غنية الحكمانية
يُعذّب ضحيّته بصمت، ويتلذَّذ بطرق التعذيب، وإن تألمتْ لا يُسمع لها أنين أو يُشكّ في معمعة الضراوة التي لا تخمد جذواها بداخلها. يسكن في تلك الأجساد التي لديها خللا وضعفا ومحفّزا، ويعتاش على اختلالاتها البيولوجية والبيئية، ومهما حازت على المباهج والمجاذب؛ فالغمامة السّوداء تطفئ بهجتها وتفقده لمعنى الحياة وشغف الأشياء.
الاكتئاب المبتسم القاتل الصّامت ضمن أشدّ أنواع الاكتئاب الدّاخلي إيلامًا، فضَحيّته تتعمّد إخفاء الألم والبؤس خلف قناعٍ من السّعادة الزائفة. يتعرض أحيانا بعض الأشخاص في مرحلة من مراحل أعمارهم لنوبات مُتقاربة أو مُتباعدة أو مُتكررة من الاكتئاب تختلف شدّتها ودرجاتها وفترتها، وبعض أعراض الحالات الظاهرة والواضحة بعد الملاحظة والتشخيص المبكّر يتم السيطرة عليها بعلاجات متّبعة مناسبة للحالة وتستجيب للعلاج وتتحسن مع مرور الزمن، ولكن بعض الحالات يصعب كشفها والتنبؤ بها، يصارع فيها الشخص مُعاناته مع داخله ويكتم أعراض اكتئابه، وربما دون إدراكٍ منه لمساوئه، فتتفاقم لديه المشكلة ويُستعصي علاجها.
أصبح الاكتئاب بجميع تدرّجاته وأصنافه من الأمراض والاضطرابات الاكتئابية الأخرى هو مرض العصر، لارتباطه بالمدنيّة والحداثة والتعقيدات الحياتية والضغوطات النفسية؛ فهو المسؤول عن أغلب حالات إنهاء الحياة في العالم. وتتعدد أسبابه وعوامله، ولكن العامل الرئيسي هي الجِينات؛ نتاج خلل كيميائي بسبب عدم التوازن في النواقل والموصّلات العصبية إلى الدماغ. ففي شح هذه النواقل العصبية يكون الاكتئاب وفي ازديادها يكون الهوس وفي حال توازنها يكون الإنسان متوازنا نفسيا. وإلى جانب وجود العامل الجيني يتطلب محفّزات بيئية تختلف درجتها ومستواها كالتعرض للصّدمات القاسية والخيبات القوية والذكريات المؤلمة والامتهان الاجتماعي وعدم الإحساس بالأهمية. وإضافة إلى العامل الوراثي أيضًا الهرمونات فالاضطراب في نشاطها وإنتاجها سبب في الاكتئاب؛ مما يكون لتلك المسببّات التأثير على حالة المزاج والنوم والشعور بالتعب والتشتت الذهني والبدني والعجز ونقص الطاقة وعدم الرغبة بأي نشاط، ونقص الشهية والمتعة والدافعية للحياة وانخفاض الإحساس بقيمة الذات وانعدام الثقة والإحساس بالذنب والتوتر والملل. ومقولتهم المتداولة بينهم "نحن مجتمع المكتئبين، نتشابه في الأعراض والأفكار، لكن نختلف في الأسباب والتوجهات".
للأسف يجهل بعض الناس كُنه المرض قلةً بالوعي في فهم الحالة وعدم الإدراك بأعراضه أو ربما إنكار الاعتراف به وبمآسيه، ويعزُون أعراضه إلى ضعفٍ بالإيمان وبالوازع الديني، أو تعرضٍ لمسّ أو سحر أو حسد، لا يُبطله إلا المعالج الروحاني، يرسل ذبذباته المطّهرة لتلك الأدران المتعلقة في المكتئب. فتنزاح باعتقاده وتزداد الحالة سوءا وانتكاسا وتدميرا.
لذا يتحرّز المكتئب من بسط حالته على مائدة الفضفضة أو جلسات الاستشارة لئلا يُتهم بتخلخل التزامه الديني وابتعاده عن ربّه، أو لعدم قدرته على توصله للعلاج والثقة في المعالج فيصارع آلامه ومعاناته وحيدا. تتكالب عليه أفكار هلاوسية سلبية تشاؤمية وإحباطية لا يستطيع صدّ نزيفها أو إيقافها. فقده للإحساس بالحزن والفرح، مع فقده للنشاط وعجزه عن الحِراك، فيعيش نوبات مختلطة هوس مع أعراض اكتئاب حاد أو نوبة اكتئاب حاد مع أعراض هوس، وتتنازعه بعد فقد السيطرة محاولات الانتحار مرارا وتكرارا ليستسلم لها كخيارٍ أخيرٍ لا إراديا إنهاءً لمعاناته وألمه بعد اليأس ووصوله إلى أقصى درجات الألم هروبا من الواقع وتخلصا منه؛ لأنه رسّخ في قناعته أن لا أمل للعلاج وأنّ الحياة ليس لها أي معنى أو قيمة، ولا تستحق أن يحيا لأجلها.
إنّ نظرة المجتمع السّلبية للمصابين بالاكتئاب والاستهانة بمشاعرهم اللاإرادية، أو النظرة السّطحية والجهل عن مخاطره وخطورته اللاحقة إلى مراحل متقدمة وعواقب وخيمة. ما يجب تغييرها وإزالة التشوهات المعرفية والمفاهيم المغلوطة المنسوجة حولها وتصحيحها. فلا بُد أن يرفعَ المجتمع سقف وعيه وإدراكه بالصّحة النفسية، إلى جانب تعزيز وعيه حول تأثير الاكتئاب على الصّحة النفسية واستقامة الحياة. وتوفيره لمستلزمات الدعم العاطفي والإرشادي والاحتواء والاهتمام تخفيفا من لوعة الاكتئاب وتجفيفا لمنابعه، والمتابعة الدائمة للحالة والانتباه من وقوعها طريدة لتلك الأنماط من التفكير غير الصّحية وإخراجها من الدائرة المفرغة التي تعيشها. مع التشجيع على ممارسة الأنشطة والهوايات والرياضة وتمارين اليقظة الذهنية والتهدئة. ومتابعة التشخيص السليم مع طبيب نفسي مختص لأخذ أساليب وجلسات علاجية مناسبة للحالة. وإن استغرقت رحلة العلاج فترة طويلة، دون الإنهاء الذاتي للعلاج المقرر من الأدوية المضادة للاكتئاب وإن تماثلت الحالة للشفاء والتعافي؛ فالانتكاسة ستكون بعدها أقوى ويعيش في دوامة أكبر.
ويطول الحديث عن مرض الاكتئاب لانتشاره وخطورته اللاحقة، اكتئاب لبشاعته أَطَلَق عليه مُصابيه بشيطان الظهيرة والشبح والكلب الأسود والتنين وسرطان الرّوح، وبنظرهم أن "عكس الاكتئاب ليس الإحساس بالسعادة بل الإحساس بالأهمية".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأرصاد: انخفاض كبير في درجات الحرارة اليوم ونشاط للرياح يزيد الإحساس بالبرودة
كشفت الهيئة العامة للأرصاد الجوية، في أحدث تحديث لصور الأقمار الصناعية، عن استمرار الانخفاض الملحوظ في درجات الحرارة على مختلف أنحاء الجمهورية، وسط أجواء باردة في الساعات الأولى من اليوم وتميل إلى الاعتدال خلال فترات النهار قبل أن تعود للبرودة مرة أخرى مع حلول الليل.
وأكدت الهيئة أن نشاط الرياح المصاحب للحالة الجوية يزيد الإحساس ببرودة الطقس، ما يستدعي توخي الحذر وارتداء الملابس الشتوية المناسبة على مدار اليوم.
طقس بارد نهارًا وشديد البرودة ليلًاوأوضحت الهيئة أن الطقس السائد اليوم يتميز ببرودة واضحة خلال الصباح الباكر، بينما يكون معتدل الحرارة نسبيًا خلال ساعات النهار على القاهرة الكبرى ومحافظات الوجه البحري، مع توقع استمرار الشعور بالبرودة ليلًا بفعل نشاط الرياح التي تؤثر على الإحساس بدرجات الحرارة الفعلية.
وأشارت إلى أن القاهرة تسجل اليوم درجة حرارة عظمى تبلغ 20 درجة مئوية، بينما تصل الصغرى إلى 12 درجة، وهو ما يعكس أجواء شتوية مبكرة تستدعي مزيدًا من الحذر من التقلبات الجوية الطارئة.
تحذير عاجل للمواطنين ونداء بارتداء الملابس الشتويةوناشدت هيئة الأرصاد المواطنين ضرورة الالتزام بارتداء الملابس الشتوية الثقيلة، خاصة خلال فترات الليل والصباح الباكر، مع تجنب التعرض للرياح الباردة بشكل مباشر، وذلك للحفاظ على الصحة العامة وتجنب إصابات البرد.
وشددت الهيئة على أن نشاط الرياح المتوقع اليوم قد يؤدي إلى زيادة الإحساس بانخفاض الحرارة، مما يجعل الأجواء أبرد مما تسجله الأجهزة فعليًا.
درجات الحرارة المتوقعة على مختلف المحافظات اليوموأعلنت الهيئة تفاصيل درجات الحرارة العظمى والصغرى المتوقعة في عدد من المحافظات، مؤكدة أن الطقس يميل إلى البرودة في معظم الأنحاء، بينما يستمر أكثر دفئًا في الجنوب.
في القاهرة، تسجل العظمى 20 درجة والصغرى 12 درجة، بينما تشهد الإسكندرية أجواء مشابهة بدرجة عظمى تبلغ 21 درجة وصغرى 12 درجة. وفي مطروح، تتراوح الحرارة بين 20 درجة للعظمى و11 درجة للصغرى، وسط نشاط للرياح يزيد الشعور بالبرودة.
في محافظات الصعيد، تتباين درجات الحرارة بين الشمال والجنوب، حيث تسجل سوهاج 20 درجة للعظمى و7 درجات للصغرى، بينما ترتفع الحرارة قليلًا في قنا التي تسجل 23 درجة للعظمى و11 درجة للصغرى. أما أسوان، فتسجل أعلى درجة اليوم بعظمى 24 درجة وصغرى 13 درجة في ظل أجواء أكثر دفئًا مقارنة بالمناطق الشمالية.
الصورة العامة لحالة الطقس اليومتعكس التوقعات الجوية استمرار الأجواء الباردة في مختلف المحافظات، مع تفاوت درجات الحرارة بين الشمال والجنوب ونشاط رياح يزيد من الإحساس بالبرودة.
وتواصل هيئة الأرصاد توجيهاتها للمواطنين بضرورة الالتزام بالملابس الشتوية الثقيلة على مدار اليوم، خاصة في ظل برودة الليل وساعات الفجر الأولى، مؤكدة استمرار المتابعة الدقيقة للحالة الجوية وإصدار التنبيهات اللازمة للمواطنين فور حدوث أي تغييرات.