النظام الإسرائيلي يبلغ سكان جنوب بيروت بالاخلاء الفوري
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
بغداد اليوم -
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
برج حمود في بيروت.. زيارة إلى أرمينيا الصغيرة
بيروت ـ في الزاوية الشرقية من بيروت حيث يخفّ صخب الكورنيش وتبهت ملامح الأبراج الزجاجية، تبدأ الحكاية، حكاية حيّ لا يشبه غيره، اسمه "برج حمود".
حي يبدو لأول وهلة كأنه خارطة متشابكة من أزقة ضيقة ومحال بسيطة وأرصفة لا تهدأ، لكنه في الحقيقة قطعة صغيرة من أرمينيا نسجت فوق تراب لبنان، بكل ما تحمله من ذاكرة ولغة وحِرفة.
هنا، لا تحتاج لأن تسأل عن الأرمن، فكل حجر في المكان يجيبك بلغته. واجهات المتاجر تومض بأحرف أرمنية، ورائحة "السجق" و"الباستيرما" تتسلل من الأفران الشعبية، والذهب يلمع في واجهات الورش الصغيرة، وكأنه يحكي قصص المهجرين الذين جاؤوا بالحرف من مرعش، وعاشوا للدهر.
منذ أن خط الأرمن أول متجر صياغة في برج حمود تغيّر شكل الذهب في لبنان. أصبح أكثر دقة، أكثر صبرا، وأقرب إلى التحف الفنية منه إلى الحلي. عشرات الورش تتراص في الحي كحبات السبحة، كل واحدة منها تحكي سيرة عائلة توارثت المهنة كأنها إرث مقدّس.
صياغة الذهب هنا ليست مهنة عابرة، بل حرفة تتنفس اللغة الأرمنية وتشتغل على نبض الذاكرة. لا غرابة إذن أن يقصد اللبنانيون، وبعض السياح أيضا، برج حمود بحثا عن "قطعة أرمنية"، كأنها توقيع فني على الجسد.
"مرعش" في قلب بيروتفي أزقة الحي تسمع كثيرا عبارة "Bari Galust Sireli" أي "تفضل عزيزي"، وكأنها المفتاح السري للعبور إلى عالم من الحرفية.
الأرمن في برج حمود لم يندمجوا فقط في النسيج اللبناني، بل نسجوا فيه خيوطا خاصة بهم، ملونة كالأقمشة الأرمنية المطرزة، ومتقنة كحُليّهم الدقيقة.
تتفرع الأزقة وتتداخل، حتى تصل إلى شارع اسمه "مرعش". الاسم وحده كفيل بإيقاظ الذاكرة، مرعش (Մարաշ) المدينة التي كانت ذات يوم مركزا حضاريا في السلطنة العثمانية، أصبحت اليوم اسما لشارع يحمل نبض التاريخ الأرمني في قلب بيروت.
إعلانهناك تحت أضواء خافتة تجد مشاغل حرفيين لم يغادروا المهنة منذ أجيال، ولا يزالون يطرقون المعدن وكأنهم يطرزون حكاياتهم الخاصة.
في أحد زوايا الحي، يعمل النحات اللبناني الأرمني أشود تازيان داخل مشغله الصغير، حيث تتحول الأخشاب والأحجار إلى منحوتات بديعة، ورشته ليست مكانا للعمل فقط، بل متحفا صغيرا يتنفس إرثا جماعيا بكثير من السكون والعمق.
حين يصبح الشتات نكهةلكن لا تكتمل حكاية برج حمود دون أن تتوقف عند المذاق، ففي كل شارع تقريبا فرن قديم، أو مطبخ عائلي، أو محل صغير تفوح منه رائحة اللحوم المتبلة بالبهارات الأرمنية، "لحمة بعجين" تُخبز على طريقة الجدة، و"المعكرونة باللبن والثوم" تُطهى كأنك في بيت أرمني وسط يريفان عاصمة أرمينيا.