صحفيو أفريقيا.. دوامة الانتهاكات وإستراتيجية المواجهة
تاريخ النشر: 9th, November 2024 GMT
أديس أبابا– تعتبر القارة الأفريقية إحدى أخطر المناطق في العالم على الصحفيين، وهو واقع طال واستدام، بل تصاعد خلال السنوات الأخيرة مع تفجر بؤر صراع جديدة زادت الطين بلة على العمل الصحفي، وجعلت رسالة نقل الحقيقة مهمة شاقة ومحفوفة بالمخاطر والتحديات.
لكن هذا الوضع، رغم تفاوته من بلد أفريقي لآخر، لم يكسر عزيمة الصحفيين المؤتمنين على قدسية المعلومة والخبر، بل زادهم إصرارا على انتزاع حقهم المسلوب في الحرية والتعبير أمام سيل لا يكاد ينتهي من الانتهاكات، فتبنوا "إستراتيجية المواجهة" بدل انتظار قدرهم المحتوم، كما كان عليه الأمر بالأمس القريب.
تلكم كلمات ورسائل من بين أخرى رصدناها من خلال مقابلة أجريناها مع الصحفي الصومالي ورئيس فدرالية الصحفيين الأفارقة عمر فاروق عثمان، على هامش المؤتمر الدولي الذي نظمته مفوضية الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي السادس والسابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري تحت شعار "سلامة الصحفيين خلال الأزمات وحالات الطوارئ".
وفي ما يلي أبرز ما دار خلال المقابلة:
حقيقة لا أعتقد أن أوضاعهم المهنية قد تحسنت، بل إن الأزمات التي يعيشون في كنفها تعمقت وازداد نطاق وعدد الهجمات التي يتعرضون لها خلال أداء رسالتهم الإعلامية. كما أن غياب المساءلة استمر أيضا في عموم القارة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بل إنه بالإمكان أن نرى الآن أن هذا الاستهداف لا يتم فقط في فترات الأزمات والحروب، بل أيضا في ظل أنظمة سياسية، الأصل أنها ديمقراطية.
الفرق الوحيد برأيي مقارنة بالسنوات الخوالي هو أن الصحفيين الأفارقة نهضوا وقاموا قومة رجل واحد، وأصبحوا يعبرون ويوحدون أصواتهم دفاعا عن حقهم في التعبير ونقل المعلومة بحرية دون انتهاكات أو ملاحقات. والوضع لم يكن كذلك من قبل، كنا فقط نقف موقف المتفرج منتظرين ما قد يحدث.
أنا في الواقع سعيد لأن هذه الإستراتيجية وهذا التنظيم والإصرار على أداء الرسالة المهنية قد بزغ فجره وأصبح واقعا ملموسا، وهي خطوة أولى مهمة في طريقنا للتصدي لثقافة الإفلات من العقاب على أي جرائم ترتكب بحق الصحفيين في القارة.
من خلال عملكم وتفاعلكم المباشر مع الصحفيين الأفارقة وأيضا اطلاعكم على تقارير المنظمات الإقليمية والدولية المختصة، هل هناك دول بالقارة السمراء يمكن أن نصفها بأنها "مناطق حمراء" تشكل تهديدا بالغا على حرية الصحافة والإعلام؟هناك بالفعل دول شهدنا فيها وتيرة منتظمة ومتصاعدة للانتهاكات والهجمات ضد الصحفيين، فمثلا يعتبر بلدي الصومال للأسف الدولة الأكثر دموية للصحفيين في أفريقيا، هناك أيضا إريتريا التي لها سجل سيئ في انتهاك حرية الصحافة، والآن لدينا الأزمة المستمرة في السودان التي خلفت العدد الأكبر من الصحفيين النازحين إلى خارج البلد في عموم القارة.
من هنا نرى أن أزمة الصحفيين الأفارقة قد تصاعدت بالفعل، ويمكنني أن أقول إن القارة السمراء أصبحت فعليا أحد الأماكن الأكثر صعوبة وخطورة بالنسبة للممارسة الإعلامية في العالم.
بالعكس تماما، هذه التظاهرات تسمح لنا بتنظيم الصفوف وتعميق التفكير في السبل الناجعة الكفيلة بوقف الانتهاكات بحق الصحفيين، ومن ثم التحرك وفق المخرجات التي نصل إليها ونتفق بشأنها.
من هذا المنطلق، فإن مؤتمر أديس أبابا لمناهضة ثقافة الإفلات من العقاب محطة مهمة بالنسبة لنا جميعا لوضع تصورات المواجهة، خاصة في الدول التي وصفتموها بـ"المناطق الحمراء" التي تشكل بالفعل الخطر الأكبر على سلامة وحياة الصحفيين.
على ذكر "المناطق الحمراء" عالية الخطورة، بلا شك أنكم تتابعون ما يحدث لرجال ووسائل الإعلام في قطاع غزة المحاصر حيث فقد العشرات من الصحفيين حياتهم جراء الاستهداف الممنهج من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ما رأيكم بما يحدث هناك؟ما يحدث في قطاع غزة مجزرة وإبادة جماعية بحق الصحفيين، ما يحدث هناك لم يسبق له مثيل في تاريخنا الحديث، لم نسجل قط هذا العدد المهول من القتلى في صفوف الصحفيين والإعلاميين. والوضع هناك بالغ الخطورة، وهذا ما يزيدنا إصرارا نحن معشر الصحفيين على المضي قدما في طريقنا لوقف الانتهاكات بحق زملائنا وزميلاتنا أينما كانوا.
بالعودة لجزء آخر من المنطقة العربية، وأقصد هنا دول شمال أفريقيا، ما تشخيصكم لواقع الممارسات الصحفية وحرية التعبير في هذه الدول؟دول شمال أفريقيا، مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر، لا تشكل استثناء مقارنة بباقي مناطق القارة، فهي أيضا تعيش وضعا صعبا وحرجا فيما يتعلق بوضع حرية الصحافة والتعبير. والأخطاء والتهديدات بحق الصحفيين هناك هي نفسها بباقي القارة، مثل الترهيب والتخويف والعنف والاعتقال، وكل أشكال المضايقات الأخرى. لكن ما يبعث على التفاؤل برأيي -وكما قلت سابقا- هو أن الاتحادات والنقابات الصحفية هناك وفي دول أفريقية أخرى استشعرت الخطر وهي الآن في خط المواجهة الأول ضد الأنظمة المستبدة وشبكات المصالح، وتبذل كل ما بوسعها لصيانة حرية الصحافة والتعبير والحفاظ عليها. ومقاربتهم الآن أكثر فاعلية من ذي قبل وغايتها تحقيق التغيير الحقيقي المنشود.
هل هناك أمل في أن يتغير واقع الحريات الصحفية بالدول الأفريقية خلال السنوات المقبلة ربما، وأن نشهد بالفعل تغييرا حقيقيا ينعكس إيجابا على الممارسات الصحفية وحرية التعبير؟يجب ألا نفقد الأمل، لأن غياب الأمل لا يمنحنا الحافز والدفعة اللازمة للمواجهة. ولدي إيمان تام بأننا قادرون على المواجهة ولدينا القدرة اللازمة على تأمين حقنا في حرية التعبير والممارسة الحرة للعمل الصحفي، مهما طال الزمن ومهما تطلب ذلك من سنوات. وأقول للذين اقترفوا جرائم بحق زملائنا الصحفيين: انتظرونا.. يوما ما سنحاسبكم وننهي مسلسل هروبكم وإفلاتكم من العقاب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الصحفیین الأفارقة حریة الصحافة بحق الصحفیین من العقاب ما یحدث
إقرأ أيضاً:
وزير الاستثمار: تحرير الجمارك والدفع بالعملات المحلية يدعمان التجارة بين الدول الأفريقية
شارك المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، في فعاليات "منتدى أعمال منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية" التي عُقدت بمدينة مراكش بالمملكة المغربية، وذلك بحضور وامكيلي مينى الأمين العام لاتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، وعدد من وزراء التجارة بالدول الأفريقية.
و استعرض الوزير - في كلمته- رؤى مصر وأولويات المرحلة المقبلة لتعزيز مسار التكامل الاقتصادي في القارة، مؤكدًا أهمية هذا الحدث في دعم الجهود القارية نحو تنفيذ الاتفاقية على أرض الواقع.
قارة أفريقيا واجهت خلال السنوات الأخيرة تحديات اقتصاديةوأكد الخطيب أن قارة أفريقيا واجهت خلال السنوات الأخيرة تحديات اقتصادية وتنموية كبيرة، غير أن هذه التحديات كشفت عن فرص واسعة للنمو، موضحًا أن اغتنام هذه الفرص يتطلب الانتقال من مرحلة التفاوض إلى التنفيذ الفعلي للاتفاقية بما يحقق نتائج ملموسة في التجارة والإنتاج وتوفير فرص العمل داخل القارة.
وأشار الوزير إلى أن اجتماع مجلس وزراء التجارة السابع عشر الذي استضافته القاهرة مثّل خطوة محورية، حيث أعاد التأكيد على مبدأين أساسيين هما ضمان عدم ترك أي دولة أفريقية خلف الركب، وتحقيق التكامل بطريقة تراعي التوازن بين قدرات الدول الأكثر تقدمًا والدول الأقل نموًا.
وأوضح الخطيب أن الاجتماع شهد تقدمًا تقنيًا نوعيًا، حيث تحققت اختراقات مهمة في قواعد المنشأ لقطاعي المنسوجات والملابس، وقطاع السيارات، باعتبارهما من المحركات الأساسية لبناء سلاسل قيمة إقليمية قادرة على المنافسة، مشيرا كذلك إلى الانتهاء من ملحق حقوق الملكية الفكرية، والذي يمثل خطوة أساسية نحو إطار تنظيمي حديث يدعم الابتكار ويعزز بيئة الأعمال في مختلف أنحاء القارة.
و لفت الوزير إلى أن الاجتماع الوزاري التكميلي المنعقد في 20 أكتوبر 2025 أسهم في تعزيز الزخم التنفيذي للاتفاقية، حيث تم الانتهاء من مسارات إضافية، ووضع خطوات عملية لدعم التشغيل الكامل لجداول التعريفات، بما يسهّل حركة البضائع داخل القارة ويعزز التكامل الاقتصادي وفقًا لمستهدفات أجندة أفريقيا 2063.
وأشار الخطيب إلى أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية تمثل إطارًا اقتصاديًا ضخمًا يجمع أكثر من 1.4 مليار نسمة، وناتجًا محليًا إجماليًا يتجاوز 3.4 تريليون دولار، مؤكدًا أن القيمة الحقيقية لهذا الإطار تتحقق عندما تتحول هذه القدرات إلى نتائج فعلية في الإنتاج والتجارة والاستثمار.
وأكد الوزير أهمية المضي في مجموعة من الإجراءات ذات الأولوية، بدءًا من تعزيز سلاسل الإمداد الأفريقية من خلال التحرير التدريجي للتعريفات الجمركية بما يدعم الروابط الإنتاجية بين الدول الأفريقية ويُعزّز حضور المنتجات الأفريقية داخل الأسواق القارية.
كما شدد الخطيب على ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص باعتباره القادر على ترجمة التزامات الاتفاقية إلى استثمارات ومشروعات صناعية وخدمات وفرص عمل جديدة، مشيرًا إلى أن مشاركة ممثلي مجتمع الأعمال في المنتدى تعكس استعدادًا حقيقيًا للعمل المشترك بين الحكومات والقطاع الخاص.
ونوّه الوزير إلى أهمية تعزيز نظم الدفع والتسوية المالية في القارة، مؤكدًا أن نظام الدفع والتسوية الإفريقي (PAPSS) أصبح آلية رئيسية لدعم التجارة البينية، من خلال تمكين المعاملات بالعملات المحلية وخفض التكلفة وزيادة كفاءة التجارة عبر الحدود، بما يمكّن الشركات الصغيرة والمتوسطة من العمل بفاعلية أكبر داخل السوق القارية الموحدة.
كما أكد الخطيب على ضرورة تحسين بيئة الاستثمار والتجارة من خلال تطوير البنية التحتية وتحديث الخدمات اللوجستية وتبسيط الإجراءات ووضع أطر تنظيمية واضحة تدعم الإنتاج والتبادل التجاري.
ولفت الوزير إلى أن المنتدى يمثل مساحة مهمة للحوار وتبادل الرؤى وتحديد خطوات عملية لتعزيز بناء سوق أفريقية موحدة، مع التركيز على احتياجات القطاع الخاص وتوافقها مع أولويات التنمية في الدول الأفريقية.
وأوضح الخطيب أن تقديرات التجارة البينية الأفريقية الحالية تشير إلى أنها لا تتجاوز 15% من إجمالي تجارة القارة، مؤكدًا أن التنفيذ الفعّال للاتفاقية قادر على رفع هذه النسبة بصورة ملموسة، بما يعزز النمو ويزيد الاستثمار ويخلق فرصًا أوسع للشباب والمرأة.
كما شدد الوزير على أن هذا المنتدى يوفّر منصة حيوية لتعميق الحوار بين صناع السياسات والقطاع الخاص، واستكشاف فرص جديدة للشراكة، وإطلاق مبادرات عملية تدعم المرحلة المقبلة من تنفيذ الاتفاقية.
واختتم الوزير كلمته بدعوة جميع المشاركين إلى تعميق التعاون خلال فعاليات المنتدى، والمضي في مسارات جديدة تُسرّع تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية وتوسع الاندماج الصناعي والتجاري عبر القارة.
كما دعا الخطيب مجتمع الأعمال إلى استثمار هذا الحدث لتطوير الشراكات وإبرام الاتفاقيات والمضي في مبادرات تدعم مشهد التجارة والاستثمار المتنامي في أفريقيا، مؤكدًا أن مراكش 2025 تمثل محطة فارقة نحو قارة أكثر تكاملًا وإنتاجًا وازدهارًا.