أطلقت حوارات “إنفستوبيا العالمية” نسخة جديدة في سنغافورة، بهدف تنمية الشراكة الاقتصادية بين دولة الإمارات وجمهورية سنغافورة الصديقة، ودفعها لمستويات أكثر تقدماً وازدهاراً، واكتشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في أسواقهما بقطاعات الاقتصاد الجديد وريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات العائلية والابتكار والتكنولوجيا والنقل والخدمات اللوجستية، والتعرف على الاتجاهات المستقبلية التي تشكل ملامح المشهد الاقتصادي والاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وآسيا.


جاء ذلك خلال فعالية نظمتها “إنفستوبيا” بالتعاون مع بنك ستاندرد تشارترد 23 أكتوبر الجاري، وبحضور معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، رئيس إنفستوبيا، ومعالي علياء بنت عبدالله المزروعي، وزيرة دولة لريادة الأعمال، ومعالي الدكتور تان سي لينغ، وزير القوى العاملة والوزير الثاني للتجارة والصناعة بجمهورية سنغافورة، وسعادة جمال السويدي سفير الدولة لدى جمهورية سنغافورة، والدكتور جان فارس، الرئيس التنفيذي لـ “إنفستوبيا”، وبمشاركة أكثر من 100 مشارك من القادة ورجال الأعمال والمستثمرين ورواد الأعمال وخبراء الاقتصاد وممثلين عن شركات القطاع الخاص والمكاتب العائلية الإماراتية والسنغافورية الرائدة.
وأكد معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، رئيس إنفتسوبيا، أن “إنفستوبيا” أصبحت جزءاً مهماً في استراتيجية التنويع الاقتصادي لدولة الإمارات ودعم تحوّلها نحو نموذج اقتصادي مستدام ومرن، حيث نجحت “إنفستوبيا” من خلال فعالياتها السنوية وحواراتها العالمية بناء شراكات اقتصادية مثمرة وفعّالة مع العديد من الحكومات ومجتمعات الأعمال إقليمياً ودولياً، كما باتت واحدة من أبرز المنصات التي تجمع كبار القادة واللاعبين الاقتصاديين والمستثمرين ورواد الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، لمناقشة اتجاهات الاقتصاد والاستثمار في ظل ما يشهده العالم من تغيرات مستمرة.
وقال معاليه في كلمته التي ألقاها خلال الفعالية: “إن دولة الإمارات وجمهورية سنغافورة تجمعهما علاقات تاريخية قوية وشراكات اقتصادية متنامية ومتميزة، حيث استطاع البلدان في ضوء توجيهات قيادتهما الرشيدة، التحوّل من اقتصادات تعتمد على الموارد إلى مراكز عالمية للتجارة والاستثمار والتمويل والابتكار، مستفيدين من موقعهما الجغرافي في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، كما قدمت سنغافورة خلال عقود قليلة نموذجاً يحتذى به في التنمية الاقتصادية وسياسات الاستثمار الأجنبي والتعليم وتطوير الكفاءات البشرية”.
وأضاف معاليه: “تُعد الإمارات من أهم الشركاء الاستثماريين لسنغافورة إقليمياً وعالمياً، حيث تشهد الاستثمارات الإماراتية زحماً متواصلاً في السوق السنغافورية بالعديد من القطاعات الحيوية والرقمية لا سيما التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة والخدمات المالية المبتكرة والنقل المستدام والخدمات اللوجستية، كما يتمتع البلدان برؤى مشتركة في بناء نموذج اقتصادي جديد قائم على المعرفة والابتكار، وخلق أجيال جديدة من المبدعين وأصحاب المواهب ورواد الأعمال المتميزين، وهو ما دفعنا إلى عقد نسخة جديدة من حوارات “إنفستوبيا العالمية” اليوم في سنغافورة، لتعزيز مستويات الشراكة الاقتصادية بين البلدين في هذه المجالات على صعيد القطاعين الحكومي والخاص، وتوفير كافة الفرص والممكنات التي تخدم التطلعات الاقتصادية المستقبلية للبلدين الصديقين”.
وفي الاتجاه نفسه، سلّط معالي بن طوق الضوء على فرص الاستثمار الواعدة في دولة الإمارات بالعديد من القطاعات الاقتصادية ومنها الرعاية الصحية والطاقة النظيفة والنقل والتكنولوجيا المالية والسياحة والذكاء الاصطناعي، وكذلك المقومات التي يتمتع بها الاقتصاد الإماراتي، كما تطرق معاليه إلى السياسات والمبادرات التي تبنتها الدولة لتعزيز الانفتاح الاقتصادي على العالم، وتطوير منظومة تشريعية اقتصادية مرنة ودورها في تعزيز تنافسية بيئة الأعمال وترسيخ ريادتها إقليمياً ودولياً.
وتفصيلاً، شهدت “إنفستوبيا سنغافورة” انعقاد 4 جلسات نقاشية تحدث فيها نخبة من المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال والمستثمرين في البلدين، حيث حضرت معالي علياء المزروعي، وزيرة دولة لريادة الأعمال، الجلسة الأولى والتي أدارتها رولا أبو منة، الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد في الإمارات والشرق الأوسط وباكستان، تحت عنوان “تطوير شركات ناشئة ريادية: استكشاف ممكنات بيئة ريادة الأعمال في دولة الإمارات”.
وسلطت هذه الجلسة الضوء على ديناميكية الابتكار وريادة الأعمال في دولة الإمارات، والفرص التي تمنحها لأصحاب الأفكار الإبداعية والمشاريع المبتكرة لبدء تأسيس أعمالهم وشركاتهم الناشئة، وكذلك دعم التعاون بين الإمارات وسنغافورة في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وممكنات دفع عجلة الابتكار لتسريع نمو ونجاح شركات رواد الأعمال في البلدين.
ومن جانبه قال الدكتور جان فارس، الرئيس التنفيذي لـ “إنفستوبيا”: “أطلقنا اليوم أول محطة لحوارات “إنفستوبيا العالمية” في سنغافورة، بهدف تسليط الضوء على زخم الفرص الاستثمارية في الإمارات ودول الآسيان، وتعزيز جسور التعاون بين مجتمعي الإماراتي والسنغافوري، ومناقشة أحدث التوجهات العالمية للاستثمار، وسنواصل العمل من خلال فعاليات وجلسات “إنفستوبيا” القادمة على ترسيخ مكانة الإمارات المتنامية باعتبارها مركزاً عالمياً للأعمال والاستثمار، وتعزيز جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية في قطاعات الاقتصاد الجديد”.
وقال باتريك لي، الرئيس التنفيذي لسنغافورة ورابطة دول جنوب شرق آسيا في ستاندرد تشارترد: “يسعدنا استضافة مؤتمر إنفستوبيا غلوبال في سنغافورة، إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعمل بشكل استراتيجي كمركز حيوي يربط الشرق بالغرب، وتتمتع سنغافورة بمكانة جيدة لاغتنام الفرص الاقتصادية في أكثر المناطق الواعدة في العالم والتي تضم الشرق الأوسط ورابطة دول جنوب شرق آسيا. ويسلط هذا الحدث الضوء على الإمكانات الفريدة لدولة الإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وذلك في ظل تعزيز التعاون وتحفيز الاستثمارات ودفع النمو المستدام عبر طرق التجارة العالمية الرئيسية”.
وفي هذا الصدد، قالت معالي علياء المزروعي خلال الجلسة: “إن دولة الإمارات بفضل توجيهات القيادة الرشيدة تمتلك اليوم بيئة ريادة أعمال وطنية عالمية المستوى تحتضن أكثر من 50 حاضنة ومسرعة أعمال حكومية وخاصة، وتتميز بالعديد من المقومات والتشريعات الاقتصادية التنافسية، ومنها إتاحة التملك الأجنبي للشركات بنسبة 100%، وتوفير مناطق اقتصادية حرة ومجمعات صناعية تدعم نمو المشاريع الناشئة وتطوير الأفكار الإبداعية لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطبيق ضرائب مخفضة على الشركات، ومنح إقامة ذهبية لرواد الأعمال وأصحاب المواهب والمبدعين لمدة تصل إلى 10 سنوات، وتخفيض الرسوم الخاصة بالحصول على “شهادة القيمة الوطنية المضافة”.
وتابعت معاليها: “في ضوء الجهود التي تبذلها الإمارات لتعزيز مكانتها كموطن لريادة الأعمال إقليمياً ودولياً، حققت الدولة نمواً بنسبة 57% في إجمالي عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة في الدولة خلال الفترة من عام 2020 حتى عام 2023، وهو ما يؤكد نجاح السياسات والمبادرات التي انتهجت الدولة لخلق بيئة مواتية لرواد الأعمال والشركات الناشئة”.
وأضافت معاليها: “تُشكل “إنفستوبيا سنغافورة” محطة مهمة لتعزيز مسارات التعاون بين الإمارات وسنغافورة في أنشطة ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز دورهما الحيوي في جذب المشاريع الناشئة وتحفيز الابتكار، لا سيما أن البلدين يعدان من المراكز العالمية المتقدمة في ريادة الأعمال والابتكار والتكنولوجيا”.
وناقشت الجلسة الثانية بعنوان “الاتجاهات الجديدة التي تشكل المشهد الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وآسيا”، اتجاهات الاستثمار الناشئة والفرص في مختلف القطاعات الحيوية بالمنطقة وآسيا، وممارسات الأعمال والسياسات التي تدعم استدامة الاقتصادات، وآليات تسهيل تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة على صعيد القطاعين الحكومي والخاص، وكذلك إبراز دور الإمارات وسنغافورة في تشكيل مستقبل التمويل والابتكار باعتبارهما مراكز تجارية واستثمارية رائدة على المستوى الإقليمي والعالمي، وذلك بحضور سعادة رجاء المزروعي، الرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد لائتمان الصادرات، وستيف برايس، الرئيس التنفيذي للاستثمار في بنك ستاندرد تشارترد، وسايمون ويبستر، الرئيس التنفيذي لشركة Vistra.
وتطرقت الجلسة الثالثة بعنوان “التنقل في طرق التجارة الجديدة: الدور الاستراتيجي للإمارات وسنغافورة كمراكز لوجستية رئيسية”، إلى مناقشة المتغيرات المتتالية التي يشهدها العالم في التجارة العالمية نتيجة العديد من العوامل المختلفة، وملامح مستقبل طريق التجارة العالمية، وكيفية تعزيز مكانة الإمارات وسنغافورة كمراكز لوجستية ودورهما في سلسلة التوريد العالمية، في ضوء هذه التغيرات، وكذلك تسليط الضوء على رؤية الإمارات في تطوير أفضل بنية تحتية لوجستية في العالم من موانئ ومطارات وخطوط جوية ومسارات ملاحية، وترسيخ مكانتها كمحور رئيسي لحركة البضائع على مستوى العالم، وفق مستهدفات وثيقة المبادئ الاقتصادية للدولة، وحضر هذه الجلسة سعادة أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي الأول لمركز دبي للسلع المتعددة، وصلاح شرف، رئيس مجلس إدارة شركة الإمارات اللوجستية.
وبحثت الجلسة الرابعة بعنوان “دور قطاعات الاقتصاد الجديد في نمو الاقتصادات الآسيوية”، فرص الاستثمار في القطاعات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي والأصول الرقمية والطاقة الخضراء والضيافة، وأهميتها في تعزيز جاذبية الدول الآسيوية للاستثمارات الأجنبية، كما ناقشت الجلسة الآليات والسياسات التي تشكل مستقبل النمو الاقتصادي في تلك الدول، وذلك بحضور أنطونيو غونزاليس، المؤسس والرئيس التنفيذي لـمجموعة “سنسيت هوسبيتاليتي” Sunset Hospitality Group، وديفيد ثابت، المدير التنفيذي للعمليات في “إنفستوبيا”، وعدد من المسؤولين وأصحاب الشركات لدى الجانبين الإماراتي والسنغافوري.
كما شهدت هذه النسخة من “إنفستوبيا” اجتماع طاولة مستديرة جمع أكثر من 20 مستثمراً وكبار المديرين التنفيذيين للمكاتب العائلية في سنغافورة، لتسليط الضوء على فرص الاستثمار بقطاع الشركات العائلية في دولة الإمارات والتشريعات الاقتصادية المرنة التي تتمتع بها في هذا الصدد، إضافة إلى المناخ التنافسي لبيئة الأعمال في الدولة، وموقعها الجغرافي الذي يربط شرق العالم بغربه، ويُمثل بوابة حيوية للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
يُذكر أن حوارات “إنفستوبيا العالمية” أطلقت أكثر من 12 جولة لها استهدفت أسواق عالمية بارزة شملت نيودلهي ومومباي ونيويورك وجنيف وميلانو ولندن والقاهرة والرباط وهافانا ودبي.وام


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

وجهات نظر “القوى المتوسطة” في زمن الفوضى العالمية

 

أكدت بكل وضوح وقوة، في اجتماع حضرته مؤخراً، وكذلك جميع مقالاتي الأخيرة أيضاً، أن العالم اليوم يشهد حالة فوضى عارمة. وبينما توقعت بعض التحديات المتفاوتة من الحضور، أدهشني أنني وجدت دعماً إيجابياً من كل المشاركين من الدول الصناعية. حيث تمّ تأكيد وجهة نظري بصورة كبيرة في المناقشات التي جرت خلال الاجتماع؛ بل إن البعض أعرب عن أسفه لاختلاف النموذج الدولي الحالي اختلافاً جوهرياً عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وأقرّ المشاركون في ذلك الاجتماع بأن “قوة القانون” صارت خاضعة لـ”قوانين القوة”. وبرزت مخاوف متزايدة بشأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتوسيع المستوطنات، والممارسات اللاإنسانية في فلسطين؛ وكذلك شملت المخاوف الحرب في أوكرانيا؛ والتنافس الجيوسياسي؛ والعزلة؛ والتحديات التي تواجه التعددية والقانون الدولي؛ وقصور الأهداف العالمية (مثل: أهداف المناخ، والفقر، وغيرها من الضرورات العالمية) عن الوفاء بجداولها الزمنية التي تم طرحها من قبل كأهداف للتنمية المستدامة.

واتفقوا أيضاً على أن الولايات المتحدة ستواصل ممارسة نفوذها على النظام العالمي في المستقبل القريب، وإن كان تأثير هذا النفوذ قد صار أقلّ حصرية مع تضاؤل القدرة على الحسم. ومن الجدير بالذكر أن هناك اهتماماً متنامياً ومتزايداً بـ”القوى المتوسطة”، وكيفية تعاملها مع الفوضى الراهنة، ونأمل أن يكون لهذه القوى دور في تشكيل نظام عالمي جديد يتناسب مع مصالح غالبية المجتمع الدولي ويستجيب لها.

سياقات القوى المتوسطة:

تاريخياً، من المُفترض أن “القوى المتوسطة” هي الدول غير المنحازة، أو الدول النامية التي قررت الابتعاد عن الكتلتين المتنافستين الشرقية والغربية اللتين انبثقتا من الحرب العالمية الثانية؛ لذلك لم يكن من المستغرب، في هذا السياق، أن تتلقى حركة عدم الانحياز دعوة لحضور فعالية نُظمت بإندونيسيا حول دور القوى المتوسطة بالتزامن مع الذكرى السبعين لمؤتمر باندونغ.

وفي وقت باتت فيه القوى الكبرى تبحث عن هويتها وتنظر إلى النظام العالمي الحالي على أنه عاجز وعديم الجدوى، أصبح من اللازم على القوى المتوسطة الاضطلاع بدور أكثر فاعلية. وفي حين أن معظم هذه القوى كانت تنتمي تقليدياً للجنوب العالمي، إلا أن هذا التصنيف لم يعد ينطبق حصرياً عليها مع تفكك البنية ثنائية القطبية السابقة.

لقد تم افتتاح اجتماع إندونيسيا بمناقشات حول تقرير بعنوان “زخم القوى المتوسطة – القوى المتوسطة الناشئة” أصدرته المؤسسة الألمانية كوربر شتيفتونج. ثم تلا ذلك فعاليات إضافية تدعو إلى تعزيز دور القوى المتوسطة وإعطائها أدواراً أكبر؛ من أجل أن تسهم في تشكيل عالم اليوم متعدد القوى.

وجهات نظر رئيسية:

حظيت وجهات نظر أربع دول على وجه الخصوص هي: الهند، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، وألمانيا باهتمام خاص.

– الهند: تقوم بالتواصل المستمر مع القوى الكبرى لتعزيز علاقاتها معها، مؤمنةً أن عزل الولايات المتحدة من شأنه أن يُتيح لها الفرصة لتوسيع علاقاتها مع القوى المتوسطة الأخرى. وتنظر الهند إلى النظام متعدد الأقطاب على أنه مفيد لها؛ حيث إنها تتمتع بالثقة والقدرة على تعزيز رؤيتها الاستقلالية الاستراتيجية أو إعادة تقييمها دون أن تثقل كاهلها بعلاقات مُعوّقة أو باهظة الثمن ولا طائل منها. وإحدى مجالات التغيير الملحوظة بالهند مؤخراً هي انفتاحها على التجارة والاستثمار الأجنبي بعد عقود من التردد.

– البرازيل: تعاني من الفتور والإعياء في علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تُكثّف البلاد وتُنوّع شراكاتها الأخرى، خاصةً من خلال مجموعة (البريكس)؛ ولذا ستستضيف قريباً العديد من الفعاليات العالمية؛ وهو الأمر الذي يعكس مدى سعيها لتوسيع نطاق سياستها الخارجية. ومع فرض إدارة ترامب رسوماً جمركية على العديد من دول العالم، رسّخت الصين مكانتها كأكبر شريك تجاري للبرازيل.

– جنوب إفريقيا: اكتسب التعاون متعدد الأطراف لديها أهمية أكبر من أي وقت مضى، ولا سيما مع تدهور العلاقات بينها وبين إدارة ترامب. في هذا السياق، ستسعى جنوب إفريقيا جاهدة للتواصل مع الدول الأخرى على المستويين الإقليمي والعالمي. وستختبر استضافة البلاد لمجموعة العشرين مهاراتها الدبلوماسية في تقريب وجهات النظر والتوجهات المتباينة.

– ألمانيا: تُجري إعادة تقييم جذرية لعلاقاتها مع القوى العظمى، بما في ذلك حليفتها التقليدية، الولايات المتحدة. وغالباً ما يؤخذ بالاعتبار نهج “تخفيف المخاطر” مع كل من روسيا والولايات المتحدة في أثناء إعادة التقييم هذه. إضافة إلى ذلك، هناك اهتمام أكبر ودعم أعمق لإشراك دول الجنوب العالمي بدلاً من الانحياز إلى الولايات المتحدة أو الصين.

وبينما تؤكد الدراسات الحديثة أن النظام العالمي اليوم يمرّ بمرحلة جديدة للقوى المتوسطة، إلا أن شكل هذا النظام الناشئ ما يزال غير واضح في ظلّ تعثر إصلاحات الأمم المتحدة. وقد استُبعدت معظم الدول العربية بشكل ملحوظ من المناقشات الأولية في المنظمة، باستثناء ما يتعلق بقضايا الطاقة؛ مما أثار مخاوف جدية لديّ. وبينما افترضت أن دعواتي كانت تهدف إلى معالجة هذا الإغفال، أرى الآن أن هذه فرصة لحثّ الدول العربية على أن تكون أكثر صراحة وحزماً وإبداعاً في إعادة تشكيل النظام العالمي.

مسارات التعاون الممكنة:

إن السؤال الملح هنا هو كيف يُمكن تنظيم وتنسيق التعاون بين القوى المتوسطة لضمان إقامة نظام متعدد الأطراف يُناسب الجميع؟ تاريخياً، عندما تتلاقى المصالح تتحد الدول وتجد حلولاً جماعية حتى وإن لم تكن مثالية أو ناقصة. وقد حققت دول عدم الانحياز المستقلة حديثاً هذا بالفعل في وقت سابق، ويتعين على غالبية واسعة ومتنوعة من القوى المتوسطة اليوم أن تعيد الشيء نفسه؛ حيث ينبغي أن تكون موازنة المصالح الجماعية هي المبدأ الأساسي الذي تنتهجه وتسعى إليه.

ستكون الخطوة الأولى للقوى المتوسطة هي الاستفادة من تجارب المنظمات الإقليمية في حل القضايا المختلفة، وإيجاد أرضية مشتركة من خلال إضفاء الطابع المؤسسي والمشاركة في منصّات مثل: رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، والسوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (ميركوسور). بالنسبة للخطوة الثانية، فيمكن استخلاص أفكار للتعاون بين القوى المتوسطة على ثلاثة مستويات هي: السياسي، والموضوعي، والمؤسسي.

لقد أصبح تحديث مبادئ باندونغ وإعادة تعريف عدم الانحياز أمران ضروريان وبالغا الأهمية في عالم اليوم المتعدد الأقطاب، كما بات تعزيز الإنفاق التجاري والتنموي أمراً أساسياً. أضف إلى ذلك، فإن تقديم رؤية إيجابية للنظام العالمي والإصلاح الدولي – لا سيما في الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة- قد صار محورياً هو الآخر.

إن القوى المتوسطة تحتاج اليوم بشكل متزايد إلى الاضطلاع بأدوار أكثر فاعلية لسد الفجوات القائمة بالنظام العالمي، ولا سيما مع وجود قرابة عشرين قوة متوسطة حول العالم، معظمها من دول الجنوب، وتتبنى العديد منها مبدأ الاستقلالية الاستراتيجية، وتنخرط في التحوط ومحاولة تجنب المخاطر.

فهل يمكن للقوى المتوسطة في الشمال والجنوب أن تتحد؟ هل يمكنها تجاوز التنافس وتمهيد السبل للتعاون الفعّال؟ وكيف ستتوصل إلى شكل النظام العالمي الذي تسعى إليه؟ إن إجابات هذه الأسئلة الجوهرية هي ما ستحدد مستقبل السلام والأمن الدوليين.

 

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • جعجع: التأخير في جمع السلاح الفلسطيني يضرب انطلاقة العهد
  • النفط يتراجع بفعل زيادة إنتاج “أوبك+” ومخاوف التوقعات الاقتصادية العالمية
  • الإمارات وإسبانيا تتفقان على تنمية شراكتهما الاقتصادية
  • ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين من حجاج دولة فلسطين: الاستضافة أعظم الأعمال وأجلها التي تقدمها المملكة للشعب الفلسطيني
  • وزارة الاقتصاد تمنح الرخصة الثانية للإدارة الجماعية للموسيقي لشركة “ميوزيك نيشن”
  • حوارات «إنفستوبيا العالمية» تنطلق في قبرص الأسبوع المقبل
  • برلماني: توجيهات الرئيس السيسي للمجموعة الاقتصادية تؤسس لمرحلة جديدة
  • وجهات نظر “القوى المتوسطة” في زمن الفوضى العالمية
  • ستة أردنيين يشاركون في “القيادات الإعلامية الشابة” بالإمارات
  • وكالة الأنباء السودانية: رئيس الوزراء الجديد يحل حكومة تصريف الأعمال