أكد السفير الألماني لدى ليبيا، رالف تراف، أنه لابد أن تهتم أوروبا بشدة بما يحدث في ليبيا الجارة القريبة لها، لأنه يؤثر علينا بشكل مباشر.

وقال تراف في كلمة له بمناسبة يوم الوحدة الألمانية في طرابلس: “ممارسة السيادة في ليبيا تتطلب نظامًا سياسيًا شاملاً يرعى الحوار السياسي، ويجب أن يكون للمواطنين كلمتهم، وتتم مناقشة وتأسيس تفاهم مشترك حول تنظيم شؤون الدولة والمجتمع والاقتصاد”.

وأضاف “ندرك تمامًا التحديات الكبيرة التي يتعين على ليبيا التغلب عليها: الانقسام، وعدم الاستقرار السياسي، والصراع المسلح، والأزمات الإنسانية، وضرورات إعادة بناء الدولة والاقتصاد، ورغم هذه التحديات، فإننا نؤمن بمستقبل ليبيا وإمكاناتها كدولة قوية وموحدة ومزدهرة”.

وتابع “ألمانيا كانت، ولا تزال، منخرطة في تعزيز السلام والأمن من خلال الحوار والدبلوماسية والتعاون في ليبيا، وكان التزامنا فعالاً وأساسيا في تنظيم عملية برلين، ونواصل دعم وتعزيز المؤسسات السياسية الشاملة التي يمكن من خلالها معالجة النزاعات وحلها سلميا لتلبية تطلعات الشعب الليبي، ونعمل مع الشركاء الدوليين والإقليميين والمحليين تحت قيادة الأمم المتحدة وبعثتها إلى ليبيا”.

الوسومألمانيا أورويا ليبيا

المصدر: صحيفة الساعة 24

كلمات دلالية: ألمانيا أورويا ليبيا فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

ليبيا.. الدولة الغائبة والوعي المؤجل

في ظل مشهد مضطرب تعيشه ليبيا منذ أكثر من عقد، تتكشف حقيقة صادمة: لم تُبنَ في ليبيا دولة بالمعنى الحقيقي، رغم مرور أكثر من سبعين عامًا على الاستقلال، ورغم ما توفر من ثروات وفرص. بل إن ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل أزمة بنيوية عميقة في الوعي والانتماء، وفي العلاقة بين المواطن والدولة.

من الاستقلال إلى التيه

استقلت ليبيا عام 1951، في تجربة رائدة على مستوى أفريقيا والعالم العربي، وكان من الممكن أن تشكّل نموذجًا للدولة الوطنية الحديثة.

وبالفعل، شهدت البلاد خلال الستينات وحتى أواخر السبعينات تقدمًا في مجالات التعليم، والصحة، والبنية التحتية، بل صُنفت حينها من بين الدول المتقدمة نسبيًا.

لكن هذا التقدم لم يكن مستندًا إلى بنية مؤسسية راسخة، بل ظل هشًا، يعتمد على مركزية القرار، وعلى النفط كمصدر وحيد للثروة، دون تنمية ثقافة العمل والإنتاج.

دولة الريع وتآكل الوعي

منذ اكتشاف النفط، تحوّلت الدولة إلى “خزانة” توزع الموارد بدل أن تبني اقتصادًا متوازنًا، فترسّخت ثقافة الاتكالية، وتراجعت قيمة العمل، وتحول المواطن إلى تابع ينتظر “العطاء”، لا شريكًا في التنمية.

تآكلت بذلك ثقافة المسؤولية، وغاب الشعور بالملكية الجماعية للوطن، وتم استباحة المال العام، والمؤسسات، وحتى فكرة “الدولة” نفسها.

المجتمع… بين الجهوية والقبيلة

لم تتطور الهوية الوطنية الجامعة، وبقيت الانتماءات القبلية والجهوية والمناطقية هي السائدة. ليس ذلك فحسب، بل أصبحت أحيانًا أدوات صراع على السلطة والمناصب والثروة، حتى في أوساط المتعلمين والنخب. فما بالك بالمواطن البسيط الذي لم يتح له الوعي، ولا أدوات المشاركة الحقيقية؟

هذه الولاءات الضيقة ساهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي، وأضعفت روح المواطنة، وعرقلت بناء مؤسسات وطنية مستقلة عن النفوذ العصبوي والمناطقي.

غياب ثقافة الدولة والمجتمع المدني

لم تُبنَ ثقافة الدولة لدى الأفراد. لم نُدرَّب في المدارس ولا في الإعلام ولا في المساجد على احترام القانون، وعلى أن الوطن فوق الجميع. لم تُزرع قيم العطاء والمبادرة، بل سادت ثقافة التلقّي، و”من الدولة لنا”، لا “منّا للدولة”.

كما لم يتشكل مجتمع مدني حقيقي، بل تمت محاصرته، أو تم تسليحه، أو تحريكه بالمال السياسي، ففقد دوره التوعوي والتنموي.

فشل النخب قبل فشل السلطة

من المثير للأسف أن النخب المتعلمة لم تنجُ من عدوى الانتماء الضيق، ولم تتمكن من تقديم خطاب وطني جامع. في كثير من الأحيان، تحوّلت إلى أدوات في الصراع، أو وقفت عاجزة أمام تعقيدات المشهد، فغاب المشروع، وغابت القيادة المجتمعية.

لماذا تراجعت ليبيا؟

الجواب ببساطة: لأن الدولة لم تُبنَ على قاعدة من الوعي، ولم يُبنَ الإنسان الليبي كمواطن حرّ ومسؤول، بل ظل تابعًا، هشًا، يقاد بالعاطفة، لا بالعقل.
ولهذا، حين انهارت السلطة بعد 2011، انهارت معها الدولة، لأن البناء لم يكن حقيقيًا، والمؤسسات كانت هشة، والمجتمع كان مفككًا.

نهاية الحلم وبداية الحقيقة

اليوم، لم يعد يختلف عاقلان على أن ليبيا دخلت نفقًا ضيقًا ومظلمًا، وأن الليبيين باتوا يندمون على ما آل إليه حال البلاد. فقد تبيّن أن الدولة ما قبل 2011، رغم عيوبها، كانت أكثر استقرارًا وسيادة من واقع الفوضى والانقسام الراهن، حيث كانت السلطة موحّدة، وصوت القرار واضح، وإن اختلف معه الكثيرون.

فلا يُعقل أن تُسمى “ثورة”، ثم تعود البلاد إلى فوضى شاملة، وفساد غير مسبوق، يهدد بانهيار كامل، في ظل أخطار خارجية متزايدة، تجعل ليبيا عاجزة عن الدفاع عن مصالحها أو فرض إرادتها.

ومع فشل مشروع “الديمقراطية الموعودة”، لم تعد هناك أولوية تتقدّم على استعادة القانون، وبسط النظام، وإعادة الاعتبار لفكرة الدولة نفسها.

خاتمة: وعي الإنسان قبل بناء الدولة

ليبيا ليست دولة فقيرة، ولا تفتقر إلى الثروات أو الإمكانات. لكنها افتقرت — وتفتقر — إلى وعي حقيقي بمعنى الدولة، وإلى إنسان مؤمن بقيم المواطنة والانتماء.

ولهذا، لم تُبنَ في ليبيا دولة حقيقية، بل كيان مؤجل، ينتظر من يؤمن به ويُخلِص له، ويعيد بناءه على أسس راسخة: إنسان حر، مجتمع واعٍ، ودولة عادلة.

أما إذا استمر غياب الوعي، فسوف تظل الأزمات تتوالى، والانهيارات تتكرّر، وتضيع البلاد. فالتحديات جسيمة، تبدأ من ضرورة إعادة بناء الإنسان والمجتمع، لا سيما فئة الشباب الذين يعانون البطالة، والمخدرات، وانعدام الدعم، فضلًا عن التحديات الديموغرافية المقلقة، كتراجع معدلات الخصوبة، وارتفاع العنوسة، واتساع الفجوة الاجتماعية.

لهذا، آن الأوان لأن يتحرّك الليبيون بوعي وجدية. فالشعارات لم تعد تكفي، والوقت لم يعد في صالح أحد. لا بد من سلطة وطنية واحدة وقوية، تبسط الأمن والاستقرار، وتعيد للدولة هيبتها وفاعليتها… قبل أن يفوت الأوان.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • لماذا لاينبغي الحوار مع قحت، بل اجتثاثها (١-٣)
  • واشنطن تعلن اغتيال مسؤول في تنظيم الدولة خلال غارة شمال سوريا
  • سوريا وفرنسا والولايات المتحدة تؤكد مواصلة التعاون لتحقيق الاستقرار ودعم قدرات الدولة السورية لمواجهة التحديات
  • عملية أمنية مشتركة تستهدف تنظيم الدولة في شرق حلب
  • ليبيا.. الدولة الغائبة والوعي المؤجل
  • نصية: أزمة ليبيا مستمرة وخارطة الطريق الأممية قد تعيد المسار السياسي
  • عاجل| مصدر أمني سوري للجزيرة: الداخلية نفذت عملية ضد تنظيم الدولة شرقي حلب بدعم مروحيات تركية وقوات التحالف الدولي
  • رئيس الوزراء البريطاني: الدولة حقّ غير قابل للتصرف للشعب الفلسطيني
  • المؤتمر الأول لذوي الإعاقة في إدلب يناقش التحديات التي تواجههم
  • تحولات تنظيم الدولة بأفريقيا من وجهة نظر غربية