزيز الأعراف القبلية وترشيدها هو طريق ضروري لحماية اليمن واستعادة عزته واستقلاله، وهو جزء من مسيرة قرآنية تسعى لبناء مجتمع قوي متماسك قادر على مواجهة كافة التحديات.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المسیرة القرآنیة النسیج الاجتماعی السید القائد هذه الأعراف الأعراف فی ت الأعراف فی حفظ
إقرأ أيضاً:
هيئة الرعاية الأسرية.. نموذج رائد في تقديم الدعم المجتمعي واستدامة التعافي
تعد هيئة الرعاية الأسرية في أبوظبي نموذجاً ريادياً في مجال الدعم المجتمعي واستدامة التعافي حيث تسعى إلى تمكين الأسر وتعزيز التماسك المجتمعي من خلال مجموعة شاملة من البرامج والخدمات المتخصصة بما في ذلك الرعاية اللاحقة للمتعافين من الإدمان.
وتجسد الهيئة رؤية شاملة في التمكين الأسري والاجتماعي، حيث لا تقتصر خدماتها على التدخل العلاجي فقط بل تمتد إلى ضمان استدامة النتائج وتعزيز مفهوم الوقاية المجتمعية وذلك في اطار حرصها على تكامل الأدوار بين الأسرة، والهيئة، والمجتمع .
وحول أهم خدمات الرعاية اللاحقة التي تقدمها الهيئة قالت سلامة العميمي المديرة العامة لهيئة الرعاية الأسرية إن برامج التأهيل النفسي والاجتماعي تلعب دورًا جوهريًا في ترسيخ استقرار المتعافين بعد العلاج من الإدمان، حيث توفر الهيئة نموذجًا متكاملًا يجمع بين الدعم العلاجي، والنفسي، والاجتماعي فبعد انتهاء مرحلة إزالة السمّية، ينتقل المستفيد بعدها إلى برنامج "بيوت منتصف الطريق" حيث يعيش المتعافي في بيئة علاجية شبه مستقلة تساعده على الانتقال التدريجي من مركز العلاج إلى حياته العادية.
وأضافت في هذا السياق ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الجديدة التي أطلقتها الهيئة وهي "خدمة الرعاية اللاحقة" التي تستمر عاما كاملا، وتشمل جلسات للعلاج النفسي الفردي والجماعي، وجلسات الدعم النفسي الأسري، والفحوصات الدورية مشيرة إلى أن هذه البرامج تعزز ثقة المتعافي بنفسه، وتعمل على إعادة بناء مهارات التواصل والتعامل مع الضغوط اليومية، إلى جانب تنمية الوعي الذاتي والانضباط السلوكي، مما يقلل احتمالية الانتكاسة، ويزيد فرص الاندماج الناجح في المجتمع كما تتنوع الأنشطة ضمن البرامج لتشمل التمارين الرياضية، والعلاج بالفن، والتأمل الذهني، مما يسهم في تكامل الصحة النفسية والسلوكية.
وأشارت إلى أن أحد أبرز التحديات التي تظهر خلال مرحلة المتابعة بعد العلاج صعوبة إعادة التأقلم في محيط الأسرة والمجتمع، خاصة في ظل وجود وصمة اجتماعية تجاه الإدمان وقد تعاني بعض الأسر من عدم تقبّل الشخص المتعافي بسبب تجارب سابقة أو خوف من الانتكاسة، مما قد يؤثر على استقرار المتعافي نفسيًا ويجعله عرضة للعزلة.
وأضافت " كما أن بعض المتعافين يفتقدون إلى الدعم الاجتماعي لهذا جاءت خدمة "الرعاية اللاحقة" التي تسعى الهيئة من خلالها إلى دعم المتعافين داخل عائلاتهم عبر برامج التأهيل النفسي والأسري، والزيارات الميدانية، وتوفير بيئة انتقالية داعمة تتيح التدرج في العودة إلى الحياة الطبيعية".
أخبار ذات صلة
وقالت العميمي إن جهود المتابعة تشمل برامج الدعم النفسي المتكاملة على المستويين الفردي والأسري، حيث تُقدم الهيئة جلسات للإرشاد النفسي للأفراد لمساعدتهم على التعامل مع ضغوط الحياة بعد العلاج، بالإضافة إلى جلسات توعوية وتثقيفية للأسر وقد أظهرت التجربة العملية أن استجابة الأسر لهذه البرامج مشجعة، لا سيما عند توافر بيئة توعوية آمنة تشجع الأسرة على الانخراط في عملية التعافي.
ولفتت إلى أن حالات الانتكاسة واردة ومن أبرز أسبابها عدم توفر الدعم الأسري الكافي، أو التعرض لضغوط نفسية أو اجتماعية مفاجئة، أو العودة إلى بيئة سابقة تحفّز على التعاطي، أو غياب متابعة علاجية منتظمة بعد الخروج من مركز العلاج مشيرة إلى أن الهيئة تعمل على تقليل هذه الحالات من خلال توفير برامج متابعة طويلة الأمد، وخدمات دعم نفسي مستمرة، وخطط لإعادة الدمج المجتمعي وتعمل الهيئة أيضًا على تسهيل إعادة الاندماج المجتمعي من خلال التعاون مع جهات العمل والتعليم لتوفير فرص مهنية وتعليمية مناسبة.
وقال إن الهيئة تسعى إلى معالجة التحديات عبر حملات توعوية وتثقيفية تهدف إلى تغيير الصورة النمطية عن الإدمان وتشمل خطوات إعادة الدمج، ـ برامج التدريب المهني، ودورات المهارات الحياتية، والمتابعة المستمرة مع المستفيدين لتوجيههم نحو الفرص التعليمية أو الوظيفية التي تتناسب مع قدراتهم واهتماماتهم كما يتم التنسيق مع شركاء من القطاعين الحكومي والخاص لتوفير فرص تدريب أو عمل، وضمان وجود بيئة داعمة للمتعافين.
يذكر أن هيئة الرعاية الأسرية، إحدى الجهات التابعة لدائرة تنمية المجتمع تهدف إلى المساهمة في حوكمة وتنظيم القطاع الاجتماعي في إمارة أبوظبي، ومساعدة المجتمع على تكوين أسر مستقلة ومستقرة، من خلال توفير خدمات متكاملة للأسر وأفرادها وإدارة حالاتهم بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين.
وتم توسيع دائرة مهام هيئة الرعاية الأسرية عملاً بقرار المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي رقم 9 لسنة 2024، عبر ضم اختصاصات خدمات الإيواء والرعاية الإنسانية، وبرامج إعادة تأهيل وتمكين ضحايا العنف والإتجار بالبشر.
المصدر: وام