الحياة لمن عاشها بعقل.. خمس يطمسن خمس
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
سلطان بن ناصر القاسمي
الحياة تمضي بخطوات سريعة، وتغدو أجمل وأبهى لمن عاشها بعقل واعٍ وقلب متزن. فنحن نعيش في عالم مليء بالتحديات والتغيرات المستمرة، وكل لحظة تمر تحمل في طياتها فرصة للنمو والتطور أو السقوط والتراجع.
وحين ندرك أن كل ثانية تمضي هي بمثابة لبنة في بناء شخصيتنا ومستقبلنا، نصبح أكثر حرصًا على اتخاذ قراراتنا بعقل وحكمة.
أولاً: الزور يطمس الحق
لا شك أن قول الحق من أعظم الفضائل التي تُعلي شأن الإنسان وتبني مجتمعًا متماسكًا وعادلًا. فعندما ينتشر الزور، يطمس الحق، ويختفي نور العدل، فتبدأ الأحقاد والضغائن في التسلل إلى القلوب. فالزور ليس مجرد كذبة عابرة، بل هو بذرة خبيثة تزرع الظلم وتغتال الحقيقة. وكم من حقوق ضاعت بسبب شهادة زور، وكم من أبرياء ظُلموا لأن الحقيقة أُخفيت عمدًا.
وإن في قول الحق شجاعةً ونبلًا، وفي الزور جبنًا وخسة. وقد حثنا الله تعالى على قول الحق في كل موطن، فقال في كتابه العزيز: "وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ" (البقرة: 283). لذا علينا أن نتحلى بالصدق، مهما كانت الظروف، لأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.
ثانيًا: المال يطمس العيوب
المال سلاح ذو حدين، فهو نعمة لمن يحسن استغلاله، ونقمة لمن يُسيء استخدامه. فقد يطمس المال عيوب بعض الأشخاص ويمنحهم مكانة مجتمعية لا يستحقونها. وهنا تكمن خطورة المال عندما يُستخدم في التكبر والغرور. إن المال ليس مقياسًا حقيقيًا لقيمة الإنسان، بل أخلاقه وسلوكه هي التي تُحدد مكانته.
كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ المالُ الصالحُ للمرءِ الصالح" (رواه أحمد). عليه فإن المال يُصبح فضيلة عندما يُنفق في الخير، ويدًا تمتد للمعروف، ولكنه يُصبح نقمة إذا أغوى صاحبه وجعله يتعالى على الآخرين. فالمال لا يُغني عن مكارم الأخلاق، ولا يُخفي عيوب الروح.
ثالثًا: التقوى تطمس هوى النفس
التقوى هي منارة القلوب ووقاية الأرواح. إنها تجعل الإنسان يُخضع أهواءه لرغبات الله، فيعيش في كنف الطاعة والهدى. متى ما غلبت التقوى على القلب، تلاشت أهواء النفس الزائفة، وتحرر الإنسان من عبودية الشهوات.
إن النفس البشرية تواقة لكل ما يُرضيها، ولكن التقوى تُهذّب هذه الرغبات وتُوجّهها نحو الخير. قال الله تعالى: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13). فالمتقي هو الذي يجتاز هذا الصراع الداخلي، ويُثبت أن خوفه من الله أقوى من شهواته.
رابعًا: المن يطمس الصدقة
الصدقة عمل عظيم يُطهر النفس ويُزيد البركة، لكن حين يتبعها المنّ، يفسد أثرها ويضيع أجرها. إن المنّ يُشعر المتصدق بالعُجب، ويُشعر المتصدق عليه بالمهانة. وقد حذرنا الله تعالى من هذا الخلق الذميم، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى" (البقرة: 264).
والصدقة الحقيقية هي تلك التي تُقدم بإخلاص، لا ينتظر صاحبها شكرًا ولا مدحًا. علينا أن نتذكر أننا وكلاء في المال الذي بين أيدينا، وأن الرزاق هو الله. فحين نعطي، لنكن كالغيث يهطل دون أن يُذكّر الأرض بفضله.
خامسًا: الحاجة تطمس المبادئ
إن الحاجة هي شعور قاهر قد يدفع الإنسان أحيانًا إلى تجاوز مبادئه وقيمه؛ فحين يشعر الإنسان بالحرمان، قد يُغريه هذا الشعور بالسير في طرق غير سوية. لكن الإنسان النبيل هو الذي يظل متمسكًا بمبادئه، مهما اشتدت به الحاجة.
كذلك، إن المبادئ هي القلعة التي تحمي الإنسان من الانزلاق في متاهات الحياة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك" (رواه الترمذي). فحين نُحافظ على قيمنا، نجد أن الله يُعيننا ويكفينا شر الحاجة.
وفي الختام.. إنَّ الحياة معركة دائمة بين الفضائل والرذائل، بين العقل والهوى، بين القيم والأهواء. وكل يوم يمر هو اختبار جديد يُظهر معدن الإنسان الحقيقي. وعلى قدر إيماننا بقيمنا ومبادئنا يكون صمودنا في هذه المعركة. فكلما تمسكنا بالحق، والتزمنا بالتقوى، وابتعدنا عن المنّ، وأحسنّا استخدام المال، تمكّنا من التغلب على الطمس الذي قد يُشوّه حياتنا. كما إن السعادة الحقيقية تكمن في تحقيق التوازن بين متطلبات الحياة المادية والروحية.
لنجعل من عقولنا قادة تُرشدنا نحو الخير، ومن قلوبنا موطنًا للمحبة والإخلاص، ومن مبادئنا حصنًا نحتمي به، لنحقق العيش بنعم الله تعالى بحكمة وسعادة، ولنسير في درب الحياة بثقة وثبات، مستمدين قوتنا من إيماننا وقيمنا الراسخة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أدعو الله كثيرا ولا يستجاب لي فماذا أفعل؟.. يسري جبر: المشكلة فيك
قال الدكتور يسري جبر، أحد علماء الأزهر الشريف، إن التغيير الحقيقي في حياة الإنسان لا يحدث فقط بالدعاء، وإنما يتطلب جهدًا حقيقيًا وتغييرًا داخليًا وسعيًا مستمرًا نحو الأفضل، مستشهدًا بقوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
وأوضح الدكتور يسري جبر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، في رد حازم على سؤال ورد إليه من أحد المتابعين الذي قال: "أنا بدعي ربنا بقالي سنين وحياتي ما بتتغيرش.. حياتي واقفة، فين المشكلة؟"، أن المشكلة في الغالب تكون في الشخص نفسه، قائلاً: "أيوه المشكلة فيك أنت، لأنك مش عايز تستفيد من فشلك، ولا عايز تغير نفسك".
هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟.. يسري جبر: ليسوا في غفلة
يسري جبر: الاجتهاد عمل علمي منضبط يستند إلى النصوص القطعية
يسري جبر: التغافل سر السعادة الزوجية.. وجنازتك أهون من جوازتك التانية
يسري جبر: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم لكن بشرط
وأضاف الدكتور يسري جبر أن من صور التقصير أن يسهر الإنسان الليل على وسائل التواصل والبرامج الفارغة، ويستيقظ بعد العصر، ولا يصلي، ولا يطور من نفسه، ثم يتساءل: لماذا لا تتغير حياتي؟ مؤكدًا أن من لا يتقن عملاً ولا يداوم عليه، ولا يملك الإصرار ولا الانضباط، لن يجني ثمرة أي جهد.
وتابع الدكتور يسري جبر "الفشل الحقيقي هو أنك لا تتعلم من فشلك. لو كنت استفدت من الفشل، لكان طريقك إلى النجاح. لكنك تكرر نفس الأخطاء وتلوم الظروف"، مشيرًا إلى أن النجاح لا يأتي إلا بالمثابرة والإتقان والاستيقاظ المبكر وحسن المعاملة والاعتماد على الله مع العمل.
ودعا الدكتور يسري جبر إلى تصحيح المسار والعودة للجد والاجتهاد، قائلاً: "غير ما بنفسك، غير عاداتك، حافظ على صلاتك، استيقظ مبكرًا، اتقن عملك، أحسن للناس، ولا تخرج من لسانك قول السوء"، موضحًا أن الإنسان مسؤول عن تحسين حاله، وأن من يتقن عمله ويخلص فيه، سيجد أثر دعائه في واقعه.