من نموذج استشهاد السنوار تبدأ الأسطورة.. وتكبر مع الأيام وتصبح مجالا للحكى والدرس والعظة وتتحول إلى رمز للحالة التى نشأت معها وهى أهمية فعل المقاومة وبذل الغالى والرخيص من أجلها حتى لو وصل الأمر لأن يضحى الإنسان بحياته ذاتها من أجلها على مرأى ومسمع من العالم كله. لكن خصوصية حالة السنوار أن الأسطورة بدأت مبكرا عن موعدها، حيث أنها فى العادة تستغرق أجيال، ولعل ذلك لأننا فى عصر يتم نقل كل شىء فيه على الهواء مباشرة.
يردد الإعلام الإسرائيلى أن حكومته أخطأت بنشر ما نشرته بشأن مشاهد اللحظات الأخيرة للسنوار حيث عززت بذلك من فكرة الأسطورة. ناشطة أمريكية راحت تشيد بشجاعته فى لحظات حياته الأخيرة ووصفت المشاهد التى التقطت له بأنها توثق الصمود الفلسطينى بشكل كامل. مسيرة فى بروكسل راحت ترفع صور السنوار وهذا عادى ومفهوم لكن الجديد أنهم راحوا يعتبرون عصا السنوار رمزا، والتى قد تتحول يوما ما لدى البعض لتوازى عصا موسى أو تتجاوزها قيمة.
لا تستغرب إذا رأيت فى المقبل من الأيام نماذج من تلك العصا تباع كتذكار على شاكلة الكوفية الفلسطينية ويمسك بها الطفل قبل الكهل، السيدات قبل الرجال، لا ليتم التوكؤ عليها، فليس هناك حاجة لتلك الوظيفة من العصا وإنما ليعلن من يمسك بها من خلالها عن هويته وانتمائه لفكر ورؤية تعلى من راية المقاومة ورفض الخضوع للاحتلال مهما كانت النتائج.
من الغريب والعجيب بعد كل ذلك أن تأتى المذمة «من أهل الدار»، ممن حملوا أو يقال إنهم حملوا راية المقاومة فى يوم من الأيام. من عضو بالمجلس الوطنى الفلسطينى الذى يمثل السلطة الفلسطينية فى الضفة هو اللواء أسامة العلى والذى لا يجد نقيصة إلا وحاول إلصاقها بالسنوار، فى عملية تشويه ممنهج تتجاوز محاولة النيل من شخص أو رمز إلى النيل من حالة هى حالة المقاومة ورفض الاحتلال الإسرائيلى.
فبابتسامة صفراء باهتة يعلوها التشفى، يبدى الرجل فى لقاء فضائى معه، نوعا من الارتياح المكتوم لرحيل السنوار، فيما يبدو معه وكأن السنوار كان مصدر إزعاج يتحول معه هدف التخلص منه لأمر واجب. ولو أن ذلك حقيقى بالنسبة لإسرائيل، فمن الغريب أن يكون التخلص من السنوار والقضاء عليه مصدر راحة للسلطة الفلسطينية التى تتماهى فى النهاية بغض النظر عن الخلافات مع المقاومة فى غزة ويتوحد هدفهما فى التحرر من الاحتلال وإن اختلف الأسلوب سواء بالمقاومة من حماس أو بالسياسة من قبل فتح.
ولا يكتفى العلى، فض فوه، بذلك بل يصدمنا برؤيته «التحليلية» وليست المعلوماتية والتى تحاول أن تنزع عن السنوار أسطورة الصمود التى بدا عليها، فراح يزعم أنه انتحر –بفعله– دون أن يقدم طرحا متماسكا يعزز ما يقول فى ضوء خطورة تلك الفرضية.
ويمعن «العلى» فى نظرية المؤامرة ونزع كل فضيلة عن المقاومة وقائدها لحد يرتقى إلى تهمة الخيانة والتواطؤ حيث يؤكد أنه لم يتم القبض على السنوار رغم أن ذلك كان ممكنا حتى لا يفضح السنوار مؤامرة طوفان الأقصى والتى يبدو من حكيه تصور أنها عملية تم التوافق عليها بين حماس وإسرائيل.
المجال يضيق عن الرد على العلى، ولكن الإجابة المختصرة هى ماذا جنينا من النهج الذى يؤمن به العلى والسلطة الفلسطينية، النهج الذى يمثل بديلا للمقاومة التى تمثلها فصائل غزة؟ الإجابة لا شىء سوى المزيد من ضياع الأراضى والحقوق الفلسطينية والمزيد من الخضوع للاحتلال.. فهل هذا ما يريده العلى؟ أعتقد.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات د مصطفى عبد الرازق استشهاد السنوار الإنسان بحياته
إقرأ أيضاً:
الحلقة رقم (٦) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة
●الحلقة رقم (٦) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة ..
● في هذا التسجيل أشرت الى شقيقه المقدم الطيب الأمين كبة الذي يقاتل في صفوف القوات المسلحة من منطلق قناعته الشخصية بأنه ضابط بالقوات المسلحة السودانية وقد أدى قسم الولاء بأن يدافع عن هذه الدولة وأرضها وشعبها ، وهو من زمرة الذين كان لهم الفضل في تحرير معسكر جبل سركاب بكرري منذ اليوم الأول للحرب ، وقد أصيب لاحقاً في واحدة من معارك حرب الكرامة ..
● ناقشته في كل الأشياء التي طرحها لى معتبراً إياها أسباباً جعلته يتخذ هذا الموقف الغريب والذى لا يشبه ضابطاً برتبة عظيمة نشأ وترعرع في كنف هذه المؤسسة العسكرية القومية …
● ناقشته في شكل الدولة السودانية التى نريد ، وطرحت له بعض المعالجات التى تؤمن بها مجموعتنا التصحيحية ونعتقد أنها بمثابة العلاج الناجع لمشكلة الدولة السودانية منذ أن نالت إستقلالها في العام ١٩٥٦م..
●صراحة لم تقنعني كل المبررات التى ساقها وطرحها لى عبر هذا التواصل الأثيري ، لأنها لا تقف على قاعدة صلبة ، ولا حتى نقاط مشتركة يمكن التأسيس عليها …
●نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا جميعاً الى سواء السبيل ..
عبد الباقي الحسن بكراوي