الاقتصاد نيوز — متابعة

مع تزايد التكهنات بإعادة فرض الإدارة الأميركية الجديدة عقوبات على صادرات النفط الإيرانية والفنزويلية، بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات، يسيطر الغموض على سوق النفط العالمي، الذي يتوقع أن يشهد اضطرابات كبيرة، وربما تذبذبات حادة ما بين توقعات بارتفاع أسعار النفط، على خلفية احتمال فرض العقوبات الأميركية مجدداً بحق نفط الدولتين، وما بين توقعات أخرى بالتراجع الحاد في الأسعار بنحو 40% من المستويات الحالية في حالة قيام تحالف “أوبك+” الذي يضم السعودية وروسيا، بالتخلي عن قيود الإنتاج الحالية، مع وفرة الإمدادات العالمية وسط ضعف الطلب.

وعن توقعات التراجع، قال توم كلوزا، رئيس قسم تحليل الطاقة العالمي لدى وكالة إعداد تقارير أسعار النفط “أو بي آي إس”، إن هناك مخاوف أكبر بشأن الأسعار في العام المقبل عما كان في السنوات السابقة. وتوقع تراجع الأسعار إلى 30 أو 40 دولاراً للبرميل في حال تخلي تحالف “أوبك+” عن اتفاقها، ولم يكن هناك أي اتفاق حقيقي لكبح الإنتاج.

لكن في المقابل، فإن توقعات زيادة أسعار النفط في الفترة المقبلة تبدو سيناريو محتملاً، في ظل الإشارات الأخيرة الصادرة من الإدارة الأميركية الجديدة، فقد اختار ترامب السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، وربما يعني هذا تطبيقاً أكثر صرامة للعقوبات النفطية على إيران وفنزويلا، إلا أن المخاوف من رد من جانب الصين قد تقوّض أي جهود، وفق محليين تحدثوا إلى “رويترز” يوم الأربعاء.

وقال بوب ماكنالي، رئيس شركة رابيدان إنرجي، ومستشار الطاقة للرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش: “سِجل السيناتور روبيو يظهر أنه من الصقور بشكل قاطع وقوي عندما يتعلق الأمر بإيران وفنزويلا والصين”.

وكان روبيو، العضو القديم في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يضغط منذ فترة طويلة من أجل تبني سياسة أميركية أكثر صرامة تجاه إيران والصين. وروبيو، الذي هاجر والداه من كوبا إلى الولايات المتحدة، ينتقد أيضاً الرئيس الاشتراكي الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي طعنت واشنطن في إعادة انتخابه مرتين، مما أدى إلى فرض عقوبات نفطية على الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

وكان إنتاج النفط الإيراني هدفاً لموجات متتالية من العقوبات الأميركية. وخلال ولاية ترامب الأولى، تباطأت صادرات النفط من ثالث أكبر منتج في “أوبك” إلى حد كبير. وارتفعت هذه الصادرات خلال حكم الرئيس جو بايدن إذ يرى المحللون أن تطبيق العقوبات صار أقل صرامة. ووفقاً لمصادر بقطاع النفط، فقد نجحت إيران في الالتفاف على العقوبات وأصبحت الصين مشترياً رئيسياً لنفطها.

ويمكن للعقوبات المتوقعة من ترامب أن تؤدي إلى تقييد الإمدادات العالمية للنفط من دول كبرى منتجة للنفط، منها فنزويلا وإيران، وزيادة الأسعار، وتغيير ديناميكيات السوق. وفي حين أن ارتفاع الأسعار يمكن أن يدعم إنتاج النفط الأميركي، إلا أن نمو الإنتاج قد يكون محدوداً بسبب الحذر في القطاع، والتحديات الهيكلية، وزيادة كلفة الإنتاج، خاصة للنفط الصخري.

ومن المتوقع أن تسعى إيران وفنزويلا إلى إيجاد أسواق بديلة أو آليات تجارية جديدة، مما سيعيد تشكيل استراتيجيات الطاقة الإقليمية ويزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي العالمي.
وتمتلك كل من إيران وفنزويلا احتياطيات نفطية ضخمة، وتأثرت قدرتهما على تصدير النفط بسبب عقوبات أميركية سابقة. ويمكن للعقوبات المتجددة أن تؤدي إلى تقييد الإمدادات العالمية، بصورة قد تؤثر بالأسعار، وتغير ديناميكيات السوق، بما في ذلك إنتاج النفط الأميركي، وفق محللين.

ومن المتوقع أن تكون الآثار الاقتصادية والتحديات الاستراتيجية للعقوبات المتوقعة على إيران وفنزويلا متعددة، وعلى مستويات مختلفة. فمن الناحية الاقتصادية، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط الناجم عن تقييد الإمدادات إلى زيادة الضغوط التضخمية على مستوى العالم، مما ينعكس بشكل مباشر على تكلفة السلع والنقل، ويؤثر بالاقتصادات المعتمدة على واردات الطاقة.

وقال جون إيفانز، كبير المحللين في Bloomberg Intelligence إنه من المرجح أن تؤدي العقوبات المتوقعة على النفط الإيراني والفنزويلي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وزيادة الضغوط التضخمية على مستوى العالم. وأضاف: “قد تكون هذه الخطوة سلاحاً ذا حدين، حيث تستفيد بعض الدول المنتجة من ارتفاع الأسعار، لكنها قد تضعف النمو الاقتصادي في الدول المستوردة للطاقة”.

أما على الصعيد الجيوسياسي، فمن المحتمل أن تؤدي هذه العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة في كل من إيران وفنزويلا إلى تصعيد التوترات الدولية، لا سيما إذا استمرت دول مستهلكة للطاقة مثل الصين وروسيا والهند في استيراد النفط من البلدين، وهو ما قد يزيد من تعقيد العلاقات الدولية، ويخلق صراعات محتملة حول الالتزام بالعقوبات.

وعلاوة على ذلك، قد تسعى الدول المتضررة من العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا إلى تبني آليات تجارية بديلة لتجاوز القيود، مثل اعتماد أنظمة المقايضة، أو العملات الرقمية، مما قد يؤثر سلباً في هيمنة الدولار في معاملات النفط العالمية، ويعيد تشكيل خريطة العلاقات التجارية والطاقة بين الدول.

وقالت سارة ليو، المحللة الاستراتيجية في مجموعة Eurasia، في مذكرة، “إذا قررت الصين وروسيا تحدي العقوبات الأميركية، فقد نشهد إعادة تشكيل جيوسياسية قد تقوض هيمنة الدولار في معاملات النفط. هذه العقوبات تنطوي على مخاطر تجزئة أسواق الطاقة العالمية، وقد تدفع الدول الخاضعة للعقوبات نحو آليات تجارية بديلة، مثل العملات الرقمية وأنظمة المقايضة”.

العقوبات الأميركية السابقة على صادرات النفط

كانت العقوبات على إيران وفنزويلا أداة متكررة الاستخدام في السياسة الخارجية الأميركية، ونجحت في أغلب الأحيان في إيلام الدولتين، وحرمانهما من مليارات الدولارات تمثل حصيلة الإيرادات النفطية.

على مستوى إيران، فقد فرضت الولايات المتحدة العقوبات لأول مرة على صادرات النفط الإيرانية في عام 1979 بعد الثورة الإيرانية. وفي عام 2015، جرى رفع العديد من العقوبات بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي). ومع ذلك، أعاد ترامب فرض العقوبات في عام 2018، بعد انسحابه من الاتفاق النووي، مما أدى إلى انخفاض صادرات إيران مما يقرب من 2.5 مليون برميل يومياً في عام 2018 إلى أقل من 500 ألف برميل يومياً في عام 2020.

وتمتلك إيران حوالي 156 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية المؤكدة، مما يجعلها واحدة من أكبر الدول من حيث الاحتياطيات. ويُقدر إنتاجها الحالي بحوالي 3.6 ملايين برميل يومياً، وتمتلك القدرة على إنتاج أكثر من 4 ملايين برميل يومياً، حال رفع القيود.
وبالنسبة لفنزويلا، فقد بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على فنزويلا في عام 2015 بسبب انتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان، وتصاعدت القيود في عام 2019.

واستهدفت هذه العقوبات شركة النفط الوطنية الفنزويلية (PDVSA)، مما أدى إلى تقييد وصولها إلى الأسواق المالية الأميركية. ونتيجة لذلك، انخفض إنتاج فنزويلا مما يزيد عن مليوني برميل يومياً إلى نحو 500 ألف برميل يومياً خلال السنوات الأخيرة.

وتمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، يُقدر بنحو 304 مليارات برميل. ومع ذلك، فإن سنوات من نقص الاستثمار وتدهور البنية التحتية والعقوبات أدت إلى تراجع الإنتاج إلى حوالي 700 ألف برميل يومياً. ولكن مع استثمارات مناسبة وإمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية، يمكن لفنزويلا زيادة إنتاجها بشكل كبير.

تأثير عقوبات النفط في الأسعار والأسواق

وفق مراقبين “يمكن للعقوبات الجديدة على إيران وفنزويلا أن تؤدي إلى تقليل الإمدادات العالمية من النفط، مما سيؤدي إلى تراجع رفع الأسعار، وقد يؤدي انخفاض صادرات النفط الإيرانية والفنزويلية إلى تشديد الإمدادات العالمية، خاصة إذا حافظت الدول المنتجة الكبرى، مثل السعودية وروسيا، على تخفيضاتها الإنتاجية. وقد يرتفع سعر خام برنت إلى حوالي 100 دولار للبرميل أو أكثر، مع تكيّف السوق مع الإمدادات المنخفضة.

وبالنسبة لديناميكيات السوق، فقد تحقق دول “أوبك+” عائدات أكبر من ارتفاع الأسعار، لكنها قد تواجه ضغوطاً لزيادة الإنتاج لتحقيق استقرار السوق. ومن المتوقع أن تتأثر الأسواق الآسيوية، خاصة الصين والهند اللتين اعتادتا على شراء النفط الإيراني والفنزويلي بأسعار منخفضة، وقد تضطران إلى البحث عن بدائل من منتجين آخرين في الشرق الأوسط، مما قد يزيد التنافس على النفط في هذه المنطقة.

وعلى مستوى إنتاج النفط الأميركي، يمكن لزيادة أسعار النفط العالمية نتيجة للعقوبات أن تحفز هذا الإنتاج، حيث قد تتسبب زيادة الأسعار في تحفيز الاستثمارات في إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة. ووصلت مستويات الإنتاج الأميركية إلى رقم قياسي بلغ نحو 13.4 مليون برميل يومياً في عام 2023، ويرجع ذلك إلى ارتفاع الأسعار والطلب. وإذا ارتفعت الأسعار أكثر، فقد يشهد إنتاج النفط الصخري زيادة جديدة، على الرغم من أن ضغوط التضخم على تكاليف الحفر وتركيز المستثمرين على الربحية قد يحدان من النمو.

أيضاً يمكن لارتفاع الأسعار المستدام أن يؤدي إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية للنفط، مثل خطوط الأنابيب ومنشآت التخزين، مما يساعد المنتجين الأميركيين على ضخ مزيد من النفط في الأسواق. ومع ذلك، قد يكون الإنتاج محدوداً بسبب التزام الشركات بضبط النفقات والتركيز على تحقيق عوائد مستدامة بدلاً من زيادة الإنتاج السريع.

ووفق خبراء السلع الأساسية لدى مصرف ستاندرد تشارترد فإن إنتاج النفط الأميركي، وخاصة الصخري، تغير بصورة كبيرة منذ تولي ترامب رئاسة البلاد للمرة الأولى في عام 2017. ووفق نشرة “أويل برايس”، المتخصصة فإن إنتاج الخام الأميركي وصل إلى 13.40 مليون برميل يومياً في أغسطس من العام الجاري، وهو المستوى الأعلى على الإطلاق، متجاوزاً المستوى القياسي السابق المسجل في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

 

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار إنتاج النفط الأمیرکی العقوبات الأمیرکیة الإمدادات العالمیة ارتفاع الأسعار صادرات النفط برمیل یومیا أسعار النفط النفط فی أن تؤدی فی عام

إقرأ أيضاً:

من العزلة إلى الانفتاح المشروط: تفكيك العقوبات الأميركية على سوريا

يمثّل إعلان الرئيس دونالد ترامب في مايو/ أيار 2025 بشأن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا أحد أبرز التحولات الإستراتيجية في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة.

وتعكس هذه الخطوة، المتمثلة في حزمة شاملة لتخفيف العقوبات، من خلال الترخيص العام رقم 25 الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، والإعفاء الصادر عن وزارة الخارجية بموجب قانون قيصر لمدة 180 يومًا، تحولًا عميقًا من سياسة العزلة الاقتصادية طويلة الأمد إلى نهج مدروس لإعادة الدمج.

ورغم ما تحمله هذه السياسات الجديدة من فرص اقتصادية غير مسبوقة لسوريا، فإنها تطرح في الوقت ذاته تحديات قانونية وسياسية وتنفيذية معقّدة، من المرجح أن تؤثر على طبيعة العلاقات الأميركية السورية والاستقرار الإقليمي لسنوات قادمة.

التطور التاريخي لهيكل العقوبات الأميركية (1979–2025)

يُعد تطور نظام العقوبات الأميركية على سوريا نموذجًا للتصعيد المتدرّج في توظيف الإكراه الاقتصادي، ابتداءً من إجراءات محدودة خلال الحرب الباردة، وصولًا إلى واحدة من أشدّ آليات العزل الاقتصادي صرامةً في التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية.

أولاً: مرحلة التأسيس (1979- 2003)

بدأ فرض العقوبات الأميركية على سوريا في ديسمبر/ كانون الأول 1979، عندما صنّفت الولايات المتحدة سوريا كدولة راعية للإرهاب، وهو تصنيف استمر دون انقطاع لأكثر من أربعة عقود.

إعلان

وقد جاء هذا التصنيف في سياق التصاعد في التوترات الإقليمية عقب تثبيت حافظ الأسد سلطته عبر انقلاب داخلي عام 1970. وكان الدعم السوري للفصائل الفلسطينية وموقفها المناهض للمصالح الغربية، إضافة إلى اصطفافها إلى جانب الاتحاد السوفياتي، الدوافع الرئيسية لهذا التصنيف.

كانت العقوبات في هذه المرحلة محدودة نسبيًا، وتمثلت في تقييد المساعدات الأميركية، وفرض حظر على الصادرات الدفاعية والعسكرية، وضوابط على صادرات المواد مزدوجة الاستخدام. وشكّلت هذه الإجراءات الأساس الأوّلي الذي أتاح إمكانية التوسع لاحقًا.

وتجدر الإشارة إلى أن سوريا ظلت الدولة الوحيدة المستمرة على هذه القائمة من تأسيسها عام 1979 وحتى رفع العقوبات عنها عام 2025.

ثانياً: مرحلة التوسع التشريعي (2003- 2011)

أسفر المناخ الدولي الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وما تلاه من سياسات توسعية في عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن في الشرق الأوسط، عن تشديد كبير لنظام العقوبات على سوريا.

فقد وقّع الرئيس بوش في مايو/ أيار 2004 الأمر التنفيذي رقم 13338، تنفيذًا لـ «قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية» الصادر في العام 2003. ومثّل هذا الإجراء تحولًا بارزًا في إستراتيجية العقوبات الأميركية، من مجرد أدوات أمنية إلى وسيلة ضغط اقتصادي واسعة النطاق.

شملت العقوبات حينها فرض حظر شبه كامل على الصادرات الأميركية إلى سوريا (باستثناء الغذاء والدواء)، وقيودًا صارمة على القطاع المصرفي السوري، مع تصنيف المصرف التجاري السوري كمؤسسة مثيرة للقلق في مجال مكافحة غسل الأموال، مما أدى إلى قطع صلاته مع المصارف الأميركية. وقد ساهمت هذه العقوبات في ترسيخ مفهوم العزلة المالية كأداة رئيسية في السياسة الأميركية تجاه سوريا.

استندت هذه العقوبات إلى اتهامات بدعم الإرهاب، والتدخل في الشؤون اللبنانية، وتطوير أسلحة غير تقليدية. ورغم محدودية العلاقات الاقتصادية الثنائية آنذاك، والتي لم تتجاوز قيمتها 300 مليون دولار سنويًا عام 2004، فإن هذه الإجراءات تجاوزت التأثير الاقتصادي المباشر إلى التأثير السياسي والرمزي.

ثالثاً: مرحلة الحظر الشامل (2011- 2020)

مع اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في مارس/ آذار عام 2011، تبنّت إدارة الرئيس باراك أوباما سياسة تصعيد تدريجية ضد نظام الأسد، بدأت بإصدار الأمر التنفيذي رقم 13572 في أبريل/ نيسان من العام نفسه، والذي وسّع حالة الطوارئ المفروضة سابقًا، مستهدفًا مسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان.

وسرعان ما تبعه الأمران التنفيذيان 13573 و13582، حيث شكل الأخير (الصادر في أغسطس/ آب 2011) حجر الزاوية لفرض حظر اقتصادي شامل.

تضمن هذا القرار تجميد جميع أصول الحكومة السورية، وحظر التعامل الاقتصادي مع الكيانات الحكومية السورية، ووقف الاستثمارات الأميركية في سوريا، إضافة إلى حظر استيراد النفط السوري. بذلك، تم قطع جميع العلاقات الاقتصادية الرسمية بين البلدين تقريبًا. وفي عام 2012، تبعتها أوامر تنفيذية إضافية استهدفت أفرادًا وكيانات محددة، متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان.

رابعاً: قانون قيصر (2020- 2025)

في عام 2020، دخل «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين» حيز التنفيذ، والذي وقّعه الرئيس ترامب أواخر عام 2019.

أحدث هذا القانون نقلة نوعية في بنية العقوبات، حيث امتدت لتشمل كيانات وأفرادًا أجانب، ممن يدعمون النظام السوري عسكريًا أو يشاركون في جهود إعادة الإعمار.

أدى قانون قيصر إلى خلق حالة من الخوف لدى الشركات والمؤسسات الدولية، التي باتت تتجنب الانخراط في أي نشاط تجاري مع سوريا؛ خشية التعرض للعقوبات الأميركية، مما أدى إلى تعميق عزلة سوريا الاقتصادية دوليًا.

خامساً: رفع العقوبات

جاءت مبادرة تخفيف العقوبات إثر إعلان مفاجئ للرئيس ترامب في 13 مايو/ أيار 2025، خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، حيث أشار ترامب إلى نيته «وقف العقوبات المفروضة على سوريا لمنحها فرصة للتقدم»، واصفًا تلك العقوبات بأنها «مُعيقة للغاية وشديدة القوة».

وتبنّت إدارة ترامب نهجًا مرنًا لا يقوم على إلغاء كامل للعقوبات، بل يُتيح تخفيفًا فوريًا مع الحفاظ على إمكانية إعادة تطبيقها إذا ساءت الأوضاع.

وقد أكد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت على أن «الوزارة تعمل وفق تفويضات جديدة تهدف لتشجيع الاستثمار في سوريا»، مشددًا على أن «سوريا مطالبة بالمضي قدمًا نحو التحول إلى دولة مستقرة وآمنة».

سادساً: الترخيص الاقتصادي الشامل

في 23 مايو/ أيار 2025، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، الترخيص العام رقم (25) GL 25، والذي يمثل أكبر خطوة نحو تخفيف العقوبات على سوريا منذ أكثر من عقد من الزمن.

يُعلّق هذا الترخيص غالبية العقوبات السابقة التي نصّت عليها لوائح العقوبات السورية، ما يسمح بإجراء نطاق واسع من التعاملات المالية التي كانت محظورة.

يشمل الترخيص ثلاثة مجالات رئيسية: السماح بتصدير الخدمات المالية إلى سوريا، وفتح المجال أمام فرص استثمارية جديدة، والسماح بالمعاملات المتعلقة بالنفط السوري ومشتقاته.

كما يشمل الترخيص الحكومة السورية بقيادة أحمد الشرع، بالإضافة إلى 28 كيانًا رئيسيًا مدرجًا في ملحق الترخيص، من بينها مؤسسات مصرفية كبرى مثل البنك المركزي السوري، والمصرف التجاري والصناعي والعقاري والزراعي، ومصرف الادخار.

وتعتبر هذه المؤسسات ضرورية لإعادة بناء الثقة المالية، وإدارة الرواتب الحكومية، وتشغيل المرافق العامة.

وفي سياق إعادة دمج النظام المالي، شكّل الترخيص العام رقم 25 اختراقًا كبيرًا للعزلة المالية الطويلة لسوريا، حيث رفع القيود عن مؤسسات مالية حيوية، خاصة مصرف سوريا المركزي، الذي حُرم سابقًا من الوصول إلى النظام المالي الدولي والعملات الأجنبية.

وفي إجراء مكمل، أصدرت شبكة إنفاذ الجرائم المالية (FinCEN) إعفاءً خاصًا، بموجب قانون باتريوت، يسمح للبنوك الأميركية بفتح حسابات مراسلة مع المصرف التجاري السوري بعد إغلاق استمر منذ أبريل/ نيسان 2006. هذه الخطوة تسهّل إعادة الاتصال بين القطاع المصرفي السوري والدولي وتحدّ من التعقيدات القانونية المتعلقة بالامتثال.

الإعفاء من قانون قيصر:
القيود القانونية والاستجابة التنفيذية

يختلف قانون قيصر في طبيعته القانونية عن العقوبات التنفيذية التي تصدر بقرارات رئاسية، والتي يمكن تعديلها أو تعليقها بسهولة أكبر؛ إذ يُعتبر قانون قيصر تشريعًا صادرًا عن الكونغرس، ما يتطلب تدخّلًا تشريعيًا صريحًا لإلغائه بصورة نهائية.

وقد أقر وزير الخارجية ماركو روبيو بهذا الواقع القانوني، موضحًا أن الإعفاءات الحالية محدودة بفترة زمنية مدتها 180 يومًا، داعيًا في هذا السياق إلى ضرورة تحرّك تشريعي يضمن الإنهاء الدائم لهذه العقوبات.

إعلان

وقد أصدرت وزارة الخارجية الأميركية إعفاءً مؤقتًا لمدة 180 يومًا، يوفر غطاءً قانونيًا للمشاركين من غير المواطنين الأميركيين في الأنشطة الاقتصادية التي يسمح بها الترخيص العام رقم 25.

وأوضح الوزير روبيو أن الهدف من هذه الخطوة هو تشجيع الاستثمار والتدفقات المالية التي تدعم الخدمات الأساسية وجهود إعادة الإعمار في سوريا، مؤكدًا التزام الولايات المتحدة الراسخ بمساندة الشعب السوري في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.

ويوفر هذا الإعفاء المؤقت مساحة قانونية مهمة للانخراط الاقتصادي، مع الإقرار بالتعقيدات السياسية والقانونية التي تواجه الحصول على إعفاء تشريعي دائم.

ورغم اتساع النطاق الذي يغطيه الترخيص العام رقم 25، فإنه استثنى بشكل واضح المعاملات المتعلقة بكل من روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، بهدف منع هذه الدول من الاستفادة بشكل مباشر أو غير مباشر من إعادة فتح الاقتصاد السوري.

كذلك أبقى الترخيص على القيود المفروضة على مئات الأفراد والكيانات المُدرجة ضمن قائمة الأشخاص المحظورين (SDN)، والتي يرتبط معظمها بشكل مباشر أو غير مباشر بنظام الأسد.

وأكد الترخيص أن تجميد الأصول أو الممتلكات المجمدة بتاريخ 22 مايو/ أيار 2025 سيستمر، ما لم تصدر لاحقًا تراخيص خاصة تسمح بفك التجميد عنها.

اعتبارات مراقبة الصادرات

رغم تخفيف القيود المالية واسع النطاق بموجب الترخيص العام رقم 25، فإن القيود على صادرات السلع والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، والتي يشرف عليها مكتب الصناعة والأمن (BIS) التابع لوزارة التجارة الأميركية، ما تزال قائمة دون تعديل.

يُنشئ هذا الواقع التنظيمي بيئة قانونية متداخلة ومعقدة، إذ يُسمح بالتعاملات المالية بشكل عام، في حين تبقى القيود التقنية المتعلقة بالسلع والتكنولوجيا سارية. ونتيجة لذلك، تواجه الشركات الراغبة في دخول السوق السورية تحديات إضافية في الموازنة بين تيسير العقوبات المالية من جهة، والقيود المستمرة على الصادرات التقنية من جهة أخرى.

إعلان الأبعاد السياسية والإستراتيجية

تشكّل هذه السياسة الجديدة بتخفيف العقوبات تحولًا مهمًا في إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وتمثل انتقالًا واضحًا من نهج العزلة العقابية إلى إستراتيجية إعادة الدمج المدروسة، وذلك عبر توظيف الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف أمنية إستراتيجية، دون التخلّي تمامًا عن أوراق الضغط المتاحة.

وتساهم هذه السياسة في خلق مناخ استثماري ملائم قد يؤدي إلى تعزيز الاستقرار المحلي، وتوفير حوافز اقتصادية تدعم الاستقرار المجتمعي وتقلّص من دوافع العنف.

ومن الناحية الجيوسياسية، تهدف هذه الإستراتيجية أيضًا إلى منح الشركات الأميركية فرصة مبكرة للمشاركة في إعادة الإعمار في قطاعات مهمة، مثل النفط، والبناء، والاتصالات، والخدمات العامة، ما قد يُساعد في موازنة النفوذ المتزايد لروسيا، وإيران، والصين في مرحلة تعافي سوريا.

إطار المشاركة المشروطة

تمّ تطبيق تخفيف العقوبات وفق إطار واضح ومحدد بشروط، حيث يشترط على الحكومة السورية الجديدة الالتزام بحماية حقوق الأقليات الدينية والإثنية، وعدم توفير ملاذات للمنظمات الإرهابية.

وأكدت وزارة الخزانة الأميركية أن هذه التسهيلات ستظل مشروطة، وأن الإدارة ستراقب من كثب التطورات على الأرض مع احتفاظها بالحق الكامل في إعادة فرض العقوبات إذا لم يتم الالتزام بالشروط المحددة.

كما تواجه المؤسسات المالية الدولية تحديات خاصة في إعادة بناء العلاقات مع القطاع المصرفي السوري، تتطلب إصلاحات داخلية كبيرة لتعزيز الشفافية، وضمان الالتزام بالمعايير المالية الدولية.

ومن المتوقع أن تكون عملية إعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي الدولي تدريجية، وتعتمد على إعادة بناء الثقة، وإرساء آليات فعالة للرقابة، وإدارة المخاطر.

التداعيات والفرص الاقتصادية

يوفّر الترخيص العام رقم 25 فرصًا غير مسبوقة لمشاركة القطاع الخاص الأميركي في جهود إعادة إعمار سوريا، عبر السماح بفتح استثمارات جديدة في كافة المجالات الاقتصادية بعد فترة طويلة من العزل الاقتصادي.

إعلان

ويسهم هذا التطور في معالجة أزمة السيولة النقدية التي شهدتها سوريا جراء تجميد القنوات المصرفية الرسمية، واللجوء إلى القنوات غير الرسمية والنقد اليدوي لتسيير شؤون الاقتصاد اليومي.
ويمكّن الترخيص المؤسسات العامة والخاصة من إعادة تشغيل آليات الدفع المصرفية، وأنظمة الرواتب، وبرامج التمويل، والإقراض.

وتواجه الحكومة السورية الجديدة في هذا الإطار مهمة حساسة تتعلق باستعادة الثقة في النظام النقدي الوطني، من بينها التوجه نحو نقل إنتاج العملة من روسيا الخاضعة للعقوبات إلى اتفاقيات تعاون جديدة مع ألمانيا والإمارات.

كما يمثل السماح بإجراء التعاملات المالية المتعلقة بالنفط السوري ومشتقاته أحد أبرز البنود في الترخيص العام رقم 25، إذ يفتح الباب أمام تدفقات مالية هامة يمكنها أن تدعم بشكل ملحوظ موازنات الحكومة السورية. كما يوفر هذا الانفتاح فرصًا استثمارية واسعة النطاق في قطاع الطاقة، ويؤسس لإعادة إحياء العلاقات التجارية النفطية بين سوريا والشركاء الدوليين.

الجدول الزمني للتنفيذ التدريجي

تميّزت عملية تخفيف العقوبات بمنهجية تدريجية تُوازن بين المرونة التنظيمية والحذر في التطبيق. حيث يتيح الإعفاء المؤقت المحدد بـ 180 يومًا في إطار قانون قيصر مراجعة دورية من قبل الولايات المتحدة لمدى التزام الحكومة السورية الجديدة بالشروط المنصوص عليها.

ومع أن هذا النهج يسمح بقدر من المرونة، فإنه يُبقي في الوقت نفسه على حالة من عدم اليقين، ما يُعيق التخطيط الاستثماري طويل المدى.

وقد أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) عن خططه لإصدار إرشادات إضافية حول تطبيق الترخيص العام رقم 25، ما يؤكد أن عملية التنفيذ ستبقى متجددة وتتطلب تعديلات مستمرة بحسب التطورات على أرض الواقع، مما يوفر آلية لتصحيح الأخطاء المحتملة، ولكنه في الوقت ذاته يعزز من الغموض في المراحل الأولى من التطبيق.

إعلان

خاتمة: يشكّل قرار إدارة ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا نقطة تحول تاريخية في العلاقات الأميركية السورية، وفرصة كبيرة لنهوض الاقتصاد السوري من الرماد.

من الناحية العملية، يعتمد نجاح هذه الخطوة على التوازن الدقيق بين ضمان امتثال الحكومة السورية الجديدة للشروط الأميركية، وبناء الثقة بشكل تدريجي مع المؤسسات المالية الدولية، وإدارة التنافس الجيوسياسي مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى.

كما تستلزم مواجهة التحديات البنيوية للاقتصاد السوري، خاصة إصلاح القطاع المصرفي، واستعادة الثقة في العملة المحلية، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • واشنطن تفرض عقوبات على شبكة مصرفية إيرانية وتتهمها بدعم جماعات مسلحة
  • مشيرة إلى انخاض الأسعار.. “الفاو”: 2.9 مليار طن إنتاج الأغذية العالمية
  • واشنطن تفرض عقوبات جديدة تستهدف إيران وتشمل كيانات في الإمارات وهونغ كونغ
  • وزير الخزانة الأمريكي: إيران تستخدم نظام الظل المصرفي لتمويل أنشطتها المزعزعة للاستقرار
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة مرتبطة بإيران
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات جديدة على إيران
  • واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران تشمل شركات في الإمارات وهونغ كونغ
  • الاتحاد الأوروبي يدعم المحكمة الجنائية  على خلفية العقوبات الأميركية وإصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو
  • النفط يتجه لمكاسب أسبوعية..والدولار الأمريكي يتراجع أمام العملات العالمية
  • من العزلة إلى الانفتاح المشروط: تفكيك العقوبات الأميركية على سوريا