قصة شاب سوداني يرمم منازل المتضررين من الحرب مجانا
تاريخ النشر: 4th, October 2024 GMT
لم يكن عثمان عوض الله، الشاب السوداني، يتوقع قبل 17 شهرا أن حياته ستتغير بشكل جذري، وأن جميع خططه المستقبلية التي رسم لها العديد من الاحتمالات ستتبدد فجأة.
عثمان الذي يسبق اسمه في عروض العمل بـ"مهندس" يقول إنه درس الهندسة المعمارية، بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، كان يحلم بجمع المزيد من العاملين في مجال المعمار لأجل التوسع، وخوض المزيد من أعمال البناء والتشييد والتشطيب الخارجي والداخلي، لكن فجأة انتهى كل شيء، اندلعت الحرب وصارت الدانات تتطاير فوق الرؤوس، وتخترق المنازل، فقتلت أكثر من 20 ألف سوداني، وهي الأعداد المعلنة حتى الآن، بينما الأعداد الحقيقية بحسب أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أكبر من ذلك بكثير.
وجد عثمان نفسه وسط معاناة وأزمة عاصفة، وحجم دمار لم يره في حياته، فقرر الشاب ذو الـ26 عاما تغيير الخطة، لينتقل من أعمال البناء إلى أعمال "الترميم" والتي قرر أن يكون بعضها مجانيا للأسر غير القادرة، فيما راح يدعو مزيدا من الشباب للانضمام إليه من أجل توفير الخدمة للأسر غير القادرة، وتوفير العمل لمزيد من الشباب حوله.
الدانات هي المشكلة الكبرىلم تسلم مدينته أم درمان من الدمار، الذي لم يطل فقط المستشفيات الرسمية، ولكنه طال حتى الأحياء القديمة، ومنازل الجيران، ومع بدايات فصل الشتاء بدا أن الخرق يتسع على الراتق في كثير من المنازل التي لا يملك أصحابها كلفة ترميمها، وإن امتلكوا فهم لا يجدون أجرة من يرممها، هكذا حاول عثمان عوض الله الذي تعلم صنعة تركيبات السيراميك والجبس من والده، أن يهب جزءا من جهده للتبرع بإصلاح منازل المواطنين غير القادرين الذين تضررت منازلهم بسبب الحرب، هكذا أعلن عبر مجموعات السودانيين بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" عن خدماته للراغبين، وأيضا نشاطه لمن يريد الانضمام إليه.
يقول للجزيرة نت "الدنيا كانت صعبة جدا، تحول كل شيء في مدينتي، ورأيت معاناة أهل المنازل التي تهدمت، التضرر الأكبر في معظم البيوت هو من أثر الدانات التي كانت تسقط فوق المنازل بشكل عشوائي، فتصيب من تصيب وتقتل من تقتل لكنها في الوقت نفسه، إن تفعل هذا أو ذاك تترك أثرا ضخما في سقف البيت الذي لا يعود يستر أهله بعد ذلك، لذا أردت استغلال تخصصي ومجال عملي وعرضت مساعدتي للأسر المتضررة التي لا تملك ترميم منازلها".
وسط أزمة اقتصادية خانقة، نجح عثمان في جمع 12 شابا للعمل معه، حيث قاموا بترميم 4 منازل حتى الآن، بجانب محاولاتهم المستمرة لتوفير قوتهم اليومي. يقول عثمان "المنازل الأربعة تقع في مدينة أم درمان، لكن في مناطق متفرقة؛ اثنان منها في حي الثورة، واحد في الجزيرة إسلانج، وآخر في كرري. هذه المناطق أصبحت آمنة الآن وتحت سيطرة الجيش بعد تحريرها".
تعرضت المنازل الأربعة لأضرار جسيمة بسبب سقوط القذائف والشظايا، خاصة على الأسقف. يوضح عثمان: "القذائف كانت تسقط أحيانا على الأسقف، وأحيانا أخرى على الأسوار مما أدى إلى هدمها. لذلك كان عملنا يركز على إصلاح الأسقف، سواء من الأعلى أو من الأسفل، بالإضافة إلى ترميم الشقوق في الجدران الناتجة عن القصف. كما قمنا بإعادة بناء سور أحد المنازل لعائلة كبيرة كانت في وضع صعب للغاية، حيث اشترينا الطوب وأعدنا بناء السور حتى استعاد شكله الأصلي".
لم تكن أوضاع أصحاب المنازل الأربعة متشابهة، فالبعض كان قادرا على توفير مواد البناء لكنه لم يكن يملك المال اللازم لأجر العمال، في حين لم يكن البعض الآخر يملك أيا منهما. ورغم ذلك، ساهم الجميع بما استطاعوا. يقول عثمان "أكملنا تأمين مواد البناء لبعض الأسر، ولم يبخلوا علينا بالطعام والشراب خلال فترة العمل. لقد أنهينا ترميم المنازل، لكن ما زالت هناك قائمة طويلة من الأسر التي تحتاج إلى ترميم عاجل".
ارتفاع أسعار الخامات والحاجة إلى الشبابيشير عثمان إلى أنه لن يتمكن من الاستمرار بمفرده، لذا يواصل دعوة الشباب السوداني للتبرع بالجهد والخبرة، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. يقول "أسعار الخامات ارتفعت بشكل مخيف، فمثلا قفز سعر طن الأسمنت من 200 ألف جنيه سوداني قبل الحرب إلى 400 ألف جنيه الآن".
وعلى الرغم من التقارير الرسمية التي توثق الخسائر البشرية والمادية، لم يصدر حتى الآن إحصاء دقيق لعدد المنازل المتضررة أو تكلفة إصلاحها وإعادة إعمارها. يحتفظ عثمان على هاتفه القديم بعدد كبير من الصور للمنازل المتضررة، سواء تلك التي انهارت بالكامل أو تعرضت لتلفيات كبيرة أو صغيرة. تختلف تكلفة الإصلاح من منزل لآخر بناء على حجم الأضرار، وكذلك تختلف قدرات الأسر في تغطية التكاليف. وبينما تمكن البعض من إصلاح منازلهم، ما زال آخرون يعانون من موجات البرد القاسية. يعرب عثمان عن أمله في أن تكون هناك جهود أكثر تنظيما لإعادة الإعمار، متمنيا أن يعود السودان أفضل مما كان عليه قبل الحرب
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
تحمل اسمه للأبد.. على ماذا يراهن ترامب بشأن خطة غزة؟
واشنطن- تسارعت الأحداث منذ طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب "خطة إنهاء الحرب في غزة" في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، وصولا إلى حضوره مراسم التوقيع الرسمي عليها المقررة اليوم الاثنين بمدينة شرم الشيخ المصرية.
وطُرحت أسئلة عدة حول دلالات عقد قمة دولية في مصر بمشاركة زعماء 20 دولة، وإذا ما كان ذلك مؤشرا على جدية الاتفاق ولدعم فرص استمراره، أم أنه مجرد احتفال بشخص ترامب إرضاء لغروره بعد نجاحه بوقف النار.
وتعد رحلة ترامب السريعة إلى إسرائيل والقاهرة -جزئيا- انتصارا شخصيا له، بعد بدء تنفيذ اتفاق غزة الذي اقترحه ووافق عليه مختلف الأطراف.
خطوة واحدة
وفور تحرك الطائرة الرئاسية "إير فورس وان" (AirForce1) من قاعدة أندروز المشتركة قرب واشنطن في اتجاه تل أبيب، قال ترامب للصحفيين المرافقين إن "الحرب قد انتهت" بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ولم يتفق آرون غورين الخبير بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، المعروفة بقربها من المواقف الإسرائيلية، مع قول ترامب إن الحرب توقفت، ورأى أن تل أبيب وحماس اتفقتا فقط على هدنة المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأميركي المكونة من 20 نقطة.
وكتب في تقدير موقف له على موقع المؤسسة "لا تزال هناك حاجة إلى التفاوض على المراحل التالية في خطة وقف إطلاق النار، بما في ذلك أسئلة حول ما إذا كانت حماس ستنزع سلاحها، وما إذا كانت ستلعب دورا في حكم القطاع في المستقبل. من جهة أخرى، لم تتعهد إسرائيل بالانسحاب الكامل من أراضي غزة حتى الآن".
واعتبر غورين أن "وقف إطلاق النار الجاري الآن هو مجرد خطوة واحدة نحو سلام دائم. ومع إطلاق سراح الرهائن، يجب مواصلة المفاوضات لتنفيذ خطة إدارة ترامب بالكامل، مع احتمال ظهور نقاط شائكة بين إسرائيل وحماس على طول الطريق".
ومن المرجح أن تركز المحادثات الجارية في مصر على خطوات عملية لاحقة، وبالنظر إلى فجوات الثقة الغائبة والكبيرة بين تل أبيب والحركة، سيتطلب ذلك اهتماما بالتفاصيل والتركيز من الوسطاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
إعلانوبما أن ترامب وإسرائيل يتوقعان من العديد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية أن يتكفلوا بالمال والدبلوماسية، وربما قوات أمن، فمن المفترض أن يكون لهذه الدول بعض النفوذ لتشكيل مسار المفاوضات حول عناصر خطة الرئيس الأميركي.
من جهته ذكر جاكوب أوليدورت، المسؤول السابق بإدارة ترامب الأولى والخبير بمعهد أميركا أولا للسياسات، أن الخطة مهمة، وتنبع الأهمية الخاصة لمرحلتها الأولى من موافقة الحركة على إعادة جميع المحتجزين. ويمثل هذا تحولا رئيسيا في مسار الحرب، "إذ ستكون حماس قد تنازلت عن شريان الحياة السياسي الأخير لها، مما يجعلها غير ذات أهمية تقريبا".
وأضاف في مشاركة له على موقع المعهد "بسبب قيادة إدارة ترامب، عادت رواية السلام بدلا من رواية الحرب، وهذه المرة، مع عدم أهمية إيران أو وكلائها، ليس للسلام معارضة ذات مغزى الآن، ولا يوجد بديل له حاليا".
بينما اعتبر فريد فليتز، الخبير بالمعهد نفسه، أن "خطة ترامب للسلام جريئة وقد لا تنجح في النهاية. وهناك عمل يتعين القيام به لوضع اللمسات الأخيرة على مراحل أخرى من هذا الاتفاق. ومع ذلك، من الصعب المبالغة في أهمية موافقة إسرائيل وحماس على المرحلة الأولى الحاسمة".
وأضاف فليتز "خطة السلام المكونة من 20 نقطة هي تحفة فنية لأنها اكتسبت دعما عربيا وإسرائيليا ووفرت طريقة لإنهاء الحرب بموافقة حماس أو من دونها. إذا رفضتها الحركة فلن يكون لديها مكان تذهب إليه، وإعادة بناء قطاع غزة وإدارة جديدة ستحدث بدونها"، وأكد أن "أحداث هذا الأسبوع في الشرق الأوسط تعد دليلا إضافيا على أن ولاية ترامب الثانية تثبت أنها رئاسة تاريخية حقا".
وفي مشاركة له على موقع المعهد، قال روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إنه "رغم أن دخوله إلى البيت الأبيض كان مقرونا برغبة في تقليص التزامات أميركا في الشرق الأوسط، فإن ترامب الآن قد تبنى التزاما ضخما: خطة سلام ستحمل اسمه إلى الأبد".
وأضاف أن "الوصول إلى هذه المرحلة بحد ذاته إنجاز كبير. لكن ضمان التنفيذ الفعال، وهو ليس نقطة قوة لدى رجل الأفكار الكبيرة مثل ترامب، أصعب كثيرا". واعتبر ساتلوف أنه من "الخطأ الاعتقاد أن شركة استشارية أو مسؤولا أجنبيا سابقا قادر على ملء الفراغ الذي لا تملؤه سوى حكومة أميركية بكامل مؤسساتها. فهذه الخطة تحمل اسم ترامب، لا اسم ديلويت أو بلير".
"تلاعب بالكلمات ولا يجب أن نُلدغ مرتين من نفس الجحر".. كيف علق مندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة على خطة ترامب ورسالته إلى المقاومة الفلسطينية؟ pic.twitter.com/67RtkzYCQx
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) September 30, 2025
مهمة جوهريةووفقا لساتلوف، ثمة مهمة جوهرية أخرى تقع على عاتق ترامب وهي أن يشرح للشعب الأميركي سبب انخراط بلاده في هذا المسار. فعلى مدى نحو عقدين، كرر الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون على السواء أنهم يسعون لتقليص انخراط واشنطن في الشرق الأوسط، لكنهم كانوا يجدون أنفسهم دائما في قلب صراعاته وتشابكاته المعقدة.
إعلانوتابع "ولذا، يستحق الأميركيون تفسيرا واضحا: لماذا قرر رئيس يرفع شعار "أميركا أولا" أن المصالح الأميركية ترتبط بشكل وثيق بنجاح خطة السلام هذه؟ وبرغم الانقسامات الداخلية، فإن المنصفين على جانبي الطيف السياسي سيشجعون نجاح ترامب في هذه المبادرة".
من جانبه، اعتبر نيكولاي ملادينوف، المنسق السابق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، والخبير حاليا بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن "خطة ترامب المكونة من 20 نقطة نجحت في ممارسة الضغط الدبلوماسي الأميركي للوصول إلى نهاية الحرب. وأعطت القيادة الأميركية مصداقية للعملية ضمن الدعم المشكل من تحالف عربي وإسلامي واسع نجاحها".
وبرأيه، لا تلبي الخطة الاحتياجات الإنسانية الملحة فحسب، بل تشكل إجماعا على السعي إلى إقامة حكم جديد في قطاع غزة في إطار المزيد من المشاركة الإقليمية.
وأوضح ستيفن كوك، خبير العلاقات العربية بمجلس العلاقات الخارجية، أن ترامب يرى أن صفقة المحتجزين هي النهاية، ويتمثل التحدي الآن في تنفيذ خطته المكونة من 20 نقطة.
ومع صعوبة تصور التوصل السريع إلى اتفاق بشأن العديد من التفاصيل المتعلقة بالمراحل اللاحقة من الخطة مثل حكم غزة، ومدى انسحاب القوات الإسرائيلية، ونزع سلاح حركة حماس، لم يوفر الرئيس الأميركي تفاصيل ولم يخض في المراحل القادمة من تنفيذ الاتفاق، وركز على تكرار مقولة أن "الجميع متحمسون جدا لهذه اللحظة في الوقت المناسب. هذا حدث خاص للغاية".
وردا على سؤال حول إمكانية قيامه بزيارة القطاع، رد ترامب بالقول إنه يرغب في نهاية المطاف في زيارة غزة نفسها دون أن يحدد أي مدى زمني يتحدث حوله. وقال "سأكون فخورا بذلك، أود أن تطأها قدمي على الأقل".