منال الشرقاوي تكتب: كيف يكشف الهالوين عن المخاوف الإنسانية من خلال السينما؟
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
يعدّ الهالوين واحداً من أكثر الاحتفالات الشعبية انتشاراً، لا سيما في الثقافات الغربية، حيث يُحتفل به في ليلة 31 أكتوبر. ومؤخراً بدأت بعض الدول العربية تشهد احتفالات مشابهة، خاصة في المجتمعات التي تتسم بالتنوع والانفتاح الثقافي لديها.
يعود تاريخ هذا الاحتفال إلى تقاليد قديمة، لكنه تطور بمرور الزمن ليصبح مناسبة اجتماعية تمتزج فيها الأزياء التنكرية والخدع والحلوى.
ترجع جذور الهالوين إلى احتفال "سامهاين" Samhain، وهو مهرجان كلتي قديم كان يُقام في نهاية موسم الحصاد وبداية الشتاء. كان "الكلتيون" يعتقدون أن الحاجز بين عالم الأحياء والأموات يصبح رقيقاً في هذه الليلة، مما يسمح للأرواح بالعودة إلى الأرض. و-في معتقداتهم-، أن الحماية من تلك الأرواح الشريرة، تكون بإرتدائهم للأزياء التنكرية وإشعالهم للنيران كي تبعد عنهم.
"الكلتيون"، تلك الشعوب القديمة التي نشأت في أوروبا منذ العصر الحديدي، توزعت بين أيرلندا، بريطانيا، فرنسا، وإسبانيا. لم يكونوا دولة موحدة، بل قبائل تتشارك لغة ومعتقدات متجذرة في الطبيعة والأرواح. اشتهروا بالفنون والحرف اليدوية، من أسلحة ومجوهرات إلى تماثيل تنبض بأساطيرهم. وسط دورات الفصول. مع مرور الزمن، اندمجت هذه التقاليد مع الاحتفالات المسيحية، وأخذ الهالوين شكله الحديث في الثقافة الغربية، الذي يتميز بالاحتفالات التنكرية وتوزيع الحلوى والخدع.
إن الهالوين يشغل من النفس البشرية مكانة لا تبارى، فهو ليس مجرد احتفال عابر، بل حالة أقف عندها متأملة. ففي هذا اليوم، يتحول الناس إلى شخصيات أخرى، ويطلقون العنان لأفكارهم الإبداعية الكامنة، وكأنهم يرتدون أقنعة تكشف عن جوانب مظلمة من أنفسهم.. ومع ذلك، يجدون في هذا اليوم ملاذاً آمناً، حيث يواجهون رهبتهم، لا بقلوب خافقة أو عيون قلقة، بل بابتسامات ساخرة، وبطريقة، يرونها مسلية، تجعلهم يلهون بما يخشونه، ويتنكرون بما يرتعدون منه، كأنهم يضحكون في وجه الظلام!
قد يكون ارتداء الأزياء التنكرية في الهالوين ضرباً من التمرد الصامت، يتمكن من خلاله الناس أن يفلتوا من قبضة واقعهم اليومي، وأن يتقمصوا شخصيات أخرى، مرعبة أو مرحة. ففي تلك الليلة، يرتدون الأقنعة، لا ليخفوا وجوههم فحسب، بل ليخفوا أنفسهم أيضاً، ويهربون من ضغوط الحياة، كأنهم يجدون في التنكر حصناً يحررهم ولو مؤقتاً من تلك القيود. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوز إلى ما هو أعمق وأشد غرابة. فهم يقبلون على تجربة الخوف، يسعون إليه، يطلبونه طلباً، فيضعون أنفسهم عن طيب خاطر في مواقف مرعبة، يشاهدون أفلام الرعب، ويدخلون بيوت الظلام المخيفة. ولعلهم يفعلون ذلك لأنهم يدركون، أن هذا الخوف الذي يعيشونه لحظات، خاليا من الخطر الحقيقي. فتلك اللحظات تمنحهم الفرصة لمواجهة الرعب، لا ليهربوا منه، بل ليتحدّوه ويتحكموا فيه، كأنما يستمتعون بإحساسهم بالقوة والسيطرة عليه.
لكن، في بعض الثقافات، يبدو الهالوين وكأنه فصل من فصول الحياة، فصلاً يعلن قدومه نهاية دورة وبداية دورة جديدة. يتزامن مع فصل الخريف، حيث تسقط الأوراق وتتهيأ الأشجار لاستقبال شتاء قاسٍ. فكأنما الاحتفال بهذا اليوم هو احتفال بالتجدد والتحول، ووداع لشيء قديم، واستقبال لشيء جديد. فهو لحظة من لحظات التحرر، يبذل فيها الناس أقنعة الماضي، ويتهيئون لرحلة جديدة مع الحياة.
ولعل هذه الروح المتجددة والمتناقضة في الوقت ذاته، هي ما جعلت الهالوين مصدر إلهام غني لصناع الأفلام، وخاصة في أفلام الرعب، التي تستفيد من هذا الاحتفال لخلق أجواء مرعبة. فهو يوم تتداخل فيه الحياة والموت، المرح والخوف، مما يتيح للسينما أن تستلهم من رمزيته وتبتكر قصصاً تثير الفزع والدهشة في آن واحد.
ولم يكن غريباً أن تستخدم الأفلام التي تدور حول الهالوين الأزياء التنكرية والأقنعة كرمز للوحشية الخفية داخل الإنسان. ففي فيلم "هالوين" الشهير للمخرج "جون كاربنتر" (1978)، وإنتاج "مصطفى العقاد"، نجد أن القناع الذي يرتديه "مايكل مايرز" يعبر عن وحشية غامضة، كأنما هو هروب من الهوية الإنسانية إلى الهوية المتوحشة. تلك الوحشية ليست إلا تجسيداً للرعب الذي يسكن أعماق النفس البشرية، مما يجعل من الهالوين فرصة مواتية لظهور هذا الجانب المظلم الذي يبقى مختبئاً معظم أيام السنة. ولعل هذا الجانب هو ما دفع الكثير من الأفلام إلى استغلال أجواء الهالوين، فتعتمد على خلق بيئة غامضة ومثيرة للخوف، حيث تتجسد الرهبة في الأزقة المظلمة والمنازل المهجورة، لتصبح خلفية مثالية للأحداث المرعبة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، فيلم "خدع أو حلوى" (Trick 'r Treat) الذي يقدم خمس قصص تقع جميعها في ليلة الهالوين، مستفيدة من بيئة الهالوين المظلمة والمشبعة بالغموض لإضفاء جو من الرعب والتشويق. تم إنتاج الفيلم في عام 2007، وأخرجه "مايكل دورتي" الذي كتب أيضاً السيناريو، ليخلق من خلاله تجربة سينمائية ترسم تفاصيل الخوف والمفاجأة، تماماً كما يفعل الهالوين نفسه.
في بعض الأفلام، يكون الهالوين رمزاً لمواجهة قوى خارقة للطبيعة، حيث تظهر مخلوقات أو أشباح تهدد الشخصيات. الأفلام التي تصور الهالوين غالباً ما تعكس خوف الإنسان من المجهول والموت. هذه الأفكار يتم تجسيدها في العديد من الأعمال التي تسعى لربط ليلة الهالوين بالقوى الغامضة التي يُعتقد أنها تتحرك في الظلام.
لا يمكن إنكار أن السينما لها دور كبير في تشكيل الثقافة الشعبية للهالوين. فقد ساعدت الأفلام في تعزيز الاهتمام بالاحتفال وفي ترسيخ بعض الرموز المرعبة المرتبطة به، مثل الأقنعة والسكاكين والمخلوقات المخيفة. هذه الأفلام لم تكتفِ فقط بعرض الهالوين كخلفية للأحداث، بل أسهمت في ابتكار أساطير وقصص جديدة أصبحت جزءاً من ثقافة الهالوين نفسها. في رأيي، يمثل الهالوين تداخلاً بين الخوف والمرح، وبين الواقع والخيال. هذا التداخل هو ما يجعل منه مادة دسمة للأفلام التي تحاول استكشاف الأبعاد النفسية للخوف والوحشية والهروب من الواقع. على الرغم من أن الاحتفال في الأصل كان وسيلة لدرء الشرور، إلا أنه تحول إلى طريقة للاحتفال بالخوف نفسه، وتحدي المجهول والاحتفاء بالغموض. ومن هنا، لم يعد الهالوين مجرد ليلة من الأزياء والخدع، بل رمز يجسد كيفية تعاملنا مع الواقع، بجرأته وغموضه.
من قال إن الهالوين احتفال بالرعب؟ إنه يشبه الحياة نفسها، احتفال بالجرأة على ملامسة المجهول، والتحدي وسط ظلام لا نعرف نهايته. فالأقنعة التي نرتديها، سواء في الهالوين أو في الحياة اليومية، ليست دائماً لإخفاء الوجوه، بل أحياناً تكشف عن حقائق نخفيها خوفاً أو تردداً. في كل يوم، تتحول مخاوفنا من أعداءٍ إلى أصدقاء، نعتادها، نضحك في وجهها، تماماً كما نفعل في ليلة الهالوين. فالحياة، ليست عن النجاة من الخوف، بل عن القدرة على التعايش معه وتحويله إلى ضوء يكشف لنا طريقاً جديداً.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
الشورى يدعو في جنيف إلى تفعيل دور البرلمانات في صون القيم الإنسانية
شارك مجلس الشورى برئاسة سعادة خالد بن هلال المعولي، رئيس المجلس، في أعمال المؤتمر العالمي السادس لرؤساء البرلمانات، الذي نظمه الاتحاد البرلماني الدولي بمدينة جنيف السويسرية خلال الفترة من 29 إلى 31 يوليو 2025م، بعنوان: "التعاون البرلماني وتعددية الأطراف من أجل السلام والعدالة والازدهار للجميع".
وخلال أعمال المؤتمر، ألقى رئيس المجلس كلمة، أكد فيها أن العالم يمر بمرحلة دقيقة تتسم بتصاعد النزاعات المسلحة، وتزايد أعداد اللاجئين والنازحين، إلى جانب الأزمات المرتبطة بالغذاء والطاقة وتفاقم التغيرات المناخية، وهو ما يتطلب تكثيف التعاون بين البرلمانات وتضافر الجهود لمواجهة هذه التحديات والعمل المشترك من أجل تحقيق السلام والتنمية المستدامة.
وأوضح سعادته أن التعاون البرلماني لم يعد مجرد إطار لتبادل الخبرات، بل أصبح ضرورة استراتيجية ملحّة لبناء موقف عالمي مشترك يعزز قيم السلم والتعايش، ويحفظ كرامة الإنسان ويصون حقوقه، ويُسهم في تحقيق العدالة والمساواة بين الشعوب.
وأشار سعادته في معرض كلمته، إلى أن سلطنة عُمان لطالما مثّلت حلقة وصل حضارية بين الأمم والثقافات، بما تحمله من إرث تاريخي ونهج راسخ قائم على الحوار والانفتاح وبناء جسور التواصل، مؤكدًا أن العمل البرلماني يجب أن يكون منصة فاعلة لتعزيز التفاهم حتى في ظل تباين المواقف واختلاف الرؤى.
وتطرّق سعادته في كلمته إلى تطورات القضية الفلسطينية، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني يمتلك حقوقًا مشروعة كفلتها القوانين الدولية والمواثيق الأممية، وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه، وأعرب عن بالغ القلق تجاه الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، مؤكدًا أن ما يجري من تجويع ممنهج وانهيار للبنية الحياتية يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، داعيًا البرلمانات الوطنية والدولية إلى اتخاذ مواقف واضحة وحازمة لوقف هذه الانتهاكات، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وآمن، والعمل من أجل سلام دائم يستند إلى حل الدولتين.
كما أكد سعادة رئيس المجلس ضرورة تفعيل دور البرلمانات في صون القيم الإنسانية، وتعزيز مبادئ التعاون الدولي وتعددية الأطراف، داعيًا إلى توحيد الجهود البرلمانية واتخاذ خطوات فاعلة تُسهم في تعزيز حقوق الإنسان، وتحقيق تنمية عادلة ومستدامة تُلبي تطلعات الشعوب نحو الأمن والاستقرار.
وفي ختام كلمته، عبّر سعادته عن أمله في أن يُفضي هذا المؤتمر إلى بلورة رؤى برلمانية موحدة تسهم في إعادة التوازن للنظام الدولي، وتدعم جهود إحلال السلام العالمي، وتدفع نحو بناء منظومة تعاون قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وشهد المؤتمر مشاركة واسعة من رؤساء وأعضاء البرلمانات والمجالس التشريعية من مختلف دول العالم، حيث ناقشوا خلال أعمالهم عددًا من القضايا العالمية ذات الأولوية، من بينها التغير المناخي، والأمن الغذائي، والتنمية المستدامة، إضافة إلى سبل توطيد التعاون البرلماني الدولي بما يُسهم في بناء مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا.
وقد شارك وفد مجلس الشورى في الحلقات النقاشية، من بينها حلقة بعنوان "الابتكار من أجل المستقبل"، بحضور كل من سعادة طارق بن محمد الخروصي وسعادة محمد بن عامر المشايخي، عضوي المجلس، حيث ناقشت الحلقة التحديات الراهنة، من بينها النزاعات المسلحة وأزمة المناخ، إلى جانب مناقشة دور البرلمانيين في تعزيز الأمن من خلال بناء الثقة وتعزيز الشمولية، وقد خلصت الحلقة إلى التأكيد على أهمية التعاون الدولي وتسخير التكنولوجيا بشكل مسؤول لدعم السلام العالمي.
كما شارك سعادة محمد بن عامر المشايخي، عضو المجلس، في حلقة نقاشية حول "تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030"، حيث سلّط الضوء على جهود سلطنة عمان في هذا المجال، وقد أكد المشاركون دور البرلمانات في تعزيز التنمية المستدامة من خلال التشريعات التي تدعم الأمن الغذائي والصحة والطاقة الخضراء.
وعلى هامش أعمال المشاركة، التقى سعادة خالد المعولي، رئيس الوفد المشارك، بعدد من رؤساء المجالس التشريعية العربية والإقليمية والدولية، وبحث معهم أهمية تعزيز العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان وبلدانهم، كما تم خلال اللقاءات التباحث حول عدد من الملفات والقضايا الراهنة، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع في غزة.