فتاوى: يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
لا تزال الآلام التي يعانيها المسلمون مستمرة وهم يواجهون هذا الطغيان وهذا الاعتداء الشديد على أوطانهم وعلى أنفسهم وفي كل مرة يقدم العدو المحتل صورة مؤلمة أخرى، ما الذي ينبغي أن يستحضره الإنسان وهو يواجه هذه الآلام وهذا الاعتداء وهذا الطغيان حتى يظل مستمسكا بمبدئه ومقاومته؟
•• •إننا نضرع إلى الله تبارك وتعالى أن يكف بغي العداة المعتدين الطاغين الظالمين عن إخواننا في غزة وفلسطين وسائر بلاد المسلمين، وأن يرد المحتلين على أدبارهم خائبين خاسرين منهزمين، وأن يكتب الله جل وعلا بمنه وفضله وكرمه لهذه الأمة أمر خير ورشاد، وأن يدفع عنها وعن مقدساتهم البغي والظلم والطغيان، وأن يجعلنا جميعا سببا لنصرة دينه وللقيام بالعدل وبسط الحق ودفع الظلم إنه تعالى على كل شيء قدير.
•وفي مثل هذه الظروف التي تتكالب فيها الخطوب على هذه الأمة، ويزداد فيها بطش الطغاة المعتدين فإنه لا شيء يعدل العودة إلى كتاب الله عز وجل، نستقي منه النور والهدى ونجد فيه من المبشرات ما يدفعنا إلى الصبر والثبات، فالله تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ» فيأتي الجواب من عند الله تبارك وتعالى في هذه الظروف الحالكة التي تحيط بالمسلمين وتجتمع فيها قوى الكفر والطغيان «حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ».
• وهذا ويتأكد بما في كتاب الله عز وجل في موضع آخر حينما يوقظ ربنا جل وعلا في نفوس المؤمنين في ساعات المواجهة أنهم سيرزؤون في أنفسهم وفي أبطالهم وفي قادتهم وفي أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وسيزداد بطش الطغاة عليهم فيأتي أيضا تثبيت الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين، للعصابة المتمسكة بالحق التي لا يضرها من خذلها ليخاطبهم ربنا تبارك وتعالى بقوله: «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا» يبدأ بنهيهم عن الوهن ثم بعد ذلك ينبههم إلى ضرورة دفع أسباب الحزن التي يمكن أن تتراكم على قلوبهم، ألا يستسلموا للأحزان والآلام، فهو نهي عن الوهن ونهي عن مداومة الحزن أو الاستسلام له فيقول «وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ» فهذا السياق القرآني يبعث في نفوس المؤمنين في مثل هذه اللحظات الحرجة طمأنينة ويدفعهم إلى الصبر ويعينهم على الثبات ويصوب أنظارهم إلى وعد الله تبارك وتعالى لهم وأن النصر من عنده وحده جل وعلا وأن الأسباب بيده مهما اشتدت الظروف واحلولك الظلام فإن بشائر الفجر الصادق قادمة لا محالة بإذن الله تبارك وتعالى «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ».
• بمثل هذه المواضع من كتاب الله عز وجل يستحضر المؤمن المعاني التي يحتاجها في مثل هذه المواقف يثبت بها قلبه ويثبت بها إخوانه ويستشرف بها وعد الله تبارك وتعالى له ويعلم أن من سنة التدافع أن تكون هناك غلواء للباطل وهذه الغلواء إنما هي إقامة حجة من الله تبارك وتعالى على عباده وحينما يبلغ طغيان ذروته فإن ذلك مؤذن بزواله بإذن الله تبارك وتعالى وقوته وما كتب النصر لهذه الأمة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين وفي زمن الفتوحات وفي زمن المقاومة والجهاد إلا والظروف التي تحيط بهم هي من أشد ظروف قسوة ومن أكثرها عنوة ومشقة ومع ذلك فإن عباد الله المؤمنين الصالحين يتمسكون بوعد الله تبارك وتعالى لهم ويأخذون بأسباب النصر ينصرون الله تبارك وتعالى فيكتب لهم الله تبارك وتعالى النصر ويحتسبون ما يقدمونه في سبيله فربنا جل وعلا يقول: «وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)». هذا والله تعالى أعلم.
••• الإنسان في هذه الأحوال كثيرا ما يتابع الأخبار وهذه الأخبار لأنها لا تأتي بصفة إيجابية إنما دائما تكون سلبية أحيانا على اعتبار أن العدو يستخدم فيها قوته النارية في إرهاق المسلمين وإزهاق أرواحهم فيراكم هذا الحزن على المسلمين.
•الآن هذا هو القرآن الكريم وتفصيله لهذه القضايا. لكن كيف يربط المسلم نفسه بالقرآن الكريم بحيث يوازن بين قراءاته للأخبار وبين قراءاته للقرآن الكريم والنظر في تفصيلاته الدقيقة التي تحدثتم فيها؟
•• • •أما ما يصل إليه من الأخبار المتداولة فيجب عليه أن يتثبت منها وأن يجعل ما يرد إليه مما يصدر عن العدو محل شك وارتياب وأن يمتنع عن تداوله ونشره ومع ذلك فعليه أن يوقن مما يجده في كتاب الله عز وجل أن سنة الله تبارك وتعالى ماضية وأن الله عز وجل سيصطفي شهداء من هذه الأمة وأن الله تبارك وتعالى جعل التدافع بين الحق والباطل والخير والشر والنور والظلام سنة ماضية جارية وعلى أهل الحق والخير والهدى والرشد على أهل الإيمان الراسخ أن يتمسكوا بالأسباب التي تؤهلهم لنصر الله تبارك وتعالى به وهذا لا يعني ترك الأسباب المادية التي تعينهم على أخذ الحيطة والحذر وعلى تربص مكائد العدو والحذر منها وعلى التنبه للمخذّلين والخونة ومن لا يهمهم أمر هذه الأمة ولا يعنيهم نصرها على عدوها ولا يحركون ساكنا حينما يشمت بهم أعداؤهم بل يشاركونه الشماتة عياذا بالله فعليهم أن يحذروا من أمثال هؤلاء وأن يقاتلوا في سبيل الله صفا كالبنيان المرصوص كما أمرهم ربهم تبارك وتعالى وأن يحذروا فيما يتعلق بهذه الأخبار التي تنتشر فإن الله تبارك وتعالى قد نبه على هذه القضية تحديدا في كتابه الكريم حينما قال: «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ»
•فبهذا يتمكن المسلم من التغلب على ما يمكن أن يعتري صدره أو ما يمكن أن يصيب قلبه من الآلام والأحزان بمثل هذه النكاية فإنه يبدد هذه الوساوس والأوهام بتعلقه بالله تبارك وتعالى وبأن يكون سببا في أي موقع يكون فيه في نصرة إخوانه وفي موالاتهم وفي الوقوف معهم وفي دفع الباطل عنهم وفي رد العدوان بما يستطيع. والله تعالى الموفق.
••• في آية غض البصر أمر الله تعالى المؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقال ذلك أزكى لهم، ما دلالة كلمة أزكى؟ وهل هي التزكية المقصودة في سورة البقرة «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ»؟
•• •نعم، هي التزكية ذاتها التي بعث بها ربنا تبارك وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم في جملة ما بعث به في هذه الأمة والمقصود من التزكية التطهير والارتقاء بهذه النفوس والسمو بها،
• وهذا المعنى هو الوارد لقوله تبارك وتعالى: « قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» أي ذلك أطهر لهم وأنقى وهو سمو بأخلاقهم وارتقاء بآدابهم وشمائلهم، واستعمال حرف الجر اللام في هذا السياق أخذ منه المفسرون دلالة النفع والأولوية ولذلك يقولون أزكى بمعنى أطهر، وأزكى لهم أي أطهر وأولى وأنفع، أخذوا معنى أنه أولى وأنفع من استعمال اللام فهذا تركيب قرآني بليغ فريد يأخذ منه مجموع هذه المعاني وأن هذا الخلق الذي بيّنته هذه الآية الكريمة بهذا الحكم الذي أنزله الله عز وجل فيها الموجه في هذه الآية للرجال من المؤمنين بأن يغضوا من أبصارهم وأن يحفظوا فروجهم هو أزكى أي هو أطهر وأنفع وأولى لهم جميعا، لكل المخاطبين للرجال والنساء للمجتمع كله وأثر ذلك لا يخفى على أحد، لأنه مما يقي من الفواحش ويرتقي بأخلاق الناس ويسمو بطباعهم ويخلصهم من القاذورات ووساوس الشيطان. والله تعالى أعلم.
••• تعبير يغضوا هل هو دلالة على التقليل من النظر الذي لا تدعو إليه الحاجة أم المقصود هو صرف النظر مطلقا؟
•• • •نعم، الغض هو بمعنى الإنقاص والتقليل فيما ذكرتموه صحيح وإنما استعمال حرف الجر من يغضوا «من أبصارهم» ولم يستعملها في الأمر بحفظ الفروج فقال ويحفظوا فروجهم لأن غض الأبصار بالكلية متعذر والله عز وجل لا يأمر بما لا يستطاع فـ«من» ليست زائدة كما يذكر بعض أهل اللغة وأهل التفسير بل هي مقصودة والمعنى أن يغضوا من أبصارهم قدر استطاعتهم فيخفضوا أبصارهم، وينقصوا مما يرونه أو من أبصارهم حين رؤية ما حرم الله عز وجل عليهم، وفي هذا دلالة أن الغض من الأبصار ليس بدرجة واحدة، فهناك ما يباح للمؤمن أن ينظر إليه من نسائه، وهناك ما يباح أن ينظر إليه مما هو ظاهر الزينة في المحرمات من النساء بتفاوت بين هؤلاء المحارم، وهناك ما يمنع منه بالكلية لعموم النساء، وهناك ما يرخص به دون شهوة ولذلك استعمل حرف الجر من، وبعض المفسرين يقول إن معنى «يغضوا من أبصارهم» هو الإنقاص من النظر نفسه كما يقال غض من منزلته أي أنقص من منزلته، فآلة الإبصار هذه ينقص من ملكات الرؤية فيها في مواضع بحسبها،
• والمؤدى واحد، فالغض هو بمعناه ما أشرتم إليه من الإنقاص والتقليل واستعمال حرف الجر إنما يراعي الأحكام الشرعية الدائرة فيما يباح وما يمنع النظر إليه من النساء، ورعى أيضا بهذا التركيب عموم أحوال الناس أو عموم البلوى في أحوال الناس من تعذر غض البصر بالكلية. والله تعالى أعلم.
•
•• يرد الخطاب أحيانا «يا أيها الذين آمنوا» وتدخل فيه المرأة بحكم الغالب لكن في بعض الآيات تخصص المرأة بخطاب مستقل أي كل المؤمنين يغضوا من أبصارهم وكل المؤمنات يغضضن من أبصارهن فما دلالة تخصيص المرأة بالخطاب أيضا؟
•• •هنا معنيان؛ المعنى الأول يؤخذ من كون كل توجيه في هاتين الآيتين الكريمتين ابتدئ فيه بـ«قل» ثم نأتي إلى خصوص إفراد الرجال بالخطاب ثم إفراد النساء بالخطاب أما في المسألة الأولى فباختصار في كل موضع ترد فيه «قل» في كتاب الله عز وجل فإن الذي يأتي بعدها أمر ذو بال، أريد إبلاغه على نحو خاص، وكأن الشأن بين المخاطبين الذين يقال فيهم هذا القول، وبين القائل الذي هو رب العزة والجلال، وما محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا مبلغ، ولذلك قالوا هو أمر ذو بال أريد الإخبار عنه، أو أريد الإبلاغ به على نحو خاص ليتأكد معناه، وليتحقق ما يراد به من الخطاب فكأن الشأن بين المخاطبين وبين ربهم جل وعلا.
•أما الأصل في الخطاب في المسألة الثانية التي ذكرتموها أن الخطاب «يا أيها الذين آمنوا» تدخل فيه النساء إلا إذا أفردت بخطاب، فإذا أفردت بخطاب فدل على أن المقصود بالخطاب الأول هم الرجال «لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء»، فدل على أن الخطاب الأول يراد به الرجال وأن الخطاب الثاني خصصت به النساء بدليل تخصيص النساء هنا، الأحكام المتعلقة بالنساء أكثر من الأحكام المذكورة للرجال، خاطب الرجال بغض البصر، وحفظ الفروج خوطبت به النساء «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» وهنا جملة من الأحكام الشرعية المتواردة خوطبت بها النساء لأن المقام هو مقام تشريع لبيان الأخلاق أولا في الأمر بغض البصر والأحكام المتعلقة بحفظ الفروج وسد كل المنافذ التي يمكن أن تفضي إلى الوقوع في هذه الفاحشة وبيان حدود عورة النساء في تعاملها مع مختلف درجات الرجال من حيث القرابة بهن. والله تعالى أعلم.
•
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الله تبارک وتعالى هذه الأمة یمکن أن إلیه من فی کتاب ل ى الل فی هذه
إقرأ أيضاً:
كيف أبر زوجتى بعد موتها؟
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل يشرع للزوج التصدق عن زوجته أو بِرُّها بعد وفاتها بأيِّ عملٍ من أعمال الخير؟.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلا: يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.
جعل اللهُ الرباطَ الأوثقَ بين الزوجين هو المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، وقد حرص الإسلام على استدامة هذه المودة، حتى لو طرأ على الحياة الزوجية أسوأ ما يمكن أن تتعرض له، وهو انتهاؤها؛ وهو ظاهر قول الله تعالى بعد بيان الحقوق عند الطلاق قبل الدخول: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].
والفضل والمودة بين الزوجين اللذين عاشا معًا -أوثق وأعمق ممَن تفرقَا قبل الدخول، وأنه أشد عمقًا بين من فرقهما موتُ أحدهما؛ إذ لا يوجد في الغالب ما يُضْعِفُ هذه المودة أو يؤثر على سلامتها، كما في الطلاق، فيكون خطاب الشارع الطالب لاستدامة المودة متوجهًا بالقياس الأولوي للزوجين عند انتهاء الزوجية بموت أحدهما.
وليس في الشرع الشريف ما يمنع من إحسان الزوج لزوجته وبرِّها بعد موتها، بل إن نصوص السُّنَّة النبوية المطهرة، ووقائعها أصَّلَت للبر بالزوجة المتوفاة بصور متعددة، تجعل الناظرَ في هذه النصوص مُدركًا بإيقانٍ معالم الإنسانية في أسمى معانيها.
فمن صور بِرِّ الزوج بزوجته بعد وفاتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُكثر من ذكر زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بعد موتها، وكان يُكْرِمُ أقرباءها؛ إكرامًا لها وبرًّا بها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.
وعنها رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: “اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» فَغِرْتُ” متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم، فدلَّ على امتداد المودة والوفاء بحقِّ الزوجة بعد موتها.
قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم” (15/ 202، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولها: “فارتاح لذلك” أي: هش لمجيئها، وسُرَّ بها؛ لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الْوُدِّ، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب] اهـ.
ومن هذه الصور: أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكرم أصدقاءها، ويتعهدهم بالهبات والعطايا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ» رواه البخاري في “الأدب المفرد”، والحاكم في “المستدرك”.
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»” رواه الحاكم في “المستدرك”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، وغيرهم.
ومن هذه الصور: دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، واستغفاره لها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَالِاسْتِغْفَارِ لَهَا” رواه الطبراني في “المعجم الكبير”.
فيتبين لنا من هذه الصور الإنسانية، وتلك المظاهر النبوية أن البر بالزوجة أمر مطلق عن الحصر، فيصح بكل ما يصلح برًّا.
أما عن التصدق عنها بخصوصه، فمع كونه مشروعًا باعتباره أحد أنواع البر الذي يسن فعله -كما قررنا-، إلا أنه من جملة الأعمال التي لا يقطعها عن الإنسان قاطع حتى الموت، بل تكون متصلة به من حيث انتفاعُه بها بعد موته؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم، ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة بأن الصدقة على الميت جائزة من أيِّ أحد من جهة، ويصل ثوابها إليه وينتفع بها من جهة أخرى، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
قال الإمام الزيلعي الحنفي في “تبيين الحقائق” (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السُّنَّة والجماعة، صلاة كان أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في “التمهيد” (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع” (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتَصِله] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في “شرح منتهى الإرادات” (1/ 385، ط. عالم الكتب): [(وكلُّ قربةٍ فعلها مُسْلِمٌ وجعل) المسلم (ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل) ثوابها (له ولو جهله) أي الثواب (الجاعل)؛ لأن الله يعلمه كالدعاء والاستغفار وواجب تدخله النيابة وصدقة التطوع إجماعًا… قال أحمد: الميت يصل إليه كلُّ شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره؛ للأخبار] اهـ.
فيظهر مما ذُكر أن الإحسان للزوجة وبرِّها بعد وفاتها بصفة عامة أمرٌ مشروع، وأنه من السنن التي سنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن صنوف البر والخير أمرها واسعٌ، فيجوز برها وصِلتها بكلِّ شيءٍ يتحصل به البر، كالثناء عليها بالخير وذكرها به، أو الدعاء والاستغفار لها، أو بالتصدق عنها، أو بفعل أيِّ عبادة ثم وَهْب ثوابها لها.
وأوضحت بناءً على ذلك: أنه يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.
صدى البلد
إنضم لقناة النيلين على واتسابPromotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/14 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة كسلا تخرج في مسيرة هادرة تأييداً للقوات المسلحة2025/12/13 شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان “الدعامة” إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله2025/12/13 الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق2025/12/12 شاهد بالفيديو.. الجمهور الجزائري يحتفل بالرقص على أنغام الأغنية السودانية: (السوداني حُر)2025/12/12 شاهد بالفيديو.. الجمهور السعودي يهتف باسم السودان أثناء توجهه لمساندة منتخب بلادها: (حيوا السوداني..سوداني ما شاء الله)2025/12/12 إيلون ماسك يجيب عن سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟2025/12/12شاهد أيضاً إغلاق مدارات شاهد بالفيديو.. اعترف بالشماتة.. “بقال” يكشف شعور “الدعامة” بعد مقتل مطربهم الأول إبراهيم إدريس: (أقاموا له أكثر من 100 صيوان عزاء) 2025/12/12الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن