عبدالرحمن مراد
يمكن القول اليوم إن اليمن في أشدّ الحاجة إلى ثورة ثقافية حقيقية تعيد ترتيب النسق الحضاري والثقافي، وتعمل على تحديد المفاهيم وصياغة أهداف وطنية جديدة، فالذي يحدث هو أننا واقعون تحت تأثير سياق من التلقي والاتصال؛ باعتبَارهما وسيلة تفاعل أَسَاسية بين الجماعات والأفراد؛ للتحكم بالأنظمة المادية والرمزية في السياق التاريخي والثقافي إلى درجة أننا نتقبل الحدث ونعيد إنتاج دلالته في وسط زمني مغاير، وهو الأمر الذي يجعلنا في تيهٍ دائم وفي حالة اغترابية مُستمرّة عن واقعها.
علينا التفكير بمسؤولية معرفية وأخلاقية بالغة الإحساس؛ فالمجتمعات من حولنا في عالمنا الحضاري الجديد حصلت على ميزات اجتماعية من القوة، والثروة، والمهارة، والعقلانية..، ونحن ما نزال -نحن العرب- ندور حول أنفسنا ونستغرق أنفسنا في جدل عقيم في حين أننا عاجزون عن ملء الفراغ الحقيقي الذي يشتهي الامتلاء، ونقف في تمترس عجيب وراء الصورة النمطية في أذهاننا عن أنفسنا وعن الآخر وعن الدولة.
وفقًا لطبيعة الإنسان في اليمن فإن حضور سؤال النهضة في عملياته النفسية والذهنية يرتبط بأجهزة السلطة السياسية ونوعيّة علاقاتها بحركة المجتمع وتفكيره وردود الفعل العام، فالسؤال في جلّ ضروراته يبحث في طبيعة السلطة السياسية والعلاقات الاجتماعية، فالسؤال النهضوي في جوهره موضوع سياسي في المقام الأول، فهو يضع السلطان والسلطة والسياسة والسياسي والحكم وأدواته وتفاعلاته موضع التساؤل والسؤال نظرًا إلى تعدد المرتكزات والمرجعيات النظرية الحضارية التاريخية، وتنوع القوى الاجتماعية / السياسية في المشهد السياسي الوطني؛ فسؤال النهضة الوطنية موضوع أَو قضية كلية متكاملة المعطيات والأبعاد؛ فالصراع الذي استمد السؤال النهضوي شرعيته منه، يفترض به أن يتخلّى عن أدواته وآلياته القديمة، وعلية أنْ يتجه إلى البُعد المعرفي فيطرح سؤال النهضة في التاريخ والفكر والسياسة والحضارة والاجتماع والانثروبولوجيا الثقافية والاقتصاد السياسي والفلسفة والعلاقات السياسية بعد أن تفاعل مع هذا السؤال من خلال حالة التفكيك للبناءات وخاض الصراع الدامي ووصل إلى خلق حالات جديدة، وتلك الحالات الجديدة حملت روح التوازن الاجتماعي والسياسي وهي تتهيأ الآن لتقبل الواقع الجديد الذي تنتظر منه إعادة ترتيب شكل العلاقة الجديدة بين الدولة والمجتمع، وبرؤية ذات توافق وتناغم مع سؤال النهضة الوطنية.
***
ما هو ثابت أن جدلية القديم / الجديد -كثنائية تاريخية مُستمرّة منذ ظهور الجماعات الاجتماعية البدائية وحتى ظهور الدولة وفق المفهوم الفلسفي والثقافي والمعاصر- فالجدلية ظلت كحالة تدافعيه تسير وفق سنن كونية ثابتة، فالقديم في أدواته وآلياته وفي أساليبه الحضارية والثقافية لا يصل إلى حالة الفناء المطلق ولكنه يعيد إنتاج نفسه في حالة من حالات التكيف مع مظاهر الزمن الجديد..، وحتى يبلغ الجديد مقاصده عليه أَلَّا يغفل عن الحقائق التالية:-
1- الماضي يمتد في كُـلّ جديد ويفترض ألا يرى الجديدُ عدميته بل يقوم بترميمه وإعادة إنتاجه تخفيفاً لحدة الصراع، ونرى ضرورة تطهير الماضي بالنقد والرؤى الجديدة وَاستخلاص نافذة منه للمستقبل مع الإيمان المطلق بالتجديد والتحديث وبصناعة اللحظة الحضارية وصناعة المستقبل.
2- الذات الداخلية مكون أَسَاسي لمصادر الطاقة والإمْكَانات وإحداث المتغير الحضاري، مع التركيز على تنمية القدرات الذاتية وتفجير إمْكَاناتها النفسية والذهنية والإبداعية وفي ذات السياق رفض شخصنة الأشياء والدولة.
3- التأكيد على القول إن القيمة المثلى للفكرة ليس في الإشباع الذي تحدثه بل في وظيفتها وقدرتها على التفاعل مع الواقع لحل كُـلّ إشكالاته حتى يتجاوب ذلك الواقع مع حاجات الناس وميولهم، ويملك القدرة على إحداث المتغير من خلال مرونته وقابليته للعمل، وتأكيد الطابع الحضاري الجديد.
4- الوجدان بطبيعته يفرق بين الناس لذلك يفترض التأكيد على العقل؛ باعتبَاره أدَاة تمثيل وتوحيد، وهو قادر على فهم الروابط بين الأشياء وخلق روابط جديدة مع التأكيد على دور المدركات في التعبير عن الواقع.
5- الإنسان هدف التنمية ومحورها وتحديث وظائف مؤسّسات الدولة بما يتوافق وهرم الحاجات للإنسان ضرورة حضارية وهرم الحاجات يتطور مع التطور الحضاري والثقافي وتعزيز قيم الانتماء وتصميد الهوية الإيمَـانية والوطنية لا يمكن أن يتحقّق دون أن يجد الإنسان اهتمامًا فوقيًّا في الرؤى والفلسفات والإجراءات تحدث الإشباع اللازم في فراغاته الوجودية الفيسيولوجية والسيكولوجية وشعوره بالوجود والفاعلية في معادلة الحياة.
***
مع التأكيد أن هذه الإشارات الواردة في السياق تأتي إسهاماً منا ضمن مشروع التغيير الجذري الذي أطلقه قائد الثورة السيد العلم عبدالملك الحوثي، وهي قد تسهم في إضاءة بعض الجوانب لحكومة التغيير والبناء التي يعول عليها القائد -حفظه الله– في التغيير والبناء وُصُـولًا إلى التغيير الجذري كمشروع لثورة 21 سبتمبر؛ إذ لا بُـدَّ لنا من إثارة سؤال النهضة في مقابل فرضية التغيير الجذري.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: سؤال النهضة
إقرأ أيضاً:
محافظ سوهاج: إزالة 7808 حالة تعدٍ على أملاك الدولة والأراضي الزراعية والمتغيرات المكانية
أعلن اللواء دكتور عبد الفتاح سراج، محافظ سوهاج، عن إزالة 7808 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة وجهات الولاية، والأراضي الزراعية، والمتغيرات المكانية، وذلك ضمن المرحلة الثانية من الموجة 26 لإزالة التعديات، والتي انطلقت خلال الفترة من 10 وحتى 26 يونيو الجاري.
وأوضح محافظ سوهاج أن الوحدات المحلية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وجهات الولاية المختلفة، شنت حملات مكثفة خلال هذه المرحلة، أسفرت عن إزالة 103 حالة تعدٍ على أملاك الدولة بالمباني، بمساحة إجمالية بلغت 8 آلاف و696 مترًا مربعًا، والتعامل مع 7559 حالة من المتغيرات المكانية، بالإضافة إلى إزالة 146 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية، على مساحة 5 فدان و10 قراريط.
وشدد المحافظ على ضرورة المتابعة الميدانية اليومية، وتنفيذ قرارات الإزالة بكل حزم، مع اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة ضد المخالفين، والإحالة للنيابة المختصة، مشيرًا إلى أن التنسيق مستمر بين الوحدات المحلية ووحدة المتغيرات المكانية بالمحافظة لرصد أي تعدٍ في المهد، وتنفيذ الإزالات حتى سطح الأرض دون تهاون.
وأكد "سراج" أن حملات الإزالة تأتي في إطار الحفاظ على الرقعة الزراعية وموارد الدولة، وضمان حق الشعب في أملاك الدولة التي تُستخدم لإقامة مشروعات تنموية وخدمية تعود بالنفع على جميع المواطنين، لافتا إلى أن جميع المراكز التكنولوجية بكافة الوحدات المحلية جاهزة تماما لاستقبال المواطنين لإنهاء طلبات التصالح واستصدار تراخيص البناء طبقًا للقانون، وتقديم التسهيلات اللازمة لتجنب التعرض لموجات الإزالة.