الخليج الجديد:
2025-05-21@16:44:16 GMT

عندما يشعر المواطن أن أموال الدولة ملك له!

تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT

عندما يشعر المواطن أن أموال الدولة ملك له!

عندما يشعر المواطن أن أموال الدولة ملك له

صندوق الثروة النرويجي هو أكبر وأهم صندوق سيادي في العالم، يبلغ حجمه 1.4 تريليون دولار.

أرسل نيكولاي تانجين موظفي الصندوق إلى المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة لشرح طبيعة المؤسسة المالية.

تفرض الحكومات العربية والأنظمة العربية حالة غموض شديدة على صناديقها السيادية ومؤسسات إدارة فوائض الأموال وتعتيم على أي أخبار متعلقة بها.

إن الصناديق السيادية في عرف بعض الحكومات العربية هي بمثابة "مؤسسات سرية مغلقة" وربما شركات خاصة لا علاقة للمواطن بها من قريب أو بعيد.

لماذا تستغرب الحكومات العربية عندما يخرج أحد ليسأل عن مصير الأموال داخل تلك الصناديق، وهل تؤول لموازنة الدولة، وما جدوى استفادة المواطن منها؟

مقابل شفافية رئيس الصندوق السيادي الترويجي لتعريف المواطن بما يحدث في إدارة فوائض الدولة تبقى الصناديق السيادية العربية صناديق سوداء لا يُعرف عنها شيء.

* * *

قبل شهور، التقى الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي النرويجي، نيكولاي تانجين، بعدد من مواطني النرويج في قاعة رئيسية داخل مقر الصندوق الواقع في العاصمة أوسلو.

كان اللقاء وديا وبسيطا للغاية وجاء عقب إطلاق تانجين خطة إصلاح شامل للصندوق كان من أبرز ملامحها التواصل مع الرأي العام للتأكد من أن المواطنين النرويجيين، المالكين الفعليين لصندوق الثورة، يفهمون طبيعة ما يحدث داخل المؤسسة المالية الأهم في العالم باعتبار أن تلك أموالهم وثرواتهم وليست أموال الدولة.

خلال اللقاء لم يركز الرجل فقط على شرح سياسة الصندوق المملوك للشعب النرويجي حيث يتولى إدارة الفوائض المالية لصادرات النرويج من النفط والغاز، بل تطرق أيضا إلى سيرته الشخصية وحياته العملية ومسيرته التعليمية وخبرات الفريق المعاون له، في محاولة لإقناع المواطن بأن أموال الصندوق الحكومي الضخم في يد مدراء محترفين لديهم خبرات دولية طويلة في إدارة الاستثمارات واقتناص الفرص الاستثمارية والصفقات.

لم يكتف تانجين بذلك بل أرسل موظفي الصندوق إلى المدارس والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة لشرح طبيعة المؤسسة المالية العملاقة وكيفية إدارة فوائضها المالية، والدول التي يوجد بها، وضمن حملة تواصله مع المواطنين بث مقابلات صوتية مع رؤساء تنفيذيين عالميين لديهم علاقة مباشرة بالصندوق، ودفع موظفي الصندوق إلى دائرة الضوء والخروج للشارع، لشرح ما يفعلونه للمواطن.

كما أجرى استطلاعات بين النرويجيين حول أداء الصندوق للوقوف على الصورة الذهنية وكيفية تحسينها والحصول على نتائج قد تساعد الإدارة في تحسين عوائده.

سبق تلك الخطوة عقد الصندوق أكثر من 3 آلاف اجتماع للشركات، والتصويت على نحو 120 ألف بند في الجمعيات العمومية.

وخلال حملة التعريف بصندوق الثروة خرج تانجين على النرويجيين قائلا: "نشعر بأنه ليس لدينا أي أسرار، لقد وفرنا المزيد من المعلومات عن الصندوق، في الماضي كان هناك أربعة أشخاص يمكنهم التحدث نيابة عن الصندوق، الآن يتحدث باسمه 575".

وصندوق الثروة النرويجي لمن لا يعرفه هو أكبر وأهم صندوق سيادي في العالم، يبلغ حجمه 1.4 تريليون دولار ويستثمر إيرادات الدولة النرويجية من إنتاج النفط والغاز.

ويملك 1.5% من الأسهم المدرجة في جميع أنحاء العالم، ولذا فهو أكبر مستثمر منفرد في أسواق الأوراق المالية الدولية. كما يستثمر في السندات والعقارات ومشروعات الطاقة المتجددة.

وللصندوق استثمارات في أكثر من 70 دولة، وأمس الثلاثاء أعلن الصندوق عن تحقيقه أرباحا تجاوزت 143 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يزيد عن احتياطيات الدول العربية غير النفطية مجتمعة. بل إن العائد على استثمارات الأسهم بلغ 13.7% خلال الفترة.

في مقابل تلك الشفافية التي حرص عليها رئيس أكبر صندوق سيادي لتعريف المواطن النرويجي بكل ما يحدث داخل مؤسسته التي تدير فوائض الدولة وليس المال الشخصي للأفراد، فإن معظم الصناديق السيادية العربية تظل بمثابة صناديق سوداء لا يعرف أحد عنها شيئا.

هل ربحت أم خسرت، كيف تستثمر أموالها، وما هي خريطة وجودها، هل تتم إدارة الأموال بشكل احترافي ومعايير استثمارية بحتة، أم طبقا لتعليمات فوقية ومعايير سياسية، أين تؤول إيراداتها، وما هي تفاصيل محافظها المالية، وهل تخضع لرقابة أجهزة الدولة، أم أنها خارج الرقابة، ما مؤهلات الإدارة العليا بها؟

تلك الأسئلة وغيرها قد لا تجد إجابة لدى القائمين على إدارة تلك الكيانات العملاقة في المستقبل القريب، في ظل فرض الحكومات والأنظمة العربية حالة غموض شديدة على صناديقها السيادية ومؤسسات إدارة فوائض الأموال وتعتيم على أي أخبار متعلقة بها.

بل إن الصناديق السيادية في عرف بعض الحكومات العربية هي بمثابة "مؤسسات سرية مغلقة" وربما شركات خاصة لا علاقة للمواطن بها من قريب أو بعيد.

ولذا تستغرب تلك الحكومات عندما يخرج أحد ليسأل عن مصير الأموال داخل تلك الصناديق، وهل تؤول لموازنة الدولة، وما جدوى استفادة المواطن منها؟

*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: النرويج الخليج الصناديق السيادية صناديق الثروة الخليجية صندوق الثروة النرويجي الصناديق الخاصة الحكومات العربية الأنظمة العربية النفط والغاز الصنادیق السیادیة

إقرأ أيضاً:

إدارة الفتنة.. لماذا تسعى إسرائيل لتلغيم خريطة الأقليات العربية؟

في كتابه "مهمة الموساد في جنوب السودان: 1969-1971″، يكشف ضابط الاستخبارات الإسرائيلي ديفيد بن عوزيل تفاصيل العمليات السرية التي نفذتها إسرائيل، لدعم متمردي حركة أنيانيا الجنوبية في السودان، إبان التمرد الذي شنه الجنوبيون في ستينيات القرن الماضي ضمن وقائع ما عُرفت لاحقا بـ"الحرب الأهلية السودانية الأولى".

ويوضح بن عوزيل، المعروف حركيا باسم "طرزان" في جهاز الاستخبارات، أن هذا الدعم شمل نقل أسلحة ومعدات اتصال متطورة إلى المتمردين، إضافة إلى تدريب مقاتلي الحركة على يد فريق من الضباط الإسرائيليين، كما امتد إلى التخطيط لتنفيذ عمليات تخريبية شملت تفجير الجسور وإغراق قوارب التموين، إلى جانب نصب كمائن استهدفت وحدات الجيش السوداني.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إسرائيل تُظهر للعالم أقبح وجوه الذكاء الاصطناعيlist 2 of 2قصة الهزيمة التي صنعت النصرend of list

يقدم الكتاب وقائع انفصال الجنوب السوداني في عام 2011 باعتباره نجاحا خاصة للموساد، وإنجازا لعملية إسرائيلية استمرت لعقود طويلة عمدت خلالها إسرائيل إلى دعم التمرد في جنوب السودان وبناء القوة العسكرية وحتى الاقتصادية للانفصاليين الجنوبيين.

أكثر من ذلك، في مقابلة لاحقة مع صحيفة يديعوت أحرونوت، أشار بن عوزيل إلى أن الغرض الأساسي من التحالف مع "أنيانيا" كان "استنزاف قدرات الخرطوم، ودفعها إلى تركيز قواتها جنوبًا، بعيدًا عن ساحات المواجهة العربية مع إسرائيل"، مما يعني أن ذلك الدعم كان في جوهره توظيفًا لأقلية عرقية واستخدامها أداةً ضغط على دولة عربية في المنطقة، وهو ما يعدّ تطبيقا مبكرًا لـ"عقيدة المحيط"، التي صاغها ديفيد بن غوريون ومستشاره إلياهو ساسون، في مطلع خمسينيات القرن الماضي.

إعلان أحزمة الفتنة

تقوم "عقيدة المحيط" على إستراتيجية مزدوجة تعتمد على تطويق المنطقة بحزامين من التوتر، يستهدف الأول تأزيم العلاقات بين الدول العربية وجيرانها الإقليميين (خاصة من الدول الإسلامية غير العربية)، مما يشغل هذه الدول بصراعات بعيدة عن إسرائيل ويستنزف مواردها في نزاعات جانبية.

أما الحزام الثاني، فيرتكز على توظيف أقليات الشرق الأوسط، خاصة في النطاق المحيط بفلسطين، عبر فصلهم عن مجتمعاتهم وربطهم بمعادلة الأمن الإسرائيلي، مما يدفعهم للتحالف مع تل أبيب، تحت ضغط المخاوف التي غذتها إسرائيل بنفسها منذ البداية.

هذا النهج لم يكن مجرد نظرية، بل خطة عملية تجسدت في بناء إسرائيل شبكة من التحالفات مع دول غير عربية، مثل تركيا وإثيوبيا وإيران خلال عهد الشاه في محاولة لعزل هذه الدول عن جيران إسرائيل العرب، فضلا عن دعم جماعات محلية مثل الأكراد في العراق، والدروز في سوريا، والموارنة في لبنان، وحركات التمرد في جنوب السودان ودارفور.

ولم يكن الهدف الفعلي هو دعم هذه الأقليات أو "تحريرها"، بل تحويلها إلى أدوات تخدم المصالح الإسرائيلية عبر شعارات وعناوين برّاقة.

كان السودان هو المثال الأوضح لتطبيق هذه السياسة، ودفع ثمنها على المدى الطويل، حيث دعمت إسرائيل متمردي أنيانيا بالأسلحة والتدريب، بغية استنزاف السودان وتشتيت موارده في نزاع ممتد.

وحينما حصل جنوب السودان على استقلاله عام 2011، لم يجلب هذا الاستقلال استقرارًا، إذ سرعان ما انزلقت البلاد في حرب أهلية جديدة عام 2013، وهي نتيجة طبيعية لإرث الصراع والتسلح الذي تمت تغذيته لعقود طويلة.

فوفقًا لدراسة صادرة عن مشروع "مسح الأسلحة الصغيرة" (Small Arms Survey)، وهو مؤسسة دولية معنية بدراسة انتشار الأسلحة الخفيفة وتأثيرها في مناطق النزاع، أدى تدفق الأسلحة الخارجية إلى أنيانيا خلال الحرب الأهلية الأولى إلى تراكم ترسانة عسكرية ضخمة، استمرت في تغذية دوامة العنف لفترة طويلة لاحقة.

إعلان

يتقاطع ذلك مع رؤية المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، التي أشار إليها في موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية"، حيث لفت إلى أن "المشروع الصهيوني" يستند إلى ركيزتين أساسيتين، الأولى "البلقنة"، أي تفكيك الدول العربية إلى كيانات صغيرة متصارعة، والثانية ربط المصالح الاقتصادية لهذه الدول، وخاصة المجاورة، بالاقتصاد الإسرائيلي، بما يضمن تبعيتها واستمرار نفوذ تل أبيب عليها.

بناءً على هذا، يرى المسيري أن العالم العربي تم تقسيمه من قبل إسرائيل إلى أربع دوائر جيوسياسية، مع تحديد آلية التعامل مع كل منها، بغرض ضمان هيمنة إسرائيل الإقليمية. ففي الدائرة الأولى منطقة الهلال الخصيب، حيث سوريا والعراق والأردن، تعمل إسرائيل على تقسيم سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية: دولة علوية على الساحل، وأخرى سنية في حلب، وثالثة سنية معادية لها في دمشق، ورابعة درزية في حوران والجولان.

أما العراق، فيقُسّم في الرؤية الإسرائيلية إلى دولة شيعية في الجنوب حول البصرة، وسنية حول بغداد، وكردية في الشمال حول الموصل، مع الحرص على ألا تتحول الثروة النفطية إلى تهديد لأمن إسرائيل. لبنان بدوره خُطّط أيضًا لتقسيمه إلى خمس مناطق طائفية: درزية في الشوف، ومارونية في كسروان، وشيعية في الجنوب والبقاع، وسنيّتين في طرابلس وبيروت.

الدائرة الثانية تضم مصر والسودان، حيث تسعى إسرائيل إلى زعزعة مكانة مصر في قيادة العالم العربي، عبر إذكاء التوترات الطائفية، وتقويض الدولة المركزية، ودفع البلاد نحو التفكك إلى كيانات هشة بلا سلطة موحدة.

كما أن فصل جنوب السودان عن شماله حوّله إلى نقطة ضعف إستراتيجية على خاصرة مصر، بحسب رؤية المسيري. بعد ذلك تأتي الدائرة الثالثة التي تضم دول الخليج العربية والدائرة الرابعة وتحوي دول المغرب العربي وكلاهما ترغب إسرائيل في تحييدها بشكل دائم عن دائرة الصراع.

إعلان من جوبا إلى السويداء

وبعد أكثر من نصف قرن من تسليح أقليات جنوب السودان، تعود "عقيدة المحيط" إلى الواجهة، مع دخول دروز الجنوب السوري إلى دائرة الأضواء الإسرائيلية حيث تستخدمهم دولة الاحتلال الإسرائيلي أداةً للضغط على النظام الجديد في سوريا وذريعة لتوسيع عملياتها العسكرية في البلاد بدعوى "حماية الدروز".

وعلى عكس الصورة النمطية؛ لا يعدّ الدروز جماعة موحدة أو كتلة متجانسة، فهم مجموعات متعددة تختلف في رؤاها السياسية وتوجهاتها، فبعضهم يدعم التحالف مع إسرائيل، بحثًا عن حماية أو مصالح خاصة، بينما يرفض آخرون هذا النهج ويفضلون الاندماج في إطار الدولة التي يعيشون فيها.

هذا التباين في المواقف لم يغب عن حسابات إسرائيل التي سعت إلى استغلاله منذ وقت مبكر، ففي عام 1948، أنشأ جيش الاحتلال "كتيبة السيف"، وهي وحدة مشاة خفيفة ضمت جنودًا من الأقليات، كان معظمهم من الدروز، إلى جانب مجندين من القبائل البدوية والشركس والمسيحيين. عُرفت هذه الوحدة لاحقًا باسم "وحدة الأقليات" في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكانت منفصلة عن الهيكل العسكري الأساسي. وكان للدروز وضع فريد من نوعه، فقد خضعوا لتجنيد إجباري، بشكل مشابه لتجنيد اليهود، بينما سُمح للأقليات الأخرى بالانضمام طواعية.

ومع مرور الوقت، انتقلت إسرائيل من سياسة الفصل إلى الدمج التدريجي، خاصةً مع الدروز الذين أصبحوا جزءا من الجيش الإسرائيلي، بعد إغلاق وحدة الأقليات عام 2015، خلال فترة رئيس الأركان غادي آيزنكوت.

لكن تلك السياسة أثبتت نجاحها مع الدروز أكثر من غيرهم، حيث ظلت الأقليات الأخرى تواجه فحوصات أمنية مشددة وعراقيل مؤسسية، تحدّ من ترقية أفرادها في المؤسسات العسكرية والأمنية، بسبب أزمة ثقة مستمرة تتعلق بولائهم.

ورغم هذا "الاندماج العسكري"، ظلت النظرة الإسرائيلية إلى الدروز قائمة باعتبارهم أداة قابلة للتوظيف ضمن إطار "عقيدة المحيط".

إعلان

يتضح ذلك في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، التي دعا خلالها إلى "بناء تحالفات مع الأقليات الأخرى" في المنطقة، باعتبار أن إسرائيل ستبقى دائمًا أقلية في محيطها، وخص ساعر بالذكر الدروز والأكراد في سوريا، واعتبرهم حصنا منيعًا في مواجهة الأغلبية العربية السنية التي هللت، بحسب وصفه، عندما اخترقت المقاومة الفلسطينية الحدود الإسرائيلية مع غزة، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ينسجم هذا مع تحليل دان ديكر، الباحث في مركز القدس للشؤون العامة، الذي طالب المسؤولين في دولة الاحتلال الإسرائيلي ببناء شبكة تحالفات إقليمية تمتد من شمال غرب إفريقيا إلى إيران، قائمة على التعاون مع الأقليات مثل الأذريين، والبربر، والشركس، والأكراد، والإزيديين.

ويرى ديكر أن هذه الأقليات، التي يزيد تعدادها عن 100 مليون نسمة، تشكل ركائز محتملة لنفوذ إسرائيلي واسع في منطقة تتسم بهشاشة الدول المركزية التي تحتضنها.

وفي وقت لاحق، تزامنا وسقوط نظام بشار الأسد، كشف ساعر عن اتصاله المباشر مع الأقليات في سوريا، مشددًا على أن إسرائيل، كأقلية إقليمية، تحتاج إلى بناء تحالفات مع الأقليات الأخرى في المنطقة لحماية مصالحها، وخصّ بالذكر الأكراد والدروز، مشيرًا إلى أن الأكراد يفتقرون إلى الاستقلال السياسي، رغم تمتعهم بحكم ذاتي جزئي في سوريا والعراق.

امرأة درزية تُدلي بصوتها في الانتخابات البرلمانية في مركز اقتراع بقرية المغار العربية الدرزية شمال إسرائيل، 22 يناير/كانون الثاني 2013. (رويترز)

وفي مايو/أيار الجاري، صعّد ساعر خطابه؛ داعيًا المجتمع الدولي إلى حماية الأقلية الدرزية في سوريا، محذرًا من "عصابات الإرهاب" التابعة للنظام السوري التي تستهدفهم، بما يعكس تزايد الاهتمام الإسرائيلي بتوظيف الأقليات كأوراق ضغط إقليمية، وهو توجه يعزز نفوذ تل أبيب في مناطق الهشاشة والفراغ السياسي.

إعلان

تزامن ذلك وشنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة من الضربات على البنية العسكرية السورية، تحت ذريعة حماية الأقلية الدرزية، وهي سردية استخدمتها إسرائيل طوال الأشهر التي تلت سقوط نظام الأسد، في تبرير تدخلها العسكري في سوريا ومحاولتها إجهاض قدرة النظام الجديد.

ورغم أن بعض الأصوات الدرزية في سوريا تميل إلى تأييد رواية إسرائيل بشأن حماية الدروز، فإن هذه الأصوات تبقى هامشية مقارنة بغالبية الدروز في سوريا ولبنان، الذين يرفضون هذا التدخل ويرون فيه مصدرًا لتوتر متصاعد بين الدروز وبقية السوريين، مما يهدد بإشعال صراع داخلي في الطائفة الدرزية نفسها، ويهدد النسيج الطوائفي السوري بشكل أوسع.

وصفة الفوضى تتكرر

هكذا ينتقل الدعم الإسرائيلي نفسه من أدغال جوبا إلى جبال السويداء، حاملًا معه الوصفة ذاتها: استنزاف الدول المركزية وتحويل الأقليات إلى بيادق في لعبة أكبر، حتى لو تغيّر اللاعبون وتبدلت خرائط الصراع.

بيد أن هذا أثار أسئلة عدة داخل المجموعات الدرزية في السويداء، أهمها يتعلق بمدى الثقة في التحالف مع إسرائيل، فإذا ما كانت الجغرافيا تفصل الدروز عن جوبا، فالتجربة اللبنانية تلوح أمامهم كتحذير واضح، فقد تحالفت المليشيات المسيحية مع تل أبيب لكنها انتهت إلى الانهيار أو النزوح، بمجرد أن غيَّرت إسرائيل أولوياتها.

كانت البداية في مايو/أيار 1976، عندما سلّحت إسرائيل مليشيات الجبهة اللبنانية وزوّدتها بالمستشارين العسكريين، بغرض تحويلها إلى خط دفاع أول في وجه الفصائل الفلسطينية. وسرعان ما برزت "القوات اللبنانية" بقيادة بشير الجميّل كنموذج لتحالف مصلحة بين تل أبيب والأقلية المارونية، مقابل تعهّد الأخيرة بحماية الحدود الشمالية لإسرائيل.

تلا ذلك تأسيس جيش لبنان الجنوبي عام 1978، وهو قوّة مسيحية مارونية خالصة تلقت تدريبًا وتسليحًا إسرائيليًّا كثيفًا وعملت ذراعًا ميدانية لتل أبيب في قتال منظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقًا في قتال حزب الله. لكن مع انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في مايو/أيار 2000، انهار الجيش الجنوبي وفرّ كثير من أعضائه إلى إسرائيل.

إعلان

تفتح هذه الوقائع نقاشًا داخليًّا بين الدروز، فالتحالف مع قوى خارجية قد يوفّر سلاحًا وحماية لحظية، لكنه يترك الأقليات مكشوفةً أمام تقلبات المزاج السياسي في تل أبيب ومن خلفها واشنطن. ويزيد هذا القلق مع توجه الإدارة الأميركية إلى خفض وجودها العسكري في سوريا.

فإذا تركت الولايات المتحدة المنطقة بعد استقطاب الدروز من قبل إسرائيل وفصلهم عن نسيجهم السوري، فسوف يجد هؤلاء أنفسهم أمام خياريْن كلاهما مُرّ، إما البقاء "كتيبة" تحت إمرة الجيش الإسرائيلي وحمايته، أو ترك أوطانهم والنزوح إلى الجليل الأعلى داخل الحدود الإسرائيلية الحالية.

وبشكلٍ مماثل، تضيف التجربة الكردية عِبرةً أخرى، فقد دعمت إسرائيل البشمركة الكردية بالسلاح والتدريب بين عامي 1961 و1970، أثناء الحرب العراقية الكردية الأولى وما بعدها، لكن هذا التحالف انتهى فعليا عام 1975، عقب توقيع "اتفاقية الجزائر" بين العراق وإيران، وتعهد الأخيرة بوقف الإمدادات عن الأكراد.

واليوم يعاد رسم اللوحة، فقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تحالفت أمنيًّا مع واشنطن، سارعت إلى البحث عن غطاء إسرائيلي في مواجهة تقارب دمشق وأنقرة بعد سقوط نظام الأسد، في حين تلمّح سفيرة الإدارة الذاتية الكردية إلهام أحمد إلى أن "أمن سوريا يحتاج مشاركة إسرائيل".

غير أن الاتفاق الذي أُبرم في مارس/آذار الماضي بين الحكومة السورية وبين قوات سوريا الديمقراطية ربما يقطع الطريق -ولو مؤقتا- أمام لعب إسرائيل بالورقة الكردية في سوريا، خاصة مع اتجاه إدارة ترامب للرهان على الحكومة السورية الجديدة ورفع العقوبات عنها، وهو ما يعني التخلي عن تحالفها المستقل مع الأكراد.

لكن ذلك لا يعني أن "عقيدة المحيط" الإسرائيلية سوف تخفت في وقت قريب. فلا تزال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تتقاطر حول ضرورة "حماية الدروز والمسيحيين" في ضواحي دمشق، بالتوازي مع غارات جوية متكررة على البنية العسكرية السورية بذريعة توفير هذه الحماية.

إعلان

لكن التاريخ يُظهر أن مثل هذه التدخلات كثيرًا ما أدت إلى تحوّل الصراع المحلي إلى حرب إقليمية تدفع ثمنها أولا الأقلية التي يتم توظيفها.

هكذا تُعاد الحلقة: وعدٌ بالحماية، يليه تصعيدٌ طائفي وتدفّق سلاح، ثم خذلان عند أوّل منعطف جيوسياسي. في غضون ذلك، لا تستنكف إسرائيل على ما يبدو أن تستنسخ سياساتها القديمة ذاتها مع أقلية جديدة في ساحة حرب جديدة، تاركةً السؤال ذاته مفتوحًا: كم مرة من التكرار يحتاج التاريخ، كي يقنع الضحايا بأن بندقية الحليف الإسرائيلي مؤقتة وأنها لا تخدم إلا مصالحه؟

مقالات مشابهة

  • داكر عبد اللاه: تصريحات الرئيس السيسي تؤكد العمل لتحسين معيشة المواطن
  • مجلس إدارة «إم بي سي» يوصي بعدم توزيع أرباح نقدية لعام 2024 لدعم توسعاتها المالية
  • نائب وزير المالية يبحث مع رئيس مجلس إدارة «إتش إس بي سي» المواضيع ذات الاهتمام المشترك
  • ملتزم منذ انتقاله للزمالك.. إعلامي يكشف: لهذا السبب يشعر عبد الله السعيد بالإهانة
  • برلمانية: مشروعات الصندوق تعكس رؤية الدولة لتحقيق تنمية عادلة وشاملة
  • وزيرة المالية: قانون التمويل والسيولة تم الانتهاء منه وقانون الصكوك الحكومية سينجز قريباً
  • حزب طالباني:تأخر تشكيل حكومة الإقليم بسبب تمسك حزب بارزاني بالمناصب السيادية
  • الصناديق تُقفل محاكم بيروت
  • إدارة الفتنة.. لماذا تسعى إسرائيل لتلغيم خريطة الأقليات العربية؟
  • برلمانية: الموازنة الجديدة تؤكد التزام الدولة بحماية المواطن