وكالة بغداد اليوم:
2025-05-12@21:52:13 GMT

في تلك البلاد

تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT

في تلك البلاد

زهراء كوسرت ظاهر

في تلك البلاد، حيث تختلط الأحلام بطعم التراب، وحيث تصارع الشعوب من أجل البقاء وسط أمواج عاتية من التحديات السياسية والاقتصادية، تحول الفكر والعلم والأدب والثقافة إلى ظل خافت خلف صخب الأحداث. تلك الأرض التي كانت يوماً منارةً للفكر ومصدراً للعلم والأدب، تعيش اليوم فصلاً مضطرباً من تاريخها، يحمل معه صخب التطورات السياسية والأزمات المتتالية التي تبدو وكأنها تحجب عن العيون نور الثقافة وهدوء القراءة.

 

الحياة السياسية وما تستتبعه من اضطراب قد يشتد حتى يصل إلى العنف، بل إلى الثورة. وإن في البلاد الأخرى خصوماتها الحزبية حول الحكم وما يتصل بالحكم. وإن للبلاد الأخرى ساعات وأياماً من حياتها السياسية ملؤها الفزع الذي يستأثر بالنفوس أو الفرح الذي يستهوي الألباب.   

هل نحن على أعتاب مرحلة يعاد فيها رسم الخرائط؟ أم أننا نقف عند منعطف آخر قد يقود إلى طريق مسدود؟ أم أن الوقت قد حان لمراجعة اتفاقات تاريخية ينبغي عليها أن تُفسخ؟ أسئلة تتردد في الأذهان، وتلقي بظلالها على مصير الشعوب الساعية إلى مستقبل أكثر وضوحاً واستقراراً. وسط هذا المشهد المضطرب، وفي خضم هذا الصراع، تصبح الخيارات غامضة، فيما يواصل التاريخ نسج فصوله الجديدة بخيوط من الأمل والتوجس معاً.   

التوترات السياسية تسود الأجواء، والنزاعات الإقليمية تلقي بظلالها الثقيلة على المجتمعات، فتجعل من الصعب على الأفراد أن يجدوا متسعاً للتفكير خارج حدود الخوف والقلق من المستقبل.. مشهد مضطرب، يبدو أن شغف الثقافة أصبح أسير الأحداث اليومية، وتلاشى الاهتمام بالمعرفة وسط عناوين الأخبار العاجلة والصراعات المستمرة.

تستطيع أن تلتقي بمن شئت أينما شئت ومتى شئت، فلن يكون الحديث بينكما إلا في السياسة وما نشرت مواقع التواصل الاجتماعي من أنباء وما امتلأت به من جدال وخصومة. فأما العلم والأدب والفن، فكل ذلك شيء لن تعرضا له في حديثكما إلا إذا اضطررتما إليه، وما أحسب أنكما تضطران إليه. 

 لو عدنا قليلاً بالتاريخ؛ ألا يقولون أقرأ التاريخ لتفهم المستقبل!  لقد اضطرب العالم اضطراباً لم يعرف التاريخ مثله، واستمر هذا الاضطراب أعواماً أزهقت فيها نفوس لا يكاد يبلغها الإحصاء، وجرت فيها الدماء أنهاراً دون أن يكون في هذا التعبير مبالغة أو غلو، وآمتْ فيها نساء ويُتمت فيها أطفال واختل فيها التوازن الاقتصادي والخلقي والأدبي اختلالاً لا مثيل له. ولكن هذا كله لم يصرف أوربا ولا أمريكا عن حياة العقل والشعور أو لذة العقل والشعور، بل على العكس، كثر التأليف وكثرت الترجمة، واشتد ما بين الأمم من صلات، فحرصت الحرص كله على أن يعرف بعضها بعضاً ويفهم بعضها نفسيات بعضها الآخر.

ماذا عنّا؟  فَاسأل عن حُبّنا للحياة العقلية وعن عنايتنا بها قبل الحروب وأثناء الحروب، قبل الثورات وأثناء الثورات. نبئني عن نتيجة هذا الحب وهذه العناية، فلن تجد شيئاً تنبئني به إلا أنك خَجِلٌ مثلي لهذه الجهود المُضَيَّعَةِ في غيرِ نفعٍ ولا غَناءٍ.

ألم تكن بلادنا العربية بلاد العلماء مثل ابن النفيس والكندي والقلقشندي، والأدباء مثل جبران خليل جبران وبدوي الجبل، وأمين الريحاني وغسان كنفاني ومحمد مهدي الجواهري ونازك الملائكة؟ ألم نكن من رواد المدارس والمراكز العلمية التي ازدهرت في عصور مختلفة. حيث كان علماؤنا وأدباؤنا الكورد على مر العصور جزءاً من الحراك العلمي والثقافي في المنطقة. أسماء مثل المؤرخ الكبير ابن خلكان والشاعر والفيلسوف الكبير أحمد خاني الذي ألّف "مم وزين"، أحد أعمدة الأدب الكوردي، والعالم ابن صلاح الشهرزوري، هؤلاء وغيرهم الذين يجسدون تراثاً ثقافياً لا تزال شعلة إبداعهم متقدة رغم المآسي التي عصفت بمنطقتنا.. 

نحن بلاد الاستثمار في التعليم، وتشجيع الابتكار والبحث العلمي، وتعزيز البنية التحتية التعليمية، نحن بلاد الاحتفاء باللغة والثقافة..   دورنا في دعم العلم ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لمسيرة طويلة من التمسك بالمعرفة كسلاح لمواجهة الصعاب. من خلال الموازنة بين الحفاظ على الهوية الثقافية والانفتاح على العالم.

أبتسم ابتساماً فيه شيء من الحزن وفيه شيء من الأمل أيضاً حين أسمع كلمات مثل "الاستقلال","الحرية" "الدستور". أبتسم ابتسامة حزن لظلم الجيل الذي نحن فيه، وأمل في إنصاف الأجيال القادمة. في تلك البلاد، قد تكون السياسة قد أثقلت كاهلنا، لكن التمسك بالعلم والمعرفة ما زال ينتظرنا؛ ليكون منارة تقودنا نحو مستقبل أكثر إشراقاً. 

في تلك البلاد، حيث الطموحات تصارع الإحباطات، يبقى الأمل في عودة زمن يُقدَّر فيه الفكر وتُصان فيه الكلمة. إنها مسؤوليتنا جميعاً أن نعيد اهتمامنا للعلم والمعرفة والثقافة، وأن نزرع في الأجيال القادمة حب التعلم والتفكير النقدي. فالتقدم الحقيقي يبدأ من العقل، والعقل يحتاج إلى غذاء دائم من المعرفة والثقافة.

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: فی تلک البلاد

إقرأ أيضاً:

معاون وزير الطوارئ والكوارث لـ سانا: تقسيم المنطقة المندلعة فيها النيران ‏باللاذقية إلى قطاعات وعزلها ‏

اللاذقية-سانا ‏

تعمل فرق الإطفاء في الدفاع المدني السوري، على تقسيم المنطقة المندلعة ‏فيها النيران، في جبل التركمان بمنطقة ربيعة في ريف محافظة اللاذقية إلى ‏قطاعات، وعزل المناطق السليمة للحد من انتشار النيران التي بدأت بالتمدد ‏إلى مساحات أوسع نتيجة الرياح وارتفاع درجات الحرارة. ‏

وفي تصريح لمراسلة سانا أوضح معاون وزير الطوارئ والكوارث الدكتور ‏حسام حلاق، أن غرفة العمليات التي شكلتها وزارة الطوارئ والكوارث منذ يومين، والتي تضم ‏إضافة إلى الوزارة كلاً من وزارات الزراعة والداخلية والدفاع والخارجية، وأيضا الدفاع المدني، ومراكز حماية الغابات، تقوم برفد فرق الإطفاء بجميع الوسائل ‏اللوجستية، والآليات اللازمة التي تساعدها في السيطرة على الحريق.‏

وأكد حلاق أن الفرق التي تشارك في الإطفاء تواصل الليل مع النهار منذ ‏خمسة أيام دون توقف، للحد من انتشار ألسنة النيران الملتهبة في منطقة ربيعة، ‏التي بدأت بالتمدد بعد أن تمت السيطرة على نحو 80 بالمئة منها صباح ‏اليوم، لافتاً إلى أن الجهود مستمرة لمواجهة ألسنة اللهب، وفتح ‏خطوط جديدة للسيطرة على الحرائق وإخمادها.‏

معاون وزير الطوارئ والكوارث 2025-05-11Hassan Nasrسابق برشلونة يحسم الكلاسيكو بفوزه على ريال مدريد ويقترب من لقب الدوري الإسبانيآخر الأخبار 2025-05-11معاون وزير الطوارئ والكوارث لـ سانا: تقسيم المنطقة المندلعة فيها النيران ‏باللاذقية إلى قطاعات وعزلها ‏ 2025-05-11اجتماع لوزارتي التعليم العالي ‏والصحة يبحث وضع المشافي الجامعية إدارياً وخدمياً 2025-05-11وزير الدفاع يستقبل القيادة العسكرية في محافظة درعا 2025-05-11مؤتمر “نهضة تك” يختتم أعماله بتقديم فرص عمل وتدريب للمشاركين 2025-05-11وزير الرياضة والشباب يبحث مع القائم بأعمال السفارة التركية تعزيز التعاون الرياضي 2025-05-11استطلاع لـ سانا: السوريون يؤكدون ضرورة الحوار لحل الأزمات وتعزيز الوحدة الوطنية لبناء المستقبل 2025-05-11صحفيون سوريون: الحل الأمثل لجميع القضايا هو الحوار بين السوريين 2025-05-11الرئيس الشرع يجري اتصالاً مع سمو الشيخ محمد بن زايد لبحث تطورات العلاقات السورية الإماراتية 2025-05-11تزايد ملحوظ في عدد الوفود السياحية الزائرة للمدينة الأثرية في بصرى الشام 2025-05-11الدفاع المدني: رقعة الحرائق في جبل التركمان تتوسع نتيجة اشتداد سرعة الرياح

صور من سورية منوعات اكتشاف آلية غير متوقعة وراء تلف القلب بعد النوبات 2025-05-09 تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • سكني واعتباري.. حالات يتم فيها طرد المستأجر فورا بدون قانون جديد
  • إعلام إسرائيلي: إبلاغ سكان غزة بتجنب الاقتراب من المناطق التي ينتشر فيها الجيش
  • بعد أزمة بوسى شلبى وأسرة محمود عبد العزيز.. حالات أنصف فيها القانون المرأة
  • عالمة أزهرية: النبي وضع أسس حقوق الزوجة والتقصير فيها نشوز
  • معاون وزير الطوارئ والكوارث لـ سانا: تقسيم المنطقة المندلعة فيها النيران ‏باللاذقية إلى قطاعات وعزلها ‏
  • الأزهر العالمي للفتوى يكشف عن حالة تجب فيها الأضحية على المسلم
  • “أوتشا”: 70% من فلسطينيي قطاع غزة داخل مناطق تتواجد فيها قوات إسرائيلية
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • هادي الباجوري: شخصية هاني في فيلم «واحد صحيح» فيها حاجات مني «فيديو»
  • في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر