بداية عالية السقف:

لقد مثّلت عمليةُ الاستيلاء على السفينة “الإسرائيلية” (جالاكسي ليدر) افتتاحيةً صاخبةً وقويةً لنشاط الإسناد البحري اليمني لغزة الذي تردَّدَ صداه فيما بعدُ على مستوى العالم طيلة عام كامل؛ فبالرغم من أن العمليات البحرية تصاعدت تدريجيًّا على مستوى النطاق والشدة، فَــإنَّ البداية لم تكن متواضعة، بل عالية السقف بكل الاعتبارات؛ فعملية الاستيلاء صدمت الجميع بمستوى الدقة والمهارة والاحترافية في الرصد والتتبع والتنفيذ، بصورة عكست بوضوح اقتدارًا ستبرهنه عشرات العمليات اللاحقة بشكل أوضح.

 

وبرغم أن سقف نشاط الإسناد البحري وقتها كان مقتصرًا على استهداف السفن “الإسرائيلية” فَــإنَّ عملية الاستيلاء على الناقلة (جالاكسي ليدر) حملت في طياتها ملامحَ استراتيجية “السقف المفتوح” على مستوى الشدة والنطاق والتكتيكات؛ فتفاصيل عملية الاستيلاء على السفينة بالقرب من السواحل الإفريقية من خلال قوة بشرية متخصّصة وباستخدام الطيران المروحي، والإعلان الصريح والواضح والشجاع الذي سبق العملية من قبل السيد القائد، ثم الإعلان الشجاع عنها ونشر مشاهدها، وجعل مصيرها مرهونًا بقرارِ المقاومة الفلسطينية، كانت كلها علاماتٍ واضحةً على أن اليمن سيذهب في هذا المسار الإسنادي المهم إلى ما وراء التوقعات والحسابات.

 

تصاعُــدٌ تدريجي سريع:

هذا ما حدث بالفعل؛ فالعملياتُ اللاحقة التي تلت الاستيلاء على الناقلة “الإسرائيلية” أكّـدت بوضوح أن العملية لم تكن مُجَـرّد ضربة عشوائية لإحداث ضجة إعلامية آنية، بل كانت فاتحةً لمسار استراتيجي سيجعل البحر الأحمر وفي وقت قياسي جِـدًّا منطقة محرمة ليس على السفن “الإسرائيلية” فقط، بل أَيْـضًا على تلك المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلّة بغض النظر عن جنسيتها.. وُصُـولًا إلى السفن التابعة لأية شركة تتعامل مع العدوّ الصهيوني.

 التطويرُ التصاعدي التدريجي لمسار الإسناد البحري من خلال تحديث فئات السفن المعرضة للاستهداف وتوسيع نطاق العمليات جغرافيًّا، لم يكن عشوائيًّا هو أَيْـضًا، بل كان مواكبًا لمحاولات التمويه والتهريب التي كان العدوّ يلجأ إليها للالتفاف على واقع الحظر الذي سرعان ما أجبر سفنَه على تحويل مسارها للإبحار حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما عكس نجاحًا سريعًا للقوات المسلحة اليمنية في تثبيت وفرض الحظر البحري كواقع جديد.

 

العدوانُ الأمريكي البريطاني:

 

هذا ما أدركه العدوُّ الصهيوني سريعًا، ودفعه للجوء إلى شركائه في الغرب والذين تعهدوا له بالتكلف بجبهات الإسناد، وعلى رأسها اليمن، لكن على عكس الهدف المعلن المتمثل في ردع القوات المسلحة اليمنية والحد من عملياتها وقدراتها، فَــإنَّ تشكيل تحالف ما يسمى “حارس الازدهار” وبدء العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن في يناير الماضي، لم يكن على الواقع سوى صعود إلى مستوى جديد من عمليات الإسناد اليمنية المؤثرة التي اتسع نطاق أهدافها وجغرافيتها لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وُصُـولًا إلى المحيط الهندي.

وخلال كُـلّ ذلك ظلت استراتيجية “السقف المفتوح” ثابتة وراسخة وتجسدت في أكثر من عملية، كان من أبرزها إغراق السفينة البريطانية (روبيمار) وإصابة العديد من السفن الأمريكية بأضرار بالغة مثل السفينة (ترو كونفيدنس)، وهو ما أكّـد أن تأثير التدخل الأمريكي البريطاني لم يكن صفريًّا فحسب، بل كان عكسيًّا وأسهم بشكل مباشر في زيادة تأثير وشدة العمليات اليمنية وتطوير أدواتها، وهو ما كان السيد القائد قد أكّـده بوضوح في أكثر من مناسبة خلال تلك المرحلة.

 

الهزيمة الغربية:

 

مع إعلان القوات المسلحة اليمنية توسيعَ نطاق العمليات إلى البحر المتوسط وتحديثَ فئات السفن المستهدَفة لتشمل تلك التابعة للشركات المتورطة في التعامل مع موانئ فلسطين المحتلّة، كان مسارُ العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة قد أصبح واقعًا ثابتًا يستحيلُ تجاوزه، وبدأت وسائل الإعلام الغربية نفسُها بالانتقال تدريجيًّا من الحديث عن صعوبات وقف العمليات اليمنية إلى تسليط الضوء على تفاصيل العجز الأمريكي والغربي، والذي قدمت القوات المسلحة اليمنية المزيدَ من الأدلة عليه من خلال الانتقال إلى مستويات جديدة من العمليات طالت حاملة الطائرات الأمريكية (أيزنهاور) وأجبرتها على الانسحاب، وطالت العديدَ من المدمّـرات، بالإضافة إلى إغراق سفينة (توتور) وتفخيخ السفينة (سونيون) وُصُـولًا إلى استهداف حاملة الطائرات (لينكولن).

وقد تعزَّزت هذه الأدلةُ بقائمة طويلة من الاعترافات التي أدلى العديد من كبار قادة وضباط البحرية الأمريكية ومسؤولين سابقين وحاليين، وهي اعترافاتٌ بدأت منذ وقت مبكر بالحديث عن أول استخدام للصواريخ البالستية ضد السفن في التأريخ، مُرورًا بالتأكيد على أن هذه المواجهة الأعنف التي تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وُصُـولًا إلى التأكيد على انتصار اليمن وهزيمة الولايات المتحدة، والاعتراف بأن اليمن أصبح مرعبًا وقدراته العسكرية صادمة و”مذهلة”.

 واقعٌ جديد:

 

وما بين عملية الاستيلاء على السفينة (جالاكسي ليدر) وتصريح مسؤول مشتريات الأسلحة في البنتاغون بأن اليمن أصبح “مخيفًا”، عامٌ واحد فقط، تمكّنت فيه القوات المسلحة من حرق مراحلَ تأريخية تعجز جيوشٌ عظمى عن تجاوزها في فترات أطول، ومع استمرار الإبادة الجماعية التي يرتكبُها العدوّ الصهيوني في غزة ولبنان، فَــإنَّ الأفق لا يزال مفتوحًا لتثبيت هذا التحول الاستراتيجي الذي صنعه اليمن وترسيخ معادلات عهد جديد كليًّا على أنقاض الهيمنة الأمريكية.

أما العدوُّ الصهيوني فلا زالت وسائلُ إعلامه تؤكّـد باستمرار -وبقدر ما تسمح لها الرقابة المشدّدة- أن العمليات البحرية اليمنية التي بدأت قبل عام كامل من الآن، قد خلقت أضرارًا دائمة في اقتصاد وأمن كيان الاحتلال وبآثار تراكمية مُستمرّة تعلن عن نفسها بين كُـلّ فترة وأُخرى، من خلال ارتفاع أسعار المنتجات أَو نقصها، أَو إفلاس بعض الشركات وتزايد خسائرها، أَو ارتفاع أسعار الشحن، أَو هبوط مؤشرات الاقتصاد بشكل عام، وهو واقع كان كيان العدوّ قد حاول تجاوزه دعائيًّا من خلال استهداف ميناء الحديدة بشكل مباشر، لكنه اصطدم سريعًا بالأفق المسدود لهذا المسار، خُصُوصًا في ظل نتائج التجربة الفاضحة لشركائه الأمريكيين والبريطانيين.

المسيرة

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

إقرأ أيضاً:

الحوثيون: رصدنا تجهيزات واستعدادات بعض الدول لمشاركة إسرائيل هجومها على إيران

قالت جماعة الحوثي، إنها رصدت تجهيزات واستعدادات لدول عدة للمشاركة في مساندة إسرائيل بهجماتها على إيران، مؤكدة دعمها للأخيرة في مواجهة الكيان الصهيوني.

 

وقال القيادي مهدي المشاط رئيس ما يسمى بـ "المجلس السياسي" أعلى سلطة حاكمة للحوثيين، إن خارجية حكومتهم غير المعترف بها دوليا، ستوجه بـ "إرسال مذكرة لإشعار الأمم المتحدة برصدنا تجهيزات واستعدادات بعض الدول الأعضاء لمشاركة الكيان الإسرائيلي عدوانه على إيران".

 

وأضاف: "سنعمل على التصدي ومواجهة أي مشاركة في العدوان على إيران بكل الطرق المشروعة"، وفق وكالة سبأ الحوثية.

 

ودعا جميع الدول العربية والإسلامية والمحبة للسلام أن تتخذ نفس القرار بدلاً من الانتظار لاستهدافها بلداً تلو الآخر، مشيرا إلى أنه "عندما تتخلى الدول عن مسؤوليتها في حماية الأمن والسلم الدوليين وتتحول إلى داعم ومشارك للمعتدي في غزة ولبنان وسوريا واليمن وإيران فإن الحل هو الموقف القوي والموحد من الجميع".

 

وأردف: " النار ستصل لكل دولة إذا لم نتحرك جميعا ونوقف مخطط الاستباحة لدول الاستكبار"، لافتا إلى أن "أي عمل عدائي يستهدف أي دولة إسلامية سنقف ضده وسنواجهه وهذا موقفنا من قبل وأعلناه سابقا".

 

وهدد بالرد على أمريكا في حال مشاركتها الهجوم على واشنطن، حيث قال: "سنوجه مركز العمليات الإنساني باتخاذ اللازم وفق القانون اليمني"، مؤكدا أن كل من يتورط أو يشارك الإسرائيلي عدوانه يجب أن يدفع ثمن قراره.

 

وفي وقت سابق، هددت جماعة الحوثي، بإستهداف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر، في حال مهاجمة القوات الأمريكية إيران، بالتزامن مع هجوم متواصل لإسرائيل على إيران منذ فجر الـ 13 من يونيو الجاري.

 

وقال المتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع في بيان له على منصة إكس، إن الجماعة ستستهدف السفن والبوارج الأمريكية في البحر الأحمر، في حالة دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الهجوم على إيران، مجددا موقف الجماعة الرافض للعدوان على غزة ولبنان وسوريا وأي بلد عربي وإسلامي يتعرض لعدوان صهيوني.

 

وأوضح أن "المعركة مع العدو الإسرائيلي المعتدي على إيران، مع ما يرتكبه قبل ذلك من إجرام ضد الشعب الفلسطيني وإبادة جماعية، واعتداءات مستمرة على الشعبين اللبناني والسوري، والعدوان على اليمن، ثم اتجه لعدوان شامل ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، تحت عنوان تغيير وجه الشرق الأوسط".

 

ولفت سريع إلى أن "العدو الإسرائيلي يسعى إلى السيطرة التامة على المنطقة، وتنفيذ المخطط الصهيوني بدعم أمريكي مفتوح، وشراكة أمريكية، ويحاول إزاحة الجمهورية الإسلامية في إيران، لأنه يعتبرها العائق الأكبر في طريق إنجاز مخططه".

 

وأكد أنه "لا يمكن السكوت على أي هجوم وعدوان أمريكي مساند للعدو الإسرائيلي ضد إيران في إطار الهدف الرامي لتمكين العدو الإسرائيلي من السيطرة على المنطقة كلها".

 

وأوضح أن الجماعة تتابع وترصد كافة التحركات في المنطقة ومنها التحركات المعادية ضد اليمن وأنها "ستتخذ ما يلزم من إجراءات مشروعة" للدفاع عن البلاد.

 

وفي السادس من مايو الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توقف حملة عسكرية ضد الحوثيين بدأها في منتصف مارس الماضي، بعد زعمه استسلام الحوثيين ورغبتهم بتوقف هجماتهم العسكرية على السفن الأمريكية في البحر الأحمر، في الوقت الذي التزمت الجماعة منذ مطلع مايو الماضي بعدم شن أي هجمات بحرية ضد السفن الأمريكية والملاحة البحرية حتى اللحظة.

 

ومنذ 13 يونيو/ حزيران، تشن إسرائيل بدعم أمريكي هجمات متواصلة على إيران استهدفت منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي، في أكبر مواجهة مباشرة بين الجانبين.


مقالات مشابهة

  • اليمن يدعو إلى إلغاء وجود القواعد الأمريكية في المنطقة
  • تلعب دورًا مؤثرًا.. ما مدى التطور الذي وصلت إليه الألغام البحرية؟
  • الجزائر تجدد دعمها للدفع بمسار تسوية الأزمة في اليمن التي طال أمدها
  • تقرير صادم: ضحايا ترامب المدنيون في اليمن خلال 52 يومًا يعادلون قتلى 23 عامًا من العمليات الأمريكية
  • الحوثيون يهددون باستهداف السفن الأميركية إذا دعمت إسرائيل
  • جبهة تحرير فلسطين: إعلان اليمن استهداف السفن الأمريكية تحوّل استراتيجي في معركة الأمة ضد العدوان الصهيو–أمريكي
  • الحوثيون: رصدنا تجهيزات واستعدادات بعض الدول لمشاركة إسرائيل هجومها على إيران
  • الحوثيون يهددون بمهاجمة السفن والبوارج الأمريكية في حال مهاجمة واشنطن لإيران
  • تقرير دولي: إيران قد تحرك مليشياتها في اليمن لاستهداف السفن
  • القوات المسلحة: سنستهدف السفن والبوارج الأمريكية في حال تورط الأمريكي في العدوان على إيران