تناولت صحف عالمية في إطار تغطيتها لتطورات الوضع في سوريا تداعيات سقوط نظام بشار الأسد، وكيف استغلت إسرائيل الفوضى لتحقيق مصالحها الإستراتيجية، في وقت يكافح فيه السوريون للتعافي من عقود من القمع والمعاناة.

ففي صحيفة ليبيراسيون، وُصف سقوط نظام الأسد بأنه نهاية لعقود من الدكتاتورية والقمع الدموي لعائلة حكمت سوريا بالترهيب.

وأشارت الصحيفة إلى أن بشار الأسد سار على خطى والده، حافظ الأسد، في إقامة حكمه على القمع الوحشي وكتم كل أصوات المعارضة، مما أدى إلى معاناة شعبية امتدت لعقود طويلة.

أما صحيفة وول ستريت جورنال، فقد سلطت الضوء على استغلال إسرائيل للوضع في سوريا عقب سقوط النظام، حيث سيطرت على المنطقة العازلة على الحدود.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري إسرائيلي سابق قوله إن بقاء القوات الإسرائيلية في تلك المناطق قد يطول، رغم تصريحات رسمية بأنها خطوة مؤقتة، مشيرا إلى أن الشتاء سيتطلب إنشاء بنية تحتية في المناطق الجبلية التي تم الاستيلاء عليها.

ألم وصدمة

وفي الغارديان، رصد تقرير مشاهد مؤلمة عند سجن صيدنايا الشهير، حيث توجه آلاف السوريين إلى السجن بحثا عن أقاربهم المفقودين.

ووصف التقرير حالة الصدمة التي أصابت الزوار بسبب البنية المعقدة للسجن والظروف القاسية التي عاشها السجناء، الذين قضى كثير منهم سنوات في غياهب هذا المكان.

إعلان

بدورها، تناولت صحيفة إندبندنت الضربات الأميركية التي استهدفت مواقع لتنظيم الدولة بعد الإطاحة بالأسد مباشرة.

واعتبرت الصحيفة أن هذه العمليات تعكس القلق الغربي من عودة نشاط الجماعات الإرهابية المتطرفة في ظل الفوضى، في وقت يحاول فيه السوريون بناء بلدهم من جديد بعد عقود من الدمار.

وفي مجلة فورين أفيرز، نُشر مقال يربط سقوط نظام الأسد بالصراعات الإقليمية الأخرى، مشيرا إلى أن هذا الحدث يعكس مدى تشابك الأزمات في المنطقة.

واعتبر المقال أن إهمال الصراعات الممتدة، مثل الصراع السوري، يؤدي إلى تصدعات جديدة، كما أظهرت أحداث أخرى في المنطقة مثل هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الأخير، حيث اتضح أثر سياسة تجاهل الحلول الجذرية للصراعات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

سوريا وإسرائيل.. من القطيعة إلى التواصل المشروط.. ورقة تحليلية

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت ورقةً تقديرية بعنوان: "محددات الموقف السوري من العلاقة مع إسرائيل"، وذلك في ظلّ تصاعد الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية حول ما يُشاع مؤخراً عن وجود اتصالات سرّية بين السلطات السورية الجديدة و"إسرائيل". وتأتي هذه الورقة في توقيت حسّاس، خاصةً بعد التصريحات اللافتة للرئيس السوري أحمد الشرع، التي أشار فيها إلى وجود "أعداء مشتركين" بين سوريا و"إسرائيل"، مما أثار تساؤلات عميقة حول التحولات الممكنة في السياسة السورية الخارجية.

وقد أعدّ هذه الورقة الباحث والكاتب الفلسطيني عاطف الجولاني، مقدّماً قراءة تحليلية معمقة لأبرز محددات هذا التحول، ومؤشرات الانفتاح المحتمل، إلى جانب استشراف التوجهات المستقبلية للعلاقة بين الطرفين.

"عربي21" تعرض أهم ما جاء في هذه الورقة:

تزايدت المؤشرات خلال الشهرين الأخيرين إلى حصول تغيّر مهم على موقف القيادة السورية الجديدة من العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، حيث أظهرت المزيد من المرونة السياسية والرغبة بالتهدئة وتجنّب العلاقات العدائية، كما عبّرت عن الاستعداد لإجراء تواصلات بين الطرفين. الأمر الذي يطرح التساؤلات حول دوافع التغيّر في موقف القيادة السورية ومحددات سلوكها المستقبلي في إدارة العلاقة مع الكيان الصهيوني.

أولاً ـ محددات الموقف السوري:

يمكن الوقوف على مجموعة محدّدات تؤثر في موقف القيادة السورية لإدارة علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي، ومن أبرزها:

‌أ ـ محددات داخلية من أهمها:

1 ـ  التوجهات الأيديولوجية للقيادة الجديدة، وإرث المواقف الفكرية والسياسية السابقة للرئيس السوري أحمد الشرع ولحركة أحرار الشام، ذات الخلفية الإسلامية الجهادية.

2 ـ  تأثير العامل الأمني، ورغبة القيادة السورية بتحقيق الاستقرار وتثبيت أركان النظام السياسي الجديد، في ظلّ تحديات داخلية وخارجية صعبة تهدّد الوضع الأمني.

3 ـ  الموقف التقليدي للشعب السوري الداعم للقضية الفلسطينية، والرافض للعلاقة مع الكيان الصهيوني.

4 ـ  إرث الموقف المتشدد للنظام السوري السابق في العلاقة مع “إسرائيل”، والرافض لتطبيع العلاقات معها، على مدى عقود على الرغم من الضغوط والإغراءات.

5 ـ  الرغبة القوية للقيادة السورية برفع العقوبات الاقتصادية ومواجهة الأعباء الناجمة عن التركة الثقيلة لحالة الانهيار الاقتصادي، وتسريع عملية إعادة الإعمار.

6 ـ  رغبة القيادة السورية بقطع الطريق على استثمار الجانب الإسرائيلي لملف الأقليات في زعزعة حالة الاستقرار الداخلي.

‌ب ـ محددات خارجية من أهمها:

1 ـ  توجهات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهدئة بؤر التوتر في المنطقة، وتعزيز مسار التطبيع العربي الإسرائيلي بما يشمل العلاقات السورية الإسرائيلية، وقطع الطريق على النفوذ الإيراني والروسي في سورية.

2 ـ  تأثير تركيا القوي في خيارات القيادة السورية الجديدة بخصوص إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، والرغبة التركية بتعزيز شرعية القيادة السورية إقليمياً ودولياً كحليف سياسي رئيس في المنطقة.

3 ـ  السلوك الإسرائيلي المندفع عسكرياً في سورية والمنطقة واحتلالها مناطق جديدة داخل الأراضي السورية، ورغبة القيادة السورية الجديدة بتجنّب الصدام العسكري مع "إسرائيل" لصالح الأولويات السياسية والأمنية والاقتصادية الداخلية.

على الرغم من المؤشرات إلى عدم توفّر رغبة ذاتية لدى القيادة السورية للانفتاح على الجانب الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه، وذلك بتأثير توجهاتها الأيديولوجية السابقة وضغط الموقف الشعبي التقليدي المؤيد للقضية الفلسطينية والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنّ المواقف التي صدرت عن القيادة السورية مؤخراً ترجّح احتمالات توجّهها للتعامل مع خيار الانفتاح الجزئي المحسوب مع الجانب الإسرائيلي4 ـ  مسار التطبيع العربي الإسرائيلي وجهود بعض الأطراف الخليجية المنخرطة في مسار التطبيع للتأثير في توجهات النظام السوري باتجاه الانفتاح على الجانب الإسرائيلي.

ثانياً ـ مؤشرات التغيّر في الموقف السوري الرسمي:

تزايدت المؤشرات خلال الأسابيع الأخيرة إلى تغيّر ملحوظ طرأ على الموقف السوري في إدارة ملف العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، ومن أبرزها:

ـ في 18/4/2025، التقى عضو مجلس الكونجرس الأمريكي كوري ميلز الرئيس السوري في دمشق. وقال ميلز إنّ أحمد الشرع أبدى انفتاحاً على تحسين العلاقات مع "إسرائيل"، وبأن سورية مهتمة بالانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" حين تتوفر الظروف المناسبة لذلك. كما التقى عضو مجلس الكونجرس مارلين ستوتزمان الرئيس الشرع في 21/4/2025. وتحدث ستوتزمان عن رغبة الشرع بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” وبأن ذلك مرهون بشروط أبرزها ضمان سيادة سورية ووحدة أراضيها. ونقلت شبكة الجزيرة عن مصدر سوري قوله إن لقاء الشرع مع ميلز تطرق لمواضيع عديدة منها "اتفاقيات أبراهام"، مضيفاً أنّ الشرع أكّد على ضرورة توقّف “إسرائيل” عن قصف سورية والانسحاب من الجولان قبل الحديث عن أي اتفاقيات.

ـ في 16/5/2025، نقلت شبكة سي أن أن الإخبارية عن مصدر إسرائيلي قوله إنّ محادثات مباشرة أجريت في أذربيجان بين الجانب الإسرائيلي والنظام السوري الجديد شارك فيها رئيس هيئة العمليات في الجيش الإسرائيلي عوديد بسيوق وممثلون عن الحكومة السورية، بحضور مسؤولين أتراك.

ـ عقب لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس في 7/5/2025، أكّد الرئيس السوري أن بلاده تُجري مفاوضات غير مباشرة مع "إسرائيل"، عبر وسطاء، لتهدئة الأوضاع ومحاولة امتصاص الوضع كي لا تصل الأمور إلى حدٍّ يفقد الطرفان السيطرة عليه.

ـ في 7/5/2025 أيضاً، قالت وكالة رويترز إنّ الإمارات أنشأت قناة اتصال خلفية للمحادثات بين "إسرائيل" وسورية، وإنّ المحادثات غير المباشرة تركّز على القضايا الأمنية والاستخباراتية وبناء الثقة بين البلدين. وأشارت إلى أنّ هذه الجهود بدأت بعد أيام قليلة من زيارة الشرع للإمارات في 13/4/2025.

ـ في 18/5/2025، أعلنت "إسرائيل" أنّها استعادت مجموعة وثائق وصور وممتلكات شخصية تعود للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، وقالت إن جهاز الموساد تعاون مع جهاز استخبارات أجنبي من أجل تأمين الحصول عليها. وقالت وكالة رويترز إنّ الخطوة السورية تهدف إلى تخفيف العداء الإسرائيلي وإظهار حسن النيّة تجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ثالثاً ـ التوجهات المستقبلية لإدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي:

تبدو القيادة السورية أمام ثلاثة خيارات مستقبلية في إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي:

1 ـ الحفاظ على ثوابت الموقف السوري في رفض التطبيع السياسي والاقتصادي والأمني مع الجانب الإسرائيلي، والتعامل الحذر مع أي استحقاقات أمنية اضطرارية للجم السلوك الإسرائيلي المندفع عسكرياً داخل الأراضي السورية.

2 ـ  الانفتاح والتقارب الجزئي المتدرّج على الجانب الإسرائيلي، وتسويق ذلك بالضرورات السياسية والاقتصادية والأمنية.

3 ـ الاندفاع في عملية تطبيع ثنائي أو جماعي تقودها أطراف عربية منخرطة في مسار التطبيع و"الاتفاقيات الإبراهيمية".

وعلى الرغم من المؤشرات إلى عدم توفّر رغبة ذاتية لدى القيادة السورية للانفتاح على الجانب الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه، وذلك بتأثير توجهاتها الأيديولوجية السابقة وضغط الموقف الشعبي التقليدي المؤيد للقضية الفلسطينية والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنّ المواقف التي صدرت عن القيادة السورية مؤخراً ترجّح احتمالات توجّهها للتعامل مع خيار الانفتاح الجزئي المحسوب مع الجانب الإسرائيلي، في محاولة الخروج من "عنق الزجاجة" وتجاوز المأزق السوري، وبشكل متدرِّج يتم تسويقه بمبررات اقتصادية وأمنية، وبالرغبة بتعزيز شرعية النظام وتطوير علاقاته السياسية مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وهي عملية تتأثر بالتوجهات التركية وأجندات بعض الأطراف الخليجية المنخرطة في مسار التطبيع.

الخلاصة:

مع أنّ سلوك النظام السوري الجديد يبدي الكثير من الحذر حتى اللحظة في إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، فإنّ تموضعه العربي والإقليمي والدولي وخبرة الأطراف الإقليمية والدولية في عمليات إعادة التأهيل، قد تُضعف قدرته على الممانعة وتُضيّق عليه كثيراً من مساحات المناورة. وفي هذا السياق، يأتي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13/5/2025 برفع العقوبات عن سورية والذي تبعه قرار مماثل عن الاتحاد الأوروبي في 20/5/2025، في مسعى للتأثير في خيارات النظام الجديد في سورية واستيعابه ليكون جزءأ مما تصنّفه واشنطن حالة اعتدال عربي تنفتح أطرافها بمستويات متباينة على التطبيع مع الجانب الإسرائيلي. ويلاحظ أن جهوداً أمريكية مماثلة تُبذل لاستيعاب القيادة السياسية الجديدة في لبنان ضمن الحالة السياسية ذاتها.

وتجدر الإشارة إلى أنّه حتى لو اختارت القيادة السورية السير في مسار التطبيع والانفتاح على الجانب الإسرائيلي، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة الحصول على درجة الرضا الكاملة التي تسعى إليها؛ إذ إنّ عناصر الابتزاز والضغط الإسرائيلي والأمريكي والغربي ستتواصل لتنفيذ الكثير من الطلبات وتحقيق العديد من المعايير، التي تفقد النظام السوري عناصر هويته الوطنية والقومية والإسلامية، وتُخضعه لمنظومة الهيمنة الإسرائيلية والغربية. كما أنّ عناصر الشكّ والتخوّف ستبقى قائمة تجاه قادة سورية الجدد بسبب خلفياتهم الأيديولوجية، وهو ما يعني أنّ الإسرائيليين والقوى الغربية ودول التطبيع ستفضل سياسة التدرّج المشروط، كما ستفضل تغيير هذه القيادة إلى قيادة أكثر براجماتية وولاء وانسجاماً مع الهيمنة الإسرائيلية الغربية في المنطقة.

ولذلك، فإنّ لعبة التوازنات، وإدارة الأولويات، تبدو في غاية الحساسية لدى القيادة السورية؛ وسيكون من الخطورة بمكان أن تفقد حاضنتها الشعبية ومصداقيتها الثورية التغييرية، دون أن تحصل على الرضا الغربي. وعلى هذا، فإنّ الاستناد إلى الثوابت الوطنية والقومية والإسلامية، ونبض الشعب السوري والأمة، تبقى الأساس عند اللجوء إلى التعامل المرن والانفتاح والأداء السياسي المرحلي مع المعطيات الواقعية الضاغطة.

مقالات مشابهة

  • سوريا وإسرائيل.. من القطيعة إلى التواصل المشروط.. ورقة تحليلية
  • وثائق تؤكد احتجاز نظام الأسد للصحفي الأمريكي أوستن تايس
  • سوريا تحديات أمنية واقتصادية بعد 6 أشهر من عزل الأسد
  • الأسباب التي أدت سقوط طائرة دلتا .. فيديو
  • البورصة السورية تستأنف التداول لأول مرة منذ سقوط النظام
  • واشنطن بوست: الشرع يواجه تحدي الأجانب الذين ساعدوه في الإطاحة بالأسد
  • اختتام معرض بيلديكس بمشاركة شركات عالمية لإعادة الإعمار في سوريا
  • تركيا.. تراجع ملحوظ في أعداد السوريين بعد سقوط نظام الأسد
  • رجل أعمال أميركي عن الشرع: لدى سوريا وإسرائيل أعداء مشتركين
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!