هل الغرب مستعد لقطع طهران المحتمل شرايين النفط؟
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
الاقتصاد نيوز - متابعة
على الرغم من إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي مراراً خلال الأسبوعين الماضيين، أن منشآت النفط الإيرانية في مرمى ضربتها الانتقامية، بعد الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري على إسرائيل، إلا أن القلق الأميركي والأوروبي من تداعيات الاستهداف الإسرائيلي المحتمل ورد فعل طهران عليه باتخاذ خطوات من شأنها قطع إمدادات الخام على نحو كبير من منطقة تمد العالم بنحو ثلثي احتياجاته، ربما يدفع تل أبيب نحو استبعاد منشآت النفط من الضربة المرتقبة.
وتبدو واشنطن والعواصم الأوروبية قلقة من أي صدمات غير محسوبة في سوق الطاقة، حتى لو كانت مخزوناتها الاحتياطية تكفي لمدة 90 يوماً حال انقطاع إمدادات النفط بشكل كامل من منطقة الشرق الأوسط. ووفق ما أفادت به صحيفة واشنطن بوست الأميركية بناء على مصدرين مطلعين على الأمر أحدهما أميركي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ حليفه الأميركي جو بايدن أنه يعتزم ضرب الجيش الإيراني وليس البنية التحتية الإيرانية النووية والنفطية.
ويأتي ذلك في وقت مشحون سياسياً بالنسبة لواشنطن قبل أقل من شهر على الانتخابات الرئاسية. ومن شأن ضربة إسرائيلية ضد المنشآت النفطية، أن تؤدي إلى زيادة أسعار النفط. كما أن استهداف المنشآت النووية الإيرانية سيكون بمثابة خرق لكل الخطوط الحمر التي تحكم المواجهة الإيرانية ـ الإسرائيلية، مما سيؤدي إلى تصعيد ومزيد من التورط العسكري الأميركي. وسبق أن حذّر بايدن نتنياهو من أي استهداف لمواقع إيران النووية أو لمنشآتها النفطية.
وتراجع سعر برميل خام برنت تسليم ديسمبر/ كانون الأول، بأكثر من 3% خلال تداولات أمس الثلاثاء، ليدور في نطاق 75.1 دولاراً. كما تراجع سعر خام غرب تكساس الوسيط تسليم نوفمبر/ تشرين الثاني بنسبة مماثلة ليصل إلى نحو 71.5 دولاراً.
كانت أسعار النفط الخام في حالة من التقلب الشديد في الأسابيع الأخيرة، حيث يتتبع المتداولون صراعاً متصاعداً في الشرق الأوسط، موطن حوالي ثلث الإمدادات العالمية، بعدما تعهدت إسرائيل بالرد على وابل الصواريخ التي أطلقتها إيران مطلع هذا الشهر، رداً على اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو/تموز، بعد المشاركة في مراسم تنصيب الرئيس مسعود بزشكيان.
توقعات بضربة إسرائيلية محدودةوقال دومينيك شنايدر، رئيس قسم الصرف الأجنبي والسلع العالمية في “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” لإدارة الأصول، إن “الضربة الإسرائيلية المحدودة على إيران تقلل من مخاطر العرض”.
تأتي المخاوف الأميركية تحديداً من تصاعد تداعيات المخاطر الجيوسياسية على سوق النفط، على الرغم مما تبديه التقارير الغربية حول التقليل من شأن حصة إيران في سوق الخام وجاهزية الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية لسيناريو ضرب النفط الإيراني. وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها، أمس، سوق النفط العالمية تتجه نحو فائض كبير في العام الجديد 2025، مؤكدة للأسواق استعدادها للتحرك إذا لزم الأمر لتغطية أي تعطل للإمدادات من إيران.
وأشارت الوكالة التي تدير مخزونات الطوارئ من النفط للدول الصناعية، إلى أن المخزونات العامة تجاوزت 1.2 مليار برميل، كما أن الطاقة الفائضة في دول تحالف “أوبك+” التي تضم دول أوبك وحلفاء مثل روسيا، بلغت مستويات مرتفعة تاريخية. وأضاف: “مع تكشف تطورات المعروض، تقف الوكالة مستعدة للتحرك عند الضرورة.. في الوقت الحالي يستمر تدفق النفط، وفي غياب أي اضطراب كبير تواجه السوق فائضاً كبيراً في العام الجديد”.
وخفضت وكالة الطاقة الدولية في التقرير أيضا توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط لهذا العام، مشيرة إلى ضعف مستوى الطلب في الصين. وظلت الصين لسنوات طويلة تحرك ارتفاع استهلاك النفط على مستوى العالم. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني والتحول نحو المركبات الكهربائية غيرا نمط ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وتوقعت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا لها أن ينمو الطلب الصيني بنحو 150 ألف برميل يوميا فقط في عام 2024، بعدما انخفض الاستهلاك نحو 500 ألف برميل يومياً في أغسطس/ آب الماضي، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، وهو انخفاض للشهر الرابع على التوالي. وقالت: “يستمر الطلب الصيني على النفط في الانخفاض عن التوقعات وهو العامل الرئيسي الذي يعوق النمو الإجمالي”.
ورغم هذه المؤشرات التي تبدو في نظر البعض أنها تحمل تطمينات للغرب بعدم حدوث صدمة قوية في سوق النفط، حتى لو ضربت إسرائيل منشآت النفط الإيرانية، إلا أن تطور الصراع قد يحمل أخطاراً جمة غير محسوبة، لاسيما إذا قررت إيران غلق مضيق هرمز الشريان الحيوي لمرور النفط عالمياً.
ويُعد مضيق هرمز واحداً من أهم الممرّات المائية في العالم نظراً لدوره الحيوي في التجارة الدولية، وخاصة تجارة النفط. ويقع المضيق بين الخليج العربي وخليج عمان، ويبلغ طوله نحو 100 ميل (161 كيلومتراً) وعرضه 21 ميلاً في أضيق نقطة، ويُعتبر ممرًّا استراتيجيًا يربط الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط بالأسواق العالمية.
وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA)، يعبر المضيق يوميًا ما يقرب من 21 مليون برميل من النفط، وهو ما يمثل حوالي 20% من إمدادات النفط العالمية، وحوالي 30% من النفط المنقول بحرًا. وتُعد دول الخليج، مثل السعودية، الإمارات، الكويت، والعراق، وإيران، من أبرز الدول التي تعتمد على المضيق لتصدير نفطها إلى الأسواق العالمية.
وإلى جانب النفط، يمرّ عبر مضيق هرمز جزء كبير من التجارة البحرية للغاز الطبيعي المسال، حيث تمثل شحنات الغاز المسال العابرة للمضيق حوالي 25%-30% من إجمالي شحنات الغاز الطبيعي المسال عالميًا، مما يعزز أهميته للاقتصاد العالمي وللدول التي تعتمد على الغاز المستورد.
وخلال الربع الأول من العام الحالي، شحنت ناقلات النفط ما يقرب من 15.5 مليون برميل يومياً من الخام والمكثفات، وفقاً للبيانات التي جمعتها “بلومبيرغ”. وأظهرت البيانات أيضاً أن أكثر من خمس إمدادات الغاز العالمية، وكان معظمها من قطر، مرّ عبر المضيق خلال الربع الأول من العام.
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار وکالة الطاقة الدولیة
إقرأ أيضاً:
مناورات إيران وأذربيجان العسكرية.. تعاون أمني أم رسائل إستراتيجية؟
طهران- في تطور لافت بمنطقة القوقاز، أطلقت إيران وأذربيجان مناورات عسكرية مشتركة تحت اسم "أراس 2025″، في خطوة تعكس تحسنا في العلاقات الثنائية بعد فترة من الفتور والتوترات السياسية.
وجاءت هذه المناورة التي انتهت الأربعاء، بالتزامن مع مساعٍ دبلوماسية لإعادة بناء الثقة بين البلدين وتعزيز التعاون الأمني على طول حدودهما المشتركة.
وبحسب تقارير رسمية، جرت المناورة في منطقة قرب نهر أراس وتشمل تدريبات ميدانية للقوات الخاصة، وشاركت فيها وحدات من الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني إلى جانب الجيش الأذربيجاني، وهدفت إلى تعزيز التنسيق الميداني وتبادل الخبرات في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، مثل "الإرهاب" وتهريب السلاح.
وجاءت هذه الخطوة بعد زيارة رفيعة المستوى أجراها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مؤخرا إلى باكو، حيث اتفق الجانبان على توسيع التعاون الإستراتيجي في المجالات الدفاعية والاقتصادية.
ويُنظر إلى المناورة باعتبارها مؤشرا على رغبة مشتركة في تجاوز مرحلة التوتر التي أعقبت الهجوم على السفارة الأذربيجانية في طهران عام 2023، حيث أعلنت وسائل إعلام إيرانية تزامنا مع اليوم الأخير من المناورات عن تنفيذ حكم الإعدام بحق المعتدي على السفارة الأذربيجانية في طهران، واعتبرت هذه الخطوة بادرة حسن نية.
وتحظى هذه المناورة باهتمام خاص لتنظيمها في منطقة حساسة كانت مسرحا لنزاعات متكررة بين أذربيجان وأرمينيا، وهو ما يمنحها أبعادا جيوسياسية تتجاوز الإطار العسكري، ويدفع مراقبين إلى اعتبارها رسالة مزدوجة لكل من تل أبيب ويريفان، بأن طهران لن تغيب عن ترتيبات الأمن في جنوب القوقاز.
إعلانوفي مداخلة للجزيرة نت، يرى الباحث العسكري الإيراني حسين حقيان أن المناورات العسكرية المتعددة الجنسيات تُجرى عادة لأهداف متعددة، من بينها رفع الجاهزية القتالية وتعزيز التنسيق المشترك لمواجهة التهديدات، لا سيما الإرهابية منها.
ويشير حقيان إلى أن المناورة الأخيرة بين إيران وأذربيجان تأتي في هذا السياق، لكنها في الوقت ذاته تحمل أبعادا دبلوماسية لا تقل أهمية.
ويؤكد حقيان أن هذه المناورة جزء من سلسلة تدريبات متفق عليها تُنفذ بشكل منتظم، وهو ما يعكس وجود برنامج تعاون عسكري طويل الأمد بين طهران وباكو.
وفي تقديره، فإن لهذه المناورة بعدين دبلوماسيين مهمين:
أولهما مرتبط بالتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على منطقة القوقاز بعد حرب قره باغ، حيث تسعى إيران، حسب قوله، إلى التكيف مع النظام الإقليمي الجديد، والحفاظ على نفوذها في المنطقة، وعدم الخروج من معادلاتها الأمنية. ويلفت في هذا السياق إلى أن إجراء المناورة في منطقة قره باغ يحمل دلالة واضحة على استمرار النفوذ الإيراني هناك. أما البُعد الثاني، فيتصل بما يصفه حقيان بـ"هندسة العلاقات المعقدة بين إيران وأذربيجان وإسرائيل". ويوضح أن طهران تعمل على تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع باكو في محاولة لاحتوائها وإبعادها عن المحور الإسرائيلي، خصوصا في ظل تعمّق التعاون بين تل أبيب وباكو في مجالات التسليح والتكنولوجيا الدفاعية.ويضيف الباحث الإيراني أن إسرائيل لم تنجح حتى الآن في تنظيم مناورة عسكرية مشتركة مع أذربيجان، بينما تتحرك إيران لتكون الطرف المتقدم في هذا المجال.
ولا يستبعد حقيان أن تمهد هذه الخطوات لعقود تسليح مستقبلية بين طهران وباكو، خاصة أن لدى إيران بدائل وطنية لبعض الأسلحة الإسرائيلية التي تعتمد عليها أذربيجان، مثل الطائرات المسيّرة الانتحارية والصواريخ المضادة للدبابات، مما يجعل التعاون العسكري بين الطرفين خيارا أكثر استقلالية وأقل تكلفة.
إعلان رسائل ميدانيةوفي السياق ذاته، يقول خبير الشؤون العسكرية محمد مهدي يزدي للجزيرة نت إن المناورة الأخيرة بين إيران وأذربيجان تأتي استكمالا لاتفاقات أُبرمت سابقا بين قيادتي البلدين، وخصوصا على مستوى الرؤساء، مشيرا إلى أن أول مناورات مشتركة بين الجانبين أُجريت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي بمحافظة أردبيل شمال غربي إيران.
ويضيف يزدي أن الهدف الرئيسي من هذه المناورات يتمثل في تعزيز التنسيق ورفع مستوى التعاون الثنائي، لا سيما في المجال العسكري، معتبرا أن هذه الخطوة تعكس حرص الطرفين على ترسيخ الشراكة الدفاعية في مرحلة إقليمية حساسة.
ويؤكد أن وجود قوات البلدين على أراضي كل منهما يُتيح فرصة عملية للتعرف عن كثب على قدرات كل طرف في المجالين الدفاعي والهجومي، مما يسهم في بناء الثقة العسكرية ورفع الجاهزية المشتركة.
ويلفت يزدي إلى أن التعاون العسكري بين إيران وأذربيجان لا يخلو من رسائل إقليمية، موضحا أن هذا التقارب قد يحمل إشارة موجهة لإسرائيل التي تربطها علاقات أمنية وعسكرية متنامية مع باكو. وبرأيه، فإن المناورات الإيرانية الأذربيجانية قد تدفع تل أبيب إلى إعادة النظر في حجم ونوعية وجودها داخل الأراضي الأذربيجانية.
ويختم يزدي بالإشارة إلى أن طهران تسعى لأن يكون لها دور أكبر في إدارة التوازنات الإقليمية، خصوصا فيما يتعلق بالنزاع بين أذربيجان وأرمينيا، مؤكدًا أن إيران تطمح إلى أن تلعب دور الوسيط الفاعل، وألا تظل بعيدة عن ترتيبات الأمن في منطقة القوقاز.
وبينما تسعى باكو لتحقيق توازن بين شركائها، يبدو أن طهران عازمة على ألا تكون مجرّد متفرج في ساحات أمنها الحيوي.
وفي هذا السياق الإقليمي المعقد، تبدو مناورات "أراس 2025" أكثر من مجرد تدريبات عسكرية؛ فهي تجسيد لمحاولة إيرانية لإعادة تموضعها في جنوب القوقاز من بوابة التعاون مع أذربيجان، في مواجهة النفوذ الإسرائيلي المتصاعد والفراغ الأمني الذي خلفته المتغيرات الجيوسياسية.
إعلان