عدنا منتصرين ومفتاح “الشرق الأوسط” بيدنا
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
وعادت البلابل تغرد في صباحات الجنوب. عاد الحسون يعزف في الحقول لحن الحياة على وقع زغردات جراح الأحبة. عاد أهل الجنوب والضاحية والبقاع كزيتون تشارين مظفرين مكللين بغار النصر. بالأمس كان موعدهم مع فجر جديد، بعودتهم إلى مدنهم وقراهم مع أهازيج الصباح، صاح التراب، راح يحدثهم ويقص عليهم أساطير أبنائهم المقاومين الذين تجذروا في الأرض وما تركوها.
سبعون يومًا وما يزيد وعيونهم تشخص على الميدان. قلوبهم بقيت هناك مع فلذات أكبادهم. دعاؤهم لأهل الثغور ما بارح أرواحهم المعلّقة بإله السموات وملائكته على الأرض التي تقاتل عتاتها. شبانهم بدلوا الأحرف فخاضوا مع سيدهم وفي غيابه غمار الحرب بدل البحر وما بدلوا تبديلاً. خبروا هول ويلاتها وأناتها ومآسيها. وصدى بطولاتهم شاهدها العائدون، ما سمعوا، بل رأوها بأم أعينهم عند كل مفترق وكل بيت مهدم. كلها تحوّلت إلى معالم بطولة وأيقونات انتصار.
هنا يفوح عبق الشهادة، وهناك تحكي رائحة البارود عن مواجهة ساخنة سطرها المقاومون من مسافة صفر ببنادقهم وزخات رصاصهم. التحموا بصدورهم يوم طعنوا من خلف ظهورهم ويوم غدروا في نحورهم.. قلة قليلة باعت جماجمها لله ما غرّتها الدنيا ولا أرهبتها كثرة الأعداء، ولا خشيت من هول بطش العدو وإجرامه. قامت ثائرة لإعلاء الحق وإسناد المظلومين. مجاهدون أبطال استبسلوا وساعة أطبقت عليهم الأرض والسماء خرجوا من تحت الركام، نفضوا غبار صواريخ الطائرات المدمرة عنهم، وأكملوا نهجهم. استشهاديون قاتلوا ببطولة وشرف ولم يتراجعوا وزفوا شهيدًا تلو الشهيد، وما رفعوا الأيادي ولا الرايات البيض، حتى حققوا حلم النصر الموعود.
لم يترك العائدون الجنوب وحده، أرواحهم كانت هناك. كيف لا وهو أمانة بين أيدي مقاومين لا يخونون الأرض والعرض.. تاريخهم، أداؤهم أخلاقهم، ملامح وجوههم، كل ما فيهم يشهد أن النصر معقود على أجبنتِهم، وأن الأرض تطوى لهم وهم يسطرون الملاحم الخيبرية والكربلائية ويصدون جحافل الأعداء مبدِّدين بسواعدهم قرنًا من الاحتلال والاستعمار.. هم لا يقاتلون عن مارون وبنت جبيل والخيام، بل يقاتلون نيابة عن أمة كاملة، “مفتاح الشرق الأوسط بأيديهم”، هكذا يصِف أحد آباء الشهداء المشهد، وهو يعزي ويواسي رفيق دربه باستشهاد شهيده الثاني.
أما أحاديث البطولات فحدث ولا حرج.. معالم الأرض تخبرك عن ملاحمهم، كيف صدوا العدو هنا وهناك. وحين تلتقي أحدهم يخبرك بحياء والغصة تكاد تخنقه، لأنه لم يلتحق بركب رفاقه الشهداء. يحدثك عن بطولاتهم وتضحياتهم، عن حالة الإيمان التي حلت عليهم وعن الثبات والإقدام. يقول: كانوا استشهاديين، ويؤكد أنهم لم يكونوا وحدهم، بل كان الله معهم وملائكته تقاتل إلى جانبهم، مستشهدًا بإحدى المعارك الكبرى التي قتل وجرح فيها العشرات من جنود العدو، ولم يعلم أحد كيف حصلت وما الذي حصل فيها.
في طريق العائدين إلى الجنوب كان الجيش اللبناني حاضرًا، يوجه الناس ويوزع عليهم منشورات “لا تقترب لا تلمس”، جنوده يهنئون الناس بعودتهم سالمين، وينصحونهم بعدم الاقتراب من مناطق التماس، حرصًا على حيواتهم. هؤلاء هم جنود الجيش اللبناني، أبناء الأرض من طينة المجاهدين. هم أبناء النازحين. هم بندقيتهم يحملونها، وشرعيتها من مهمتها حماية أهل الجنوب، فلا يحلمن مبغض أو معادٍ بأن الجيش سيغير عقيدته، وسينقل البارودة من الكتف الموجه نحو صدر العدو إلى الكتف الذي يطعن ظهر شعبه ومقاومته.
في الطريق إلى الجنوب يتراءى حجم إجرام العدو، وتبرز شواهد انتقامه من المقاومين بتدمير بيوت أهلهم وبيئتهم الحاضنة. تسير فترى الدمار وأكوام الركام شاهدةً على جنبات الطريق في دير قانون ومعروب وصريفا، وكل القرى. لكنك ما إن تصل إلى القرى الأمامية حتى تكتشف أن العدو مارس فيها حرب إبادة. فجر قرى بأكملها، غيّر معالمها بالكامل، وبلغ به الحقد حدَّ جرف المقابر في عيناثا وعيترون وسواها، وتدنيس المساجد والكنائس. خرّب، أحرق، سرق مرتزقته البيوت، انتقموا حتى من صور الشهداء ومن وصاياهم أو ما تبقى من إرثهم، كما جرى في منزل أهل أحد الشهداء، وفقما تروي والدته.
من يعاين حجم الإجرام والإرهاب الذي مارسه جيش العدو يعلم، أن ما حققه المجاهدون كان نصرًا عظيمًا جدًا، وأنه لولاهم لتحوّل لبنان كله إلى مرتع لهم، يستبيحون سيادته في أي وقت، ويسرحون ويمرحون في مدنه وقراه دون رادع أو وازع، فأهل الجنوب كانوا يذوقون دومًا مرارة العدوان والتهجير، ولم يكن ثمة دولة تحميهم، لكنهم باتوا اليوم كلهم مقاومين. باتوا عائلة واحدة تخرج المجاهدين وتزف الشهداء، فلم يخل بيت من شهيد. الكل هنا صار أباً لشهيد أو أخاً لشهيد أو عماً لشهيد أو خالاً لشهيد.. أما المقابر فراحت تتباهى باستقبال الوافدين إليها.. وأي قطعة أرض خصها الباري لتتبارك بعطر الشهداء وتحتضن العدد الغفير منهم.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
في ستينية “المجاهد”.. وزير الاتصال يشيد بدور الإعلام الوطني في الحفاظ على أمانة الشهداء
أشاد وزير الاتصال, محمد مزيان, مساء اليوم الخميس بالجزائر العاصمة, بالدور الذي لعبه الإعلام الوطني من أجل الحفاظ على أمانة الشهداء, مذكّراً بجريدة “المجاهد” التي تحتفل هذه الأيام بالذكرى الستين لتأسيسها .
وفي كلمته خلال الاحتفالية التي احتضنها قصر الثقافة “مفدي زكريا”، قال الوزير “لا يخفى على أحد الدور الذي لعبه الاعلام الوطني والتضحيات الجسام التي قدمها في سبيل الحفاظ على أمانة الشهداء”, مشيرا الى أن جريدة المجاهد “كانت ولا تزال رافدا من روافد الاعلام الوطني الذي يلعب الدور الرائد في تنوير الرأي العام من خلال تقديم محتوى إعلامي هادف ومسؤول”.
واعتبر هذه الذكرى فرصة لاستحضار “إحدى المحطات الرئيسية والمؤسسة في المنظومة الإعلامية الوطنية، والتي اعتبرت حينها لبنة من لبنات بناء صرح إعلامي يتماشى والطموحات التنموية التي كانت تصبو اليها المجموعة الوطنية, ثلاث سنوات فقط بعد نيل الاستقلال”.
كما لفت إلى أنها تعد أيضا فرصة تعيد إلى الأذهان “المناخ المفعم بالأمل والطموح الذي ولد فيه هذا المشروع الافتتاحي، والذي لازال إلى يومنا هذا يذكر الأجيال أن إعلامنا ولد من رحم المقاومة من أجل الدفاع عن قيم الحرية والسيادة”.
وأضاف مزيان بأن يومية “المجاهد” واصلت مسيرتها الإعلامية من خلال “عملها الدؤوب في مرافقة الدبلوماسية الجزائرية عبر العالم ومساندة حركات التحرر في افريقيا, مشكلة بذلك أرشيفا ثريا ومتنوعا لتلك الحقبة التاريخية الهامة ولا يزال ينير درب الصحفيين الشباب في المرحلة الراهنة”.
من جهته, أوضح الرئيس المدير العام ليومية المجاهد, ابراهيم تاخروبت, أن إحياء هذه الذكرى يتم “بروح تصبو إلى إحياء شعلة التضامن والالتزام”، مضيفا بأنه “في زمن التحول الرقمي, أطلقت الجريدة منصتها المتعددة الوسائط وهي تسعى لفرض وجودها على الساحة الإعلامية”.
للإشارة, جرت هذه الاحتفالية بحضور وزير المجاهدين وذوي الحقوق, العيد ربيقة, إلى جانب الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية, سمير عقون, مدراء مؤسسات إعلامية وطنية وممثلي عدة منظمات و هيئات وطنية.
وبالمناسبة, تم عرض فيلم وثائقي يسرد مسار يومية “المجاهد” على مدار ستين سنة, تبع بتكريم الرواد الأوائل ممن صنعوا مجدها وكذا المدراء الذين تعاقبوا على تسييرها.