الخوف.. لماذا يحبه البشر ويشعرون بالمتعة بعد انتهائه؟!
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
يميل أغلب الناس الى الاستمتاع في الشعور بالخوف ويحرصون على خوض تجربة "الخوف"، ولذلك فإن "غرفة الأشباح" هي واحدة من أهم المرافق في مدن الألعاب، كما أن تجربة "بيت الرعب" تستقطب الملايين من البشر سنوياً الذين يسافر بعضهم من بلد إلى آخر بحثاً عن "مدينة أشباح" أكثر رعباً.
ويُعتبر الشعور بالخوف هو أحد المظاهر الغريبة لدى البشر، حيث إن أغلب الناس يستمتع بهذا الشعور، وخاصة بعد انقضائه، ويظل يتذكر تجربة الخوف أو الرعب التي مر بها سابقاً، ويستعرضها على أنها واحدة من التجارب الممتعة والجميلة في حياته.
وحاول تقرير نشره موقع "ساينس أليرت" Science Alert، المتخصص بالعلوم والتكنولوجيا تفسير هذه الظاهرة الغريبة، والاجابة على سؤال "لماذا يستمتع الناس بالخوف؟".
وقال التقرير الذي اطلعت عليه "العربية.نت" إن "شركة أميركا هانتس" المتخصصة بالمنتجات المتعلقة بالشخصيات المرعبة ووجوه التخفي، تُقدر أن الأميركيين ينفقون ما يزيد عن 500 مليون دولار أميركي سنوياً على رسوم دخول البيوت المسكونة لمجرد تجربة الخوف والشعور بالرعب.
كما أن العديد من عشاق الرعب لا يقتصرون على ذلك، وإنما يستمتعون بأفلام الرعب والعروض والكتب طوال العام.
وتقول عالمة النفس سارة كولات إن ثمة تقاطع بين علم النفس والخوف، وهو تقاطع مثير للاهتمام، مشيرة إلى النظرية التي تقول إن المشاعر تطورت كخبرة عالمية لدى البشر لأنها تساعدنا على البقاء.
وأضافت: "إن خلق الخوف في حياة آمنة يمكن أن يكون ممتعاً، وهو وسيلة للناس للتدرب والاستعداد لمخاطر الحياة الواقعية".
ويقول تقرير "ساينس أليرت" إن تجارب الخوف المتحكم فيها، حيث يمكنك النقر على جهاز التحكم عن بعد، أو إغلاق الكتاب، أو الخروج من المنزل المسكون بالأشباح متى شئت، تقدم النشوة الفسيولوجية التي يثيرها الخوف، دون أي خطر حقيقي.
وعندما تشعر أنك تحت التهديد، ترتفع مستويات الأدرينالين في جسمك وتنشط استجابة القتال أو الهروب التطورية، ويزداد معدل ضربات قلبك، وتتنفس بشكل أعمق وأسرع، ويرتفع ضغط دمك، ويستعد جسمك للدفاع عن نفسه ضد الخطر أو الهروب بأسرع ما يمكن.
ويقول التقرير إن هذه الاستجابة الجسدية حاسمة عند مواجهة تهديد حقيقي، فعندما تتعرض لخوف متحكم فيه، مثل الخوف المفاجئ في برنامج تلفزيوني عن الزومبي، يمكنك الاستمتاع بهذا الإحساس النشط. وبعد ذلك، بمجرد التعامل مع التهديد، يفرز جسمك الناقل العصبي الدوبامين، الذي يوفر إحساساً بالمتعة والراحة.
وفي إحدى الدراسات، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين زاروا منزلاً مسكوناً عالي الكثافة كتجربة خوف متحكم فيها أظهروا نشاطاً دماغياً أقل استجابة للمحفزات وقلقاً أقل بعد التعرض. وتشير هذه النتيجة إلى أن تعريض نفسك لأفلام الرعب أو القصص المخيفة أو ألعاب الفيديو المثيرة يمكن أن يهدئك بعد ذلك.
كما يشير التقرير الى أن المرور بتجارب الخوف الشديد يعزز الروابط بين الأفراد الذين يعيشون حالة الخوف معاً، ومن الأمثلة الجيدة على ذلك المحاربين القدامى الذين خدموا معاً في القتال، والناجين من الكوارث الطبيعية، و"العائلات" التي تم إنشاؤها في مجموعات من المستجيبين الأوائل.
ويضيف: "إن التهديد المتصور يدفع البشر إلى رعاية الأبناء وإنشاء روابط اجتماعية وعاطفية للحماية والراحة. ويتم تنظيم هذا النظام إلى حد كبير بواسطة ما يسمى (هرمون الحب) الأوكسيتوسين".
وأظهر الباحثون في مختبر الخوف الترفيهي بجامعة آرهوس في الدنمارك في إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين يستهلكون بانتظام وسائل الإعلام المرعبة كانوا أكثر مرونة نفسية أثناء جائحة "كوفيد-19" من غير عشاق الرعب.
ويقول العلماء إن هذه المرونة قد تكون نتيجة لنوع من التدريب الذي مر به هؤلاء، فقد تدربوا على التعامل مع الخوف والقلق الناجم عن شكل الترفيه المفضل لديهم، ونتيجة لذلك، كانوا أكثر استعداداً لإدارة الخوف الحقيقي الناجم عن الوباء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الخوف البشر العربية الرعب أفلام الرعب القتال
إقرأ أيضاً:
مثل البشر.. عثة البوغونغ تهتدي بالنجوم للهجرة مئات الكيلومترات
أثبت فريق دولي من الباحثين عبر تجارب مثيرة للاهتمام أن فراشات "عثة البوغونغ" الأسترالية، وهي فراشات ليلية مهاجرة، تهتدي بالنجوم، للهجرة لمسافات طويلة تمتد لمئات الكيلومترات عبر أستراليا.
ونُشرت هذه الدراسة الرائدة في دورية "نيتشر" العلمية، وشارك فيها علماء من جامعات عالمية، منها جامعة لوند السويدية والجامعة الوطنية الأسترالية، وجامعة جنوب أستراليا، حيث يقود "إريك وارنت" فريق أبحاث الرؤية العصبية ورئيس قسم الأحياء الحسية في جامعة لوند السويدية.
ويشرح وارنت أهمية الاكتشاف في تصريحات حصرية للجزيرة نت قائلا: "الاكتشاف الأساسي هو أن فراشة البوغونغ هي أول كائن لافقاري نكتشف قدرته على استخدام النجوم كبوصلة للتنقل لمسافات طويلة إلى وجهة بعيدة لم تزرها من قبل. فقط البشر وبعض أنواع الطيور الليلية كانت معروفة باستخدامها للنجوم في التنقل، مما يضع تلك الفراشة في مكانة فريدة".
كل ربيع، تنطلق أعداد هائلة من عثة البوغونغ من مناطق تكاثرها في جنوب شرق أستراليا، قاطعة ما يصل إلى ألف كيلومتر في رحلة طويلة نحو كهوف باردة في جبال الألب الأسترالية الموجودة في أقصى الجنوب الشرقي من أستراليا، حيث تمضي الصيف في حالة سُبات، قبل أن تعود في الخريف إلى مواقع التكاثر لتموت بعد وضع البيوض.
ولطالما حيّرت هذه الهجرة العلماء، فكيف تحدد هذه الفراشات الصغيرة مواقع تلك الكهوف النائية بتلك الدقة سنويا؟ وللإجابة عن هذا السؤال، وضع الباحثون الفراشات في محاكات طيران متطورة داخل بيئات معزولة مغناطيسيا، وعرضوا عليها سماء ليلية، باستخدام برامج متقدمة لمحاكاة مواقع النجوم بدقة.
ويعلق وارنت عن صعوبة الأمر فيقول: "كان أكبر تحدٍ في جعل السماء (في المحاكاة) واقعية، بالإضاءة المناسبة والطيف الضوئي الصحيح. استخدمنا مقاييس ضوئية دقيقة وبرمجيات قبة سماوية متقدمة للتأكد من صحة المحاكاة، حتى نمنح الفراشات سماء واقعية".
إعلانوعندما حلقت الفراشات في سماء المحاكاة المليئة بالنجوم من دون أي مجال مغناطيسي، حلّقت في الاتجاه المناسب لهجرتها، جنوبا في الربيع وشمالا في الخريف. وحين أُديرت السماء 180 درجة أي في الاتجاه المعاكس، غيرت اتجاهها بنفس الزاوية تقريبا، وهو ما يدل على أنها لا تتبع نقاط ضوء ساطعة مُجردة عن السياق، بل هي تفهم السماء وتهتدي بالنجوم كالملاح الماهر بين أمواج البحار أو قادة القوافل في الصحاري الشاسعة قديما.
وغاص الباحثون فيما هو أعمق، وتمكنوا من توثيق نشاط عصبي في أدمغة الحشرة استجابة لدوران السماء. يوضح وارنت الدهشة التي شعر بها عند تحليل الخلايا العصبية: "الأكثر دهشة أن الخلايا العصبية لا تستجيب للسماء المرصعة بالنجوم فحسب، بل تستجيب أيضا لمحفز شريطي يحاكي استطالة مجرة درب التبانة، ومحفز نقطي يحاكي ألمع جزء من درب التبانة حول سديم كارينا. وهذا يُظهر بالفعل أن سمة السماء المرصعة بالنجوم التي تستخدمها العثة للتنقل هي درب التبانة".
وهذا يُظهر أن دماغ الفراشة، رغم صغره الشديد، يحمل نظاما متقدما لقراءة المعلومات الفلكية ومعالجتها واتخاذ القرارات بناء على هذا الفهم العميق. لكن ليست كل الليال صافية، فكثيرا ما ضاعت القوافل في العواصف العاتية أو الليال الملبدة بالغيوم، فكيف تتصرف العثة عندما تُحجب عنها السماء ونجومها ومجرتها؟
هنا كانت المفاجئة، إذ وجد الباحثون أن العثة لا تفقد قدرتها على معرفة الاتجاهات! ويشرح وارنت أن هناك "بوصلة مزدوجة لعث البوغونغ، بل وللعديد من الحيوانات المهاجرة. فإذا غطت الغيوم السماء، تتولى البوصلة المغناطيسية المهمة، وإذا واجهت الفراشة شذوذا مغناطيسيا، فيمكن للنجوم أن ترشدها بدلا من ذلك". هذه الإستراتيجية تجعل نظام التنقل أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع الظروف الجوية المتغيرة.
وتراجعت أعداد فراشات البوغونغ بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مما دفع لتصنيفها كنوع مهدد. ويؤكد الباحثون أن الحفاظ على سماء ليلية مظلمة ومسارات الهجرة أمر بالغ الأهمية. يقول وارنت: "لا شك عندي أن هناك حشرات مهاجرة أخرى تستخدم نفس الإشارات السماوية والمغناطيسية في هجرتها. قد تكون عثة البوغونغ أول من نعرف عنها، لكنها لن تكون الأخيرة".
ويفتح هذا الاكتشاف آفاقا جديدة في التكنولوجيا، فقد استخدم مهندسون في أستراليا سابقا بيانات من دراسات حول خنافس الروث لتطوير مستشعرات ذكاء اصطناعي للملاحة في الإضاءة المنخفضة. وقد تقود دراسة البوغونغ إلى تحسينات في أنظمة الملاحة الآلية للطائرات بدون طيار أو الروبوتات، اعتمادا على أنماط السماء.