بعد مرور عام على الانتكاسة الاسرائيلية التي تحققت في هجوم السابع من أكتوبر، ورغم ما تتعرض له قوى المقاومة من ضربات مؤلمة، لكن الإسرائيليين يجدون صعوبة في استيعاب ما يزعمه الساسة والجنرالات بشأن عودة الردع من جديد.

ويظهر التناقض جليا، لاسيما وأن الأسرى ما يزالون في غزة، ومستوطني الشمال لم يعودوا بعد لمنازلهم، وما زالت هناك حكومة تقودهم إلى الدمار.



بن كاسبيت الكاتب في موقع واللا، ذكر أنه "بعد عام كامل ما زال الإسرائيليون يكتشفون آلامًا لم يعرفوها من قبل، وكوارث لم يشهدوها سابقاً، وقصصًا تقشعر لها الأبدان، وما زالت أبواب الجحيم مفتوحة أمامهم بعد مضي هذه الشهور الطويلة، فيما تحترق الدولة كلها، ويتحول فيها كل شيء إلى دخان، وكل ذلك دون ان تتوجه الحكومة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية لوضع اليد على أوجه فشل الأنظمة السياسية والعسكرية والأمنية التي أدت جميعها إلى تلك الكارثة، ولا يوجد حتى الآن موعد لإجراء الانتخابات، وعودة التفويض للجمهور".

وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "من الصعب التصديق أنه بعد مرور عام على هذه الكارثة، لا يزال هناك أكثر من مائة إسرائيلي مختطفين على يد حماس في ظروف مخيفة، هؤلاء الإسرائيليون الذين تخلت عنهم الدولة، رغم أن أساس وجودها هو حمايتهم، ومن الصعب جدًا تصديق أنه بعد مرور عام على التدمير، لم يعد مستوطنو الجليل الأعلى بعد إلى منازلهم التي تعرضت للقصف والجرحى، وإلى منازلهم بأكملها، بل إن الجليل كله يتعرض لنيران كثيفة كل يوم، وكل ساعة".



وأشار أن "الأصعب من كل ذلك، بل أكثر من أي شيء آخر يمكن تخيله، أن الحكومة تنوي إقرار قانون التهرب من الخدمة العسكرية للحريديم قريبًا، الأمر الذي سيكرّس حقيقة أن قطاعاً كبيراً، ينمو في داخل الإسرائيليين، لا يتحمل أعباء الخدمة العسكرية، وتقوم الحكومة بذلك بعد أن فقد الجيش آلاف الجنود، وانقطعت فرقة كاملة عن صفوف قواتها، ويواصل الآلاف من جنود الاحتياط العمل ما يزيد عن 280 يومًا، ولا توجد نهاية في الأفق، بل تعتزم حكومتهم إحياء ذكرى تهرب قطاع يضم أكثر من مليون يهودي من الخدمة العسكرية".

وأوضح أنه "بعد مرور عام على اليوم الأكثر لعنة في تاريخ دولة الاحتلال، هناك مجموعة كبيرة من الإسرائيليين يحلمون بمستوطنة جديدة في غزة، وبنظام جديد في لبنان، وتصميم الشرق الأوسط، ولم يتعافوا من تسمم القوة الذي أوصلنا لهذه الكارثة، وأسفر عن تمزق الردع الإسرائيلي يوم السابع من أكتوبر، بل تحوّل إلى أضحوكة، من خلال هجوم سعى لإنهاء الحلم الصهيوني".

وأشار أنه "رغم ما مُنيت به قوى المقاومة من ضربات مؤلمة في غزة ولبنان، لكنها لم تهلك بعد، ولم يتم القضاء عليها، ولم تقل كلمتها الأخيرة بعد، مما يعني أنه ما زال الوقت مبكرًا لنكون سعداء، فلا يوجد شيء نرقص عليه، صحيح أن أعداءنا لم يظهروا علينا في ساحة المعركة، ولم ينجحوا في التغلب علينا، لكننا بعد عام كامل من ذلك الهجوم، فإن الوحيدين الذين يستطيعون التغلب علينا هم أنفسنا، مما يعني أننا إذا لم نعد إلى رشدنا، فلن ننجح في النهاية".

مناحيم هوروفيتس مراسل القناة 12 في شمال فلسطين المحتلة، أكد أنه "بعد عام كامل على السابع من أكتوبر، فإن مستوطني الشمال لم يعلموا بعد الثمن الباهظ الذي دفعوه، صحيح أن الهجوم الجاري على لبنان قد يُقرّب اليوم الذي سيعودون فيه لما يعتقدون أنها منازلهم، لكن تحت السطح، ما زال رئيس الوزراء ورئيس الأركان يسعون تغيير الوضع ببضع كلمات فقط، وإلا فماذا يعني أنه بعد نحو ثلاثة أشهر من بدء الحرب مع حزب الله، فما زالت المستوطنات الشمالية، وفي مقدمتها كريات شمونة، مهجورة".

وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أنه "بعد ثلاثة أشهر ما زال يعيش عشرات الآلاف من المستوطنين، أكثر من مائة ألف، لم يعودوا بعد إلى ديارهم، وما زالوا كلاجئين، ومستوطناتهم مهجورة بالكامل تقريباً، لم يكن هناك مثل هذا السيناريو في أي مكان، ومن يقوم بجولة كاملة في الشمال، فسوف يدرك أن المستوطنات على الحدود لا زالت فارغة، ولعل معظم الإسرائيليين لا يعلمون تفاصيل الحياة المؤقتة للنازحين، وما يرتبط بها من: المدارس، الأشياء الجديدة للأطفال، ونظام صحي غير مألوف، والوظائف، والشعور بأن كل شيء مؤقت، وأخيرا العيش على حقائب السفر".

وأشار أن "ما يعيشه المستوطنون النازحون منذ ما يزيد عن العام يؤكد المقولة الدارجة بأن "الشيء المؤقت في إسرائيل هو الشيء الأكثر ديمومة"، ففي بداية الحرب، عندما كنا لا نزال نعتقد أنها مسألة بضعة أسابيع، فقد زادت هذه الأسابيع عن الخمسين أسبوعا".

وختم بالقول أن "حياة النزوح الحالية للمستوطنين تضرب بعرض الحائط بمزاعم رئيس الوزراء ورئيس الأركان وهما على الحدود الشمالية، في محاولة زائفة لرسم صورة النصر، ويهددان عبثاً بالقضاء على أي حركة مشبوهة أو استفزاز أو محاولة لإنشاء موطئ قدم من قبل المسلحين خلال دقائق".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الردع غزة الاحتلال لبنان لبنان غزة الاحتلال الردع صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بعد مرور عام على أکثر من ما زال

إقرأ أيضاً:

كتاب يعيد قراءة سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين

الكتاب: النزعة العربية وأثرها على الموالي في عصري صدر الإسلام والدولة الأموية
الكاتب: الدكتور جوتيار تمر
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع ـ دمشق، الطبعة الأولى 2024
306  صفحة من القطع الكبير.


هذا هو الجزء الثالث والأخير من قراءة خاصة كتبها الباحث التونسي توفيق المديني لصالح "عربي21"، في كتاب "النزعة العربية وأثرها على الموالي في عصري صدر الإسلام والدولة الأموية" للدكتور جوتيار تمر، الصادر عن دار تموز ـ ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع (دمشق، الطبعة الأولى، 2024).

ويغوص هذا الجزء في الجدل التاريخي والفكري حول الثورة العباسية ودور العرب والموالي فيها، موضحاً مسار النزعات القبلية والسياسية التي حكمت العلاقة بين المركز العربي و"الأطراف" غير العربية، وصولاً إلى لحظة الانقلاب العباسي وملامح الدولة الجديدة.


جدلية الثورة العباسية بين الموالي والعرب ونهاية الدولة الأموية

شاع لعقود تاريخية طويلة، أن الثورة العباسية قامت على اكتاف الفرس الموالي، بل وصفها البعض على انها ثورة الموالي على العرب، وبات مسلماً عند الكثيرين أن العرب فقدوا سلطانهم بعد زوال الدولة العربية الأموية، إلا أن البحث عن مضمون الثورة العباسية، وفصل الأحداث ودراسة كل حدث منفرداً ومن ثم ربط خيوطها ببعض سيتضح جلياً، بأن الثورة قامت على اكتاف العرب من أهل خراسان، خاصة القبائل العربية اليمانية والربعية التي اخذت لنفسها مواطن استقرار كثيرة في خراسان وما حولها، وذلك ما تؤكده وصايا إبراهيم بن محمد العباسي مفجر الثورة، الذي حث فيها الدعاة على التقرب إلى الاحياء العربية في خراسان وجذبها إلى الانضمام في صفوف الثورة، ناهيك أن النقباء الاثنا عشر كانوا كلهم عرب أو مولى للعرب، وذلك ما يدحض مقولة أن الثورة أعجمية، انما كانت الثورة عربية المنشأ، والروح، والعقيدة، والسلطة، والعجم لم يكونوا سوى وقود حرب استغلوا في أوقات الشدة والحاجة، وتلك الفرضية هي ما ستثبتها الدراسة وفق ما يأتي:

اتسعت رقعة الدولة العربية الأموية وباتت القوى القبلية نافذة ومسيطرة على غالبية الأقاليم والأمصار والبلدان التي خضعت الحتمية الاجتياح العربي، ولم يتغير شيء من معالم الرؤية القبلية العربية وبقيت خاضعة لمنطق، أن العرب أمة واحدة، المؤمنون أخوة، وهم المؤمنون والمسلمون من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهر معهم، والأمة تقوم على الدين، تحولت الأراضي التي وقعت تحت سيطرتهم بفعل القرابة الدين إلى حق من حقوق الملكية العربية، أما السكان الأصليين لتلك الأراضي فهم موالي، وفي أفاءه الله عليهم، بل أنهم بمثابة طبقة يتم حلب درها واستنزاف ما تنتجه من فائض، حتى لو نضب الدر اللبن - لا مانع عند العرب حلب الدم، كما قال الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك لاحد ولاته هبلتك أمك، احلب الدر؛ فإذا انقطع، احلب الدم، لذا كانت الرؤية واضحة فيما يتعلق بالسياسة التي اتبعها الأمويون تجاه الموالي ومن بعدهم العباسيون، الذين حولوا العصبية العربية الأموية إلى شعارات داعية للمساواة بين العرب وغير العرب، ولكن وفق شروط مسبقة، تبقى القيادة عربية، وأما غير العرب فهم وسيلة بشرية حية للوصول للغايات الأسمى، التي تمثلت على مر العصور الإسلامية وسيلة لتثبيت دعائم السلطة.

تميزت الدعوة العباسية عن الحركات والثورات التي سبقتها في صدر الإسلام باعتبارها أخذت حيزاً جدلياً كبيراً لاسيما بين الأوساط الأكاديمية، فقد استقر في الأذهان لفترة طويلة أن الدولة العباسية قامت على أكتاف الموالي بالأخص موالي الفرس سواء من أهل خرسان أو غيرهم في المناطق الأخرى التي برزت معالم الثورة العباسية فيها، معتمدين على تأويلات ظاهرية لبعض المقولات التاريخية.تثبت الأحداث التاريخية أن السلطة الأموية نفسها حين أرادت أن تمسك بزمام الأمور في الأراضي التي استوطنتها العرب وشاركت الموالي في أمور حياتهم حاولت استمالة قبائل على حساب أخرى لتكون لها نداً، فيما استمالت الموالي بالأخص الطبقة الارستقراطية منها لتكون واجهة اقتصادية لها، وذلك ما أفرز نفوراً وتذمراً لدى القبائل العربية المناوئة للسلطة واخذ أمية الناس بالخراج، واشتد عليهم فيه، فجلس بكير بن ماهان (ت ما بين 125 - 136هـ / 743-744م) كبير دعاة العباسيين يوماً في المسجد وعنده ناس من بني تميم، فذكروا شدة أمية على الناس، فذموه، وقالوا: سلط علينا الدهاقين في الجباية، ذلك ليس دليلاً على تعسف السياسة القبلية العربية الأموية تجاه تلك القبائل فحسب، وإنما دليل على مدى انتشار تلك القبائل على ارض خراسان وما حولها، ومدى توغلهم في الحياة العامة والخاصة فيها، بدرجة أنهم كانوا في تذمر دائم للسياسة الأموية سواء من الحكم أو فيما يتعلق بالجباية والخراج، ودليل على رفض تلك القبائل أن يتسلط على رقابهم الأعاجم، وذلك ما مهد لبروز تيارات مناوئة للسلطة.

تميزت الدعوة العباسية عن الحركات والثورات التي سبقتها في صدر الإسلام باعتبارها أخذت حيزاً جدلياً كبيراً لاسيما بين الأوساط الأكاديمية، فقد استقر في الأذهان لفترة طويلة أن الدولة العباسية قامت على أكتاف الموالي بالأخص موالي الفرس سواء من أهل خرسان أو غيرهم في المناطق الأخرى التي برزت معالم الثورة العباسية فيها، معتمدين على تأويلات ظاهرية لبعض المقولات التاريخية.

كان الموالي في خراسان لا يشكلون ضعف عدد المقاتلة العرب وقبائلهم التي استوطنتها، ذلك ما يؤكده نصر بن سيار والي الأمويين على خراسان حين قال للعرب فيها وأنتم يا أهل خراسان؛ مسلحة في نحور العدو، فإياكم أن يختلف فيكم سيفان، كما أن العديد من النصوص تثبت وجود عدد من القصور والمساجد المنسوبة للعرب في مرو كدليل على ماهية الاستقرار، مع التأكيد على ذكر أسماء قرى بالقرب من مرو خلصت للعرب، فكانت بونيه قرية لطيء، وقرية بأعلى مرو لكندة، وأخرى لبني العنبر، والخزاعة قرية سفيذنج وبالين، وفنين، كما كانت قرية الماخوان الخالد بن عثمان ابن مسعود، ومن جملة مؤكدات الاستقرار العربي في خراسان وقراها وقصباتها، أن في مرو كان لكل باب من أبوابها اسم يدل على قبيلة سكنتها أو قائد عربي أسكنها عيالاته، کباب میدان یزید، باب حرب بن عامر، باب نصر، واتخذ العرب مركزاً لهم بالبروقان، قرب بلخ التي فيها جماعة من الازد وتميم وغيرهم، كما سكن العرب في خراسان هراة، حيث كان فيها جمع كثير لبكر بن وائل وفي وأماكن أخرى عليلة، فضلاً عن أن الولاة كانوا ينقلون الجنود من مدينة إلى أخرى وفق الحاجة وما تقتضيه العصبيات، كما فعل الوالي الأموي أسد بن عبد الله الذي نقل من كان بالبروقان إلى بلخ، واقطع كل من كان له هناك مسكناً بقدر مسكنه، ومن لم يكن له مسكن اقطعه واحداً، وأراد أن ينزلهم على الاخماس، لكنه خاف من العصبيات، فخلط بينهم.

ختاماً فإن الدراسة قد توصلت إلى جملة نتائج ومنها:

تميز العصر الراشدي ببعض الامتيازات المقررة للموالي، إلا أن الأمر لم يستمر على نفس المنوال طوال الحكم الراشدي، ففي عهد الخليفة أبي بكر ساوى بين العرب والموالي في العطاء، لكن في عهد الخليفة عمر بن الخطاب أثرت التحولات التي حدثت في بنية الدولة جراء التوسعات وتوجه الجيوش نحو البلدان غير العربية، على سياسته تجاه الموالي، حيث لم يدرج الخليفة جميع الموالي ضمن ديوان العطاء، وألحق بذلك الاجراء إلغاء الرق والسبي على العرب، وفدى سبايا العرب سواء الذين وقعوا في السبي قبل الإسلام أو بعد ظهور الإسلام بأموال الدولة، ومنع المقاتلة العرب بالزواج من غير العربيات، وفرض مبدأ الكفاءة في الزواج، وحذر من الانجراف وراء زواج الأعاجم خوفاً من ذهاب النخوة العربية، وتلى ذلك عدة إجراءات ساهمت في مضمونها ومتغيراتها على نفسية الموالي الأعاجم ووجودهم ضمن هيكلة الدولة، وشرع بذلك لمن أتى من بعده باتباع السياسة ذاتها التي لم تثمر سوى مزيداً من الفوضى السياسية والتي نتج عنها مقتل الخليفة بيدهم في النهاية، ومن ثم مقتل الخليفة عثمان بن عفان من بعده، وعلى الرغم من محاولة الخليفة علي بن ابي طالب إعادة الأمور إلى نصابها إلا أن الفوضى كانت قد تسربت إلى أواصر الدولة عن طريق الولاءات القبلية ونزعاتها وأدت بالتالي إلى مقتله أيضاً.

تغيرت الأوضاع السياسية والاجتماعية للموالي بعد تلك الانقسامات والصراعات الدموية التي أرهقت كاهل الدولة، وأصبحت التشريعات تسن وفق الحاجات، ووضعت العديد من الأحاديث والآثار التي نسبت إلى النبي (ﷺ)، وإلى بعض الصحابة وهي في مضمونها تخالف مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، ساهمت تأويلات بعض علماء وفقهاء الدولة في تأصيل تلك الآراء وفرضها على الواقع التاريخي، حتى أصبح الموالي ضمن دوائر الازدراء بنظر العرب، لاسيما الأعراب الذين يعرف عنهم بداوتهم واستمرار نزعتهم العربية البدوية حتى بعد مرور ما يقارب القرن على انتشار الإسلام، تلك النظرة خلقت فجوة في بنية المجتمع الإسلامي، الذي كان يعتمد بالدرجة الأساس على الغزوات والسبي والغنائم، في حين ابتعدت عن المهن ووكلت بتلك الوظائف للموالي احتقاراً، حتى اصبح الموالي بمرور الوقت مادة ناضجة للحركات والثورات التي عمت الدولة الإسلامية لاسيما في نهاية العصر الراشدي وبداية العصر الأموي، واستمرت إلى حين سقوط الأمويين، ومجيء العباسيين للحكم.

أثارت العديد من المراجع الحديثة وذلك بالاستناد على بعض النصوص التاريخية والتشريعية على أن الموالي لم يكونوا مضطهدين في الدولة العربية الإسلامية، وأنهم تولوا مناصب إدارية مهمة وحساسة، وأن النصوص التي تظهر ازدراء العرب للموالي هي ليست سياسة الدولة إنما هي حالات فردية بدرت بالدرجة الأساس من بعض الأعراب، متجاهلين أن الافتراضات يجب أن تساق وفق معطيات واقعية، وليس مجرد تأويلات خارجة عن النطاق الافتراضي المبني على الظن، فالدولة لم تكن ضعيفة لتشاهد تلك المتحولات تجاه الموالي وتسكت عنها، على أنها رؤية ونظرة وال أو قائد جيش أو قاض أو أعرابي تجاه الموالي، فهؤلاء كانوا ركيزة الدولة وعمادها الأول، وحين يتجاهل الخليفة اجراءاتهم فإنه يقرها بالدرجة الأساس، ولا يعتبر الأمر مجرد رأي شخص وحالة فردية طالما أنها تدرج ضمن سياسة الدولة، على ذلك الأساس فإن مفهوم الحالة الفردية تمثلت في الأصل بسياسة الخليفة عمر بن العزيز الذي رفع الجزية عن الموالي وحاول اتباع سياسة مغايرة معهم، إلا إجراءاته انتهت بموته، لأن من سبقوه فرضوا تلك السياسة، ومن أتوا بعده استمروا عليها، وبذلك اثبت الواقع التاريخي بأن ما قام به الخليفة كان حالة فردية.

استغل الأمويون والمعارضة الأموية الموالي كلاً وفق حاجاتهم، حيث وظفتهم الدولة الأموية للقيام ببعض المهام الإدارية التي لم تكن مساراتها قد نضجت عند العرب مثل الجباية والأمور المالية، فتولوا مناصب مختلفة ضمن هيكلة مؤسسات الدولة، إلا أنهم حرموا من تلك المناصب التي فيها امتلاك الرقاب العرب، وبالتالي ساهمت تلك السياسة بخلق نظرة مغايرة حول مكانة الموالي في الدولة العربية الأموية، فوجد البعض أنهم مارسوا حقوقهم بعدالة داخل المجتمع العربي الإسلامي، في حين رأى البعض في تلك السياسة اضطهاداً للموالي، وبرهنت الدراسة، أن علو العرب كان الأصل في كل الممارسات، سواء عند الأمويين أو اتباع عبد الله بن الزبير حين تولى الخلافة وسيطر على الحجاز والعراق ومصر، وأن تولي الموالي المناصب الإدارية لم يخرج من دائرة الموالاة التي جعلها الخليفة عمر بن الخطاب اساساً الحفاظ الأعاجم على أنفسهم، كما رأت الدراسة أن غالبية الذين تقلدوا تلك المناصب كانوا موالي لقبائل عربية أو لشخصيات عربية سواء كانوا خلفاء أو أمراء أو حتى شيوخ قبائل، وبالتالي فإن الموالي في صدر الإسلام لم يجدوا لأنفسهم موطئ قدم إلا ما ندر، يمكن الاعتماد عليه لإبراز معالم العدالة الاجتماعية لدى العرب.

استطاعت المعارضة الأموية من تحريك الموالي ضد السلطة في أحيان كثيرة، وذلك من خلال رفع بعض الشعارات التي تتعلق بالمساواة والعدالة الاجتماعية، حيث أثارت الموالي الذين وقعوا تحت حتميات الازدراء العربي لهم، وأثارت العبيد والرقيق بدعوى اعطائهم حريتهم عندما ينضمون لطرف على حساب طرف اخر، لذا بات الموالي وقوداً لغالبية الحركات ضد السلطة في العصر الأموي، على أن ذلك لا يعني خضوع جميع الموالي لذلك المنطق، لأن موالي القبائل المتحالفة مع السلطة حاربت مع اسيادها ضد الحركات والثورات بحكم الولاء.

أثارت العديد من المراجع الحديثة وذلك بالاستناد على بعض النصوص التاريخية والتشريعية على أن الموالي لم يكونوا مضطهدين في الدولة العربية الإسلامية، وأنهم تولوا مناصب إدارية مهمة وحساسة، وأن النصوص التي تظهر ازدراء العرب للموالي هي ليست سياسة الدولة إنما هي حالات فرديةتاسعاً: تؤكد النصوص التاريخية والفقهية أن العرب لم يتنازلوا عن السلطة ويقوا متمسكين بزمام الأمور حتى في الأوضاع غير الطبيعية التي مرت بها الدولة العربية الأموية، ففي حربها مع المعارضين أسندت قيادة الجيوش للقادة القبليين العرب إلا ما ندر، ومع أنها ساهمت في بروز النزعة القبلية وعصبيتها لدى القبائل القيسية واليمانية والمضرية وغيرها، إلا أنها في الأول والأخير كانت تعمل على إبقاء السلطة بيدها، وإبقاء القبائل العربية الموالية لها هي المتسيدة للأوضاع والمسيرة للأحكام، بهدف توجيه العرب بمواليهم إلى خدمة أهدافها، على الرغم من أن تلك الإجراءات تحولت بمرور الوقت إلى سبب رئيسي من أسباب الفوضى السياسية التي ألقت بظلالها على الدولة نفسها رمقها الأخير.

اتجهت الدراسات الحديثة إلى تفنيد النظرية القائمة على أعجمية الثورة العباسية، وأثبتت أن الدعوة كانت موجهة بالدرجة الأساس للعرب المقاتلة والمستقرين في القرى والأمصار التابعة لخراسان الخارجية، لا سيما في مرو وتوابعها، وتثبت النصوص التاريخية على أن الخلفاء منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان قاموا بإرسال اعداد كبيرة من المقاتلة العرب إلى تلك الأمصار فاستوطنوا فيها، وجعلوا في كل قرية حامية انزلوا فيها ما يقارب الأربعة الاف جندي، واستمر وصول الامدادات اليهم ضمن فترات متلاحقة، حتى غلب على تلك الأماكن العرب، واصبح الأعاجم فيها اقلبة محكومة من العرب، كما خضع الموالي في تلك الأماكن لمنطق الصراعات القبلية، وبذلك انقسموا إلى جبهتين، احداها توالي العرب المضرية الموالين للوالي الأموي، وأخرى توالي القبائل الموالية للثورة العباسية، ولم يكن اختيار مولى لقيادة الثورة في خراسان إلا تدبیر حكيم من العباسيين، وذلك لإدراكهم حجم الثارات بين العرب في خراسان وتوابعها من جهة، ولإدراكهم أن الأعاجم سترى في أبي مسلم الخراساني القائد المنتخب من العباسيين كمنقذ لهم من ظلم العرب وصراعاتهم، وكان اختیار خراسان استناداً إلى وجود العرب فيها وغلبتهم على الأمصار والقرى والبلدان حتى أصبحت لديهم قرى خاصة بهم وقلاع خاصة، ومن ثم اختيارهم لأبي مسلم بعد رفض العرب استلام قيادة الثورة لكبح جماح الأعاجم وضمان ولائهم للثورة.

ساهم الموالي بدرجة كبيرة في اسقاط الدولة العربية الأموية، وذلك من خلال انضمامهم إلى الثورة العباسية وتشكيل فرقة خاصة بهم يقودهم عربي، ضمن قيادة عربية كبرى لجميع القوات العباسية، كما ساهمت جغرافية مناطق الموالي الأعاجم في تسريع وتيرة الثورة، حيث تبعت من أراضيهم، فكانوا بحكم الموقع الجغرافي طرفاً في الجبهتين الموالية للسلطة العربية الأموية، والمتحالفة مع الثورة العباسية، ويظهر ذلك جلياً من خلال سير احداث الثورة وتوجه القوات العباسية للكوفة التي كان الإمام العباسي يحتمي فيها، وحين انتصرت الثورة وبدا للجميع أن الموالي الأعاجم باتوا عنصراً رئيسياً في تركيبة الدولة ومؤسساتها، ظهرت بوادر النزعة العربية لدى العباسيين في بداية حكمهم، وذلك من خلال إزاحة رموز الموالي من طريقهم.

إقرأ أيضا: العروبة المؤسِّسة.. كيف صاغ العرب مكانتهم العليا داخل الدولة الإسلامية المبكرة؟

إقرأ أيضا: القبيلة والدولة.. الموالي بين منطق الفتح ومأزق التمييز في المشروع الأموي.. كتاب

مقالات مشابهة

  • كتاب يعيد قراءة سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين
  • صنعاء تتوعد: المرحلة الرابعة تحمل مفاجآت كبرى ستعيد تشكيل قواعد الردع في المنطقة
  • 3 آب: دعوات لتصعيد الحراك ضد الإبادة في اليوم العالمي لنصرة غزة والأسرى
  • نازحون سوريون بلبنان للجزيرة نت: قلقون من العودة
  • كتابٌ حول التشكّلات الفنيّة والموضوعيّة في شعر يحيى بن هذيل القرطبي
  • نازحون عادوا اليوم من لبنان إلى سوريا... هذا عددهم
  • وفاة شاب في حادث مرور بالبويرة
  • حماس تدعو لأن يكون الأحد المقبل يومًا عالميًا لنصرة غزة
  • جنود إسرائيليون يرفضون العودة للقتال في غزة
  • قراءة في كتاب "القواسم في عُمان" للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي