الجزيرة:
2025-12-08@08:46:50 GMT

صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم الماديون

تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT

صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم الماديون

لعلها تلك الفائدة المنسية لأي فيلم، حين يهمس في أذن المشاهد عبر الألوان والأضواء والموسيقى متسائلا عن القيمة المعنوية مقابل الثروة المادية، أو عن قيمة الأمان والحب مقابل المال والخيانة.

قدمت المخرجة سيلين سونغ تلك الفائدة المنسية في فيلم "الماديون" (Materialists)، بهمس، يبدو كما لو أنه يصدر عن صديق يجلس مع مشاهد العمل في باحة بيته، ويتأملان معا معنى الحياة والحب.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟list 2 of 2دينيس فيلنوف يقود أولى مغامرات جيمس بوند تحت راية أمازونend of list

كانت سونغ تلف السؤال في فستان حريري أنيق، يبدو في حد ذاته همسة رقيقة لعيون من يشاهده، ونظرات حالمة من عيون بطلة حائرة هي لوسي (داكوتا جونسون) عبر نافذة في الدور العلوي من منزل فخم في حي راق. إنها ملامح قصة يسردها الهمس والصمت عن العاطفة التي حاصرتها الفخامة والثراء والتخطيط، فتحولت إلى سلعة، تباع مقابل المال، والفخامة الشريرة.

تعود سيلين سونغ، مخرجة فيلم "حيوات ماضية" (2023) الذي استكشفت فيه مشاعر الطفولة والارتباط والانفصال تحت مظلة الندم، لتطرح في فيلمها الجديد "الماديون" تيمة مختلفة تتمحور حول التخطيط والاختيار العقلاني، مقابل الانجراف خلف العاطفة.

بطلة الفيلم، "لوسي"، امرأة أنيقة ومثقفة، تخوض تجربتين متوازيتين مع رجلين مختلفين: الأول هو تشارلز (كريس إيفانز)، مصرفي ناجح يؤمن بالأرقام والمنطق، والثاني هو أليخاندرو (بيدرو باسكال)، كاتب مسرحي رومانسي، يفتقر إلى المال لكنه يملك ثراء داخليا مليئا بالذكريات.

التوتر لا ينشأ من المفاضلة بين الرجلين، بل من إدراك لوسي العميق بأن الاختيار قد يكون قد تحدد مسبقا، قبل أن تلتقي بأي منهما، وكأن الحسم لم يكن نتيجة اللحظة بل كان انعكاسًا لمسار طويل من القناعات والتجارب.

بيدرو باسكال بطل فيلم "الماديون" (رويترز) قوة ما لا يقال

رغم جمال الحوار، واستخدام السيناريست لكلمات واضحة وجمل أنيقة، فإن الصمت بين تلك الكلمات وتأمل الكاميرا لردود الأفعال دون صوت هو ما يمنح الفيلم أثره الأعمق، ويمكّن المشاهد من فهم الرهانات الحقيقية في العمل. إنه المؤثر غير المرئي الذي طاردته كاميرا المخرجة سيلين سونغ خلال العمل ولم تستطع اقتناصه بين حدود اللقطات، لكنها نقلت أثره في رحلة العمل.

إعلان

ولعل النموذج الأكثر وضوحا لذلك يأتي في مشهد جلوس لوسي وحدها في شقة بعمارة شاهقة تطل على سنترال بارك، وظهرها إلى أفق المدينة، وهاتفها مضاء برسالة لم ترسلها. تم تشكيل تفاصيل اللقطة السينمائية بروية وهدوء وبطء لدرجة أن المشاهد قد يخطئ في اعتبارها صورة ثابتة.

لكن صوت الصمت كان هادرا، بينما يحوم إبهام البطلة فوق الشاشة برجفة وتردد وكثير من التحفظ. يعمل الصمت باعتباره قوة وليس مجرد غياب للحوار أو الموسيقى، وهو "الورقة" الرابحة التي يتم بها التفاوض مع السلطة، وهو، أيضا، التعبير عن الرفض، والأكثر قسوة، أنه الطريقة التي يتم بها رفض الحب.

في مشهد آخر، تجلس لوسي وأليخاندرو وجها لوجه في مقهى بوسط المدينة، لا ينطقان بكلمة لمدة 3 دقائق تقريبا، لا كلمات، لا ذكريات. إنهما شخصان تُطاردهما المسافة بينهما، ويعمق ضجيج الحياة المُحيط الصادر عن حركة أكواب القهوة، وثرثرة زبائن المقهى في الخلفية، انفصالهما المتبادل، ويبدو الصمت بينهما كما لو كان اعترافا بعدم القدرة على الاستمرار.

ويعبر الصمت عن معنى عكسي ببلاغة مدهشة في مشهد يُهدي خلاله تشارلز لوسي عقدًا من الياقوت بعد جدال، لتردّ عليه بامتنان مهذب، فيرد بدوره "إنه ليس اعتذارًا، إنه إيصال"، لتتحول اللفتة الرومانسية إلى معاملة مالية، ويسود صمت كاشف ومحرج أو الصمت الذي يعلن عن تحول العلاقة إلى اتفاق تعاقدي.

ما يجعل الفيلم مؤلما للغاية هو أنه لا يوجد أحد في حالة برود تماما. أليخاندرو يكتب لها رسائل بخط يده. تشارلز يخبرها أن الحب، بالنسبة له، يعني الأمان. حتى لوسي، التي تتخذ قراراتها بدقة جراح، تكشف عن نفسها قليلاً. ومع ذلك، فقد تعلم كل منهم الدرس نفسه: للبقاء على قيد الحياة في هذا العالم، يجب التفاوض على الحب، لا الإعلان عنه.

داكوتا جونسون بطلة فيلم "الماديون" (رويترز) مؤثرات خاصة للسؤال الأبدي

لا يعتمد العمل على المؤثرات البصرية العادية، فلا انفجارات، ولا مدن أنشئت ببرامج الحاسوب أو الذكاء الاصطناعي، ولا مخلوقات غريبة، لكن المشاهد يجد مؤثرات بصرية خاصة تنتمي إلى عالم سيلين سونغ الأنيق، وهي مؤثرات تعمل في حالة تناغم عاطفي لدرجة أنها تصبح غير مرئية، وهي موجودة لخدمة هدف فلسفي يتعلق بالاختيار أكثر من خدمة الإبهار في الفيلم.

وتعكس تلك المؤثرات الحالة الداخلية للشخصيات دون لفت الانتباه إليها، حيث تستغل الضوء القادم من النوافذ بمهارة لتغيير المزاج والتسلسل الهرمي، وخاصة حين كانت لوسي مع تشارلز في منزلهما العصري الأنيق، ليجد المشاهد إضاءة مركزة ومفرطة، تسطح حضورها، وتشعرها بأنها تحت المراقبة والاختبار وفي المقابل، تستخدم مشاهدها مع أليخاندرو، غالبًا في مقاهٍ مُعتمة أو شقق مُزدحمة، تدرّج الألوان والملمس المُحيط لتلطيف العالم.

وتظهر نيويورك في فيلم "الماديون" مختلفة تماما، فهي نظيفة للغاية، وقد أعدت بعناية لتناسب خيال لوسي. واستُخدمت السماء، والانعكاسات الظاهرة في زجاج ناطحات السحاب، والضباب المحيط، جميعها، لبناء مدينة تبدو وكأنها صُممت للسلطة، لا للناس.

التزم صناع العمل بإيقاعين للتجربتين اللتين مرت بهما البطلة، فخلال مشاهد هاري (بيدرو باسكال)، الخاطب الثري، نجد إيقاعا سلسا ومنضبطا، تنزلق خلاله الكاميرا بسلاسة، وتتدفق المحادثات بسلاسة كصفقة تجارية، ويخلق المونتاج إيقاعًا مستقرًا ومغريًا.

إعلان

على النقيض من ذلك، تنبض لقاءاتها مع حبيبها السابق، جون (كريس إيفانز)، بطاقة لا تهدأ، ذلك أن الإيقاع متقطع وغير متوقع، تتخلله أصوات المدينة الصاخبة وحوار أكثر خشونة وتداخلا.

قررت سيلين سونغ أن تبعث برسالة شديدة اللهجة للعالم كله، ولمشاهدي فيلمها، وتجعل من فيلمها مرآة نتعرف من خلالها على أنفسنا ليس من خلال المال أو الرجال، ولكن حين تحبس بها البطلة أنفاسها قبل أن تختار طريقًا تعلم بالفعل أنها ستندم عليه، وفي الطريقة التي تلمس بها الرفاهية كما لو كانت ستحرقها، والتي تحول بها الحب إلى تقييم للمخاطر، إنه فيلم لا يسأل ما الحب؟ ولكن ما قيمة الحب؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی فیلم

إقرأ أيضاً:

سيناريوهات الصراع في حضرموت

 

تشهد محافظة حضرموت مواجهات وتطورات متسارعة من شأنها إعادة رسم خريطة النفوذ العسكري والسياسي فيها، في ظل تداخل أدوار القوى المحلية والإقليمية والدولية وتضارب أجنداتها ومخاوف من “سودنة حضرموت” مع وجود بعض التشابهات مقارنة بما يجري في السودان، وخصوصاً ما يتعلق بجانب الثروة والنفوذ والارتباطات الخارجية. ليست “سودنة حضرموت” قدراً محتوماً، لكنها واردة إذا استمرت المواجهات وتعددت الميلشيات وتشابكت المشاريع الإقليمية والدولية.

الفاعلون المحليون وخلفيات الصراع

تبرز في مشهدية الصراع الدائر في حضرموت أطراف محلية عدة لها توجهات وارتباطات وأجندة متباينة. ومن أبرز تلك الأطراف “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي يسعى إلى بسط السيطرة الأمنية والعسكرية على حضرموت وثرواتها باعتبارها محوراً استراتيجياً لمشروعه السياسي الداعي إلى الانفصال. ولخدمة هذا الهدف، يضع تحركه وسلوكه العسكري في حضرموت ضمن إطار “محاربة الإرهاب”، ويتهم خصومه بالاستيلاء على “بترو مسيلة”.

أما التوجه الثاني، فيتمثل في “حلف قبائل حضرموت” بقيادة بن حبريش، الذي يتبنى مشروع “الحكم الذاتي الحضرمي”، ويقدم نفسه كحامٍ لثروات المحافظة، وهذا ما يفسر سيطرة الحلف على حقول النفط والغاز في المسيلة بهدف “منع التدخلات الخارجية”، ويرى الحلف أن تحشيد الانتقالي عسكرياً محاولة لفرض أمر واقع، فيما يتهمه خصومه بقطع طرق وإعاقة تصدير النفط.

وهناك توجه ثالث، وهو الأضعف في معادلة الصراع القائم، ويتمثل في رئيس ما يسمى “مجلس القيادة الرئاسي” رشاد العليمي (المقيم غالباً في الرياض) ورئيس ما يسمى باللجنة الأمنية الذي تم تعيينه بـصفة “محافظ حضرموت”، ويسعى هذا التوجه إلى محاولة احتواء التوتر، وتطبيع الوضع، وإعادة قوات الانتقالي إلى المحافظات التي قدمت منها، ومحاولة احتواء مطالب أبناء حضرموت، وهذا ما برز في تصريحاتهم خلال اليوميين الماضيين.

هذه التوجهات المتباينة تعكس شرخاً عميقاً بين شركاء المشهد الجنوبي من ناحية، وتنعكس داخل ما يسمى بالمجلس الرئاسي المتشكل من 8 شخصيات تمثل أطرافاً متصارعة غير متجانسة ومتعددة الولاءات والارتباطات الخارجية، ويعزز ذلك التصريحات المتناقضة بين رشاد العليمي والبحسني وعيدروس.

صراع نفوذ إماراتي _ سعودي: إعادة تموضع أم “سودنة”؟

صراع الأجندة بين القوى الداخلية قد يقدم جانباً لتفسير ما يجري في حضرموت، لكن التفسير لا يكتمل من دون قراءة البعد الإقليمي وتداخل الأدوار الخارجية التي باتت تضبط إيقاع الجماعات المسلحة المتعددة وتحدد مساحات حركتها ومناوراتها ميدانياً وسياسياً.

فيما تسعى الإمارات لترسيخ وجودها عبر ما يسمى “النخبة الحضرمية” وميلشيات الانتقالي، بهدف السيطرة على موانئ حضرموت وساحلها وحقولها النفطية، فإن السعودية في المقابل تعزز حضورها عبر إنشاء ألوية جديدة وإعادة تموضع في الوادي والصحراء، لمنع تمدد الخصم الإقليمي والحفاظ على سيطرتها في حضرموت التي تراها بمنزلة بوابة شرقية لها. هذا التباين بين أجندة الإمارات والسعودية ينعكس انقساماً حاداً على ما يسمى بـ”المنطقة العسكرية الأولى” بين نفوذ الرياض وأبو ظبي، ما يعني أن الصراع في حضرموت مواجهة غير مباشرة – تُدار على أرض حضرموت بثرواتها وموقعها الاستراتيجي – بين أدوات الشريكين الخليجيين اللدودين (السعودية والإمارات). وفي ظل هذا المشهد المعقد والمنقسم والمتصارع، تحاول القوى والفعاليات المدنية مقاومة تحويل حضرموت إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية.

حقيقة المشهد في حضرموت تؤكد أن أكبر المحافظات اليمنية بموقعها وثروتها وإطلالتها على البحر العربي تقف أمام ثلاثة سيناريوهات: أن يتم تقديم مبادرات محلية أو إقليمية لاحتواء الموقف والاتجاه، بالتالي في مسار تهدئة مشروط بالتوافق وتقاسم الكعكة، أو الدخول في مواجهة مفتوحة في ظل استمرار التحشيد المتبادل وتضارب أجندة الفاعلين، أو إعادة التموضع الإقليمي بين السعودية والإمارات على الأرض اليمنية (حضرموت) وإعادة ترتيب أدواتهما المحلية بما يضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، وخصوصاً مع حساسية الحقول النفطية.

ساحة صراع

ما يمكن أن نخلص إليه هو أن ما يجري في حضرموت لم يعد مجرد صراع محلي بين قوى قبلية وسياسية وعسكرية وميليشاوية؛ بل أصبحت ساحة صراع إقليمي ودولي تتقاطع فيها مصالح كبرى تُعيد رسم خارطة النفوذ في جنوب اليمن والجزيرة العربية والبحر العربي والقرن الأفريقي.

المحافظة التي تمتلك أطول سواحل اليمن وأكثر حقوله النفطية إنتاجاً تحولت إلى نقطة ارتكاز حيوية في التوازنات بين الرياض وأبو ظبي من جهة، ومحل اهتمام دولي من جهة أخرى، وخصوصاً أمريكا وبريطانيا وشركات النفط العالمية، في ظل ما يشهده العالم من تنافس على الممرات البحرية والطاقة وتأمين خطوط التجارة.

وفيما يبدو أن القوى المحلية المنقسمة والمتصارعة هي صاحبة القرار في المشهد الظاهر، فإن قراءة أعمق تكشف أن قرار السلم والحرب في حضرموت وغيرها يرتبط بشكل مباشر بالفاعلين الإقليميين والدوليين.

 

مقالات مشابهة

  • كأس العرب.. صراع على قمة المجموعة الثانية اليوم
  • تربية الأطفال والتوتر الزوجي
  • شيرى عادل : «فن الحرب» تحدٍّ جديد مع يوسف الشريف
  • ثنائيات رومانسية فى رمضان 2026
  • خبراء يكشفون تأثير الرسوم المتحركة على نمو دماغ الأطفال
  • ممثلة بديلة لـ"نانسي ويلر" تجد الحب وراء كواليس Stranger Things
  • «بيتهوفن».. موسيقار الصمت الجارح
  • سيناريوهات الصراع في حضرموت
  • برج الأسد حظك اليوم السبت 6 ديسمبر 2025..الحب الكبير يحتاج إلى الاهتمام
  • ﻣﻦ »ﺻﻔﺎ اﻟﺠﻤﻴﻞ« إﻟﻰ »ﻓﺨﺮى« .. ﺣﻜﺎﻳﺎت ﺧﻠﻒ اﻟﻜﻮاﻟﻴﺲ