يجب تسليط الضوء على من أشعل الحرب
تاريخ النشر: 21st, December 2024 GMT
إنّ من أطلق الرصاصة الأولى وأشعل فتيل الحرب، هم فلول النظام البائد المختطفين لقرار الجيش والسارقين لسيادة الدولة، وعلى رأسهم مؤسس مليشيا الدفاع الشعبي المتحولة لكتائب عقائدية، تدين بالولاء الأعمى لمشروع الحركة (الإسلامية)، وأن فرية انطلاق رصاصة الموت كانت بمطار مروي، ما هي إلّا اكذوبة فاضحة كشفت فضيحتها الوقائع والحيثيات، وأقوال واعترافات الصادقين، وأن أول من حشد ورتب وخطط وأدخل الطيران الحربي المصري لمطار (مروة) كما ينطقها المصريون، هم التيار الاخواني المتمثل في المذكور أعلاه، ومعه الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات وآخرين، وأن القوات الصاحية الواعية المدركة للمخطط والكاشفة لخيوط مؤامرته، قد ذهبت لمروي بعلم قائد الجيش المؤتمر بأمر اللوبي الاخواني، وذلك في الاجتماع الذي عقد بين الرأسين بمزرعة أحد فاعلي الخير، بعد أن استعصى نزع فتيل الأزمة بين الجيشين في شأن الخلاف حول مسودة اتفاق الاطار، وهنالك رصد لدقائق أمور الأزمة التي تحولت لحرب، وثّقت لذلك العدوان الغاشم التكنلوجيا الدولية والمحطات الإقليمية، العدوان الذي نفّذته الكتائب الإرهابية على القوات الداعمة صبيحة الخامس عشر من ابريل، ومحاولات شراء ذمم الصحفيين المدلسين المدربين على تغبيش الوعي، والآكلين لسحت فتات موائد المؤتمر الوطني – الاخوان المسلمين لن يطول أمدها، تماماً كما قصر أمد الشائعة المغرضة حول مقتل قائد هذه القوات المستهدفة، التي سار بها ركبان الفلول والمغيبون، فدولة الظلم في عهدها الغيهب لم تدع خطيئة إلّا وارتكبتها بحق الشعب المسكين، من تهجير قسري وإبادة ومجازر بشرية، في سبيل الحفاظ على الكرسي الذي ظل مرتكزاً طيلة سبعين عاماً على جماجم الفقراء والمعدمين.
على الإعلاميين والكتاب والصحفيين والناشطين الداعمين للقضية، أن يصبوا جهداً متصلاً غير منقطع لتذكير الناس بجرم اشعال فتيل الحرب، الذي ستذكره الأجيال القادمة مع اللعنات الموجهة لهذه الطغمة الفاجرة، والتركيز على هذه الحقيقة الجوهرية يحفظ للضحايا وأهاليهم حقوقهم المادية والمعنوية، وواحد من الشواهد على حقيقة أنهم البادئين بالعدوان، رفضهم المتكرر لحضور المنابر الخاصة برعاية إجراءات إيقاف الحرب ومنع الاقتتال، وقفزهم فوق حقيقة فعلهم الجرم العظيم، وذهابهم لتضخيم أعراض المرض (الحرب) – السلب والنهب، دون الاعتراف بأنهم صنعوا هذه الحالة الفوضوية غير القانونية، وفتحوا أبواب السجون على مصاريعها، ليسرح ويمرح اكثر من نصف مليون سارق وقاتل ومغتصب، كانوا سجناء بدور الإصلاح في العاصمة بمدنها الثلاث، وتركوا كل ما اقترفوه من خطايا بحق السكان وما أشاعوه من حالة انعدام القانون، رغم علمهم المسبق بحتمية حصول هذه النتيجة المؤسفة، في حال أنهم وضعوا الخطة الخبيثة لانفراط عقد الأمن. وعلى ذات النسق اشتروا ذمم بعض أمراء حرب دارفور لصناعة حالة مأساوية بعاصمة الإقليم، فهم ضليعون في استخدام مخرجات علم النفس، واستغلالها في تسخير شرائح المجتمع الضعيفة والمضطهدة، لتعضيد ملكهم الباطش، وهنا جدير بنا أن نذكر العار الذي تكشف بعد اسقاط الطاغية، وهو ضلوع ابن مساعد الدكتاتور في الرعاية السالبة للأطفال الفاقدين للسند بدار المايقومة، وابتزازهم واجبارهم على ارتكاب الجرائم البشعة بحق الشباب الطامحين في بناء دولة المواطنة المنشودة، وبناءً على هذا السجل الحافل بالخطايا لهذه الجماعة المتخفية داخل عباءة الدين، على الوطنيين الخلّص ممن يمتلكون ناصية النشاط الصحفي والإعلامي، أن يسلطوا الضوء على هذه القضايا الجوهرية، وأن لا ينساقوا وراء شائعاتهم المبتذلة.
إنّ ثورة الوعي وتصحيح المفاهيم التي يقودها المستنيرون، عليها أن تزيد من وتيرة ضخها الإعلامي وأن تكثّف قصفها التوعوي على المرتكزات الجوهرية، الكاشفة للأسباب الحقيقية التي أدت لاندلاع الحريق، والمخطط الكبير لفلول النظام البائد لإغراق البلاد في بحور وأنهر من الدماء، والتذكير بمبدأ (البادئ أظلم) والحكمة من الآية الكريمة: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، وكنس قمامة مادتهم الإعلامية المملة التي تلوكها ألسنتهم صباح مساء، والاستعاضة عنها بإعلام مواكب يضرب أس وجوهر الحبكة لا أن ينشغل بأعراض المرض، فأس وأساس قضية الشعب أن أدوات الدولة الأمنية اختطفها المجرمون، وعليه يجب العمل مع كائن من كان لاسترداد هذه الأجهزة المخطوفة، وهذا لا يتم إلّا بتسليط الضوء على الجوهر لا المظهر، فالملاحظ أن آلتهم الإعلامية ساقت بعض البسطاء (لا أقول القطيع) الى الاهتمام بالآثار الجانبية للحرب، دون تناول من أشعل فتيلها، فيجب علينا تذكيرهم على الدوام بهذه النقاط الجوهرية – اطلاق النار على المدينة الرياضية وطيبة، إبادة أكثر من ثلاثة آلاف مفوّج أعزل نائم على (نمرته) داخل حوش الدولة التي اطمأن إليها، واطلاق سراح أكثر من نصف مليون مجرم محترف، هذا فضلاً عن جرائم الطيران الأجير والعميل بحق الإنسان والبنية التحتية، زد على ذلك الاستهداف الاجتماعي للمكونات السودانية بانتقائية أثنية وجهوية صارخة، الذي عمل عليه بلا حياء مساعد قائد الجيش الرهين لفلول النظام القديم، لقد نصر الله المظلومين ميدانياً لأنهم استجابوا لنداء الحق، فالمطلوب استكمال الدور الإعلامي المحترف لتهيئة الأجواء لدق المسمار الأخير، على نعش تجار الدين الظالمين والانتهازيين والمرتزقة وأمراء الحرب.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
20 ديسمبر 2024
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟
في كتاباته المتعددة، كثيرًا ما حذر نعوم تشومسكي من غواية “القوة” حين تُمارَس بمعزل عن العقلانية السياسية، ومن السرديات الإمبريالية التي تُخفي الحقائق خلف لغة “الردع” و”الدفاع عن الذات”، “إسرائيل”، التي أفاقت على نشوة ضربة خاطفة ضد إيران، سرعان ما بدأت تدفع ثمن إيمانها بأن بإمكانها فرض توازنات الشرق الأوسط عبر هجوم مباغت على دولة إقليمية بحجم إيران، لكن الواقع، كما هو الحال دائمًا في منطق القوة، معقد ومفتوح على انهيارات غير محسوبة.
الهروب من غزة نحو سماء طهران
في بداية الأمر، بدا الهجوم “الإسرائيلي” على المنشآت الإيرانية وكأنه ضربة ناجحة: اغتيالات نوعية، ضربات على البنية التحتية النووية والعسكرية، وتحقيق ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ”إنجازات لا تُضاهى”، لكن خلف هذا الإطار الإعلامي، تكمن أزمة أعمق: “إسرائيل” تهرب من مأزق غزة إلى معركة أخطر وأعقد مع طهران. والضربات لم تكن فقط ضد المنشآت، بل كانت في جوهرها محاولة لإعادة ضبط معادلة الردع بعد سلسلة من الهزائم الرمزية والاستراتيجية، بدءًا من 7 أكتوبر، مرورًا بالحرب الطويلة والمفتوحة في غزة، وصولًا إلى الخوف من تصاعد جبهة الشمال مع حزب الله.
النشوة كقناع للإنكار
في التحليل النفسي للسلطة، تمثّل النشوة الجماعية لحظة إنكار جماعية. الإعلام العبري، وحتى بعض المعارضين، انخرطوا في التهليل للضربة، وكأنها تعويض جماعي عن الإهانة الوطنية في 7 أكتوبر. لكن فإن “الاحتفال بالقوة لا يُلغي الحاجة إلى مساءلتها”. ما جرى لم يكن انتصارًا بل انزلاق محسوب إلى منطقة الخطر. والفرق بين الحكمة والجنون، أن الأولى تفكر في اليوم التالي، بينما الثانية تتلذذ بلحظة التأثير الفوري.
الفشل في فهم إيران
منذ عقود، تسوّق “إسرائيل” أن إيران “نظام شيطاني” يمكن تفكيكه عبر ضربة ذكية واحدة. وهذا بالضبط ما يُحذّر منه تشومسكي عند الحديث عن “التسطيح الاستشراقي” للعقل الغربي تجاه خصومه، إيران ليست دولة عشوائية، إنها منظومة معقدة ببنية عسكرية وعقائدية واقتصادية متداخلة، وتملك أدوات الرد في الإقليم، وأهم من كل ذلك: ذاكرة حرب طويلة. التجربة الإيرانية مع العراق (1980–1988) لا تزال تلهم العقيدة العسكرية الإيرانية. والشيعة، كما كتب يوسي ميلمان، “يتقنون فن المعاناة”.
الرد الإيراني لم يتأخر فقط لأن القيادة مشوشة، بل لأنه كان يحتاج إلى تأنٍّ استراتيجي، وإلى قرار محسوب بعدم جعل الرد مجرد فعل عاطفي. وعندما أتى الرد، كان بمستوى يجعل النشوة “الإسرائيلية” تبدو استهزاء بالتاريخ والجغرافيا معًا.
أمريكا ليست هنا
من أخطر ما اكتشفته “إسرائيل” هذه المرة، أن الولايات المتحدة –ولو بقيادة ترامب الحليف المعلن– ليست بالضرورة على استعداد لخوض معركة واسعة لأجل “إسرائيل”. وزير الخارجية ماركو روبيو كان واضحًا في نأي واشنطن بنفسها عن الهجوم، وهو موقف يعكس تحولًا عميقًا في المزاج الأمريكي الذي بدأ يتبرم من كلفة التحالف مع “إسرائيل”، لا سيما مع اتساع المعارضة للحرب في غزة، والصدام مع القوى الدولية الأخرى (كالصين وروسيا) حول سياسات الهيمنة.
ترامب قد يهلل للهجوم، لكنه لا يريد أن يُجر إلى مستنقع حرب طويلة في لحظة انتخابية حرجة. وهذا ما يعرفه الإيرانيون جيدًا، لذا يُصعّدون بثقة محسوبة. أما “إسرائيل”، فقد فوجئت بأن “الغطاء الأمريكي” الذي طالما اعتُبر ضمانة للجنون الاستراتيجي، بات مثقوبًا هذه المرة.
الحرب على النظام أم على البرنامج النووي؟
بين خطاب نتنياهو الذي توعّد برؤية طائرات “إسرائيلية” فوق طهران، وتصريحات مسؤولي الجيش بأن الهدف هو تدمير البرنامج النووي، ثمة فجوة سردية خطيرة. إذا كانت “إسرائيل” تريد تغيير النظام، فإنها تكرر خطيئة الأمريكيين في العراق: وهم استبدال النظام دون رؤية للبديل. أما إذا كان الهدف فقط وقف التخصيب، فإن الهجوم لم ينجح في تدمير منشأة فوردو، ولم يوقف البرنامج، بل ربما سرّعه.
ومن هنا يأتي خطر الحرب الاستنزافية. فإيران، التي تعي أنها لن تُهزم في ضربة واحدة، قد تُطيل أمد المواجهة، وتجعل منها حربًا متعددة الجبهات والأدوات: صواريخ على تل أبيب، هجمات سيبرانية، اشتباكات في مضيق هرمز، وتصعيد عبر حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي.
إسرائيل تواجه نفسها
بعد الهجوم، انهالت الانتقادات من الداخل، فجأة صار نتنياهو في مواجهة مجتمع يكتشف هشاشته: الدفاعات الجوية فشلت، والحكومة لم تهيّئ الناس، وبدأ القادة العسكريون يحذرون من حرب طويلة، فيما المعلقون يتحدثون عن “فخ نصبته إسرائيل لنفسها”. وكأن الحرب، التي أرادها نتنياهو لتكون مخرجًا من ورطة غزة، تحوّلت إلى ورطة أشد وأخطر.
في كل هذا، يبدو أن “إسرائيل” لم تُجرِ الحساب الأساسي الذي تحدث عنه تشومسكي مرارًا: حين تبني قراراتك على وهم التفوق التكنولوجي وتغفل عن التعقيد التاريخي والسياسي والثقافي لخصمك، فأنت تصنع كارثتك بنفسك.
من غزة إلى طهران: لا خطوط رجعة
إن الفكرة القائلة بأن “إسرائيل” يمكنها أن “تُعيد ضبط النظام الإقليمي” عبر القوة، هي في جوهرها استمرار لسردية استعمارية قديمة، وهي أن “الشرق لا يفهم إلا لغة القوة”. هذه السردية لا تزال تحكم العقل “الإسرائيلي”، الذي لم يتعلّم من تجاربه في لبنان ولا في غزة، وها هو الآن يكررها على نطاق أوسع وأخطر.
لكن الفارق أن طهران ليست غزة. والمقاومة هنا ليست فقط صواريخ، بل منظومة ممتدة جغرافيًا وعقائديًا. “إسرائيل” لا تواجه إيران وحدها، بل منظومة ممتدة من العراق إلى اليمن، ومن لبنان إلى سوريا. وهذا ما يجعل هذه المواجهة قابلة لأن تنفلت من السيطرة في أي لحظة.
في الحروب، لا تنتصر النشوة
كما قال ناحوم بارنيع: “الحروب تبدأ بالنشوة… ثم تستمر”. “إسرائيل” في هذه اللحظة ليست في موقع المُسيطر، بل المُرتبك. فالهجوم الذي أريد له أن يُعيد الهيبة، كشف العجز. والضربة التي أريد لها أن توقف المشروع النووي، قد تُسرّعه.
إن لم تُدرك “إسرائيل” هذا الواقع بسرعة، وتقبل بخيار سياسي عاقل، فإنها تقود نفسها إلى مواجهة قد تكون الأعنف في تاريخها. وحينها، سيكون الثمن ليس فقط إخفاقًا استراتيجيًا، بل تصدعً داخلي طويل الأمد، وسقوطًا نهائيًا لوهم “الجيش الذي لا يُقهر”.
“الحروب لا تُخاض لإرضاء الغرور، بل لحماية الناس… وإذا كانت النشوة هي المعيار، فالنتيجة دائمًا كارثة.”
كاتب صحفي فلسطيني