عن تقييم الاتفاق اللبناني بين الفرقاء في المعسكريْن
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
سيظل الجدل قائما لبعض الوقت بشأن تقييم الاتفاق الأخير، إن كان في "الكيان" أم في لبنان، وفي المجاليْن هناك من يتطرّف ذات اليمين وذات الشمال.
من متابعة لردود الفعل في الكيان، من الساسة والإعلاميين، يمكن القول إنهم يتراوحون بين من يتحدث عن هزيمة، ومن يعتبر ما جرى انتصارا باهرا، وبين من يقرأ الأمر بقدر متباين من الوسطية بين الطرفين.
السبب الأهم هنا هو ارتفاع سقوف نتنياهو في الوعود والتهديدات.
من زاوية الأهداف العادية، يمكن القول إنها تحقّقت (فصل الجبهة عن غزة، وإعادة مستوطني الشمال، ودفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني)، بجانب ضرب نسبة غير معلومة من قدرات الحزب العسكرية والقيادية (يرفعها بعض فرقاء العدو إلى 70%، ويهبط الرقم، بحسب المتحدّث ووجهته)، لكن ما تبقى من روايات عن سحق الحزب، ومنع تسلّحه من جديد هو ضرب من الأوهام، لأن الأخير تحديدا قد سبق أن قيل بعد حرب تموز 2006، وتم تضمينه في قرار 1701، لكنه لم يحدث، وأعاد الحزب بناء قدراته.
لا شك أن المرحلة تبدو مختلفة، لكن الاختلاف ليس كبيرا، وإن اعتمدت المقارنة على مصير التهديدات الصهيونية لسند الحزب في طهران، وما إذا كانت ستُصيبه بقوة أو تغيّر مساره، أم ستُبقيه على حاله أو قريبا من ذلك.
ما يجب أن لا يُنسى هنا هو أن تفوّق العدو لم يبرز سوى في سطوة الطيران، بينما بقي عاجزا عن تحقيق شيء عملي على الأرض، وما قبوله بالاتفاق سوى دليل على خوفه من الاستنزاف، لا سيما أن جيشه قد عانى الأمرّين في قطاع غزة وما يزال، وهو ما طرح معضلة تجنيد الحريديم بقوة في الجدل الداخلي.
سيظل باب الصفقة مفتوحا أمام إيران، وخلاصتها التخلّي عن خياراتها في التعامل "مع الكيان" وعن امتلاك السلاح الاستراتيجي
على الجانب الآخر (اللبناني) تابعنا الجدل وسنتابع الكثير منه في الأيام القادمة، بين فريق رأى فيما جرى هزيمة للحزب ينبغي أن تُعيد ترتيب وضعه في الداخل، من مُتحكّم عملي بـ"الدولة"، وطبعا بقوة السلاح، إلى حزب سياسي فقط، وهو ذاته الفريق الذي يحمّل الحزب مسؤولية الدمار والتهجير والمعاناة، وبين فريق آخر مؤيّد للحزب يرى أن انتصارا قد تحقّق بالصمود واستنزاف العدو، وإفشال مخططه بسحق القدرات والخيارات.
في أي حال يمكن القول إن السؤال الأهم فيما جرى هو ذلك المتعلّق بإيران، فالصهاينة يعتبرون أن ما كان يمنعهم من ضرب النووي الإيراني هو الخوف من صواريخ الحزب ومسيّراته التي ستُصيب أهم المرافق الحيوية في "كيانهم"، وأن نهاية المعركة (ومن ضمنها الاتفاق) قد شطبت هذا المحظور، بخاصة بعد أن نجحوا في الوصول إلى عمق الأراضي الإيرانية بعشرات الطائرات الحربية والمسيّرات، ومن ثم العودة دون أن يُصاب أيٌ منها.
نفتح قوسا هنا كي نشير إلى أن هذا الاعتقاد الصهيوني ليس صائبا بالضرورة، والأرجح أنه ليس كذلك، لأن استهدافات الحزب لـ"الكيان" كانت دون السقف الأعلى، وبطلب إيراني (على الأرجح)، ما يعني أن وجود ما لم يُصَب بالهجمات الصهيونية يظل قائما.
السؤال هو: هل سيدفع ذلك الصهاينة إلى ولوج هذه المغامرة، أم سينتظرون سياسة ترامب وابتزازه لإيران بعقوبات اقتصادية جديدة، أم سيفتحون مسارا سياسيا عبر وسطاء (جاهزون دائما) على أمل تغيير طهران لسياساتها في المنطقة، بجانب التخلّي عن المشروع النووي في شقّه العسكري.
للتذكير هنا: سيظل باب الصفقة مفتوحا أمام إيران، وخلاصتها التخلّي عن خياراتها في التعامل "مع الكيان" وعن امتلاك السلاح الاستراتيجي، مقابل ترك المجال أمامها في المشروع الإقليمي، بل إن هذا الأخير سيحصل على دعم أيضا، في استعادة لنموذج (الشاه)، وطبعا لأنه سيفجّر مزيدا من تناقضات المنطقة لحساب المشروع الحالم بالهيمنة، أعني "الصهيوني"، بصرف النظر عما إذا كان نتنياهو هو من يقوده، أو أي أحد آخر.
أين الأنظمة العربية من ذلك كله؟
إنه السؤال المحوري، فهذا الوقوف في مقاعد المتفرجين بانتظار نتائج الصراع، لن يفضي إلى نتيجة إيجابية، لأن حرب الطرفين ستنطوي على خسائر كبيرة، وكذلك حال تفاهمهما، وإن بقي المشروع الصهيوني هو عنوان الخطر الأكبر، لأنه لا يمثل نفسه وحسب، بل هو الحربة المتقدّمة لمشروع الغرب في إبقاء هذه الأمّة مشرذمة وخانعة وذليلة، بينما تحضر في هذا التوقيت بالذات إمكانية التفاهم على كلمة سواء وتعايش مع إيران بمحافظيها، أكثر بكثير من إصلاحييها.
مواعظنا (وسوانا كثير) لن تجدي نفعا مع الأسف، ما سيجعل المخاض القادم بالغ الصعوبة، وسيجعل مهمة شعوبنا في التصدّي لما يطرحه من تحدّيات، محطّة صعبة ومريرة، بخاصة في المجال الفلسطيني الذي سيواصل مقاومته دون توقّف كرأس حربة للأمّة.
إننا واثقون من النجاح، بإذن الله، لأننا نعرف أمّتنا وتراثها العريق في التصدّي للغزاة من سائر الألوان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه لبنان حزب الله الإيراني إيران لبنان حزب الله الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
السيد القائد صوت الحق في زمن الانهيار… ودور محوري في معركة الأمة مع الكيان الصهيوني
يمانيون../
في زمنٍ تتكالب فيه قوى الشر، وتغرق الأنظمة في مستنقعات التطبيع والتخاذل، يبرز صوت السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي كمرجعية قرآنية وموقفية صلبة، حاملةً لواء الوعي والبصيرة، وقائدةً لمسيرة الأمة نحو التحرر والعزة. وفي خطابه الأخير، قدم السيد القائد رؤية شاملة وعميقة تكشف حقائق العدوان على غزة، وتفضح المستور من خيانات الأنظمة، وتثبّت دعائم الموقف اليمني المقاوم في سياق مشروع قرآني متكامل.
مرجعية قرآنية في قراءة المشهد
بخطابه الهادئ الواثق، الذي لا يغيب عنه الاستناد إلى القرآن كمصدر للهداية والتشخيص والتحرك، أكد السيد القائد أن ما يجري في غزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تُنفذ بإجرام إسرائيلي وغطاء أمريكي غربي، وسط صمت عربي رسمي يشكل شراكة فعلية في الجريمة. لكنه، في ذات الوقت، يضع ذلك ضمن السياق الأكبر: صراع الأمة مع المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يستهدف قِيَمها، دينها، كرامتها ووجودها الحر.
كشف الحقائق وإبراز حجم المأساة
تفوّق السيد القائد في فضح أبعاد المجازر التي يرتكبها العدو في غزة، حيث قدّم بالأرقام والتوصيفات صورة مروعة للمأساة الإنسانية: أكثر من 3000 شهيد وجريح خلال أسبوع واحد فقط، بينهم نسبة عالية من الأطفال والنساء. تحدث عن الجثث المتناثرة في الطرقات وتحت الركام، واستهداف المستشفيات والمراكز الطبية والمساجد والمصليات، مبرزاً أن العدو لا يفرّق في قصفه بين مكان عبادة أو مركز إيواء، وكل ذلك في ظل تعمّد حرمان المدنيين من أبسط حقوق الحياة.
بصيرة في تحليل الواقع العربي والدولي
تميز خطاب السيد القائد بجرأة استثنائية في تشريح موقف الأنظمة العربية، حيث وصفها بأنها تخلت عن دينها ومبادئها وقيمها وإنسانيتها، وشاركت العدو في جريمته من خلال المواقف السياسية، أو عبر مدّه بالإمدادات عبر البحر الأبيض المتوسط. وقد وجّه انتقادات صريحة ومباشرة لبعض الدول العربية، منها المغرب، التي شاركت في تدريبات جوية إلى جانب سلاح الجو الصهيوني، معتبراً ذلك خيانة صريحة للقضية الفلسطينية وللأمة الإسلامية.
قائد المقاومة الممتدة… من صنعاء إلى غزة
ليس السيد القائد مجرّد مُشخّص للواقع، بل هو في صميم المعركة، يقود جبهة متقدمة هي الجبهة اليمنية، التي باتت تُرعب العدو بعملياتها النوعية. وقد جاءت إشادته بالقوات المسلحة اليمنية لتؤكد أن التحرك اليمني هو واجب ديني وإنساني وقرآني، مشيداً بثماني عمليات نفذتها قوات صنعاء في أسبوع واحد، بينها ثلاث ضربات دقيقة إلى مطار اللد، تسببت في حالة من الهلع والشلل داخل الكيان.
إن السيد القائد نموذج القائد الميداني والروحي الذي لا يكتفي بالتحليل والخطابة، بل يوجّه، ويعبئ، ويؤسس لمواقف ومراحل. وموقفه في مواجهة العدوان الإسرائيلي على موانئ الحديدة كان درساً في الثبات: “الضربات لن ترهبنا ولن تثنينا عن موقفنا”، داعياً إلى الصبر والثقة بالله، ومشيداً بالعاملين والمرابطين في الموانئ بوصفهم مجاهدين في سبيل الله.
خطاب الوعي والاستنهاض
إن أبرز ما في خطاب السيد القائد ، هو أنه خطاب يُحيي الوعي الميت في الأمة، ويوقظ الشعور بالمسؤولية في زمن التبلد. فقد وجّه دعوة واضحة إلى النخب الدينية والثقافية والإعلامية للتحرك المكثف، ودعا إلى حملة تعبئة ووعي لتقوية الموقف الشعبي والأممي، قائلاً: “ما يجري في غزة لا يجوز السكوت عنه… وهو مسؤولية شرعية على كل مسلم”.
دور قيادي يمتد إلى ما بعد الحرب
لم يكن الخطاب مرتبطاً بلحظة، بل وضع أسساً للتحرك في المرحلة القادمة، في ظل فشل العدو الإسرائيلي على مختلف الجبهات، وافتضاح هشاشته النفسية والعسكرية، مقابل صمود المقاومة في غزة والضفة ولبنان واليمن. لقد وجّه السيد القائد الأمة نحو معركة وعي طويلة المدى، مبنية على فهم قرآني للصراع، وعلى مشروع تحرري مقاوم، لا تعزله الجغرافيا ولا تثنيه التحديات.
خاتمة:
في وقتٍ يتوارى فيه كثير من الزعماء والرؤساء والملوك عن مشهد العزة، يظهر ويبرز السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي كقائد استثنائي في مرحلة استثنائية، يضطلع بدور ديني، وثقافي، وعسكري، وميداني، وإعلامي، ومبدئي، يربط بين ما هو محلي وعربي وإسلامي، واضعاً اليمن في قلب معادلة الردع، ورافداً أساسياً في مشروع تحرير فلسطين والقدس.
إنه صوت الحق في زمن الهزيمة، وراية الكرامة في زمن الانكسار.
تقرير | عبدالمؤمن جحاف