الاعتداء المالي على النساء.. عنف منزلي عالمي غير معترف به
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
للعنف المنزلي أشكال عدة، لكن تبقى الإساءة المالية من الأشكال المسكوت عنها، تحدث في عدد كبير من العلاقات المسيئة، وهي السبب الأول في بقاء الضحايا داخل دوائر لا نهائية من العنف والإساءة والمعاناة، بل وعودتهم إليها عند التخلص منها، تكمن خطورة الإساءة المالية في أنها لا تحظى باعتراف يذكر.
الاعتداء المالي"العنف المالي ضد النساء يعد أحد أشكال الاتجار بالبشر" هكذا تصفه عزة الجزار، استشارية بناء القدرات، وحقوق النساء في العمل، وتقول للجزيرة نت "الاتجار كلمة واسعة لا تشمل فقط الرق أو العبودية، ولكن أيضا الاستغلال للحصول على قيمة، سواء مادية أو معنوية، لذا فاستغلال سيدة للوصول إلى أموال معينة بتسخيرها للعمل، أو الاستيلاء على ما لديها من إرث أو ممتلكات، أو ما يمكنها جلبه عبر العمل العادي، فهذا يعد اتجارا بالبشر ويعد أحد أشكال العنف المالي".
وتكمل الجزار "حين تعمل المرأة ويحصل على أموالها أحد أفراد الأسرة بشكل سلبي، كزوج قادر على العمل ولكنه عاطل أو طامع في دخلها المادي، فإن ذلك يعد عنفا ماليا، وهم هنا لا يحصلون منها على المال رغما عنها وحسب، ولكن يتم ابتزازها لدفع ما يشبه الإتاوة حتى تتمكن من مواصلة العمل".
وقد قابلت حالات عديدة في هذا السياق لو لم تدفع فلن يتم السماح لها بالعمل من الأساس أو يتم تعطيلها لعدة أيام كعقاب حتى تستجيب، وهناك نوع آخر للعنف المالي هو عدم منح المرأة القيمة الحقيقية عن العمل الذي قامت به، يحدث هذا بالذات للعاملات بالمنازل والعاملات الزراعيات وغيرهن، ممن يضطررن إلى القبول بمبالغ مقابل جهد شاق لحاجتهن إلى المال، وهو عنف شديد السوء لأن الضحية تكون مضطرة لقبوله تحت ضغط الحاجة والمسؤوليات فتظل في حلقة لا نهائية".
لا تنسى عزة تلك السيدة التي روت لها قصتها في فعالية نسائية أخيرة، تقول: "زوجها يعطيها 1500 جنيه في الشهر، ويطالبها أن تدير البيت بالكامل بها، طعام وشراب ومنظفات وتعليم ومواصلات، وكل شيء، وإذا عاد في يوم ولم يجد لحوما أو دجاجا على المائدة يغضب ويضربها، بل ويأمرها بعدم العمل، وإن شكت ينصحها أن تكف عن تعليم الأولاد وتوفر مصاريف المدرسة ومواصلاتها للبيت".
بحسب برنامج "موني سمارت" التابع للحكومة الاسترالية، فإن الإساءة المالية تعد سلوكا منهجيا يحاول فيه أحد الأشخاص التحكم في قدرة شخص آخر على الوصول إلى المال، وغالبا ما يحدث هذا النوع من الإساءة بين الشريكين، أو أفراد الأسرة الآخرين، وتعد الإساءة المالية أحد أشكال العنف الأسري التي تكون موجودة مع أشكال أخرى من الإساءة كالإساءة الجسدية أو العاطفية، ويتخذ السلوك المسيء أشكالا مختلفة تشمل:
التحكم في المال والسيطرة عليه، مثل جمع المال من جميع أفراد الأسرة ومنحهم مصروفا. السيطرة على كيفية إنفاق الدخل. إجبار المرأة على أن تكون ضامنا لقرض أو الحصول على قرض باسمها. إجبار المرأة على استخراج بطاقة ائتمان ثانية. إجبار المرأة على العمل في شركة عائلية أو وظيفة تدر مالا على الأسرة دون الحصول على أجر. بيع ممتلكاتها بدون إذنها. إساءة استخدام التوكيل العام الدائم. إجبارها على تغيير وصيتها حال وفاتها. منعها من الحصول على وظيفة أو الذهاب إلى العمل. منعها من الدراسة. الحد من قدرتها على الوصول إلى المال. تراكم الديون على الحسابات المشتركة أو بطاقات الائتمان المشتركة. حجب الدعم المالي كمصروفات الأطفال. رفض العمل أو المساهمة في دخل الأسرة وتحميلها مسؤولية الإنفاق على الأسرة.لم تتوقع سناء عامر أن تتحول زيجتها من حب عمرها إلى جحيم. بدأت قصتها قبل 3 سنوات، حيث تقول للجزيرة نت "تزوجت منذ ثلاث سنوات، ولم يكن هناك توافق اجتماعي أو ثقافي، ولكنني كنت قادرة على تقبل ذلك. ما لم أكن أعلمه هو أنه شخص بخيل وغير مسؤول، يرغب في ممارسة دور سي السيد. وجدت نفسي مشغولة طوال اليوم بين عملي ورعاية ابني وأعمال المنزل والطهي. وإذا طلبت منه أي شيء، كان يعاملني وكأنني ارتكبت جريمة. كل ما يقدمه لي هو توفير الطعام في الثلاجة وبعض المنظفات، بينما يصر على دفع نصف تكاليف حضانة ابنه فقط. شعرت بالضغط والحرمان الشديدين، ما جعلني غير متزنة نفسيا، ولا أستطيع اتخاذ قرار الطلاق".
تتعدد الآثار البدنية والنفسية الناتجة عن الإساءة المالية التي تتعرض لها النساء، وأبرز هذه الآثار هو شعور الضحية بالعجز. فالأمر لا يقتصر على الديون المتراكمة أو احتمال السجن بسبب القروض غير المسددة، بل يمتد إلى تحول الضحية إلى حالة من الانعزال الاجتماعي الشديد. وهذا يضع أمامها عقبات إضافية لترك العلاقة المسيئة، حيث تعجز عن تغطية التكاليف المرتبطة بالانفصال، وكذلك مصروفات الأطفال حال وجودهم. وفي نهاية المطاف، قد تنتهي العديد منهن إلى العيش في ظروف غير آمنة أو التعرض للتشرد، فضلا عن صعوبة الحصول على الرعاية الطبية أو النفسية.
تتعدد النصائح في هذا الشأن لكنها جميعا تبدأ بأهمية الوعي بما يعنيه "الاعتداء والاستغلال المالي للنساء" ويلي ذلك عدة اقتراحات للنجاة أهمها:
وضع أسس واضحة للمعلومات المتعلقة بالوضع المالي بين الزوجين، وتحديد طريقة التعامل مع الأموال بالتوافق بين الطرفين. يجب أن يكون كلا الشريكين على علم كامل بالصورة المالية للآخر، حيث من المهم أن يدرك كل طرف ما يحدث بالضبط.
كما يجب الانتباه والوعي بحقيقة الوضع إذا استمر الشريك في الإساءة المالية بأشكالها المختلفة، واتخاذ القرارات بناءً على ذلك.
ينبغي عدم التزام الصمت حيال ما يحدث، فالكثير من النساء يحتفظن بتفاصيل الإساءة المالية كمسألة خاصة، معتقدات أنه لا يجب إخبار الآخرين بما يمررن به، مما يؤدي إلى تفاقم الأمور بمرور الوقت.
تعلم كيفية إدارة المال أمر أساسي. بينما تبقى العديد من النساء في علاقات مسيئة بسبب المال، تنجح أخريات في الخروج من هذه العلاقات بعد اكتساب مهارات جديدة وتعزيز قدراتهن على كسب المال من خلال أعمال إضافية، مما يمنحهن الاستقلال المالي.
يجب أيضًا وضع خطة للأمان المالي الشخصي حال اتخاذ قرار بالانفصال بعد بذل كل الجهود. في هذه الحالة، ينبغي على الناجية تأمين مبلغ من المال يكفيها على الأقل لمدة 6 أشهر، لمساعدتها في تغطية الفواتير والإيجارات والنفقات الأخرى قبل أن تتخذ قرارها النهائي بترك العلاقة المسيئة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحصول على
إقرأ أيضاً:
جهنمية حين تتحول الزنزانة إلى مسرح للمقاومة
في الأيام الأخيرة قبيل سقوط نظام عمر البشير، وجدت شابة سودانية تُدعى شامة نفسها في مواجهة غير متوقعة مع آلة القمع، كانت متجهة إلى مظاهرة حين اعتقلتها قوات الأمن، فأُلقيت في زنزانة ضيقة ومعتمة، إلى جانب 4 نساء أنهكتهن شهور طويلة من الاعتقال.
داخل هذا الفضاء المغلق، حيث تغيب الشمس ويُحرم الجسد من الهواء النقي، تنبثق حكايات 6 نساء، كأصوات مكتومة تبحث عن متنفس، وتزداد العتمة ثقلاً مع دخول فتاة صبية جديدة، مذهولة وصامتة، تحمل على وجهها آثار صدمة عميقة.
ورغم ضيق المكان، يبدأ عالمهن الداخلي في الاتساع، تتوالى المخاوف والأحزان والأحلام، وأحيانًا عزاء مباغت يأتي عبر رؤى شامة الصبية لحبيبها، في قلب الظلمة، لم تستسلم النساء لليأس، بل نسجن من تفاصيل يومية بسيطة وسائل مقاومة تعيد إليهن بعضًا من الثقة والكرامة، إنها مواجهة صامتة بين إرادتهن وقسوة السجن، مواجهة تتعالى مع أنفاس الثورة في الخارج، حتى لحظة الانفجار الكبير وسقوط النظام، لكن الحرية لم تكن خاتمة الحكاية، بل بداية لاختبار جديد.
السجن بعدسة سينمائيةلا يكتفي فيلم"جهنمية" بسرد قصة شخصية، بل يجعل من تجربة الاعتقال السياسي للنساء في السودان مادة للتأمل، يقول المخرج إن دافعه الأول كان الدور الاستثنائي الذي لعبته المرأة السودانية في الحياة العامة، وبلغ ذروته في ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018.
وللاقتراب أكثر من التجربة، أجرى فريق العمل في الفيلم مقابلات معمّقة مع معتقلات سابقات، فجاءت شهاداتهن غنية بالأبعاد الإنسانية، الألم النفسي والجسدي، لحظات الانكسار والصمود، والقدرة المدهشة على خلق مساحات أمل حتى في أقسى الظروف.
بالنسبة للنساء، تصبح تجربة الاعتقال أكثر من مجرد معاناة شخصية، إنها نقطة تقاطع بين السياسة والجندر، حين يتضاعف وقع القمع على الأجساد والنفوس، نسعى إلى إظهار القوة والإصرار الذي تمتلكه هؤلاء النساء، ونرى فهما أعمق لنضالاتهن وقدرتهن على الصمود على الرغم من العقبات التي يواجهنها.
إعلانومن خلال رواياتهم، نأمل أن نلهم الآخرين ونمكنهم، ونسلط الضوء على القصص غير المروية للأفراد الشجعان.
ما بعد القيد"جهنمية" لا يروي حكاية القهر فقط، بل يفتح نافذة على المقاومة، فالزنزانة ليست مجرد رمز للظلام، بل فضاء يعيد صياغة علاقة النساء بأنفسهن وبالعالم، تجربة خانقة، لكنها أيضا تجربة كاشفة تولّد وعيًا جديدًا يتجاوز حدود السجن.
إنه فيلم عن النساء، عن الثورة، وعن اللحظة التي يتحول فيها الألم إلى طاقة حياة.
حوار مع مخرج "جهنمية"الجزيرة نت التقت مخرج الفيلم ياسر فائز، الذي أضاء جوانب عن بداياته "بدأتُ مشواري في عالم الصحافة عبر الأقسام الثقافية للصحف السودانية عام 2007، تنقّلتُ خلال 6 أعوام بين عدة صحف محلية حتى عام 2013، قبل أن أنضم إلى مجلة الحداثة وأواصل الكتابة في منصات أخرى.
يضيف "تأخرت خطواتي العملية في دخول صناعة السينما بعض الشيء، حتى أخرجتُ فيلما وثائقيا تجريبيا عام 2011 بتمويل من معهد جوته و"سودان فيلم فاكتوري"، لكنني لم أتخذ السينما مسارا مهنيا إلا لاحقًا".
يرى فائز أنّ نقطة التحوّل الأبرز في مساره كانت تركه لمهنة الصحافة بعد فصله من الصحيفة، وهو قرار جاء في ظروف دراماتيكية تزامنت مع انتفاضة سبتمبر/أيلول 2013، وحينها شعر بخيبة أمل عظيمة.
يضيف فائز أنّ ضعف المؤسسات الصحفية وغياب التطوّر المهني كانا من أبرز الأسباب التي دفعته إلى مغادرة مهنة الصحافة نهائيا، والبحث عن أفق جديد في صناعة السينما.
هل أخرجت أفلاما قبل جهنمية؟
"قبل جهنمية أخرجتُ فيلمًا وثائقيًا في العام 2011 واعتبرته تجربة تعليمية، أيضا شاركتُ كمخرجٍ منفِّذٍ ومنتجٍ مشاركٍ في الفيلم الروائي القصير "حاحاي الكلاب"، من إخراج صدام صديق، الذي حاز جائزة الفيل الأسود في مهرجان السودان للسينما المستقلة عام 2020.
كما شاركتُ كاتبًا مشاركًا في الفيلم الوثائقي القصير رحلة إلى كينيا، من إخراج إبراهيم سنوبي، وقد نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة في الدورة نفسها من المهرجان".
يستطرد فائز "اخترتُ أن أُخرج فيلمًا عن تجربة اعتقال النساء، وقمتُ بعد الثورة بإجراء 8 مقابلات مع معتقلات سابقات أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، ومن خلال حكيهنّ وردود أفعالهنّ على الأسئلة التي طرحتُها استوحيتُ فكرة السيناريو وكتبته".
بدأ تصوير "جهنمية" عقب "انقلاب أكتوبر 2021″، وهو ما أعاد ترتيب حساباتنا الإنتاجية، إذ اضطررنا إلى بناء زنزانة كموقع للتصوير بدلا من التصوير في سجن النساء كما كان مخطّطا.
وبينما كنّا ننهي اللمسات الأخيرة للفيلم، اندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل/نيسان 2023، ما أدّى إلى فقدان مواد الفيلم، واضطرني ذلك إلى السفر إلى القاهرة لاستكمال العمل على الفيلم.
فيما يخص اختيار الممثلات، قمنا في فريق العمل بإجراء تجربة أداء اخترنا من خلالها ممثلات، كان معظمهنّ في تجربتهنّ التمثيلية الأولى أو السينمائية الأولى باستثناء النجمة إسلام مبارك.
تكوّن فريق التمثيل من 7 ممثلات إلى جانب إسلام مبارك، وهنّ: ليندا عمر، سوهندا أبو بكر، ليا، لوران النّو، شمس مبارك، ميسون مساعد ومنى أسامة.
موقع التصوير.. ميزانية الفيلم والتمويلقمنا ببناء نموذج لزنزانة داخل مستودع تخزين ليكون موقعًا للتصوير، كان المستودع مهجورًا، فقمنا بتوصيل الكهرباء اللازمة واعتمدنا الإجراءات الصحية، واجهتنا صعوبات، إذ كنا نضطر إلى إيقاف المكيّفات أثناء التصوير وسط درجات حرارة عالية، ولتعويض انقطاعات الكهرباء استخدمنا مولّدًا كهربائيًا، وبنينا له مجسّمًا لعزل الصوت حتى لا يؤثر على تسجيل الفيلم، كما اتخذنا إجراءات لتأمين الموقع وتنظيم عملية النقل.
إعلانمن المهم أن نؤكد أولًا أننا حصلنا على دعم كبير من أعضاء الفريق بقبولهم العمل دون أجر، وقد اعتمدنا في التمويل على شركتنا الخاصة "إن ديب فيشن"، إلى جانب دعم معنوي من القطاع الخاص، كان من المفترض أن نحصل على مساهمة أكبر من هذا القطاع، لكن بعض الجهات تراجعت بسبب أجواء 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما حصلنا على بعض الدعم والمساعدة من سودان فيلم فاكتوري، كنا نطمح أيضًا إلى مشاركة المجتمع المدني، لكن معظم الجهات التي تواصلنا معها لم تستجب، في حين تراجعت جهات أخرى من دون تقديم أسباب.
أما ميزانية الفيلم فكانت كبيرة نسبيا قياسا بفيلم قصير، غير أن الضرورات الإنتاجية فرضت ذلك، دفعنا حوالي 20 ألف دولار، إضافة إلى نحو 20 ألف دولار أخرى مقابل أجور فريق العمل الذي تجاوز الـ30 شخصا من غير الممثلين.
فيلم جهنمية للمخرج ياسر فائز سيعرض في الدورة الـ6 من مهرجان مينا السينمائي من 25 إلى 30 يناير/كانون الثاني بكندا حيث ينافس في مسابقة الأفلام القصيرة، ويُعرض ضمن برنامج "ريفليوشن" يوم الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني الساعة 6:45 مساء بسينما VIFF Centre.
حصل الفيلم على جائزة ما بعد الإنتاج من مبادرة الفيلم والإعلام العالمية (GFMI)، مُنحت من قبل استوديوهات شيفت.
وتم اختياره رسميا في برنامج أبواب مفتوحة "Open Doors" لكن خارج المسابقة الرسمية، وترشح لمهرجانات مالمو عرب فيلم وتورنتو عرب فيلم ومهرجان عمان للسينما العربية ومهرجان لوكارنو الدولي في سويسرا والعديد من المهرجانات الأخرى.