أديبات إماراتيات يؤكدن دور السرد النسائي في إثراء الهوية الثقافية وتعزيز مكانة الأدب الإماراتي
تاريخ النشر: 16th, November 2024 GMT
الشارقة - الرؤية
أكدت أديبات إماراتيات على أهمية الكتابة السردية النسائية في إبراز الهوية الثقافية لدولة الإمارات، ودورها في تقديم تجارب أدبية تعكس التنوع المجتمعي وتساهم في بناء جسور التواصل الثقافي، مشيرات إلى أن السرد النسائي الإماراتي يحمل بصمات إبداعية متجددة تتجاوز الأطر التقليدية، وتجمع بين الأصالة والحداثة.
جاء ذلك خلال جلسة بعنوان "السرد النسائي الإماراتي"، ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024، استضافت كلاً من أسماء الزرعوني، الكاتبة والشاعرة المخضرمة، والكاتبة والناقدة الدكتورة بديعة الهاشمي، ومنى عبد القادر آل علي، الكاتبة والمخرجة السينمائية، وأدارتها الإعلامية مانيا سويد.
وتناولت الجلسة التنوع في الكتابة السردية النسوية الإماراتية، مسلطةً الضوء على العوالم الأدبية الثرية التي صاغتها الكاتبات من أجيال مختلفة، وكيفية وضعهن بصمات واضحة على السرد الإماراتي المعاصر.
الكتابة للطفل تعكس الهوية الوطنية
واستعرضت الدكتورة بديعة تجربتها الأدبية، موضحةً أن دخولها عالم الأدب بدأ من النقد الأكاديمي الذي أشعل شغفها للكتابة، خاصة في أدب الطفل. وبيّنت أن بحثها العلمي حول الهوية الوطنية في أدب الأطفال دفعها لكتابة قصص تعزز هذا الجانب، مشيرةً إلى أن بعض أعمالها مثل "مد وجزر" وقصص الأطفال التي حازت جوائز، تعكس التزامها بخلق قصص تربوية تحمل قيمًا ثقافية. وأكدت أن الكتابة للطفل تتطلب وعياً خاصاً بمفردات عالم الطفولة وسلوكياتها، ما يجعلها تحديًا إبداعياً يستدعي مزيدًا من القرب من هذا العالم.
السينما مرآة النصوص الأدبية
وتحدثت الكاتبة والمخرجة منى آل علي عن علاقتها الإبداعية بين الكتابة والإخراج السينمائي، موضحةً أن أعمالها الأدبية تولدت من شغفها بالفنون البصرية، حيث توظف الصورة السينمائية لإبراز الأحداث في قصصها القصيرة، مشيرةً إلى أن الرواية تتطلب جهداً بحثياً عميقاً. كما أكدت أهمية تعزيز الهوية الوطنية في الأعمال الأدبية، داعية الكتّاب الإماراتيين للتركيز على إبراز تراثهم وثقافتهم لضمان استمرار الهوية الثقافية في ظل العولمة.
دمج الخيال بالواقع في السرد الإماراتي
وشاركت الكاتبة أسماء الزرعوني تجربتها الإبداعية الممتدة منذ الطفولة، مشيرةً إلى أنها استطاعت عبر أكثر من 30 رواية وقصة أن تجمع بين الخيال والواقع، ما يجعل أعمالها مرآة لتجاربها الحياتية ومحيطها. وأكدت على أهمية الاعتماد على الذات لدى الكتّاب الناشئين، والاستمرار في القراءة والبحث لتطوير مهاراتهم. كما سلطت الضوء على دعم المؤسسات الثقافية في الإمارات، ما ساهم في نهضة السرد النسائي وتمكينه من الوصول إلى جمهور أوسع.
وعكست الجلسة عمق تجربة السرد النسائي الإماراتي ودوره في الحفاظ على الهوية الثقافية، واستشراف مستقبل الأدب الذي يدمج بين الإرث والتجديد، ليظل مصدر إلهام للأجيال القادمة. فيما يواصل معرض الشارقة الدولي للكتاب 2024 فعالياته بتنظيم من هيئة الشارقة للكتاب في مركز إكسبو الشارقة تحت شعار "هكذا نبدأ" حتى 17 نوفمبر 2024.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: الهویة الثقافیة إلى أن
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: عودة متأخرة إلى خريف البراءة.. قراءة في أنساق السرد والذات
ظلت رواية "خريف البراءة" لعباس بيضون تتربع في قائمة انتظاري القرائية سنوات أطول مما ينبغي، وكما يحدث غالباً مع الكتب المهمة، تتدخل الظروف أحياناً لتؤجل لقاءاتنا مع النصوص التي تستحق منا حضوراً كاملاً. التزامات البحث الأكاديمي، ومتطلبات العمل الصحفي، وانشغالات الحياة اليومية، كلها عوامل جعلتني أؤجل قراءة هذا العمل الفائز بجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2017، حتى جاءت الأيام القليلة الماضية لتعوض هذا التأخير القسري بلقاء حميمي مع النص.
عندما وضعت يدي أخيراً على الرواية قبل أيام، اكتشفت أن هذا التأخير لم يكن خسارة كاملة، بل ربما منحني نضجاً قرائياً إضافياً مكنني من استيعاب طبقات النص المتعددة بعمق أكبر. لقد تحولت قراءتي من مجرد تتبع للحبكة إلى حفر في أنساق النص الخفية، من سؤال العنف والهوية إلى إشكالية الذنب والبراءة في مجتمعاتنا العربية.
في هذا المقال، أحاول تعويض سنوات التأجيل هذه بإثراء القراءة عبر الكتابة النقدية التحليلية، مستلهماً أسلوب الدكتور علي بن تميم في قراءاته الناعمة للنصوص السردية، حيث لا تنفصل المتعة الجمالية عن العمق التحليلي. إنها محاولة لاستعادة حوار متأخر مع نص ظلّ ينتظر دوره ليحدثنا عن تعقيدات النفس البشرية في زمن العنف والتشظي.
مدخل إلى عوالم بيضون السردية
في رواية "خريف البراءة" للكاتب اللبناني عباس بيضون، نجد أنفسنا أمام نص سردي لا يكتفي بسرد الحكاية، بل ينفذ إلى أعماق النفس البشرية عبر بوابة العنف والهوية الممزقة. هذا العمل الذي حاز جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2017 ، يُشكل نموذجاً لسردية عربية معاصرة تستثمر تراكم الشاعر في بناء عالم روائي مكثف، حيث تتحول اللغة من أداة وصف إلى فضاء دلالي يختزل تعقيدات الوجود الإنساني.
بيضون، الشاعر والروائي الذي درس الأدب العربي في جامعة بيروت العربية وحصل على الماجستير من السوربون ، يقدم في هذا العمل رؤية نقدية للمجتمع العربي من خلال قصة غسان الابن الذي يحمل وزر جريمة أبيه مسعود الذي قتل زوجته وهرب إلى سوريا ليلتحق بجماعة إسلامية . السرد هنا لا يكتفي بتتبع الأحداث، بل يغوص في التشريح النفسي للشخصيات، خاصة غسان الذي يكبر "يتيماً وحاملاً وزر جريمة أبيه وسمعة أمه" ، ليكون بذلك نموذجاً للضحية التي ينتجها المجتمع قبل أن تنتجها الجريمة ذاتها.
تشريح سرديات العنف
يقدم بيضون في روايته رؤية نقدية لآليات صناعة العنف في المجتمع العربي، حيث يصبح مسعود - الأب القاتل – نموذجاً للإرهابي الذي "بعد 18 سنة يعود ويبدأ حملته في ترويع أهل البلدة والقضاء على كل من يعارضه" . هذا التحول من الفعل الفردي (قتل الزوجة) إلى العنف الجماعي المنظم، يكشف عن منطق تطور الجريمة في اللاوعي الجمعي العربي، حيث يتحول العنف من رد فعل إلى هوية ومن حادث عابر إلى مصير دائم.
اللافت في سردية بيضون أنها لا تقدم العنف كظاهرة فردية، بل كنتاج لبنية اجتماعية قائمة على التمييز والقمع، فغسان يتعرض لـ"شتى أنواع التمييز والتهميش والقمع من المجتمع" ، مما يجعله ضحية مزدوجة: ضحية جريمة الأب وضحية نظرة المجتمع. هنا يتجلى عمق الرؤية النقدية في الرواية التي تفضح "العديد من العاهات التي تعاني منها المجتمعات العربية غير المؤهلة لاحتضان الضعفاء" .
الهوية كسؤال مفتوح
تتحول رواية "خريف البراءة" إلى مرآة عاكسة لأزمة الهوية في العالم العربي، حيث يطرح بيضون سؤال الهوية من خلال ثنائية الأب والابن: مسعود الذي يختار الانتماء إلى جماعة إسلامية متطرفة كملاذ لهويّة مأزومة، وغسان الذي يعيش هوية مشتتة بين رفض الأب والبحث عن الذات. الهوية هنا ليست معطى جاهزاً بل هي سيرورة متوترة، كما يتجلى في قرار غسان "اغتيال أبيه ثأراً لمقتل صديقه" ، الذي يتحول إلى محكّ لهويته المعلقة بين الثأر والغفران.
الرواية تقدم قرية مسعود وغسان كرمز لـ"معظم البلدان العربية" ، حيث تصبح القرية فضاءً دالاً على الأزمات العربية الراهنة. لعبة الأسماء الرمزية في الرواية، كما يذكر أحد النقاد، تؤكد على هذا البناء الرمزي، حيث "تبين الصراع بين من يدافع عن الحرية والحب ومن يدافع عن التسلط والإرهاب" .
شعرية السرد وتقنياته
يمتلك بيضون في هذه الرواية أسلوباً سردياً يمزج بين التحليل النفسي والشاعرية ، حيث يستثمر خلفيته الشعرية في بناء لغة سردية مكثفة. الرواية تنهض على تقنيات سردية متعددة، منها الانتقال بين الضمائر في السرد ، مما يخلق تعددية في الرؤى تثري النص وتجعله قادراً على استيعاب تعقيدات الشخصيات.
في القسم الأول من الرواية، يعتمد بيضون على السرد الرسائلي والتبئير الداخلي المتعدد، بينما يختار الراوي العليم في القسم الثاني . هذا الانزياح السردي ليس تقنياً فحسب، بل هو تعبير عن تحولات الشخصية الرئيسية وتشظي رؤيتها للعالم. إلا أن بعض النقاد يرون أن الرواية عانت من تسارع الأحداث في القسم الثاني بشكل "غير منطقي" ، مما أخل بالتوازن الفني للعمل.
الذنب والبراءة: ثنائية مقلقة
العنوان "خريف البراءة" يحمل في طياته إيحاءً بالزمن الذي تنتهي فيه البراءة كحالة وجودية، حيث يصبح الخريف هنا "رمزاً للحصاد والتغير والنُضج والحزن وبدء الانحدار استعداداً لدخول الشتاء" . الرواية تطرح أسئلة وجودية حول مفهومي الذنب والبراءة، فغسان الذي لم يرتكب جريمة يحمل ذنب الأب والأم معاً، كما تقول سارة في الرواية: "لن يتحمل فقط جريمة أبيه، وإنما أيضا سمعة أمه التي تلطخت بدمها" .
هذه الثنائية تفتح الباب أمام قراءة نفسية للرواية، حيث يصبح غسان نموذجاً للكائن المسلوب الذي "نبذ نفسه بدوره شيئا فشيئا ليتعامل مع نفسه كخطيئة في الوجود" . الرواية بهذا المعنى تتحول إلى دراسة للعقدة النفسية التي يولدها العنف الأسري والمجتمعي في آن.
سردية ما بعد العنف
"خريف البراءة" ليست مجرد رواية عن العنف، بل هي رواية عن ما بعد العنف، عن آثاره التي تمتد عبر الأجيال وتشكل الهويات وتعيد تشكيل الذوات. بيضون يقدم من خلال هذه الرواية رؤية نقدية للمجتمع العربي الذي "يدين الضعيف البريء ويبرئ المخطئ القوي" ، حيث يصبح العنف لغة والهوية سجناً.
في النهاية، تظل هذه الرواية نموذجاً للأدب الذي لا يكتفي بالسرد، بل ينفتح على أسئلة الوجود والمجتمع، مستخدماً أدوات السرد والشعر معاً لخلق نص مكثف يحفر في أعماق النفس البشرية والمجتمع العربي بكل تناقضاته. ربما هذا ما جعلها تستحق جائزة الشيخ زايد للكتاب، ليس لأنها تقدم إجابات، بل لأنها تطرح أسئلة تظل معلقة في ذهن القارئ طويلاً بعد انتهاء الصفحة الأخيرة.