القيمة الدائمة للداعمين (مدخل للاستدامة المالية في القطاع الخيري)
تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT
سأتناول في مقالي لغة فلسفية ونظرية علمية مستقاة من العلوم الإدارية التطبيقية، محاولاً تطبيق تلك الفلسفات والنظريات على العمل الخيري مع ذكر الأمثلة التطبيقية والممارسات المتميزة.
إن علم التسويق في الإدارة علمٌ عريق، يهتم بتحويل العميل من مشترٍ إلى شريك، ويحض على استبقاء العميل مدة زمنية أطول مع صاحب المنتج لتحقيق الاستدامة المالية وغرس الولاء في قلبه مما يعكس القوة الشرائية.
من أهم مبادئ علم التسويق “القيمة الدائمة للعميل”، وهي القيمة المالية التي سيجلبها العميل للشركة على مدار فترة علاقته التجارية بها. فقد وضعت مقاييس رياضية لقياس استبقاء العملاء تسهم في وصف الواقع، كما تناولت هامش الربح لكل عميل وكيفية زيادته دون الإخلال بالاحتفاظ بالعميل.
فعندما ترفع المنشأة هامش الربح، عليها أن تدرس مدى استجابة العميل للسعر الجديد مقارنة بالمنافسين، وما القيمة التي تضمن استمرار العميل في الشراء.
إن حساسية السعر قد تؤدي إلى انخفاض الأرباح، لذا يجب المحافظة على العملاء من خلال الاستجابة لرغباتهم ومنحهم الحوافز المرغوبة للاستبقاء، كنقاط المكافآت أثناء الشراء أو الخصومات أو الخدمات الخاصة، فمع مرور الوقت، ستنمو مشتريات العميل، حيث إن سيكولوجية البشر تميل إلى التعلق بالمكان الذي تجد فيه الراحة والخدمة المميزة. إن القطاعات التجارية تسعى دائماً لتعظيم الربح وتركز على العملاء المستدامين في تحقيق الأرباح، حيث إن 20% من العملاء يحققون 80% من الأرباح.
عند مواءمة هذه النظريات مع القطاع غير الربحي، نجد أن القيمة الدائمة للداعم هي القيمة المالية التي سيقدمها للجمعية طوال فترة علاقته بها. تنقسم مصادر الدعم والإيرادات للجمعيات إلى ستة أنواع:
1. الدعم الحكومي وشبه الحكومي.
2. المؤسسات المانحة.
3. رجال الأعمال.
4. المسؤولية المجتمعية للشركات.
5. الأفراد.
6. بيع الخدمات.
السؤال المهم: كيف يمكن زيادة الموارد المالية من هذه المصادر مع الاحتفاظ بالداعمين والمساهمين لمدة أطول؟ ما المحفزات التي تجعلهم يستمرون في العطاء وإسناد المشاريع للجمعية؟ من هم الفئة المميزة الـ 20% الذين يحققون 80% من الميزانية المطلوبة للجمعية؟
أسئلة تحتاج إلى ورش عمل وتحليل عميق، إن الداعمين ومسندي المشاريع يحبون أن يروا أثر عطائهم، وأن يتأكدوا من وصوله إلى الغاية المقصودة مع تلقيهم للتقارير الدورية عن نتائج دعمهم وغيرها من اهتماماتهم ذات الأولوية. ومن هذا المنطلق لا بد أن نغير تفكيرنا إلى التفكير بشمولية والاستفادة من ممارسات القطاع الربحي في القطاع غير الربحي، إن التوازن مطلوب بين الاهتمام بالداعمين الحاليين والبحث عن داعمين جدد.
فينبغي على الجمعيات تحليل بيانات الداعمين عبر السنوات السابقة ودراسة أسباب انقطاع بعضهم، سواء كان ذلك بسبب تكلفة المشاريع، أو عدم وصول التقارير، أو تغير الإدارة التنفيذية أو مجلس الإدارة أو أصحاب العلاقة وغير ذلك من الأسباب.
مع بداية كل سنة عند تحديد المستهدف السنوي للميزانية وبداية الحملة، لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار في نهاية الحملة تحليل نسب الداعمين المستدامين مقابل الجدد، ووضع خطط لتحويل الداعمين الجدد إلى مستدامين وإعادة جذب المنقطعين. ليس النجاح الكامل أن نحقق المستهدف السنوي، إنما يكتمل النجاح عندما نحقق المستهدف وتكون نسبة الداعمين المستدامين أعلى من الداعمين الجدد.
إن الاهتمام بالداعميين المستداميين لابد أن يكون من أولويات الجمعيات و أن نستفيد من ممارسات الشركات الكبرى والمصارف في تخصيص خدمات خاصة لكبار العملاء، فعلى الجمعيات تخصيص أقسام للعناية بكبار الداعمين، ومشاركتهم في مناسباتهم المختلفة، وتحويلهم إلى شركاء حقيقيين في قضية الجمعية.
فعندما يصل الداعم إلى مرحلة الشراكة الحقيقية، سيصبح سفيراً للجمعية، يسوق لها ويعزز صورتها الذهنية.
إن من الذكاء الاجتماعي إشراك الداعمين في تصميم المشاريع، فالناس يميلون لدعم ما شاركوا في صنعه أو مشاركتهم النجاحات بعد دعمهم للمشروع وطلب زيارتهم للاطلاع عن قرب على الأثر.
ختاماً، من المهم تغيير نظرتنا للداعمين من مجرد مصادر للتمويل إلى شركاء حقيقيين يتبنون قضايا الجمعية ويؤمنون برسالتها.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
«العالمي لحماية الطبيعة» يستشرف حلولاً تمويلية وابتكارات علمية للاستدامة
هالة الخياط (أبوظبي)
أخبار ذات صلةتواصلت فعاليات المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025، وسط مشاركة لافتة من قادة الفكر والخبراء والعلماء وممثلي المؤسسات الدولية.
في يوم انعقاده الرابع، ناقش المشاركون التحديات البيئية العالمية من زوايا التمويل الأخضر، والتقنيات الحديثة، والإدارة المستدامة للموارد البحرية والبرية.
وتميز اليوم الرابع بحوارات معمقة ركزت على الابتكار في آليات الحفظ، والتحول نحو اقتصاد إيجابي للطبيعة، وتعزيز الشراكات العابرة للحدود لتحقيق أهداف الاستدامة العالمية.
وافتتحت جلسات أمس بندوة بعنوان «تدفقات التمويل: دعم تحول أنظمة الغذاء من خلال الزراعة الإيكولوجية»، والتي بحثت في كيفية إعادة توجيه رؤوس الأموال والاستثمارات نحو الزراعة المستدامة وأنظمة الغذاء العادلة بيئياً واجتماعياً.
وأكد المتحدثون أن الزراعة الإيكولوجية تمثل اليوم أحد أهم الحلول لتعزيز الأمن الغذائي ومقاومة آثار التغير المناخي.
وأشار عدد من الخبراء إلى أن التحول الحقيقي في قطاع الغذاء يبدأ من التمويل المستدام، الذي يربط بين الإنتاج المسؤول واستعادة النظم البيئية الزراعية.
وفي محور التكنولوجيا، أثارت جلسة «ما وراء الضجيج: تداعيات الذكاء الاصطناعي على جهود الحفظ» نقاشاً غنياً حول دور التقنيات الرقمية في دعم علوم البيئة وحماية الكائنات المهددة بالانقراض.
مخاطر أخلاقية
قال الدكتور كريس ساندبروك، مدير مركز كامبريدج لحوكمة البيئة، إن «الذكاء الاصطناعي يفتح أمامنا فرصاً غير مسبوقة لمراقبة النظم البيئية وفهم ديناميكياتها بدقة، لكنه في الوقت ذاته يتطلب منا أن نكون أكثر وعياً بمخاطره الأخلاقية واستخدامه المسؤول».
فيما أضاف أليكس دهغان، المدير التنفيذي لشركة كونسيرفيشن لاب، أن «الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية في العمل الميداني، خاصة في تحليل الصور والأصوات لتتبع الأنواع، غير أن النجاح الحقيقي يتحقق عندما يُدمج العلم بالتقنية في منظومة واحدة تخدم الطبيعة».
الروحانية
ومن الزوايا الثقافية، قدّم الباحث شبهام أغراوال، المؤسس المشارك لمبادرة فايث فور إيرث، في جلسة «التقاطع بين الروحانية، وحماية الطبيعة، والعمل المناخي في مهرجان مهاكومب ميلا»، رؤية جديدة تربط بين المعتقدات الروحية والحركة البيئية، مؤكداً أن «التقارب بين القيم الثقافية والدينية والممارسات البيئية قادر على إلهام المجتمعات للتحرك بشكل جماعي نحو حماية الكوكب».
أما في المجال البحري، فكانت جلسة «إفساح المجال لأسماك القرش: إلى أين نتجه من هنا؟» من أبرز محطات اليوم، حيث استعرضت الدكتورة ريما جبّاضو، أحد أحدث البيانات حول حالة هذه الأنواع في المنطقة والعالم.
وقالت: «ما زلنا نشهد تراجعاً مقلقاً في أعداد أسماك القرش، وهي مؤشرات خطيرة تهدد توازن النظم البيئية البحرية، ما يستدعي إجراءات أكثر جرأة من قبل الحكومات والمؤسسات البحثية».
وأضافت سارة فاولر أن «التعاون الإقليمي في الأبحاث والسياسات هو الطريق الأمثل لحماية هذه الأنواع؛ لأن المحيطات لا تعرف الحدود الجغرافية».
الحلول البحرية
في جلسة محورية بعنوان «100% تحالف: توسيع نطاق الحلول البحرية لتحقيق تأثير عالمي»، دعا المشاركون الدول الساحلية إلى الالتزام الكامل بإدارة مياهها الإقليمية بنسبة 100% وفق مبادئ الاستدامة.
وقدم البروفيسور مات فروست، رئيس المكتب الدولي في مختبر بليموث البحري، عرضاً شاملاً حول مفهوم الخطط البحرية المستدامة (SOPs) وأهميتها في ربط التنمية الاقتصادية بالأهداف البيئية.
وقال فروست: «تحقيق إدارة مستدامة للمحيطات يتطلب تضافر الجهود العلمية والدبلوماسية والاقتصادية في آنٍ واحد، فالمحيطات ليست ملكاً لدولة بعينها، بل مسؤولية مشتركة تجاه الأجيال القادمة».
وأضاف: «من خلال التحالف 100% نسعى إلى تحويل الالتزامات البيئية من شعارات إلى خطط عمل ملموسة تعزز قدرة الدول على حماية مواردها البحرية، وتحقيق عائد اقتصادي مستدام».
الحفاظ على البيئة
من جانبه، أكد تورستن تيله، مؤسس مؤسسة جلوبال أوشن تراست، أن التمويل هو الركيزة الأساسية لتحقيق التوازن بين التنمية والحفاظ على البيئة، مشيراً إلى أن «التحول نحو الاقتصاد الأزرق يتطلب أدوات مالية مبتكرة مثل السندات الزرقاء، والتمويل من أجل الطبيعة، لتشجيع القطاعين العام والخاص على الاستثمار في الحلول البيئية طويلة الأمد».
وأضاف: «التمويل الأخضر للمحيطات لا يحافظ فقط على البيئة البحرية، بل يخلق فرص عمل جديدة، ويعزز الاستقرار الاقتصادي في المجتمعات الساحلية».
وشهد أمس إطلاق جلسة «تقرير الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة: كيف يمكننا إطعام العالم مع الحفاظ على الطبيعة؟» التي تطرقت إلى تحدي تحقيق الأمن الغذائي مع استعادة النظم البيئية.
وخلصت النقاشات إلى ضرورة اعتماد سياسات شاملة تدمج بين الزراعة الذكية مناخياً والممارسات الإيكولوجية لضمان إنتاج غذاء كافٍ ومستدام في آن واحد.
وأكد الخبراء أن «إطعام العالم لا يجب أن يكون على حساب البيئة، بل عبر أنظمة غذاء تعمل بانسجام مع الطبيعة».
الطاقة المستدامة
في محور الطاقة المستدامة، نظمت جلسة «الشمس كمحرك أساسي للانتقال إلى اقتصاد إيجابي للطبيعة»، برعاية بنك أبوظبي الأول، حيث عرضت نماذج لمشاريع الطاقة الشمسية ودورها في تحقيق الحياد الكربوني.
وأجمع المتحدثون على أن «الطاقة المتجددة أصبحت القلب النابض للتحول نحو اقتصاد أخضر، وأن الاستثمار في الطاقة الشمسية يمثل أحد الحلول الأكثر جدوى لتحقيق التنمية دون الإضرار بالبيئة».
وفي قاعة أخرى، استعرضت جلسة «ARCHIPEL» تجربة فريدة لإطلاق أول أرصدة كربون معتمدة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط.
وأوضح المتحدثون أن المشروع يشكل خطوة متقدمة في دمج آليات السوق بجهود خفض الانبعاثات وتعزيز الاقتصاد منخفض الكربون.
وبينوا أن المبادرة تعكس توجهاً عالمياً نحو «تسليع الحلول البيئية» بطريقة مسؤولة ومبنية على الشفافية العلمية.
الأراضي الرطبة
كما استمرت الاجتماعات التقنية لمجموعات العمل الخاصة بمقترحات المؤتمر (Motions)، لمراجعة التوصيات التي من شأنها دعم أجندة الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة في السنوات المقبلة، بما في ذلك السياسات المتعلقة بإدارة الأراضي الرطبة، والتنوع البيولوجي في المناطق الحضرية، وتمويل المجتمعات المحلية المتأثرة بالتغير المناخي.
تلاحم الرؤى
اختُتم اليوم الرابع بالتأكيد على أن العمل البيئي العالمي يحتاج إلى تلاحم الرؤى وتبادل الخبرات بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وأجمع المشاركون على أن التحول من التعهدات إلى التنفيذ الفعلي هو التحدي الأبرز في المرحلة المقبلة، وأن الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا والشراكات هو السبيل لتحقيق التغيير المنشود.
اليوم الخامس
بينما يستعد المؤتمر ليومه الخامس، يترقب المشاركون استمرار الحوار حول التمويل البيئي، وحوكمة المناخ، وحلول الطبيعة المستندة إلى العلم، تأكيداً على التزام دولة الإمارات بدورها الريادي في دعم الجهود الدولية لبناء مستقبل أكثر استدامة للطبيعة والإنسان.