أيامُ الناس في مِكناس (02)
جسر الوجدان بين المغرب والسودان
بقلم: عثمان أبوزيد
(عنوان الحلقة مقتبس من صديقنا الدكتور نزار عبده غانم وكتابه الشهير جسر الوجدان بين اليمن والسودان)
وشائج كثيرة ربطت بلادنا مع المشرق والمغرب. الأرض التي وضعها الله للأنام كانت مبسوطة للناس، يمشون في مناكبها ويأكلون من رزقها.

صحيح أن السفر كان يستغرق أشهرًا لكنه سفر حر دون حواجز؛ لا جوازات سفر ولا إجراءات هجرة ولا تأشيرات.
الطريق إلى مكناس؛ خضرة على امتداد الأفق. المزارع أو الضيعات الفلاحية كما تُسمى هنا مجهزة على جانبي الطريق بالحراثة، ويا ربنا نسألك الغوث فقد تأخر نزول المطر هذا العام.
هنا منابت الزيتون، ومدينة مكناس سميت قديمًا بمكناسة الزيتون. وتشتهر المدينة بمعاصر الزيتون، ورأيت الزيتون الأبيض ينثر مع (الطاجِن) وله مذاق خاص.
خضرة مكناس منحت هذه المدينة لونها، وكأنني سمعت بأن لكل مدينة في المملكة المغربية لون خاص تتميز به، فالأخضر لون مكناس والأزرق الفاتح (السماوي) لون مدينة فاس، ومراكش لونها الأحمر…
أسأل الدكتور المحجوب بنسعيد (الإعلامي والباحث المغربي في الاتصال والحوار الحضاري)، عن ذلك، فيجيبني:
ليست للمدن المغربية كلها ألوان معينة. المشهور منها فقط هو مراكش الحمراء لأن منازلها باللون الترابي الأحمر الذي يوجد في أغلب مدن الجنوب لأنه مناسب للحرارة، وتوجد مدينة شفشاون الزرقاء لأن أغلب منازلها وأزقتها مصبوغة باللون الأزرق والأبيض رغم انها مدينة جبلية.
دكتور بنسعيد شملني برعاية كريمة استضافني في أسفاري وقد استوفت رعايته جُلَّ فوائد الإمام الشافعي في بيت شعره:
سافر ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ: تفريجُ همّ واكتساب معيشةٍ وعلمٍ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ…
أقول لبنسعيد: وجدت شبهًا بين وجبة (الطاجن) عندكم وبين (الدمعة) السودانية، فيجيب: أوجه الشبه كثيرة. لما ذهبت إلى السودان صحوت على أصوات الأذان بالإيقاع نفسه في المغرب، ثم يُسمعني التلاوة الحسانية للقرآن الكريم برواية ورش، هي تقريبًا نفس ما نسمع في السودان. ظلت هذه الرواية هي السائدة في خلاوينا حتى دخلت رواية حفص مع المصريين ولم يتقبلها شيوخ الإقراء أول الأمر وسموها (قراية الحكومة)!
من ينقب في تاريخ العلاقات بين المغرب والسودان، يعثر على شواهد كثيرة حقًا. ولا يتسع مقال عاجل في استيعاب تلك المشاهد ونشير إلى بعضها، فالمغاربة حين اتخذوا السودان طريقًا لحجهم استوطنوا السودان ولهم مصاهرات أنجبت المغاربة المعروفين على امتداد الوطن، وأشهرهم الشيخ زروق المعروف.
قابلت في ندوة مكناس أحد المشاركين المغاربة اسمه عبد الرحيم الجزولي، انتبهت للاسم المنتشر عندنا في السودان، وتساءلت: هل تكون عائلات الجزولي من المغاربة أصلا أم تسموا بالاسم تيمنا وتبركًا باسم صاحب دلائل الخيرات الشيخ محمد بن سليمان الجزولي.
بالمناسبة مدينة مراكش أخذت اسمها من كوش. المدينة التي بدأ بناءها أبوبكر اللمتوني قائد المرابطين، وأتمها يوسف بن تاشفين. يُقال إن ابن تاشفين طلب من زوجته زينب النفزاوية أن تختار اسما للمدينة، فقالت له: يوجد هنا بئر مر به أبناء كوش، فليكن الاسم مراكش…
ولا نترك ذكر الجزولي ودلائل الخيرات دون إشارة لروايتين لأديبنا عمر فضل الله؛ تشريقة المغربي، وأنفاس صليحة، فقد ذكر في إحدى هاتين الروايتين أن المخطوطة الأصلية لدلائل الخيرات وصلت إلى السودان. ومؤلفها أحد السبعة رجال، أصحاب الأضرحة الشهيرة داخل أسوار مدينة مراكش، وهو أبو عبد الله محمد بن سليمان الجزولي. وابنتها خديجة هي زوجة الشيخ حمد أبو دنانة، وضريحها في مقابر دنقلا القديمة.
ولا أبرح ذكر المغاربة الذين نقلوا التصوف إلى بلاد السودان، دون ذكر الشيخ أحمد التجاني الذي زرنا ضريحه في مدينة فاس، ولا الشيخ الإدريسي وهو إدريس الثاني مؤسس مدينة فاس. سمعت في مزاره بفاس قراءة اللطيف. أعادتني إلى ذكريات الطفولة في أجواء مسجدنا في قريتنا (مسيدة) بشمالي السودان، ونحن نصدح باللطيف عقب صلاة الجمعة:
ألا يا لطيفُ يا لطيفُ لك اللطفُ فأنت اللطيف منك يشملنا اللطف
لطيف لطيف إنني متوسلٌ بلطفك فالطف بي وقد نزل اللطف
بلطفك عُذنا يا لطيفُ وها نحن دخلنا في وسط اللطف وأنسدل اللطف
بجاه إمام المرسلين مُحمدٍ فلولاه عينُ اللطف ما نزل اللطف
عليه سلام اللهِ ما قال منشدٌ
ألا يا لطيفُ يا لطيفُ لكَ اللُّطفُ…

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

أيادي الخير

 

حين يكون الناس “متعطشين” لمشروع ينقذهم ويوصلهم لحياة كريمة، فيها عدل وإنصاف تضمن لهم حياة فيها أمان وضمان وبقاء ومعنى للحياة.

حين يجدون من يكون لهم اليد التي ترفعهم وتضعهم إلى مكان يكون أكثر سعادة وأكثر أمنا وأكثر استقرارا يوفر لهم مستلزمات الحياة وعيشا بكرامة وحرية واستقلالا يجعل الناس يشعرون بأنهم في أمان هذه السفينة التي ستنقلهم إلى بر الأمان وترسو بهم على شاطئ فيه كل سبل الأمان والعيش الكريم. حينها سيكون الناس ممتنين لهذه اليد المساعدة التي ما أرادت إلا أن يكون الخير يصل للجميع ويسعد الناس ويعرفون أين هو طريق الخير والحق حينها

سيحبون هذه اليد الخيرة والتي مدت يدها للناس أجمعين.

سيثقون بها ويتعاونون ويتساعدون ويتكاتفون ويكونون أخوة محبين.

لن يزعجهم الأوامر أو التعليمات التي فيها نصح ونفع وخير لأنهم ما رأوا فيها إلا كل خير .

سينجذب ” ليد الخير ” كل من هم في قلوبهم نفس الصفات، ويحبون أن يتشاركوا ويلتقوا في كل ما يجمعهم لتحقيق ما يريدون تحقيقه لإسعاد الجميع.

ستلتقي كل “العقول” لتنشئ تطورات وتقدم في كل ما يحبون أن يعملوه ليستفيد كل الناس، وتشتغل كل الأيادي لتحقيق أهداف سامية ونبيلة، تجعل قلوب الناس كلها في خير وسعادة.

إن الخير هو الذي سيجمع ولا يفرق، سيقوي ولا يضعف، سيزيد الناس محبة ولا يزيدهم نفورا، سينير القلوب، لا يجعلها تعيش في ظلمة، سيرشدهم لطريق الحق لا طريق الظلام.

فالناس هم أحرار لا يأتمرون بأوامر أي أحد ولا يخضعون لأي أحد إلا للَّه سبحانه وتعالى ويطيعون رسوله والمؤمنين الذين يسيرون على طريق الحق.

أما حين تتوفر أيادي خيرة فلن يرى الناس أنها أوامر بل سيرونها أيادي خير يجب أن يكونوا معها في كل نواحي وكل مجالات الخير.

 

 

مقالات مشابهة

  • اختطاف الشيخ الكازمي من المحراب كآخر نسخة من جرائم جماعات ما دون الدولة في عدن
  • أيادي الخير
  • وحدوا الله
  • وزيرة البيئة: الحكومة بذلت جهوداً كبيرة لتجعل شرم الشيخ مدينة خضراء
  • بلال قنديل يكتب: مش من حقك
  • رئيس جهاز مدينة الشيخ زايد تتفقد مشروع جنة 4 السكني لمتابعة معدلات التنفيذ والاستعداد للتسليم
  • مدينة طبية متكاملة بجامعة كفر الشيخ لخدمة محافظات الدلتا
  • مصر تؤكد دعمها لاستقرار ليبيا والسودان وتُشيد بالجهود الأمريكية للسلام في البحيرات العظمى
  • وزير الخارجية يبحث مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي تطورات الأوضاع في ليبيا والسودان
  • مشاجرة تشعل حريقا في أكشاك بشارع مصر والسودان بحدائق القبة