بيروت- تشهد بلدة الخيام الواقعة في قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، على بعد نحو 5 كيلومترات من الخط الأزرق الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل، اشتباكات وقصفا جويا ومدفعيا عنيفا يترافق مع دوي انفجارات هائلة وعمليات تفخيخ واسعة للمنازل والمباني، مما أدى إلى دمار كبير في المنطقة.

تأتي هذه التطورات في إطار معارك ضارية تدور بين مقاتلي حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في بلدة الخيام التي تمتاز بموقع إستراتيجي وعسكري بالغ الأهمية.

في المقابل، يتصدى حزب الله لمحاولات التقدم الإسرائيلي لاحتلالها، وقد أعلن في بيانات متفرقة عن استهدافه لتجمعات جيش الاحتلال المتمركزة شرق البلدة باستخدام صواريخ دقيقة ومسيرات انقضاضية، مستهدفا الآليات العسكرية والمواقع والتجمعات الإسرائيلية.

وأعادت هذه التطورات العسكرية إلى الأذهان خطابا سابقا للأمين العام الراحل لحزب الله، حسن نصر الله، الذي توعد فيه بجعل المنطقة "جحيم الخيام" إذا حاولت إسرائيل التوغل فيها، وقد شهدت البلدة خلال حرب يوليو/تموز 2006 إحدى أعنف المعارك التي تكبد فيها الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة.

بلدة الخيام على خارطة مناطق التوغل الإسرائيلي في لبنان (الجزيرة) أهمية إستراتيجية

ورأى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، العميد الركن هشام جابر، في حديث للجزيرة نت، أن مدينة الخيام تمتلك أهمية إستراتيجية بالغة، حيث يتيح لها موقعها السيطرة على سهل الخيام، كما أنها منطقة مفتوحة على 3 جوانب من الشرق والغرب والجنوب.

وأوضح العميد جابر أنه من الجهة الجنوبية لمدينة الخيام يمكن رؤية معظم منطقة الجليل الأعلى، كما أن سهل الخيام يقع غرب المدينة، ويسمى سهل الدردارة، الذي يلاصق مدينة المطلة الإسرائيلية، حيث يفصل بين السهل والمطلة مسافة قصيرة جدا.

وأوضح أنه إذا قررت القوات الإسرائيلية التحرك من المطلة باتجاه الشمال عبر طريق حاصبيا أو مرجعيون، فإنها ستضطر لعبور سهل الخيام. لذلك، تكمن أهمية السيطرة على مدينة الخيام في السيطرة بشكل مباشر على السهل، ولا يمكن احتلال السهل دون السيطرة على المدينة.

وأكد جابر أن السيطرة على الخيام ستضمن توغلا بوتيرة أسرع في الجنوب، مؤكدا أنه حتى الآن لم تنجح القوات الإسرائيلية في ذلك.

مواجهة مستمرة

لكن الخبير العسكري والإستراتيجي حسن جوني، أشار في تصريحات للجزيرة نت، إلى أن معركة الخيام عام 2024 تختلف بشكل واضح عن مواجهات عام 2006، وذلك استنادا إلى التطورات والوقائع الميدانية التي رافقت الهجوم الإسرائيلي.

وأوضح العميد جوني أن العمليات الإسرائيلية في حرب 2006 انطلقت على بلدة الخيام من محورين رئيسيين، الأول من جهة سهل الخيام، والثاني من الجنوب مع التركيز بشكل أساسي على محور سهل الخيام، وواجهت القوات الإسرائيلية حينها مقاومة شرسة من حزب الله، الذي استخدم صواريخ "كورنيت" المضادة للدروع لأول مرة، حيث أثبتت هذه الصواريخ فعاليتها الكبيرة ضد دبابات ميركافا، مما شكل صدمة كبيرة للإسرائيليين في ذلك الوقت.

أما في معركة الخيام عام 2024، فقد نفذ الجيش الإسرائيلي 3 محاولات متكررة لاختراق البلدة. وبحسب الخبير العسكري، فقد وقعت المحاولة الأولى أواخر أكتوبر/تشرين الأول، حيث حاولت القوات الإسرائيلية التقدم من جهة الشرق، بين منطقتي الخيام والماري من جهة وطى الخيام، إلى جانب هجوم آخر عبر محور سردا، ورغم التمهيد الناري الكثيف، واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة عنيفة أجبرتها على التراجع.

والمحاولة الثانية جرت قبل نحو 5 أيام، عندما حاولت القوات الإسرائيلية التقدم عبر محور مزرعة سردا من اتجاه الجنوب، وقوبلت هذه المحاولة أيضا بمقاومة شرسة من حزب الله الذي كثّف استهداف القوات المتقدمة بالصواريخ، مما أجبرها على التراجع نسبيا.

وأشار العميد جوني إلى أن المحاولة الثالثة وقعت قبل يومين، حيث صعّدت إسرائيل هجومها عبر تكثيف الغارات الجوية والقصف المدفعي، واعتماد مناورة جديدة تقوم على الالتفاف، وركز الهجوم على التقدم بين منطقتي الخيام والماري باتجاه العمق وصولا إلى مشارف إبل السقي.

مواقع القتال بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان (الجزيرة) مناورة التفافية

وأشار الخبير العسكري إلى أن هذا الشكل من المناورة أجبر حزب الله والمقاومة على إعادة توزيع دفاعاتهم، حيث أصبح هناك نوع من الحصار، فمن جهة كان هناك ضغط قادم من الجنوب، ومن جهة أخرى هجوم رئيسي قادم من الشمال، وهذا الوضع فرض على المقاومين توزيع جهودهم ونشاطهم على كلا الاتجاهين تزامنا مع غارات جوية مكثفة.

وأضاف العميد جوني أنه مع تركيز الجهد الإسرائيلي على الاتجاه الشمالي من خلال مناورة الالتفاف ظهرت نقاط ضعف في الجبهة الجنوبية، أو ربما قررت المقاومة تقليص وجودها في هذه المنطقة، وبالتالي تمكنت القوات الإسرائيلية من تحقيق تقدم من الجهتين الجنوبية والشرقية داخل بلدة الخيام.

وفقا لجوني، فإن هذا التقدم مهد الطريق لدخول القوات الإسرائيلية إلى البلدة، لكن حتى الآن لا يزال القسم الشمالي من البلدة يشهد مقاومة عنيفة واشتباكات مستمرة، وفي الوقت نفسه تواصل القوات الإسرائيلية استهداف هذا القسم بالمدفعية والغارات الجوية بشكل مكثف، مما يعكس تصعيدا مستمرا في المعركة.

واعتبر جوني أن معركة الخيام في 2024 بالمقارنة مع حرب 2006 كانت اختبارا صعبا للقوات الإسرائيلية التي اضطرت لتنفيذ 3 محاولات مكلفة قبل تحقيق اختراق، فرغم الآلاف من الغارات الجوية والقصف المدفعي المكثف، استغرقت المعركة وقتا طويلا، وأظهرت محدودية الإنجازات الميدانية.

وأضاف الخبير العسكري أن هذه المعركة أكدت أن السيطرة على قرية صغيرة تتطلب تركيزا عسكريا هائلا، مما يبرز حجم التحديات التي قد تواجهها إسرائيل في القرى الجنوبية الأخرى إذا اعتمدت الإستراتيجية نفسها، فكل قرية قد تتحول إلى معركة استنزاف تتطلب وقتا أطول وزخما ناريا أكبر مما تطلبته الخيام.

معركة السهل الممتنع

وبحسب ما أكد الخبير العسكري العميد بهاء حلال، للجزيرة نت، فإن التخطيط الإسرائيلي المصحوب بالتهديد -إضافة إلى عملية التطويق التي نفذها الاحتلال- لم يحقق تقدما في منطقة الخيام.

وأوضح العميد أن المقاومة استغلت هذا الواقع، وحولت منطقة الخيام إلى ما يشبه "ستالينغراد" لبنانية، حيث خاضت معارك لم تقتصر على الدفاع، بل اعتمدت على تكتيكات متنوعة شملت الاشتباكات المباشرة والمفاجئة إلى جانب الكمائن الارتجالية والعمليات التفجيرية الدقيقة.

ولفت الخبير العسكري إلى أن المقاومة استخدمت الأحزمة الصاروخية وأسراب الطائرات المسيّرة الانقضاضية، مما ساهم في كبح الهجوم الإسرائيلي من أحد المحاور وإفشاله من محورين آخرين، ويضيف أن "هذه التكتيكات أظهرت قدرة المقاومة على استيعاب الهجوم وتكبيد العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات".

ومنذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، يلاحظ العميد بهاء حلال أن الاحتلال يحاول اختراق دفاعات المدينة، رغم تعزيز قواته بالمدرعات والضغط من 3 محاور مختلفة، ويرجّح أن كثافة الهجمات الدقيقة التي تنفذها المسيرات الانقضاضية لعبت دورا حاسما في صدّ هذه المحاولات.

ورأى الخبير العسكري أن الاحتلال غير إستراتيجيته، متجها نحو منطقة إبل السقي وقرية دير ميماس، حيث تدور حاليا اشتباكات عنيفة على أطرافها الجنوبية، فالجيش الإسرائيلي يسعى إلى احتلال الخيام من المحور الشرقي، نظرا لأهميتها الإستراتيجية الجغرافية، حيث تشكل نقطة انطلاق له نحو الوصول إلى نهر الليطاني، كما أن الخيام توفر له إمكانية فصل البقاع عن الجنوب، بالإضافة إلى عزلها عن محيطها، بما في ذلك شبعا وكفر شوبا.

وأشار العميد إلى أن منطقة الخيام تحمل رمزية خاصة في تاريخ المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ ارتبطت بتحرير الجنوب عام 2000 ووجود معتقلها الشهير، كما شهدت في عام 2006 معركة "السهل الممتنع" في سهل الخيام.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات القوات الإسرائیلیة الخبیر العسکری بلدة الخیام السیطرة على حزب الله من جهة إلى أن

إقرأ أيضاً:

تصريحات لوزير التراث الإسرائيلي تثير غضب واشنطن.. ماذا قال؟

نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية عن مصادر مطلعة قولها، إن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أعربوا عن غضبهم الشديد من تصريحات لوزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، دعا فيها إلى "محو غزة" وجعلها "يهودية".

وذكرت المصادر أن السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، يحيئيل ليتر، تواصل مع الوزير إلياهو وطلب منه توضيحات.

وقال مصدر سياسي إن تصريحات الوزير إلياهو أدت إلى تصاعد الضغط الأمريكي على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وأضاف المصدر لـ "إسرائيل هيوم" أت "التصريحات غير المسؤولة للوزير عميحاي إلياهو كانت السبب الرئيسي في خلق الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتوسيع المساعدات لغزة. هو من وقّع على إدخال المساعدات".

بدوره، ذكر مكتب الوزير أن "إلياهو طلب من السفير التأكد من أن العالم يفهم أن كل ما يحدث في غزة هو مسؤولية حماس، وألا يتم تحويل المسؤولية إلى إسرائيل من خلال تحمل مسؤولية لا داعي لها".

وأضاف: "في اليوم الذي يلقي فيه الإرهابيون أسلحتهم سيكون جيداً للجميع، بما في ذلك سكان غزة. في اليوم الذي نلقي فيه أسلحتنا سيعودون لقتلنا واختطافنا".

وأكد مكتب إلياهو أن الوزير كرر موقفه بأن "السيطرة الإسرائيلية على القطاع وحدها ستضمن الأمن والسلام، وحتى ذلك الحين، كان ترامب هو الذي طلب فتح أبواب الجحيم على غزة".



وكان الوزير عميحاي إلياهو قد صرح في مقابلة الأسبوع الماضي: أن "الحكومة تتجه نحو محو غزة، الحمد لله أننا نمحو هذا الشر"، مضيفًا أن "كل غزة ستكون يهودية".

وفي وقت سابق قال وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إن "إسرائيل أقرب من أي وقت مضى" لإعادة احتلال قطاع غزة وإحياء مشروع الاستيطان فيه، في إشارة واضحة إلى تحوّل استراتيجي محتمل في توجهات حكومة الاحتلال بعد نحو 20 عاماً على تنفيذ خطة "فك الارتباط" وانسحابها من القطاع.

وجاءت تصريحات سموتريتش خلال مؤتمر نظم في مستوطنة "ياد بنيامين" وسط فلسطين المحتلة، لإحياء الذكرى العشرين لخطة الانفصال أحادية الجانب، التي نفذتها حكومة أرئيل شارون عام 2005، وشملت تفكيك المستوطنات في قطاع غزة وأربع مستوطنات شمالي الضفة الغربية.

وقال الوزير اليميني في حكومة بنيامين نتنياهو: "نحن أقرب من أي وقت مضى إلى إعادة بناء غوش قطيف"، في إشارة إلى الكتلة الاستيطانية الكبرى التي كانت قائمة جنوبي قطاع غزة قبل الانسحاب.

وأضاف: "حيث لا توجد مستوطنات، لا يوجد جيش.. وحيث لا يوجد جيش، لا يوجد أمن"، في تبرير واضح لدعوات إعادة السيطرة الميدانية على القطاع، زاعماً أن "غزة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل".

وتابع قائلا: "لا أريد العودة إلى غوش قطيف كما كانت، كانت صغيرة ومكتظة. نحتاجها الآن أكبر بكثير، وأوسع بكثير".

مقالات مشابهة

  • تصريحات لوزير التراث الإسرائيلي تثير غضب واشنطن.. ماذا قال؟
  • ما وراء الخبر يناقش مستقبل قضية نزع سلاح حزب الله
  • واشنطن تضغط على بيروت لنزع سلاح حزب الله مقابل وقف الغارات الإسرائيلية
  • عمليات نوعية للمقاومة ضد القوات الإسرائيلية في قطاع غزة
  • ماذا بعد لقاء باريس بين دمشق وإسرائيل
  • ماذا وراء تجدد النزاع بين المشري وتكالة حول رئاسة الأعلى الليبي؟
  • الحوار مع الحزب يترنّح وإسرائيل ترفض بالنار مقترحات لبنان
  • ماذا وراء تهديد إسرائيل بـضغط عسكري حقيقي في غزة؟
  • ماذا وراء حرب «التحريض» ضد مصر؟
  • تفاقم معاناة سكان الخيام النازحين بمدينة غزة