غسّان ملحم
لم يكن استشهاد القائد الحاج محمد عفيف النابلسي مفاجئاً البتّة. النبأ ليس مستهجناً، ولا مستغرباً. هو كان ينشد الشهادة، ويتوق لها، وفي طريقه إليها. وهي كانت مسألة وقت فحسب. لكن شهادته كانت لامعة. نعم هي كانت كذلك، بحيث لا بدّ من الوقوف والتوقّف عندها والتأمّل والتفكّر فيها. هو نجل العلّامة الراحل فضيلة الشيخ عفيف النابلسي، أحد أبرز علماء المقاومة.
كاريزما القيادة الإعلامية
كانت شخصية القائد الشهيد محمد عفيف – بميزان لغة الجسد (Body Language)، فنّ التواصل أو الاتصال السياسي (Political Communication Art)، الخطاب السياسي والخطاب العمومي والخطاب الإعلامي (Political Discourse, Public Speech and Media Speaking) – ملفتة، وربما مثيرة للجدل، بالنسبة للبعض من الأشخاص والأطراف في الوسطين السياسي والإعلامي.
فقد كان حضوره الشخصي قويّاً وبارزاً داخل الحزب وعلى صعيد العلاقات مع الإعلام والعلاقات العامّة. بهذا المعنى، يمكننا القول إنه كان يتمتع ويمتاز بما يمكننا أن نصطلح على تسميته “كاريزما القيادة الإعلامية” لدى توصيفه وتصنيفه.
العلاقة مع قيادة الحزب والمقاومة
كانت علاقة الشهيد الحاج محمد عفيف بقيادة الحزب والمقاومة وثيقة جداً، بل ربما كانت خاصة جداً، سواء كانت مع الأمين العام الراحل الشهيد السيد عباس الموسوي سابقاً، أو كانت مع الأمين العام الراحل أيضاً الشهيد السيد حسن نصر الله لاحقاً – وهي الحقبة الذهبية من حياة الحزب والمقاومة وتجربتهما في السياسة والميدان – ومعهما نائب الأمين العام سابقاً والأمين العام الحالي الشيخ نعيم قاسم.
هو لم يكن بعيداً على الإطلاق عن الأمانة العامة للحزب، بل كان لصيقاً بها، وربما أيضاً جزءاً لا يتجزّأ منها. هو كان يضطلع بمسؤولية وحدة العلاقات الإعلامية، وبالتالي أو بالتبعية كان يشغل العضوية الحكمية في المجلس السياسي لهذه الصفة؛ وهو كان يتولّى مسؤولية المعاونية الإعلامية في الأمانة العامة إلى جانب الأمين العام بشخصه. كما أنه كان على تماسٍ مباشر مع قادة الجناح العسكري للحزب، أو لنقل قادة المقاومة العسكرية.
المشاركة في صناعة القرار وممارسة السلطة
كان القائد الشهيد محمد عفيف شريكاً في عملية صناعة القرار بصورة خاصّة وعملية ممارسة السلطة بصورة عامّة داخل الحزب والمقاومة، والمقصود بالسلطة هو القيادة بشقّيها السياسي والعسكري، وليس الإعلامي فقط، بالنظر إلى ماهية وطبيعة منصبه الرفيع بالدرجة الأولى، وصفاته الشخصية، الذهنية والفكرية والأخلاقية، بالدرجة الثانية. فكانت مشاركته أو مساهمته في تسيير شؤون الحزب والمقاومة وازنة في زمن السلم بطبيعة الحال، ومضاعفة في زمن الحرب، كما في حالات الظروف الاستثنائية والقوة القاهرة والداهمة، وذلك لأسباب ذاتية تتصل بشخصه، وموضوعية تتصل بهيكلية الحزب ودوره ضمن هذه التركيبة.
الحزب والمقاومة والحرب الإعلامية
كان الشهيد الحاج محمد عفيف يدرك جيداً أهمية وخطورة الحرب الإعلامية والحرب النفسية على حد سواء، بالتوازي وبالتزامن مع الحرب العسكرية والمقاومة المسلحة في سياق وفي خضمّ المواجهة المفتوحة والصراع المفتوح مع العدو الإسرائيلي، ومن معه ومن خلفه.
من هنا، هو كان يولي في عهدته أهمية خاصة، وهي باتت أهمية مضاعفة، للمعركة الإعلامية، من ضمن المعركة السياسية، كما المعركة العسكرية، سواء كان قبلها أو في غمارها أو بعدها، وكذلك على صعيد الجبهة الداخلية والجبهة المعنوية للبلد والمقاومة وجمهورهما، وعلى صعيد الجبهة الداخلية والجبهة المعنوية للعدو وجمهوره في المقابل أيضاً.
البصمة الشخصية في وحدة العلاقات الإعلامية
لم يكن حضور القائد الشهيد محمد عفيف عابراً على رأس وحدة العلاقات الإعلامية، وهو ليس رتيباً من طبيعة شخصيته، ولا حتى في سلوكه وممارسته. هو مثّل علامة فارقة على صعيد الإدارة والقيادة لإعلام المقاومة، وهو شكّل بشخصه حالة فريدة ومتميّزة، فرضت وتفرض نفسها على إعلام المقاومة وإعلام البلد في الماضي والحاضر والمستقبل. لقد ترك بصمة شخصية عميقة وبليغة بهيبته وأدائه. وعليه، لن يكون سهلاً، ولا بسيطاً، على من يخلفه بموقعه أن يملأ الفراغ الذي خلّفه، وأن يبقى على القدر والمستوى نفسه من الحسّ بالمسؤولية والقدرة على الاضطلاع بها.
كان الرجل جريئاً وشجاعاً، لا يهاب الموت، بل يهوى الشهادة، كعشقه للشهيد المقدّس، سماحة السيد حسن نصر الله. كما أنه لم يكن يخشى في قول كلمة الحقّ أمام سلطان جائر لومة لائم، ولم يكن يخشى سلوك درب الحقّ والمضي به قدماً والذهاب به بعيداً، وإلى النهاية، حتى انقطاع النفس والرمق الأخير، أي الشهادة، لقلّة سالكيه. كان، بحضوره ونبرة خطابه ونظراته وحراكه، كالليث بالإعلام وميدان المعركة الإعلامية والحرب الإعلامية والمواجهة الإعلامية من الضاحية الجنوبية إلى الجبهة الجنوبية، وإن كان قليلون يعرفونه، وكثيرون يجهلونه، ولا يعرفونه، وعديدون يظلمونه. هكذا هم رجالات المقاومة.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشهید محمد عفیف الحزب والمقاومة الأمین العام على صعید لم یکن هو کان
إقرأ أيضاً:
محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل
12 دجنبر، 2025
بغداد/المسلة: تبرز دلالات تأكيد محمد جواد ظريف أنّ فصائل المقاومة في المنطقة لاسيما في العراق لا تتحرك بوصفها أذرعًا لإيران، بل كقوى محلية تنبع شرعيتها من مواجهة الاحتلال على أراضيها، في موقف يقدّمه وزير الخارجية الإيراني الأسبق بوصفه تفنيدًا لسرديات إقليمية ودولية تربط بين نشاط تلك الفصائل ومصالح طهران المباشرة.
ومن جانب آخر يشرح ظريف، خلال مشاركته في ندوة حول الدبلوماسية في زمن الحرب على هامش معرض العراق الدولي للكتاب في بغداد، أنّ إيران تكبدت أثمانًا سياسية واقتصادية باهظة نتيجة هذا الدعم، مؤكدًا أن ما يُوصف بـوكلاء إيران لم يطلقوا رصاصة واحدة على مدى 45 عامًا لخدمة مصالحها، بل قاتلوا من أجل أراضيهم وحرياتهم، معتبرًا أنّ المقاومة تنشأ بصورة طبيعية من سياقات الاحتلال والقمع، وأن دعم بلاده لها لا يعني احتواءها أو القدرة على إنهائها.
وتشير تصريحات ظريف إلى محاولة إعادة صياغة العلاقة بين طهران والفصائل الإقليمية في إطار مفهوم التكلفة والالتزام، لا الوصاية أو التوجيه، مع تسليط الضوء على ما يراه الوزير الأسبق دورًا ممتدًا لبلاده في دعم القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي يقول إن إيران قدمت لها دعمًا يفوق ما قدمته دول عربية، في إشارة تعكس رغبة طهران في تثبيت سردية المسؤولية الأخلاقية والسياسية تجاه الصراع.
وأيضًا يلفت ظريف، في سياق حديثه عن مستقبل المنطقة، إلى أنّ بلاده لا تبحث عن هيمنة، بل عن “منطقة قوية” تستند إلى دول قادرة على حماية نفسها، من العراق إلى السعودية، مشددًا على أنّ إيران راضية بحدودها وجغرافيتها وتطمح إلى العيش بين محيط من “الأصدقاء والإخوة”، في خطاب يعكس تصورًا لتوازن إقليمي يقوم على الشراكات لا على مراكز النفوذ.
ويواصل الوزير الأسبق استحضار المبادرات الإقليمية التي طرحتها إيران، من بينها مبادرة مودّة للحوار الإسلامي، ومبادرة منارة للتعاون في استخدام الطاقة النووية السلمية، باعتبارهما إطارين لحلحلة الأزمات الممتدة، مع تأكيده أنّ جذر المشكلات يبقى الاحتلال الإسرائيلي الذي يعيد إنتاج توترات الشرق الأوسط وفق تعبيره.
وعلى صعيد أوسع تتقاطع هذه الرسائل مع نقاشات دبلوماسية وإعلامية عربية عن مآلات الحرب في غزة وتمدد الصراع في الإقليم، إذ تتفاعل على المنصات الرقمية تدوينات تربط بين خطاب ظريف ومحاولات إعادة ضبط صورة إيران إقليميًا، وسط سجالات حول دور طهران وحدود نفوذها، في مشهد يعكس حجم الاستقطاب الذي تفرضه دورة الصراع المتجددة في الشرق الأوسط.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts