أكثرَ القادة الإسرائيليون من إطلاق توصيفات مختلفة لحرب طوفان الأقصى انطلاقًا من صدمة السابع من أكتوبر/ تشرين الأول والتي اعتبرت الحدث الأشد إيلامًا منذ المحرقة النازية.
وهذا ما دفع هؤلاء القادة وعلى رأسهم، بنيامين نتنياهو، لاعتبار تسمية "حرب السيوف الحديدية" غير مناسبة لهذه الحرب، مفضلًا تسمية "حرب القيامة" أو "حرب الانبعاث".
لكن الخلاف على التسميات لم يحجب، في الواقع، الآثار الكبيرة لهذه الحرب ليس فقط على مكانة إسرائيل إقليميًا ودوليًا، وإنما كذلك على عقيدتها الحربية. إذ ثبت للقادة العسكريين أن كل ما كانوا يخططون له ويعملون على تجسيده اصطدم بواقع مناقض وعنيد يدفع إلى إدخال تعديلات وتغييرات قد تكون جوهرية على جملة المفاهيم التي سادت حتى الآن.
فقد بنيت نظرية الحرب الإسرائيلية تاريخيًا على ما عرف بالضربة الاستباقية، ونقل المعركة إلى أرض العدو، وحسم الحرب في أقصر فترة زمنية، وبناء القوة العسكرية لمجابهة حرب على جبهتين وأكثر. لكن الحروب الأخيرة وأبرزها حرب طوفان الأقصى أظهرت معطيات جديدة بينت محدودية وفاء نظرية الحرب التاريخية بمتطلبات الواقع الجديد الذي تشكل حول المقاومة ومحور المقاومة.
وهذا ما دفع في العقد الأخير إلى تطوير نظرية "معارك ما بين الحربين". وتعني هذه النظرية الاستعداد الدائم لإزالة مخاطر معادية بشكل متواصل لمنع تراكمها ولإبعاد شبح الحرب الكبيرة أطول فترة ممكنة.
إعلانوفي هذا السياق، انتقلت إسرائيل من الحروب الحاسمة مرة كل عقد تقريبًا "ضد دول" والتي كانت آخرها حرب لبنان 1982، إلى عمليات حربية ضد فصائل ودول المحور في فترات متقاربة. وتطلب هذا بناء قوة تستند أولًا إلى سيادة استخبارية متميزة، وإلى تفوق جوي وبحري عالي القدرة. وأرفقت ذلك بتوسيع نطاق الوحدات الخاصة عالية الكفاءة القادرة على تنفيذ عمليات في عمق أراضي العدو.
وفي هذه الأثناء صارت إيران الخطر رقم واحد في نظر إسرائيل، بما تمثله من قوة إقليمية داعمة لكل حركات المقاومة، وما تراكمه من قدرات نووية تقربها من امتلاك سلاح نووي ينهي احتكار الدولة العبرية لهذا السلاح في المنطقة. وهذا ما دفع نحو التركيز بشكل كلي على التفوق التكنولوجي وإبراز قدراته.
ولكن، وَفق المنظور الإسرائيلي، أفلحت إيران بدأب في بناء ما بات يشكل "طوقًا ناريًا" هامًا حول إسرائيل يعقد مهمة التصدي لآثاره. ولولا الدعم الأميركي السخي جدًا في مركبات التسليح والأدوات الاستخبارية والاستثمار في منظومات الدفاع الصاروخي، لكان مأزق إسرائيل أكبر.
حرب الجبهات السبعةسيقال ويكتب الكثير حول وضع إسرائيل الإستراتيجي في ظل طوفان الأقصى، لكن يصعب حتى على الإسرائيليين الزعم أنه صار أفضل. فأغلب التحقيقات الإسرائيلية فيما جرى تشير إلى إخفاقات تكتيكية وإستراتيجية هائلة ليس هذا مكان بحثها. ولكن هذه الإخفاقات تتعلق باختصار بالغطرسة وجنون القوة والاستهانة بقدرات العدو، وتخيل ردع ليس متوفرًا ولا يقل أهمية عن كل تلك الثقة العمياء بالتكنولوجيا.
وهذه الإخفاقات قادت عمليًا إلى إطالة أمد الحرب من ناحية، وزعزعة ثقة المجتمع الإسرائيلي بمنظومة القيم المدعاة من جانبه، وأيضًا بالقيادتين السياسية والعسكرية. وأبطلت فعليًا ذلك التفاهم حول التقاسم الوظيفيّ الذي ساد طوال تاريخ الدولة العبرية بين المؤسستَين السياسية والعسكرية، وخلقت شروخًا كبيرة بينهما.
إعلانورغم الشعارات حول خضوع المستوى العسكري للمستوى السياسي في دولة ديمقراطية إلا أن العلاقة بين المؤسستين متداخلة، خصوصًا أن الجيش في إسرائيل يحتكر تقدير الأخطار الأمنية وطرق مواجهتها.
وفي مطلع هذا الشهر افتتح "مؤتمر إسرائيل للأعمال"، وتحدث فيه كل من الجنرال رون طال، القائد السابق للذراع البرية، والجنرال عاموس جلعاد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق.
وبين ما قاله طال، "إن المعركة التي نخوضها في العام الأخير هي معركة على وجودنا كدولة يهودية، ديمقرطية وحرة في أرض إسرائيل. الأمر وجودي؛ لأن من يحاربنا لا يريد وجودنا هنا. ولم نكن نحسب أننا سندير حربًا تطول أكثر من عام من دون أن نعلم متى سوف تنتهي. هذا أمر لم يخطر ببال أي منا. عندما كنت في الجيش كانت عقيدتنا الأمنية تتحدث عن حسم في جبهتين بالتوازي، حينما كانت القوات البرية أكبر بكثير. لكننا دخلنا هذه الحرب في وقت لا يمكننا فيه أن نحسمها في جبهتين. لذلك ركزنا على جبهة غزة، وبعد ذلك انتقلنا إلى الجبهة الشمالية".
محدودية القوةأما جلعاد فأشار في كلمته إلى أن الخطر الإيراني كان أشد وضوحًا في التأكيد على أن مواجهته ليست ممكنة إن وقعت حصرًا على كاهل إسرائيل. واعتبر أن هذه في أفضل الأحوال مهمة أميركية إسرائيلية مشتركة.
وقال ردًا على الأصوات التي تطالب بضرب إيران بوصفها "رأس الأفعى" إنه "ليس بوسع إسرائيل الهجوم على إيران من دون الولايات المتحدة. وترامب يرغب في إغلاق النزاعات وإنهاء قضية الأسرى ولبنان. وهو لا يريد الانشغال بالإيرانيين، وكل ما يريده منهم هو ألا يمتلكوا سلاحًا نوويًا".
وأضاف أن الإيرانيين أيضًا يرغبون في إبرام صفقة مع ترامب. إذ إن ساسة إيران الحاليين ذوو خلفية غربية، وينشئون تحالفات ينبغي لنا أن ننشئها. وفي العام المقبل ستبدأ النقاشات حول المساعدة متعددة السنوات. وستكون هذه نقاشات حادة، إذ إن ترامب لن يتحلى بالصبر. وإيران ليست مجرد مفاعل نووي، إنها منظومة شاملة، وهي بحاجة للولايات المتحدة والدول العربية. والأمر يبدأ بغزة، التي لأسباب سياسية، لم نتخذ قرارات بشأنها".
وتفتح هذه النقطة باب الكلام عند جلعاد عن غزة الذي يعتقد أن حكومة نتنياهو الحالية عاجزة، رغم الإنجازات العسكرية، عن هزيمة حماس. قال: "إنني قلق من السياسة المتبعة. إذ ليس بوسعنا إزاحة حماس مدنيًا إذا لم نخلق بديلًا لها.
ومن أجل هزيمة حماس، ينبغي أن نوفر بديلًا مقبولًا لدى الدول العربية. فإدارة غزة عبر حكم عسكري أمر يفوق إمكاناتنا. إنها مسألة تتطلب مليارات الدولارات. وليس هناك شيء. الأمر الوحيد هناك هو الفيروسات".
إعلانوهذا ما يستدعي في نظره إشراك الدول العربية "التي لن تأتي إذا لم تكن هناك السلطة الفلسطينية، بهذا الشكل أو ذاك، كما أوضح بايدن. والسلطة تعمل في الضفة الغربية وليس أمامنا سبيل آخر. إذ بتنا نتباعد عن مصر والسعودية.
وواضح من هذا الكلام أن الحرية التي كانت تتمتع بها إسرائيل قبل حرب طوفان الأقصى تشهد تقييدات لم يسبق لها مثيل. فالحرب أثبتت محدودية الردع الذي كان قائمًا على أساس حجم ما تمتلكه إسرائيل من قوة.
وإذا كانت عاجزة، حتى بعد 14 شهرًا من القتال عن حسم الحرب في غزة، وأنها اضطرت للتوصل إلى اتفاق وقف نار في لبنان أثار انتقادات داخلية أكثر مما لقي قبولًا، فإنها في ورطة حقيقية إن وسعت نطاق الحرب إلى ما هو أكثر من ذلك.
صحيح أن سلاح الجو الإسرائيلي أغار على ميناء الحديدة في اليمن، لكن الغارة أثبتت محدودية القوة. فإذا كانت لديها القدرة على تنفيذ عشرات أو مئات الغارات يوميًا في غزة أو لبنان، فالأمر ليس كذلك في اليمن. إذ لم تنفذ إلا غارة يتيمة، فيما استمر القصف الصاروخي اليمني على إسرائيل. بل إنه رغم تهديدات إسرائيل للفصائل العراقية، فإنها لم تنفذ تهديداتها لما في ذلك من صعوبة، وتركت الأمر فيها وفي اليمن للقصف الأميركي والبريطاني.
وقد ازداد تعقيد الموقف مؤخرًا جراء الأحداث في سوريا، حيث تولدت معطيات جديدة لم تكن متوقعة. ولم يعد كافيًا إطلاق التهديدات للنظام السوري بل صارت التهديدات توجه إلى مجموعة من القوى النشطة هناك.
وهذا تطلب الإعلان عن نوايا لاحتلال مناطق سورية بهدف تشكيل حزام أمني يمنع اقتراب أي قوات من هضبة الجولان السورية المحتلة. وطبيعي أن هذا يزيد مخاطر اشتعال جبهة جديدة كانت باردة لسنوات طويلة. وإذا كان وقف النار سيسري في لبنان تحت إشراف أميركي، فإن احتمال انفجار الوضع على الحدود السورية ليس مستبعدًا.
إعلانوفي كل حال تجد إسرائيل اليوم نفسها في وضع غير مسبوق. فبعد أن كانت تتباهى بقدرتها على تأمين مصالحها ومصالح أميركا والغرب في المنطقة من دون حاجة لمعونة أو حضور جنود أميركيين، اضطرت في هذه الحرب، أكثر بكثير حتى من حرب الخليج، للاستعانة بقوات أميركية وصلت على جناح السرعة لتنقل مئات آلاف من أطنان المعدات والذخائر. واستعانت في دفاعها الجوي لاعتراض الصواريخ بقوات أميركية وبريطانية وفرنسية وألمانية، وحتى قوات عربية متعددة.
وطبيعي أن يلقي هذا بظلاله ليس على الواقع الإقليمي والسياسة المطلوبة، وإنما أيضًا على نظرية الحرب والعقيدة القتالية الإسرائيلية. فالمحيط العربي لم يعد كله معاديًا لإسرائيل وبات منقسمًا على نفسه.
ولذلك صار جزء من العقيدة القتالية الاستناد إلى تحالفات إقليمية ضمن إطار المنظومة الغربية. وبديهي أن تجربة الحرب وإثباتها لمحدودية قوة وردع إسرائيل يستدعيان من إسرائيل التواضع في عرض قوتها ونفسها. فإن كانت إسرائيل في الماضي قوة عظمى إقليمية توصف بأنها "ميني إمبريالية" فإنها اليوم قوة تحتاج إلى آخرين كي تصمد في واقع متعرج.
ويمكن القول إن تبعات الحرب وتكاليفها والأثقال الاقتصادية الهائلة ستجد ترجمتها في ميزانية الدولة العبرية لأعوام كثيرة قادمة. فهي اليوم بحاجة ليس فقط لتغيير جزء من قوتها التي تآكلت في الحرب وإنما لإعادة تشكيل قوتها بناء على عِبر ونتائج هذه الحرب.
وكثيرون يؤمنون بأن ما أغدقته أميركا على إسرائيل في عهد بايدن لن يتكرر في عهد ترامب الراغب في تنصّل أميركا من كثير من أعباء الحماية لحلفائها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات طوفان الأقصى نظریة الحرب هذه الحرب وهذا ما
إقرأ أيضاً:
إسرائيل على شفا الانفجار.. صواريخ من السماء واقتصاد ينهار
منذ نشأتها قبل حوالي 77 عامًا وإسرائيل تخوض حروبًا وصراعات مع محيطها العربي وداخل فلسطين وبعيدًا عنها. وما ميّز حروب العقود الخمسة الأولى أنها في الغالب جرت خارج حدود فلسطين، وكانت تكلفتها البشرية والاقتصادية محصورة بالتكلفة العسكرية التي كان يتم تعويض بعضها من الغنائم.
كما أن تلك الحروب- عدا حرب 48 – كانت قصيرة ومحدودة في مدّتها ولم تترك آثارًا اقتصادية واجتماعية كما صار يحدث في الحروب الأخيرة.
الواقع أنّ الحروب المضنية نسبيًا، بعد حرب 1973، جرت إثر إبرام اتفاقيات سلام أولًا مع مصر، وبعدها مع الأردن، وأخيرًا اتفاقيات أبراهام. فصارت تلك الحروب -رغم أنها ليست عامة مع العرب، وإنما محصورة وجزئية- أطول وأشد فتكًا خصوصًا أنها باتت تطال العمق الإسرائيلي، وليس فقط خطوط الجبهة.
وأدخل هذا النمط من الحروب- من حرب لبنان الأولى، ثم الانتفاضة الأولى، وحرب لبنان الثانية، وبعدها الحروب مع غزة، وصولًا إلى طوفان الأقصى- الجبهةَ الداخلية الإسرائيلية للميدان، وجعلها أيضًا جبهة مواجهة. وطبيعي أن تكون لذلك تبعات اقتصادية واجتماعية غير اعتيادية على الواقع الإسرائيلي الذي كان قد تحوّل إلى اقتصاد غربي تمامًا.
إعلان تكلفة باهظةلا بدّ في البداية من الإشارة إلى أنّه مع انتقال الحرب إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، صار معروفًا أن تكلفة كل يوم من القتال في هذه الجبهة أكثر من الجبهة الحدودية نفسها.
ويقدّر خبراء إسرائيليون منذ سنوات، وفي ظروف ليست بشدة الحرب الحالية، أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد في كل يوم تستمرّ فيه الحرب تقدر بنحو نصف مليار شيكل على الأقل.
وهذا يعني أن التكلفة المباشرة للحرب تبلغ نحو أربعة أضعاف التكلفة العسكرية المعلنة: المصانع مغلقة، والعمال يبقون في منازلهم، وأكثر من ذلك.
وحسب صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، فإن أعلى بند إنفاق في الحرب، حتى إعلان الهدنة في يناير/ كانون الثاني الماضي، كان على الأفراد والاحتياط، الذين خدموا لمدة إجمالية بلغت 49 مليون يوم.
ولكن الأمر لا ينتهي هنا؛ إن استعادة الشعور بالأمن تتطلب وجودًا كبيرًا للقوات على طول الحدود، وبالتالي، في غياب حل لمشكلة التجنيد، فإن قوات الاحتياط ستظل تتحمل الجزء الأكبر من العبء. وقالت إنه منذ بداية حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، قُتل نحو 840 جنديًا وجُرح نحو 14 ألفًا، بمعدل نحو ألف جريح جديد كل شهر.
في بداية الحرب، تم تجنيد ما يقرب من 220 ألف جندي احتياطي، والذين تم استدعاؤهم بشكل متكرر للخدمة الممتدة في ثلاث أو أربع جولات، حيث قضوا ما يقرب من 49 مليون يوم احتياطي، مقارنة بنحو 2.5 مليون يوم احتياطي في متوسط عام قبل اندلاع الحرب. ويحمل هذا العدد الكبير آثارًا اقتصادية هائلة وبعيدة المدى.
نقلت "كالكاليست" عن تقديرات مؤقتة صدرت مؤخرًا داخل المؤسسة الأمنية، أن تكلفة الحرب في العام الماضي بلغت 150 مليار شيكل، منها نحو 44 مليار شيكل مخصصة لدفع رواتب جنود الاحتياط ونفقات الأفراد.
هذا هو بند الإنفاق الأعلى في الحرب، أكثر من الأسلحة أو تشغيل منصات مثل الطائرات المقاتلة. ويبلغ الحد الأدنى الشهري الذي يخصصه جيش الدفاع الإسرائيلي لكل جندي احتياطي نحو 15 ألف شيكل، وهو المبلغ الذي يشمل المنح والعلاوات. اليوم، انخفض عدد جنود الاحتياط الفعليين بشكل كبير، مقارنة بأعدادهم القصوى في بداية الحرب، ويصل الآن إلى حوالي ربع ذلك العدد.
من المقرر أن يكون عند مستوى مماثل في وقت لاحق من هذا العام، بشرط عدم حدوث تصعيد جديد في الشمال، أو الجنوب. كان عدد جنود الاحتياط في العام في المتوسط قبل الحرب حوالي 7000 فقط.
وعلاوة على الأفراد، فإن السلاح الأغلى الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي حتى الآن في الحرب هو صاروخ "حيتس 3" الذي تنتجه شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية. ويقدر سعر كل صاروخ من هذا النوع بما يتراوح بين 2 إلى 3 ملايين دولار، وفي الحرب الحالية تم استخدامه على نطاق واسع من الناحية العملياتية لاعتراض الصواريخ الباليستية التي أطلقتها إيران تجاه إسرائيل في أبريل/ نيسان وأكتوبر/ تشرين الأول، وكذلك لاعتراض الصواريخ التي يطلقها الحوثيون من اليمن.
إعلان تزايد التكلفةحاليًا بعد أن أصدر رئيس الأركان إيال زامير أوامر استدعاء لعشرات ألوف الجنود بقصد توسيع الحرب على غزة، تزايد الحديث ليس فقط عن المعاني السياسية والاجتماعية، وإنما كذلك عن التكلفة الاقتصادية.
وبحساب أوّلي لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، فإن تكلفة توسيع العملية في غزة لثلاثة شهور فقط تقدر بـ 25 مليار شيكل؛ أي ما يقترب من 7 مليارات دولار. هذا حساب التكلفة العسكرية؛ أي أكثر من مليارَي دولار شهريًا، فقط لتمويل جنود الاحتياط وتكلفة الذخائر.
وبمعنى اقتصادي فإن حكومة نتنياهو مضطرة لإعادة فتح الميزانية التي أقرّتها بصعوبة قبل بضعة أسابيع، وزيادة النفقات الحكومية فيها. وهذا يعني أساسًا الاضطرر لفرض ضرائب جديدة، وزيادة الأعباء الثقيلة أصلًا على كاهل الإسرائيليين. وطبعًا ضمن هذا التقدير تحذير من مواصلة احتلال غزة، وإدارة حياة السكان فيها؛ لأن هذا يلقي أيضًا عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الإسرائيلي، يقدر بعشرات مليارات الشواكل.
طبعًا يغدو كل هذا الكلام خارج السياق من دون توضيح حقيقة الميزانية التي أُقرّت لوزارة الحرب للعام 2025، والتي بنيت على أساس النفقات النقدية لوزارة الحرب في العام 2024، والتي بلغت 152 مليار شيكل (حوالي 40 مليار دولار). وقد أقرت الميزانية العامة للجيش نفقات في العام الجاري 138 مليار شيكل؛ أي ما يقارب 35 مليار دولار.
ولكن إذا تم فعلًا توسيع الحرب، فإن الميزانية المتوقّعة للجيش سوف تزيد عن 160 مليار شيكل؛ أي ما يفوق بأكثر من مليارَي دولار نفقات العام 2024 العسكرية.
وكان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قد أبلغ وسائل الإعلام بعد المصادقة على الميزانية بأن "هذه ميزانية ستوفر للجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية جميع الموارد المطلوبة لهزيمة العدو، مع الاهتمام برجال الاحتياط، وأصحاب المصالح التجارية، وإعادة إعمار الشمال والجنوب، والنمو الاقتصادي في دولة إسرائيل". كما أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نشر فيديو مع سموتريتش، قال فيه إن الميزانية ستسمح بـ "استكمال النصر الكبير الذي نقف على حافته".
إعلانبحسب "ذي ماركر"، الآن يتبين أن الحكومة صادقت على الميزانية من جهة، وفي الجهة الأخرى تدفع قدمًا بخطة تفرغ من المضمون معنى وضع إطار للميزانية. وقالت إن لذلك أسبابًا محتملة: الحكومة عرفت بأن الميزانية التي تبلورها فارغة من المضمون، ومع ذلك قدّمت بسوء نية ميزانية غير ذات صلة لمصادقة الكنيست عليها، أو أنّها أهملت ولم تستعد لسيناريوهات أخرى عندما بلورت الميزانية.
وأضافت ذي ماركر" أنه إلى جانب نفقات الميزانية المباشرة لتوسيع الحرب واحتلال منطقة لفترة طويلة، وازدياد شدة الحرب، يوجد لها أيضًا تأثير اقتصادي. التجنيد الواسع للاحتياط يضرّ بسوق العمل، ويقلص عرض العمال في الاقتصاد، وبشكل عام يبطيء النشاط الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك استمرار القتال لفترة غير محدودة يزيد من مخاطرة الاستثمار في إسرائيل، ويضرّ بالشيكل، ويزيد قيمة المال. النفقات الأمنية العالية أيضًا تقلص الإنفاق البديل للحكومة على الاستثمارات المدنية وتطوير البنى التحتية.
تكلفة الاحتياطكشف المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الأركان، العميد احتياط مهران بروزينفر في مقابلة مع إذاعة 103FM، عن الثمن الباهظ لأوامر الاستدعاء الجماعية للخدمة الاحتياطية التي أرسلت في الأيام الأخيرة، وقال: "بالنسبة للعاملين المستقلين، ستكون هذه كارثة اقتصادية".
وقال أولًا، يجب أن نفهم أن جيش الاحتياط هو الركيزة الأساسية للجيش الإسرائيلي. وأوضح: "صحيح أن هناك جيشًا نظاميًا، لكننا في النهاية نعتمد على جيش الاحتياط. من ناحية أخرى، لم نشهد حربًا استمرت كل هذه المدة، ومثل هذا العبء الثقيل على جنود الاحتياط".
ونرى أيضًا أننا في النهاية ننحصر في مجموعة صغيرة نسبيًا من السكان، ليس فقط في سياق الاحتياطيات، ولكن أيضًا بشكل أساسي في سياق القتال. وهذا يعني أن القتال محصور أكثر في قوة الاحتياط بأكملها، وهذا ما يجعل الأمر صعبًا. علاوة على ذلك، فإن التكاليف الاقتصادية المترتبة على ذلك هائلة".
إعلانوشرح بروزينفر المعاني الاقتصادية للتجنيد المكثف: "عند تجنيد جندي احتياطي، لنفترض أن التكلفة النقدية المباشرة لجندي احتياطي هي ألف شيكل يوميًا. إذا استدعينا 60 ألف جندي احتياطي، فسيكون المبلغ 60 مليون شيكل في ذلك اليوم وحده.
لكن هذه ليست التكلفة الوحيدة، فهناك تكاليف إضافية. وهي كل ما يتعلق بالغطاء مثل الذخيرة والتدريب وجميع الخدمات اللوجيستية المحيطة به، وهي تكاليف باهظة. بالإضافة إلى ذلك، هناك تكلفة اقتصادية إضافية، وأسوأ ما في الأمر، هو فقدان المنتج. هذا أمر بالغ الخطورة. وفي نظره نحن في اقتصاد يعمل بكامل طاقته. عندما تُخرج عمالًا من اقتصاد يعمل بكامل طاقته، فإنك تُلحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد. وكلما طال أمد هذا، ستزداد التكلفة.
إذا قلنا 60 مليون شيكل، أي التكلفة المباشرة لرواتب الاحتياط، فإن التكلفة المباشرة الإجمالية ستبلغ حوالي 100 مليون شيكل، وإذا استمرت لفترة أطول، فقد تصل خلال شهر إلى 300 أو 400 مليون شيكل، بكل بساطة".
كما أكد على التأثير الشديد على الشركات الصغيرة: "أصحاب الأعمال الحرة – قد تكون هذه كارثة. لأنه إذا كان لديك مشروع صغير، وكان يعتمد عليك، ثم أخرجوك من العمل لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، فهذا لا يعني أنك ستخسر الشهرين أو الثلاثة أشهر، بل قد تخسر العمل بأكمله حرفيًا. قد تدخل في دوامة لن تتمكن من الخروج منها لاحقًا".
وأضاف "في كثير من الأحيان نتورط في أمر ما دون أن ننفذ هذه العمليات بشكل صحيح". لكننا الآن في مرحلة حرجة. مرّ عامان تقريبًا على هذه الحرب، وحان وقت إنهائها. لا أتحدث عن كيفية إنهائها، لكن علينا أن نفهم أنه لا يمكننا خوض حملة طويلة أخرى. لهذا الأمر تكاليف باهظة. بالمناسبة، لم نتحدث عن الخسائر النفسية، ولا عن الأضرار النفسية. علينا أن نفهم أن ما حدث لجنود جيش الدفاع الإسرائيلي الذين سقطوا وجرحوا أمرٌ مروع. باختصار، يجب أن نكون حاسمين للغاية، وأن نعرف وجهتنا، وأن ننهيها بسرعة.
إعلانوليس صدفة أن ينشر بنك إسرائيل تقديرات متشائمة للاقتصاد الإسرائيلي في العامين المقبلين على صعيد الناتج القومي العام وعلى صعيد نسبة النمو. لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هي الخسارة الناجمة عن تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية؛ بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية. وترى صحيفة "غلوبس" أنّ الحرب قد تودي بإسرائيل اقتصاديًا بما لا يقلّ عن خَسارة عقد كامل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline