الضربات الصاروخيّة "الإسرائيليّة" والإيرانيّة المتبادلة في حرب الـ12 يوما أدخلت المنطقة في رعب تامّ، وخصوصا الدول الواقعة ضمن/ أو بالقرب من مسرح العمليّات، ومنها العراق والأردن ولبنان وسوريا وغيرها!
وسبق لوزير الخارجيّة العراقيّ الأسبق هوشيار زيباري أن ذكر قبل شهر ونصف تقريبا بأنّ المنطقة مُقبلة على "عاصفة ضخمة" نهاية شهر أيّار/ مايو أو منتصف حزيران/ يونيو 2025، والعراق في "قلب العاصفة"، وفعلا بدأت العاصفة منتصف حزيران الحاليّ، وكانت المواجهات الإيرانيّة- "الإسرائيليّة"!
ولكنّ السؤال هل وقع العراق فعلا في "قلب العاصفة"؟ التطوّرات الجديدة أربكت الملفّات السياسية والأمنية والاقتصادية العراقيّة!
دخل العراق مرحلة الركود السياسيّ شبه التامّ، وغالبيّة الشخصيّات التي كانت تُناصر إيران آثرت الصمت والسكون ولم نسمع صوتها، لا من قريب ولا من بعيد
سياسيّا دخل العراق مرحلة الركود السياسيّ شبه التامّ، وغالبيّة الشخصيّات التي كانت تُناصر إيران آثرت الصمت والسكون ولم نسمع صوتها، لا من قريب ولا من بعيد! فيما أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تضامن العراق مع إيران في ظل الهجمات "الإسرائيليّة"، واستعداده لتقديم المساعدات اللازمة لمعالجة آثار العدوان الذي تتعرّض له، وذلك خلال اتصال مع الرئيس الإيرانيّ مسعود بزشكيان الذي دعاه لمنع "إسرائيل" من "استخدام مجال العراق الجوّيّ"!
أما أمنيّا، وهو الملفّ الأهمّ والأخطر، فقد ذكرت الخارجيّة العراقيّة في 18 حزيران/ يونيو 2025 أنّه تمّ الاتفاق بين الحكومة والفصائل المسلّحة على منع تحويل العراق إلى ساحة لصراع المتخاصمين، وأنّ الحكومة تبحث مع واشنطن عددا من الملفّات وأهمّها "ملفّ الفصائل"! وهذا يؤكّد تخوّف قيادات تلك الفصائل من الاستهداف الأمريكيّ، ولو بعد حين!
ونهاية الأسبوع الماضي دعت حركة "النجباء" المسلّحة إلى إعلان "أجواء العراق منطقة حظر جوّيّ على الولايات المتّحدة وإسرائيل"! ولاحقا جرت محاولات محدودة لاقتحام المنطقة الخضراء المحصّنة للوصول إلى السفارة الأمريكيّة، ولهذا اضطرّت الحكومة لإغلاق المنطقة، ومع ذلك نُظّمت بعض الفعّاليّات البسيطة عند بوابة الخضراء، وأعربت عن رفضها للضربات "الإسرائيليّة" المستهدفة لإيران!
وليلة نهاية المواجهات الإيرانيّة- "الإسرائيليّة" وُجّهت ضربات بطائرات مسيّرة مجهولة وبتوقيتات مريبة واستهدفت القاعدة الأمريكيّة في مطار بغداد، وضُرب الرادار الفرنسيّ في معسكر التاجي في بغداد، وكذلك الرادار الآخر في قاعدة "الإمام علي" في محافظة ذي قار الجنوبيّة، وطالت الضربات أيضا قاعدة بلد بمحافظة صلاح الدين، وعين الأسد في الأنبار الغربيّة!
والغريب أنّ قوّة أمنيّة حكوميّة اعتقلت، فجر الأربعاء الماضي، المحلّل السياسيّ "عباس العرداوي" القريب من "حرب الله العراقيّ"، وذلك بعد كتابته لتغريدة قصيرة وبالعاميّة، أشار فيها لما حدث في التاجي بقوله: "لا يوجد شيء هنالك! رادار فرنسيّ بقاعدة التاجي قدّم خدماته بالعدوان الإسرائيليّ تمّ تدميره وإحالته للسكراب"!
وهذا الكلام فيه اتّهام واضح للحكومة بالتعاون مع "إسرائيل" في الحرب ضدّ إيران، ولهذا كانت عمليّة الاعتقال بناءً على توجيهات السوداني!
وسبق للأراضي العراقيّة أن كانت مسرحا للمناوشات الأمريكيّة (الإسرائيليّة)- الإيرانيّة، وبالذات الهجمات الإيرانيّة المباشرة، أو عبر أذرعها العراقيّة، على القنصلية الأمريكيّة في أربيل وقاعدة عين الأسد!
أما اقتصاديّا، وبعد أن صارت سماء العراق مسرحا للصواريخ والطائرات المسيّرة والعاديّة لكلا الفريقين المتحاربين، اضطرّت حكومة بغداد لغلق كافّة المطارات، بما فيها مطار أربيل في كردستان، عدا مطار البصرة جنوبيّ العراق، نتيجة لانعدام السلامة الجوّيّة للطائرات والمسافرين!
ومع هذه الربكة السياسية والأمنيّة والاقتصاديّة وحتّى المجتمعيّة، يظهر التساؤل الأبرز: هل سيكون العراق ساحة للتصفيات المسلّحة بين "إسرائيل" وإيران؟!
وهل يمتلك العراق أوراق ضغط حقيقيّة بعد هذه الحرب وتداعياتها للتأثير ولو لحفظ سيادته وسماءه وناسه على أقل تقدير؟
وهل يمكن أن تحدث فوضى مستقبلية نتيجة لحالة التشنّج الواضحة، وغير المعلنة، بين السوداني وبعض الجماعات المسلّحة والكيانات السياسيّة؟ والأهمّ هو هل المعارضة العراقيّة قادرة على مسك زمام الأمور إن حدث أي تغيير على الأرض؟
الضغوط، الداخلية والخارجية، القاهرة أربكت عمل حكومة بغداد وجعلتها في موقف هزيل، وتفتقر للكثير من فرص المناورة والتحرّك الدبلوماسيّ الداخليّ والخارجيّ
واقعيّا، ورغم جميع محاولات بيان قوّة العراق، فإنّ حالة الشلل السياسيّ والأمنيّ واضحة، وهذا يؤكّد العجز في ترتيب الأوراق والملفّات بحسب أهمّيّتها وتأثيرها على الناس والوطن في حاضرهم ومستقبلهم!
وبعد الحرب "احتفلت" بعض فصائل الحشد الشعبيّ في بغداد والمحافظات بالنصر الإيرانيّ، وبقاء النظام في الحكم، وهذا يعني دعم الجماعات المتوائمة معه في العراق واليمن وغيرهما.
ومع ذلك أبدت عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، قبل يومين، تخوّفها من "خسارة الحشد للانتخابات المقبلة" وفقا لمحمد الطباطبائي، الرجل الثاني في العصائب!
عموما فإنّ هذه الضغوط، الداخلية والخارجية، القاهرة أربكت عمل حكومة بغداد وجعلتها في موقف هزيل، وتفتقر للكثير من فرص المناورة والتحرّك الدبلوماسيّ الداخليّ والخارجيّ!
وهكذا فإنّ الغموض الذي يلفّ مجمل الأوضاع الأمنيّة والميدانيّة المحلية والإقليميّة يُشير إلى أنّ مستقبل العراق مليء بالأحداث المركّبة، ولهذا لا يمكن التكهّن بسهولة بحال البلاد خلال المرحلة المقبلة، ولكنّ المتوقّع أنّ العراق سيكون في قلب العاصفة، وأنّ العراق بعد المناوشات الإيرانيّة- "الإسرائيليّة" ليس هو ذاته بعدها!
أما المعارضة العراقيّة فهي بحاجة لدراسة واقعها بعناية ليكون لها دور ما في المستقبل العراقيّ الدولة الرصينة ينبغي أن تعرف نقاط ضعفها لمعالجتها وإعادة بناء مؤسّساتها لردم أيّ هوّة ونقطة ضعف موجودة في هياكلها!
x.com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء العراق إيران إسرائيل فوضى الضغوط العراق إيران إسرائيل فوضى ضغوط قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإسرائیلی ة قلب العاصفة ة العراقی ة الإیرانی ة الأمریکی ة ة العراق
إقرأ أيضاً:
لاريجاني في بغداد وبيروت بين حصر السلاح وتثبيت النفوذ
طهران- في خضم مشهد إقليمي مشحون بالتوترات السياسية والأمنية وصل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى العاصمة العراقية بغداد، في زيارة رسمية تهدف إلى "توقيع اتفاقية أمنية ثنائية مع الحكومة العراقية"، قبل أن يتوجه لاحقا إلى لبنان.
وقال لاريجاني -الذي عُين قبل أسبوع أمينا جديدا للأمن القومي- للتلفزيون الإيراني قبيل مغادرته طهران إن زيارته تشمل العراق ولبنان، موضحا أن الاتفاق المزمع توقيعه في بغداد "يؤكد أن أمن المنطقة مبدأ إستراتيجي مشترك".
وشدد لاريجاني على شكر طهران الحكومة العراقية لـ"تعاونها الكبير" في تنظيم مراسم زيارة الأربعين وتسهيل شؤون الزوار الإيرانيين.
والتقى لاريجاني في العراق مسؤولين وقوى سياسية واجتماعية، لبحث "سبل تعزيز التعاون الثنائي"، في حين ستشهد محطته الثانية في بيروت غدا الأربعاء مشاورات مع مسؤولين وشخصيات مؤثرة، لنقل "رسائل واضحة تركز على وحدة الشعب اللبناني واستقلال البلاد، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري".
وأكد أن إيران مستعدة دائما لدعم الشعب اللبناني لتجاوز الأزمات وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
أبعاد إقليميةوتأتي الزيارة في ظل تفاعلات إقليمية متشابكة، إذ تزامنت مع جدل واسع في العراق عقب دعوة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى حصر السلاح بيد الدولة، وهي دعوة وُجهت رسميا إلى جميع الأطراف، لكن الأنظار تركزت على فصائل الحشد الشعبي التي تحولت من قوة قتالية ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى لاعب سياسي وعسكري واسع النفوذ.
ويرى محللون أن تصريحات السوداني قد تستهدف بالأساس الفصائل المسلحة خارج إطار الحشد، ولا سيما ذات التوجهات المعادية لواشنطن والمنخرطة في عمليات ذات بعد إقليمي، في وقت يقترب فيه العراق من استحقاق انتخابي، وتتصاعد فيه الضغوط الغربية بشأن مستقبل السلاح خارج الدولة.
إعلانوفي لبنان، أقرت الحكومة رسميا مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، وهو ما رفضه حزب الله، معلنا تمسكه بسلاحه، في حين جاء الدعم الإيراني لهذا الموقف صريحا على لسان مسؤولين بارزين، مثل وزير الخارجية عباس عراقجي ومستشار المرشد علي أكبر ولايتي.
ولم يتأخر الرد اللبناني الرسمي، إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانين منفصلين أدانت فيهما تصريحات المسؤولين الإيرانيين، واعتبرتهما "تدخلا في الشأن الداخلي اللبناني وعدم احترام لسيادة البلاد".
وبحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، فإن جولة لاريجاني إلى العراق ولبنان تأتي في إطار "تعزيز استقرار الأمن في المنطقة ضمن المستجدات الإقليمية"، وهو ما يرى مراقبون أنه يعكس رغبة طهران في تثبيت نفوذها السياسي والأمني في محطات إقليمية حساسة، وسط تقاطعات محلية ودولية معقدة.
أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي: زيارة لاريجاني تأتي على خلفية ملف حاسم وساخن في أروقه السياسة العراقية وهو موضوع قانون الحشد#ما_وراء_الخبر pic.twitter.com/1uRVAgEGKo
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 12, 2025
رد على ضغوطتقول المحللة السياسية هدى يوسفي إن زيارة لاريجاني إلى بيروت لا يمكن النظر إليها على أنها مجرد زيارة دبلوماسية اعتيادية، بل تمثل في جوهرها ردا إستراتيجيا على ضغوط جيوسياسية متزايدة تتعرض لها إيران من عدة جبهات في وقت واحد.
وأشارت في حديثها للجزيرة نت، إلى أن توقيت الزيارة ومسارها يجعلها نقطة تحول محورية بالنسبة لمحور المقاومة، وخاصة لطهران.
وأضافت أن لاريجاني قدّم أهداف زيارته ضمن الخطاب الدبلوماسي التقليدي، متحدثا عن "التشاور مع المسؤولين اللبنانيين" و"الحفاظ على الوحدة الوطنية"، و"دعم استقلال لبنان"، لكن هذه العناوين، بحسب يوسفي، تخفي وراءها أهدافا إستراتيجية أعمق وأكثر إلحاحا.
في مقدمة هذه الأهداف، بحسب يوسفي، احتواء وإدارة الأزمة التي أثارها قرار الحكومة اللبنانية الأخير بنزع سلاح حزب الله بدعم مباشر من الولايات المتحدة، وهو ما تعتبره طهران "خطا أحمر" أمنيا.
ورأت يوسفي أن مهمة لاريجاني متعددة المستويات:
تبدأ بتقييم مدى جدية الحكومة اللبنانية في تنفيذ القرار ومدى تماسكها الداخلي. مرورا بتقوية صفوف المعارضين له عبر التواصل مع طيف واسع من الشخصيات المؤثرة، وبما يتجاوز الحلفاء التقليديين لإيران، بهدف تحويل الملف من تحد عسكري محتمل إلى أزمة سياسية داخلية تزيد كلفة التنفيذ على حكومة بيروت.ولفتت إلى أن أبعاد الزيارة تتجاوز الأزمة اللبنانية، إذ تأتي ردا على ما تصفه بـ"المأزق الإستراتيجي" الذي تواجهه إيران جراء تزامن مشروع نزع سلاح حزب الله مع التطورات في القوقاز، لا سيما اتفاق أرمينيا وأذربيجان الذي أتاح تمدد الحضور الأميركي والأطلسي حتى حدود إيران الشمالية، وهو ما تعتبره طهران استكمالا لحلقة تطويقها إقليميا.
وبحسب يوسفي، فإن نتائج الزيارة ستختلف باختلاف المدى الزمني؛ ففي المدى القصير يرجح أن يتمكن لاريجاني من تأجيل أو إبطاء تنفيذ الخطة عبر تسليط الضوء على مخاطر الصدام الداخلي وإحداث انقسامات في النخبة الحاكمة.
إعلانلكن النجاح الكامل في إفشال المشروع سيبقى رهينا بعوامل خارج سيطرة إيران، أبرزها مستوى الضغط الأميركي والإسرائيلي والأوضاع الاقتصادية الهشة في لبنان.
وختمت بأن الرسالة الأهم التي تحملها الزيارة موجهة إلى واشنطن وتل أبيب وعواصم المنطقة، ومفادها أن إيران لن تتخلى عن أصولها الإستراتيجية، وعلى رأسها حزب الله، وأنها مستعدة لاستخدام كل الأدوات الدبلوماسية والسياسية، بل والأمنية إذا لزم الأمر، للحفاظ على عمقها الإستراتيجي، مؤكدة أن الزيارة تهدف أكثر إلى منع خسارة إستراتيجية كبرى، لا إلى تحقيق مكسب جديد.
الدبلوماسية الإقليميةوفيما يتعلق بزيارة بغداد، قال الباحث الإيراني المختص بالشأن العراقي علي بيدبو في حديثه للجزيرة نت، إن "العراق يمر حاليا بحالة من الاستقرار الهش، وهو وضع يمكن أن يتغير في أي لحظة تحت تأثير موجة من التطورات الإقليمية، ورغم انشغال القادة السياسيين بالتحضير للانتخابات، فإنهم يتابعون المشهد المقبل بقلق واضطراب".
وأضاف بيدبو "قبيل إجراء الانتخابات وحلّ أكثر دورات البرلمان إثارة للجدل، يتحرك النواب والأحزاب بين مساعي إقرار أو رفض أو تعديل مشروع القانون المتعلق بالحشد الشعبي".
وأوضح أن "مشروع القانون، فضلا عن منحه صلاحيات خاصة للحشد الشعبي، يجعل جميع تحركاته خاضعة لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، كما ينص على تزويده بأسلحة متطورة، ورفع منصب رئيسه إلى مرتبة وزير بما يتيح له حضور اجتماعات مجلس الوزراء كعضو في الحكومة".
وأشار الباحث الإيراني إلى أنه مؤخرا، وبعد زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قآني إلى بغداد ولقائه القيادات الشيعية العراقية، جرت مشاورات حول القانون وضغوط الولايات المتحدة لمنع إقراره، وانتهت هذه المشاورات إلى توافق على صياغة مقترح لمستقبل الحشد الشعبي".
وبيّن أن زيارة لاريجاني إلى بغداد، وهي الأولى له منذ توليه منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، تحمل رسالة عامة بأن مهمة الدبلوماسية الإقليمية أُوكلت إليه بدلا من وزارة الخارجية، وفي الملف العراقي على وجه الخصوص، فهو يحمل رسالة وقرارا بشأن مستقبل الحشد الشعبي.