أن تقرر إسرائيل بعد أحد عشر شهرا من عملية "طوفان الأقصى" رفع مستوى الحرب ضد "حزب الله" بشكل عنيف جدا، فهذا يعني أن ثمة قرار إسرائيلي اتخذ للتركيز على الجبهة الشمالية، بعدما حققت إسرائيل جزءا كبيرا من أهدافها في غزة، إن كان على مستوى البنى التحتية المدنية، أو على مستوى البشر، أو على مستوى قدرات المقاومة.
غير أن عبارة التركيز على "حزب الله" عبارة فضفاضة ولا توضح حقيقة الاستراتيجية الإسرائيلي حيال الحزب.
من المهم معرفة الفارق الرئيسي بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وبين "حزب الله"، وأيضا معرفة الفارق بين جغرافية قطاع غزة وجغرافية جنوبي لبنان، ومن هذا الاختلاف تختلف المقاربة الاستراتيجية لإسرائيل بين الجنوب والشمال.
ثمة قرار دولي بمنع إسرائيل من تدمير البنى التحتية للبنان كما حدث في قطاع غزة، وبالتالي الحيلولة دون تحويل لبنان إلى ساحة حرب إقليمية، قد تؤدي إلى حرب أهلية.فيما يتعلق بقطاع غزة، لن تسمح إسرائيل بتكرار سيناريو السابع من أكتوبر الماضي، وحتى يتحقق هذا الهدف، ليس المطلوب تدمير القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية فحسب، بل تدمير كامل قطاع غزة، لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
ـ تدمير المقاومة عسكريا بما يؤدي إلى إضعافها سياسيا ما يساعد على إنشاء يوم تال لا تكون فيه "حماس" جزءا من معادلة حكم القطاع، أو على الأقل طرفا بين أطراف أخرى.
ـ إجبار العديد من سكان القطاع على مغادرته بما يخفف من الثقل الديمغرافي في القطاع.
ـ إحداث حالة رعب في قلوب حكام القطاع ومحكوميه من عدم التفكير مرة أخرى بعملية تشبه عملية "طوفان الأقصى".
ساعدت ثلاثة عوامل إسرائيل في سهولة عملياتها العسكرية إلى حد ما:
ـ الحصار الإسرائيلي المُطبق على القطاع، ما جعل إمكانية حصوله على أسلحة أكثر تطورا مسألة تكاد تكون مستحيلة.
ـ غياب عمق استراتيجي لقطاع غزة يشكل سندا خلفيا له في حالات الأزمات.
ـ طبيعة الأرض المنبسطة جغرافيا، الأمر الذي سهل عملية التوغلات العسكرية.
في جنوبي لبنان يختلف الأمر كثيرا، على مستوى الجغرافيا والخبرة والمعادلة الإقليمية ـ الدولية، ما يجعل المقاربة الاستراتيجية الإسرائيلية أو الأهداف الإسرائيلية مختلفة عما هي في قطاع غزة.
ـ طبيعة الأرض جبلية، الأمر الذي يجعل تنفيذ اجتياح عسكري بري أصعب مقارنة بقطاع غزة.
ـ وجود عمق استراتيجي لـ "حزب الله" متمثلا بطرق الإمداد العسكري واللوجستي من سوريا التي أصبح الوجود الإيراني فيها حاضرا بقوة.
ـ امتلاك عناصر الحزب خبرات قتالية ميدانية عالية امتلكوها خلال قتالهم في سورية على مدار سنوات.
ـ الوضع السكاني الإسرائيلي في الشمال، حيث المدن والقرى والبلدات شبه خالية، ما خلق عامل ضغط شعبي كبيرة على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء الحرب على الجبهة الشمالية.
هذه المعطيات جعلت الأهداف الإسرائيلية في الشمال تختلف عن الجنوب (قطاع غزة):
ـ ثمة قرار دولي بمنع إسرائيل من تدمير البنى التحتية للبنان كما حدث في قطاع غزة، وبالتالي الحيلولة دون تحويل لبنان إلى ساحة حرب إقليمية، قد تؤدي إلى حرب أهلية.
إذا ما رفض الحزب الانسحاب من جنوبي الليطاني، فسيكون أمام خيار توسيع إسرائيل للحرب، على مستوى القصف والاغتيالات وعلى صعيد العمل البري، إذ ستكون إسرائيل مضطرة للقيام باجتياح بري محدود لجعل منطقة جنوبي الليطاني منطقة آمنة، وهذا يعني وجود قوة عسكرية إسرائيلية شبه مستدامة، أي العودة إلى مرحلة ما قبل العام 2000.ـ يُختزل الهدف الإسرائيلي في جنوبي لبنان بابتعاد "حزب الله" عن جنوبي الليطاني باتجاه الشمال، وانتشار الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" في المنطقة ما بين الحدود (الخط الأزرق) وجنوب النهر التي تبلغ في الحد الأقصى 28 كيلومترا في القطاع الأوسط، و 6 كيلومترات في أقصى القطاع الشرقي.
إذا ما تحقق الهدف الثاني خلال المشاورات التي تُجرى الآن في الأوساط الدولية، فإن الحرب في الشمال قد تتوقف، غير أن المسألة معقدة، فقبول الحزب بهذا الشرط، يعني في النهاية هزيمة سياسية إلى جانب الهزيمة العسكرية القاسية، وسيكون لهذا نتائج هامة على صعيد الحزب، سواء في بيئته اللبنانية أو بيئته العربية، ذلك أن انسحابه من هذه المنطقة التي يشكل فيها الشيعة نحو 75 % من مجمل السكان سيجعل خاصرته الجنوبية رخوة.
وإذا ما رفض الحزب الانسحاب من جنوبي الليطاني، فسيكون أمام خيار توسيع إسرائيل للحرب، على مستوى القصف والاغتيالات وعلى صعيد العمل البري، إذ ستكون إسرائيل مضطرة للقيام باجتياح بري محدود لجعل منطقة جنوبي الليطاني منطقة آمنة، وهذا يعني وجود قوة عسكرية إسرائيلية شبه مستدامة، أي العودة إلى مرحلة ما قبل العام 2000.
بضرباتها العسكرية والأمنية والبشرية الموجهة للحزب، استطاعت إسرائيل قلب المعادلة في الشمال رأسا على عقب: دخل "حزب الله" المعركة لنصرة غزة ولتخفيف الضغط عليها، ولكن بسبب اعتماده قواعد الاشتباك الإسرائيلية المستخدمة في سوريا (المعركة بين الحروب)، لم يفشل الحزب في تحقيق الهدف الثاني المتمثل بتخفيف العبء على غزة فقط، بل وضع الجنوب اللبناني على حافة الحرب الحقيقية دون امتلاك مقومات هذه الحرب.
في الختام ثمة سيناريوهان:
الأول، قبول الحزب طوعا بالانسحاب من جنوبي الليطاني مع التكاليف السياسية الباهظة.
الثاني، عملية عسكرية إسرائيلية تجبره على الانسحاب، وهو ما يحظى اليوم بشبه إجماع إسرائيلي، خصوصا بعد توصية لجنة التحقيق الإسرائيلية عام 2008 (لجنة فينوغراد) بأن القصف الجوي حيال "حزب الله" غير كاف لتحقيق النتائج الاستراتيجية المرجوة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية لبنان لبنان احتلال فلسطين رأي ضربات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جنوبی لبنان على مستوى فی الشمال قطاع غزة حزب الله
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تعلن القضاء على قائد "وحدة صاروخية" في "حزب الله"
أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، القضاء على قائد وحدة صاروخية في حزب الله جنوبي لبنان.
وقال الناطق باسم الجيش، أفيخاي أدرعي، في تغريدة عبر منصة إكس، إن الجيش الإسرائيلي "هاجم في منطقة دير الزهراني في جنوب لبنان، وقضى على الإرهابي المدعو محمد علي جمول، قائد الوحدة الصاروخية في قطاع الشقيف في حزب الله الإرهابي".
وأوضح أفيخاي أن جمول "دفع بمخططات إطلاق قذائف صاروخية عديدة نحو الجبهة الداخلية في إسرائيل وقوات الجيش، وفي الآونة الأخيرة تورط في محاولات إعادة إعمار بنى تحتية إرهابية تابعة لحزب الله في المنطقة".
واعتبر أدرعي أن "أنشطة المدعو محمد علي جمول شكلت خرقا فاضحا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان".
وكانت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام قد قالت في وقت سابق من اليوم السبت: "نفذت مسيرة إسرائيلية فجر اليوم عدوانا جويا في بلدة دير الزهراني ما أدى إلى مقتل شاب".
وأشارت إلى أنه "سبق الاستهداف تحليق لافت ولأول مرة في هذا العمق، لمروحيات إسرائيلية من نوع أباتشي في أجواء المنطقة".
وتشنّ إسرائيل غارات في جنوب لبنان وشرقه وفي الضاحية الجنوبية لبيروت رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ تنفيذه في 27 نوفمبر الماضي، كما لا تزال قواتها متواجدة في خمس نقاط في جنوب لبنان.