في خضم هيمنة للدولار على مدار العقود الماضية، كان إلزامًا على جميع الدول البحث عن مسارات أخرى للتبادل التجاري بين الدول بالعملات المحلية، ويترجم ذلك تجمع " البريكس"، والذي يؤكد أهمية زيادة التعاون  بين الدول الأعضاء، ويسلط الضوء على الفرص الاستثمارية في الدول، وفي القلب منهم مصر.

موسكو تستضيف قمة "بريكس" في أكبر حدث سياسي موسكو تستبعد إصدار "بريكس" عملة موحدة في الوقت الراهن  الرئيس  السيسي يشارك  في قمة تجمع دول “بريكس”

ويشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم في قمة تجمع دول "بريكس"، المنعقدة بمدينة قازان بروسيا، وهي القمة التي تشهد  للمرة الأولى مشاركة مصر كعضو في التجمع، منذ انضمامها رسمياً له مطلع العام الجاري،  حيث يضم تجتمع البريكس في عضويته كلا من:  مصر - البرازيل، روسيا، الهند ، الصين، جنوب أفريقيا، إثيوبيا، إيران ، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية.

أهداف مصر من المشاركة في قمة تجمع دول “بريكس”

الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، أكد أن مشاركة مصر كعضو للمرة الأولى في تجمع البريكس، مهمة للغاية باعتبار أن الدولة لها أهداف تحققها من خلال الانضمام للتجمع تتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري بين مصر  ودول الأعضاء في التجمع، والذي يضم روسيا الصين والهند بالاضافة إلى الإمارات والسعودية، موضحًا أن تلك الدول لها حجم تبادل تجاري مع مصر كبير جدًا، ومصر لديها فرص استثمارية لجذب هذه الدول للاستفادة بما لديها من إمكانات استثمارية قادرة على إحداث التوازن.

الدكتور محمد البهواشي الخبير الاقتصاديمصر والتصدير لدول تجمع "البريكس"

وكشف البهواشي في تصريح خاص لـ" بوابة الوفد" أن مصر سواق كبير للاستعانة بمنتجات الدول سالفة الذكر، ولديها من المنتجات القابلة للتصدير لدول التجمع، وهو ما يخلق حالة من التبادل التجاري بالعملات المحلية، للخروج عن هيمنة الدولار والاستفادة النسبية من المزايا لدى الدول الأعضاء في التجمع،  قائلا:" مصر قادرة على اقتناص مستثمري هذه الدول بما لها من فرص، وزيادة حجم التبادل التجاري مع دول الأعضاء بتجمع بريكس.

أهمية انضمام مصر لتجمع البريكس

وأشار الخبير الاقتصادي إلى المكاسب التي تعود على الاقتصاد المصري من الانضام لتجمع البريكس، منها خلق نافذة جديدة للتبادل التجاري بعيدًا عن الدولار، وتسليط الضوء على الفرص الاستثمارية لمصر، مثل محور قناة السويس باعتباره مناطق لوجستية وصناعية  والمجرى الملاحي بما يمتكله من اللوجستيات الملاحية.

 محور قناة السويس 

وأفاد البهواشي أن الصين تمتلك منطقة لها  في السخنة، وروسيا لديها منطقة صناعية في شرق التفريعة في بور سعيد، مفيدًا أن محور قناة السويس يتمتع بإمكانيات قادرة على جذب مستثمري دول العالم، خاصة أنه متنوع في محفظته الاستثمارية بداية من مشروعات الطاقة المتجددة في السخنة.

تجمع البريكس يساهم في تحقيق توازن في العلاقات الدولية

ورأى الباحث الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، محمد محمود عبدالرحيم، إن تجميع البريكس يساهم في تحقيق توازن في العلاقات الدولية حيث تم اثبات بالدليل القطاع أن النظام الدولي بشكله الحالي فشل بشكل كبير في حل معظم المشاكل المزمنة والهيكلية الدولية ، موضحًا أنه يجب وجود قوة موازية تحقق مصالح دول الجنوب وهو ما ينعكس على شعار القمة "التعددية من أجل الأمن والتنمية العادلين"، ويمكن القول أن البريكس ترجمة لجهود متراكمة لمحاولة  تحقيق نظام دولي أكثر عدالة ويضمن تحقيق مصالح الدول بشكل متوازي.

الباحث الاقتصادي محمد محمود عبدالرحيمدول أعضاء في البريكس

ولفت عبدالرحيم أن هناك دول أعضاء في البريكس وفي نفس الوقت أعضاء في مجموعة العشرين، مثل " روسيا والصين والهند والبرازيل والأرجنتين والسعودية وجنوب أفريقيا '، وبالتالي هناك مخاوف محتملة من تزايد دور مجموعة البريكس على حساب مجموعة العشرين، وخصوصًا مع وجود ترحيب كبير من الدول النامية بتوسع المجموعة. 

تجمع البريكس

وأكد الباحث الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، أن هناك تطويرا كبيرا منتظرا لاليات العمل والتعاون داخل تجمع البريكس خلال الفترة القادمة، كما أنه من المحتمل أن يكون هناك دولا أخرى ستحصل على عضوية البريكس بخلاف عضوية الدول الستة الجدد اليوم "مصر والإمارات والسعودية وايران والارجنتين وإثيوبيا".

التكنولوجيا والصناعات الثقيلة

وكشف الباحث الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، محمد محمود عبدالرحيم، أن هناك ملفات اقتصادية يمكن تحقيق تطور بها من خلال العمل المشترك بين دول المجموعة، حيث يمكن توطين التكنولوجيا والصناعات الثقيلة والطاقة المتجددة ومحاربة الدولارة والتوسع في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الرئيس عبد الفتاح السيسي العملات المحلية الدكتور محمد البهواشي أهمية انضمام مصر لتجمع البريكس انضمام مصر لتجمع البريكس الباحث الاقتصادی التبادل التجاری تجمع البریکس دول الأعضاء

إقرأ أيضاً:

كيف تفكك سياسات السيسي مراكز الثقل الاستراتيجية بمصر في ظل حروب الجيل الخامس؟

في عالم تتسارع فيه وتيرة التحديات الأمنية، وتتشابك خيوط الحروب لتتجاوز ميادين القتال التقليدية إلى الفضاء السيبراني، والوعي الجمعي، والتحكم بالإدراك البشري، تجد مصر نفسها في مفترق طرق حاسم. لم تعد حماية الأمن القومي تعتمد فقط على قوة الجيش أو الموقع الجغرافي، بل على قدرة الدولة على بناء "مراكز ثقل استراتيجية" مرنة وقادرة على التكيف مع حروب الجيل الخامس الخفية. هذه الحروب تتسم بالخفاء، والتلاعب بالواقع، واستغلال التقنيات المتقدمة لاستهداف العقول قبل الأراضي. لكن، ورغم إدراك أهمية هذا التحول، يبدو أن سياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي لا تسهم في تقوية هذه المراكز، بل قد تعمل على تفكيكها من الداخل، ما يجعل مصر أضعف في مواجهة تهديدات المستقبل غير المرئية التي قد تتسلل كـ"شبكة العنكبوت".

من القلاع التقليدية إلى هشاشة عصر الوعي المستهدف: دروس من "عملية شبكة العنكبوت"

لطالما اعتمدت مصر على ركائز تقليدية في صيانة أمنها. الجيش النظامي كان الضامن الأول، وقناة السويس شريان اقتصادي ودبلوماسي حيوي، بينما مثلت الكتلة السكانية عمقا بشريا وسوقا استهلاكيا. هذه المراكز، وإن كانت أساسية، تواجه اليوم تهديدات متعددة الأوجه: من الحروب السيبرانية المعقدة التي تستهدف البنية التحتية والبيانات الضخمة، إلى حروب الإدراك والتلاعب بالوعي الجمعي التي تسعى لزعزعة الثقة الداخلية وتغيير المفاهيم دون إطلاق رصاصة واحدة، مرورا بالحرب الاقتصادية والعقوبات الذكية، وصولا إلى التهديدات غير المتماثلة كالإرهاب الذي يتسلل عبر الفضاءات الافتراضية.

القوة التقليدية، على الرغم من قدرتها على الردع العسكري، تجد نفسها عاجزة أمام عدو غير مرئي يهاجم الثقة الشعبية ويسعى لشل قدرات الدولة بالسرعة والتأثير النفسي والتلاعب بالحقائق واللاوعي الجمعي
القوة التقليدية، على الرغم من قدرتها على الردع العسكري، تجد نفسها عاجزة أمام عدو غير مرئي يهاجم الثقة الشعبية ويسعى لشل قدرات الدولة بالسرعة والتأثير النفسي والتلاعب بالحقائق واللاوعي الجمعي. هذا العدو لا يرتدي زيا عسكريا بل يستخدم البيانات والذكاء الاصطناعي لاختراق العقول، هنا تبرز الحاجة الملحة لنظام دفاعي "هجين" يمزج بين الصلابة والمرونة، ويفهم أبعاد حرب الإدراك.

يمكننا استلهام ذلك من "عملية شبكة العنكبوت" التي نفذتها أوكرانيا. هذه العملية لم تعتمد على المواجهة التقليدية المباشرة، بل على شبكة معقدة من العمليات السرية والتسلل، باستخدام طائرات مسيرة أُخفيت داخل شاحنات وأُطلقت من داخل الأراضي الروسية، مستهدفة قواعد جوية استراتيجية بعيدة عن خطوط الجبهة. ما يميز هذه العملية هو توقيتها، ودقتها، وخفاؤها، وتأثيرها الإعلامي والنفسي. فبعد أن ظهرت الأضرار الجسيمة في عمق الخصم، حرص الجانب الأوكراني على التناول الإعلامي الواسع للعملية، مؤكدا نجاحها وضرباته الموجعة، بينما سعى الخصم إلى التقليل من شأنها أو نفيها. هذا التناول الإعلامي المكثف لم يكن مجرد تغطية، بل كان جزءا أصيلا من العملية نفسها، يهدف إلى زعزعة الروح المعنوية للخصم، وإظهار قدرة المهاجم على اختراق العمق، وتأكيد فعالية أساليب حرب الجيل الخامس.

هذا النموذج يجسد جوهر حروب الجيل الخامس: الخفاء، والتخطيط المعقد، والاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة غير التقليدية، واستهداف مراكز الثقل الحيوية للخصم بطرق غير متوقعة، والعمل من الداخل أو من خلال نقاط ضعف غير ظاهرة، مع استغلال الأبعاد الإعلامية والنفسية لتعظيم التأثير. فإذا كانت مصر تريد حماية مراكز ثقلها الاستراتيجية، يجب أن تدرك أن التهديد قد يأتي من داخل "شاحنات" تبدو بريئة، ويستهدف "مراكز ثقلها الاستراتيجي" في العمق، وأن التناول الإعلامي الدقيق والموجه للحقائق، أو للتضليل، هو جزء لا يتجزأ من المعركة.

سياسات السيسي: عامل تفكيك داخلي في مرمى الجيل الخامس

على الرغم من أهمية بناء مراكز ثقل استراتيجية مبتكرة، يبدو أن بعض سياسات النظام الحالي تعمل ضد هذا التوجه الحيوي، وتساهم في تفكيك قلاع مصر الاستراتيجية، ما يجعلها عرضة لهجمات الجيل الخامس، تماما كما استهدفت "شبكة العنكبوت" مراكز الثقل الروسية من الداخل، وعُزز تأثيرها بالتناول الإعلامي:

• تركز السلطة وتهميش الخبرات المدنية: إن احتكار القرار في يد مؤسسة واحدة، وتهميش دور الخبراء المدنيين والمتخصصين في مجالات حيوية كالاقتصاد الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني المتقدم، وتحليل البيانات الضخمة، يعيق بناء مراكز ثقل حديثة ومتنوعة. فالابتكار والقدرة على التكيف مع التهديدات المعقدة في الجيل الخامس يتطلبان بيئة تتيح للمفكرين والمبدعين من مختلف القطاعات، خاصة التقنية، المساهمة الفاعلة. هذا النهج يغلق الباب أمام العقول القادرة على كشف "شاحنات العنكبوت" الخفية التي يمكن أن تستهدف مصر من الداخل، ويجعل الدولة أقل قدرة على تخطيط وتنفيذ دفاعات معقدة ومبتكرة، أو حتى صياغة خطاب إعلامي فعال مضاد للتلاعب.

تذهب أجزاء كبيرة من الميزانية، وغالبا ما تكون ممولة بالدين الخارجي، إلى مشاريع إنشائية ضخمة قد لا تخدم بشكل مباشر تعزيز قدرة مصر على مواجهة الحروب الهجينة. هذا يزيد من المديونية ويقلل من المرونة الاقتصادية للبلاد، مما يجعلها أكثر عرضة للضغوط الاقتصادية الخارجية والعقوبات الذكية الموجهة عبر الشبكات المالية العالمية، تماما كاستنزاف قدرات العدو دون مواجهة مباشرة
• الإفراط في الإنفاق على مشاريع ضخمة غير مدروسة: بينما تحتاج مراكز الثقل الحديثة في الجيل الخامس إلى استثمارات هائلة في البنية التحتية الرقمية المؤمنة، ومراكز البيانات، والبحث والتطوير في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وتنمية رأس المال البشري المتخصص في حروب المعلومات والإدراك، تذهب أجزاء كبيرة من الميزانية، وغالبا ما تكون ممولة بالدين الخارجي، إلى مشاريع إنشائية ضخمة قد لا تخدم بشكل مباشر تعزيز قدرة مصر على مواجهة الحروب الهجينة. هذا يزيد من المديونية ويقلل من المرونة الاقتصادية للبلاد، مما يجعلها أكثر عرضة للضغوط الاقتصادية الخارجية والعقوبات الذكية الموجهة عبر الشبكات المالية العالمية، تماما كاستنزاف قدرات العدو دون مواجهة مباشرة.

• تقييد الحريات وقمع المجتمع المدني: مركز الثقل المجتمعي، وهو الدرع الأقوى ضد حروب الإدراك والتأثير النفسي وحملات التضليل الإعلامي الموجهة عبر السوشيال ميديا، يتطلب بيئة من الثقة والوحدة الوطنية. إلا أن تضييق الخناق على الحريات العامة، واعتقال المعارضين، وتهميش المجتمع المدني، يُضعف النسيج الاجتماعي، ويُفقد الثقة بين الدولة والمواطن، مما يجعل الجبهة الداخلية أكثر هشاشة أمام أي محاولات للاختراق الرقمي والمعنوي، ويزيد من فعالية حملات "الأخبار الزائفة" و"التزييف العميق" الموجهة. هذه السياسات تسمح بانتشار "شبكات عنكبوت" داخلية تفتت اللُحمة الوطنية وتجعل المجتمع هدفا سهلا للتلاعب، وتمنع الدولة من صياغة سرديتها الخاصة ومواجهة الروايات الكاذبة بفاعلية عبر إعلام حر وموثوق.

• ضعف الشفافية والمساءلة: غياب الشفافية في اتخاذ القرارات الاقتصادية والأمنية، وضعف آليات المساءلة، يخلق بيئة خصبة لسوء الإدارة والفساد، مما يستنزف الموارد ويضعف القدرة الكلية للدولة على بناء قدرات استراتيجية مستدامة وقوية. هذا النقص في الحوكمة يترك مساحات شاسعة لاستغلالها من قبل الفاعلين في حرب الجيل الخامس لاختراق الأنظمة أو التلاعب بالمعلومات من الداخل، تماما كما تم إدخال طائرات "عملية شبكة العنكبوت" المتسللة عبر قنوات تبدو طبيعية، ويُصعّب على الإعلام الوطني والمجتمع المدني كشف الحقائق وتقديمها للجمهور، تاركا الساحة خالية للروايات الخارجية المضللة.

رؤية لتقوية مراكز الثقل: ضرورة تتجاوز العوائق وتستعد لـ"عناكب" المستقبل

لصمود مصر أمام التحديات المستقبلية، من الهجمات السيبرانية المعقدة إلى الضغوط الاقتصادية الذكية والحملات الإعلامية الممنهجة التي تستهدف العقول والإدراك، لا بد من تبني نظام هجين حقيقي. هذا يتطلب تحويل نقاط القوة التقليدية إلى مراكز ثقل متكاملة ومرنة، مع إرادة سياسية حقيقية تتجاوز العوائق الحالية والتوجهات التي تُفكك لا تُبنى، وتستعد لمستقبل صراعات الجيل الخامس التي تعتمد على التسلل والتخفي:

• مركز ثقل دفاعي هجين: يجب دمج الجيش النظامي مع وحدات متخصصة في الدفاع السيبراني المتقدم، مكافحة الإرهاب الرقمي، وحرب الإدراك. ينبغي إنشاء مركز عمليات مشترك يجمع بين القوات النظامية والأمن السيبراني والاستخبارات، ليتمكن من الاستجابة السريعة والمتكاملة للتهديدات المتنوعة، مع التأكيد على أهمية الشراكة مع القطاع المدني المتخصص في هذه المجالات وتطوير كوادر قادرة على فهم وتحليل المعلومات المعقدة، وكشف "شبكات العنكبوت" قبل إطلاقها.

• مركز ثقل اقتصادي-دبلوماسي: يجب أن تتجاوز نظرتنا لقناة السويس كونها مجرد ممر مائي، إنها مركز اقتصادي عالمي متعدد الأنشطة، يمكن استثماره لإنشاء موانئ ومناطق لوجستية ومراكز رقمية. كما أن بناء شبكات تحالفات اقتصادية وتكنولوجية قوية مع دول رائدة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني سيخلق دروعا اقتصادية ضد الضغوط الخارجية، مع ضرورة تنويع الشركاء وعدم الاقتصار على محور واحد. هذا التنويع يقلل من نقاط الضعف التي يمكن أن يستغلها الخصم لنسج "شبكة عنكبوت" اقتصادية حول مصر.

الانتقال إلى نظام هجين ليس مجرد خيار تكتيكي، بل هو ضرورة استراتيجية قصوى لضمان الأمن القومي المصري في ظل تهديدات الجيل الخامس. لكن هذه الضرورة تصطدم بواقع سياسي يُهدد، لا يُمكّن من بناء هذه المراكز الحيوية
• مركز ثقل إعلامي-سيبراني (مركز الإدراك والتأثير): في زمن المعلومات المفتوحة وحروب الوعي، تعد السيطرة على السردية أمرا حيويا. يتطلب ذلك تأسيس وحدات متخصصة في الإعلام الاستراتيجي الموجه، والأمن السيبراني العميق، وإدارة حملات التضليل الإعلامي المضادة. استخدام الذكاء الاصطناعي المتقدم لتحليل البيانات الضخمة، ورصد الشائعات والتزييف العميق، وتحليل الرأي العام بدقة؛ يمكن أن يكون أداة قوية في بناء الثقة الشعبية وتحصين الجبهة الداخلية ضد التلاعب، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الشفافية في التعامل مع المعلومات. هذا المركز يجب أن يعمل كشبكة استخبارات داخلية مضادة لـ"عناكب" التضليل الإعلامي، وأن يكون قادرا على إدارة الرواية الإعلامية الوطنية بفاعلية واحترافية عالية، على غرار الدور الذي لعبه التناول الإعلامي لعملية "شبكة العنكبوت" في تعظيم تأثيرها.

• مركز ثقل مجتمعي (الحصانة الفكرية): لا يمكن لأي نظام دفاعي أن يصمد دون جبهة داخلية قوية ومتماسكة تمتلك حصانة فكرية ضد التلاعب. يتطلب ذلك تعزيز الوحدة الوطنية من خلال برامج التعليم التي تركز على التفكير النقدي، والتدريب على تمييز المعلومات المضللة، والتنمية المحلية الشاملة. كما أن دعم الابتكار وريادة الأعمال في القطاعات التكنولوجية سيخلق اقتصادا مرنا ومتنوعا، يصعب استهدافه بالحروب الاقتصادية، مع ضرورة إفساح المجال للمبادرات الشعبية وعدم تهميش دور المجتمع المدني في بناء هذه الحصانة. هذا الحصن المجتمعي هو ما يمنع "خيوط العنكبوت" من الالتفاف حول الوعي العام، ويعزز من قدرة المجتمع على الصمود أمام محاولات التلاعب الإعلامي.

طريق الصمود: هل تتجاوز مصر عوائق الداخل لمواجهة حرب الوعي؟

إن الانتقال إلى نظام هجين ليس مجرد خيار تكتيكي، بل هو ضرورة استراتيجية قصوى لضمان الأمن القومي المصري في ظل تهديدات الجيل الخامس. لكن هذه الضرورة تصطدم بواقع سياسي يُهدد، لا يُمكّن من بناء هذه المراكز الحيوية. تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية لا تلين، واستثمارات استراتيجية في التكنولوجيا المتطورة، وتطوير كوادر بشرية قادرة على العمل في بيئة هجينة تفهم أبعاد حرب الإدراك. والأهم من ذلك، يتطلب إصلاحا شاملا للسياسات التي تعيق التقدم وتضعف قدرة مصر على بناء مراكز ثقلها الاستراتيجية في هذا العصر الجديد.

فهل تدرك القيادة المصرية حجم التحدي المتزايد الذي تمثله "عملية شبكة العنكبوت" على المستويات كافة، بما في ذلك الأبعاد الإعلامية والنفسية، وتتخذ الخطوات اللازمة لتقوية مراكز الثقل الاستراتيجية بدلا من تفكيكها، لتصوغ مستقبل مصر في زمن حروب الجيل الخامس الخفية؟

مقالات مشابهة

  • اليوم.. رجال أعمال ودبلوماسيون أوروبيون ببورسعيد للتعرف على الفرص الاستثمارية
  • تسليط الضوء على الفرص الاستثمارية العمانية في فعالية ببلجيكا
  • الوكيل: بفضل الإصلاحات أصبحت مصر مرة أخرى أرض الفرص الواعدة
  • مصر أرض الفرص الواعدة.. مدبولي يوجه رسالة للمستثمرين
  • الغرف التجارية: مصر أصبحت أرض الفرص الواعدة
  • التمثيل التجاري يستعرض فرص الاستثمار بمصر خلال منتدى الأعمال الصيني الأفريقي
  • المسحل: مشاركة المنتخب السعودي في الكأس الذهبية خطوة مهمة في مسيرة التطوير والحضور الدولي
  • كيف تفكك سياسات السيسي مراكز الثقل الاستراتيجية بمصر في ظل حروب الجيل الخامس؟
  • المسحل: مشاركة المنتخب في الكأس الذهبية خطوة مهمة في مسيرة التطوير والحضور الدولي
  • «المسحل» عن مشاركة المنتخب السعودي في الكأس الذهبية: خطوة مهمة في مسيرة الحضور الدولي