دينا الرميمة
تلفحُنا الذكرى بوجعِ رحيٍل لم تتيقَّنْ به قلوبُنا حتى اليوم الأربعين منه، نراه حاضرًا بقلب معاركٍ وجبهات قائدًا ومتابعًا ونهجًا ومنهجًا، وَإلحاح طموح بتحرير فلسطين، ووعدًا أطلقه السيد نصر الله، على ذات الغارة الأولى التي سقطت على غزة في اليوم الأول للطوفان بخروج غزة من مصابها منتصرة ودون المساس بهُــوِيَّتها ومقاومتها، في حرب استرداد الصهاينة لهيبتهم التي جرفها الطوفان وحلم بمجيء غزة إليهم راضخة متعرية من ثوبها الفلسطيني كما آتت به حروبهم الأوائل مع العرب من اتّفاقيات سلام غلت أياديهم عن نصرة فلسطين، واترفت الصهاينة بالتوسع على طول وعرض فلسطين ودعم سخي من الغرب سياسيًّا وعسكريًّا وأسلو فتحت شهيته لقضم أراضي الضفة والقدس!!
غير أن غزة التي استعصت عليهم طوال سنوات الاحتلال وما تعرضت له من حروب خرجت منها منتصرة بدت أكثر صمودًا وتحديًا، لا سِـيَّـما وقد استبدلت سلاح الحجارة بصواريخ وقذائف بدائية أمام ضخامة وتقدم صواريخ وقنابل أمريكا والغرب بيد جيش قالوا عنه عظيم، لكنها بعظم إرادَة المقاوم هانت وجبنت على أرض تحول ركام مبانيها المدمّـرة سواتر له وعليها جعل الميركافا تائهة محروقة الصيت، وسمعة جيش بدا أداءه هزيلًا غارقًا داخل نفق كبير، زادتهم جبهة الشمال ثقلًا وعبئًا مع أول قذيفة أطلقت عليهم ثاني أَيَّـام الطوفان من مقاومة حزب الله جعلت الشمال خاويًا على عروشه من المستوطنين الذين رحلوا يحملون لعناتهم على حكومة جلبت إليهم رعبًا لطالما خشوه بعد حرب تموز 2006 فكيف وقد بات اليوم قوة تشهد عليها تهديدات قائده المعمم جعلت “إسرائيل” تأتي بثلث جيشها للتصدي لها، وهو هدف أراده نصر الله بتخفيف الثقل العسكري عن غزة المنسية في بلائها العظيم الذي صنعه ناتن ياهو فانعكس عليهم هزائم سياسية وعسكرية واقتصادية؛ بسَببِها لجأوا لأُسلُـوبهم المعتاد بالقتال من وراء جدر حيلة المهزوم باستهداف مبان سكنية لاغتيال القائد فؤاد شكر ومعه اغتالوا عشرات المدنيين متجاوزين توعد السيد حسن «المدني بالمدني» رَدًّا ووعدًا لن يخلف!! وعليه جاءتهم عمليةُ يوم الأربعين ثأرًا للقادة وإسنادًا لغزة فاجأ العدوّ والصديق عن قوة مقاومة حزب الله هزلت أمامها “إسرائيل” وقوة الغرب.
ومنها إلى العمليات العدوانية السيبرانية التي طالت المقاومين والمدنيين والتكنولوجيا معًا تجاوز فيها الصهاينة بقية خطوط حمر عليها توعد السيد نصر برد من حَيثُ يحتسبون وما لا يحتسبون وأضيق مما تتوقعه قلوبهم!!
فكان ردًا رأيناه بأم أعيننا ورعب أعينهم وفي نطاق أضيق من توقعاتهم ومناطق لم تدوِّ فيها صفارات الإنذار منذ بدء الطوفـان ووصلت قاعدة رامات ديفيد وحيفا الصناعية، أشعلت الحرائق وزاحمت أصوات الصراخ أصوات الانفجارات المدوية وثلاثمِئة ألف مستوطن التجئوا للأرض للتحصن فيها؛ رسالة كذبت مقولة تدمير البنية التحية لحـزب الله، أفقدتهم بقايا صوابهم فأتوا على الضاحية بما أتوه على غزة من القتل والتدمير ومعركة برية تحداهم فيها نصر الله، تحد أرعب الصهاينة وأمريكا والغرب الذين أطلقوا أعينهم تتحسس نصرالله وعليه أسقطوا خمسة وثمانين طنًا من القنابل الأمريكية ليرتقي على إثرها شهيدًا على طريق القدس تاركًا غزة أمانة مجاهدين حملوا رايته ووعده، ورصيدًا غير منته من العقاب إلا بغزة منتصرة وفلسطين ببحرها ونهرها لا فلسطين أوسلو المنقوصة بـ “إسرائيل”.
وبالتالي وأمام ما يعيشه الصهاينة من هزائم خلفت الشقاق والإقالات لقادة كانوا يومًا يدًا واحدة تقتل وتدمّـر في غزة وبيروت، أمامها نستحضر كلمات نصر الله ونقف في موضع تختلط فيه التهاني بالتعازي فالشهادة غاية لا يلقاها إلَّا ذو حظ عظيم ومقام لا يليق به سوى التبريكات.
أما العزاء فهو لنا كأمة تفقد عظمائها خسارة وصفها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، بالنكبة، وأية نكبة استفحلت بقلوبنا برحيل قائد المحفل والجحفل والهيهات صلاة في القدس ودماء ورصاص في سبيل التحرير، نراه قريبًا فنجتمع في باحات تبكيه وتهديه النصر المؤزر.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: نصر الله
إقرأ أيضاً:
عامان على طوفان الأقصى.. المرتزقة في خندق الصهاينة واليمن في موقع الصمود
يمانيون |
بعد مرور عامين على عملية طوفان الأقصى التي أعادت تشكيل الوعي العربي والإسلامي، تكشّف المشهد السياسي في اليمن والمنطقة على وضوحٍ غير مسبوق: سقطت الأقنعة وتهاوت الشعارات، واتّضح من يقف مع الأمة ومقاومتها، ومن اختار الاصطفاف إلى جانب أعدائها خدمةً لأجنداتٍ غربية وصهيونية.
لقد كان الطوفان امتحانًا أخلاقيًّا وسياسيًّا قاسيًا، عَبَرَ من خلاله اليمن بنجاح، لا بوصفه اسمًا جغرافيًا، بل كهويةٍ وطنيةٍ جامعةٍ جسّدتها مؤسساتٌ صامدة ومجتمعاتٌ واجهت ضغوط التاريخ بكل وعيٍ وإيمان.. وفي المقابل، كشفت المحنة عن وجوهٍ مأجورةٍ هبطت إلى دركٍ سحيق من الارتهان، بعد أن تحولت من أدواتٍ بيد المموّلين الإقليميين إلى أدواتٍ بيد أعداء الأمة، حتى غدت تروّج لروايات العدو الصهيوني نفسه وتبرّر تحالفاته.
لقد ارتسمت خطوط الصدع بوضوح: اليمن المقاوم الذي يخوض معركته دفاعًا عن فلسطين وعن كرامة الأمة، في مواجهة فئةٍ من المرتزقة اختارت موقع الخيانة، ووقفت في صف العدوان الصهيوأمريكي، متجاهلةً آلام شعبها وقضاياه العادلة. تلك الفئة التي لطالما اختبأت خلف شعارات “الثورة” و“الحرية” و“المدنية”، تبيّن اليوم أنها لا تمتلك من هذه القيم شيئًا سوى لافتاتٍ لتغطية الارتهان والتبعية.
ولم يكن سقوط هذه الواجهات سوى نتيجةٍ طبيعيةٍ لمسارٍ طويل من الانحراف السياسي والارتهان الممنهج، حيث بدأت الولاءات تنتقل من غرف التمويل الخليجي إلى مواقع التنسيق الصهيوني، في اصطفافٍ يفضح طبيعة المشروع الذي يخدمونه ومَن يقف وراءهم.. فقد ظنّوا أن خدمة الأعداء تمنحهم شرعيةً أو مكاسب سياسية، لكن الواقع أثبت العكس: خسروا الأرض، وخسروا ثقة الناس، وخسروا حتى دورهم كأدواتٍ صالحة للاستخدام.
في المقابل، استطاع اليمن أن يرسّخ حضوره كقوةٍ سياسيةٍ وميدانيةٍ فاعلة في معادلة محور المقاومة. فالقوات المسلحة اليمنية أثبتت كفاءتها، والشعب الذي صمد تحت الحصار والعدوان أظهر وعيًا استثنائيًا مكّنه من تجاوز كل محاولات التشويه والإغراء والانقسام. لقد تحوّل هذا الصمود إلى خبرةٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ واجتماعيةٍ تُبنى عليها ملامح الدولة الحرة المستقلة.
إنّ معركة مواجهة المرتزقة لم تعد مجرّد سجالٍ إعلامي، بل صارت معركةً وطنيةً بامتياز، جوهرها أخلاقي وسياسي. ففضح الارتزاق وتعرية الولاءات هو الخطوة الأولى في مسارٍ طويلٍ نحو استعادة القرار الوطني، ولا يكتمل هذا المسار إلا بإجراءاتٍ عمليةٍ تتضمّن تعزيز مؤسسات الدولة، ومحاسبة الخونة وفق القانون، وإعادة صياغة الحياة السياسية على أسسٍ وطنيةٍ تضمن وحدة الصف واستقلال القرار.
لقد أثبتت تجربة الطوفان أن اليمن، رغم الجراح، بات أكثر قوةً وتماسكًا ووضوحًا في الرؤية. فالمحنة لم تكسر إرادته، بل صقلت وعيه وأعادت تعريف العدو والصديق بميزانٍ لا يقبل الالتباس. واليوم، وبينما تتهاوى مشاريع الارتزاق والتطبيع في المنطقة، يواصل اليمن طريقه بثبات، حاملًا راية المقاومة، ومؤمنًا بأنَّ القضية الفلسطينية ليست شعارًا عابرًا، بل مقياسٌ للكرامة والانتماء.
وهكذا، بعد عامين من الطوفان، تبيّن أن الذين راهنوا على سقوط اليمن خسروا، وأن الذين باعوا أنفسهم للعدو انكشفوا، بينما بقي اليمن الحر عنوانًا للصمود والإيمان، يقف في صف الأمة ويواجه أعداءها بصلابةٍ لا تلين.