جمعة: الفوضى والإبداع بين المفاهيم الغربية والإسلامية
تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT
أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق، في استكماله للتأمل في الأفكار الواردة عن الفوضى والإبداع في الفكر الغربي، أن هذه المفاهيم تسلط الضوء على أزمة معرفية كبرى يعيشها العالم الإسلامي اليوم.
فبينما يعبر الغرب عن الفوضى بأنها مرحلة طبيعية من مراحل التطور الإنساني والإبداع المؤسسي، نرى أن الأمة الإسلامية تعاني من غياب القدرة على قراءة وتحليل هذه المفاهيم والمشاركة في إثراء الحوار العالمي حولها.
تناول جمعة ما طرحه الأب ديف فليمنج، الذي يرى أن الفوضى ليست معضلة يجب القضاء عليها، بل هي مصدر أساسي للإبداع والاستقرار طويل الأمد. وأشار إلى أن التحكم والسيطرة المفرطة قد تكون عدوًا للإبداع الإنساني.
كما تطرق إلى ما ذكرته جودي نيل وبوران بيريز في كتابهما "كيفية التكيف مع الفوضى"، حيث أكدا على أن الفوضى هي ظاهرة طبيعية تُفضي إلى نظم جديدة ومعاني مبتكرة، مشيرين إلى وجود نظام خفي يحكم البيئات العشوائية.
رؤية الإسلام للفوضىوأوضح جمعة أن هذه الطروحات الغربية تعكس أزمة فكرية داخل الحضارة الغربية، حيث يتم تقديم الفوضى كضرورة للتطوير، بينما الإسلام ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة.
فالفوضى في الإسلام ليست هدفًا أو أداة، بل هي حالة استثنائية تتطلب إصلاحًا وإعادة بناء ضمن إطار متوازن.
وأشار إلى أن القرآن الكريم والسنة النبوية وضعا القواعد التي تعين الإنسان على تنظيم حياته دون الوقوع في فوضى قاتلة أو نظام صارم يخنق الإبداع. فالقرآن يقول: "وكل شيء عنده بمقدار" [الرعد: 8]، مما يدل على أن التوازن هو الأساس في الكون والحياة الإنسانية.
الأزمة الفكرية في العالم الإسلاميوأضاف جمعة أن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة بناء فكرها وفقًا لمصطلحاتها المستمدة من الكتاب والسنة، مؤكدًا أن ما ذكره أبو الحسن الندوي في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" يعبر بوضوح عن هذا الواقع. فغياب المسلمين عن الساحة الفكرية أدى إلى ترك الساحة للأفكار الغربية التي قد تتناقض مع القيم الإسلامية.
وختم جمعة حديثه بأن الأمة الإسلامية تمتلك من التراث الفكري والحضاري ما يؤهلها للمشاركة بفعالية في الحوار العالمي حول القضايا الكبرى، شريطة أن تُعيد صياغة أفكارها بلغة العصر وتشارك بوعي ومعرفة، بعيدًا عن التبعية الفكرية أو الانغلاق.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جمعة فوضى والإبداع عضو هيئة كبار العلماء مفتي الديار المصرية الأمة الإسلامية هيئة كبار العلماء
إقرأ أيضاً:
كيف وصلنا إلى هذا الدرك من الهوان؟
محمد بن سالم التوبي
هل يتصوَّر عربيٌ في أسوأ كوابيسه أن يصل بنا الحال إلى هذا الدرك من الهوان والذل؟! والله إنها مصيبة لا بعدها مصيبة، وذل ليس بعده ذل، أن تصل أمة المليار إلى هذه المنزلة التي لا نحترم فيها مُقدَّساتنا، ولا نرفع راية نصر لإخواننا، ولا نستخدم ما بأيدينا من أدوات في القانون الدولي أمام ما نراه يوميًا من قتل وإبادة يرتكبها الكيان الصهيوني المقيت!
كيف لنا أن يصل بنا الحال إلى أن تُداس كرامة العرب بأقدام المعتدين ونحن نشاهد ذلك؟! كيف لنا أن نتقبل كل تلك المشاهد اليومية؛ حيث يُقتل الأطفال الرضع في مشاهد تقشعر لها الأبدان، ولا يقبلها دين ولا عقل ولا ضمير؟!
إنَّ ما نراه اليوم لهو أمر يفوق كل خيال؛ فالآلة العسكرية الإسرائيلية تحصد أرواح الأبرياء دون هوادة، والمجتمع الدولي يتفرج، وأكثر العرب والمسلمين صامتون أو متخاذلون، وكأن دماء الأطفال في غزة ماء لا قيمة له، وكأن كرامة الأمة التي كنا نحلم بها قد ذهبت إلى غير رجعة.
المفارقة العجيبة أن الغرب نفسه- وهُم الذين تفصلهم عنَّا آلاف الكيلومترات ولا تجمعهم بأهل غزة لا لغة ولا دين ولا تاريخ- ينتفضون لتلك المشاهد الأليمة؛ إذ سَئموا آلة التقتيل، وسَئموا تلك الصور البشعة التي تهُز الضمائر، والتي لا يمكن لإنسان يعيش في هذا الكون أن يراها ويَسكُتْ.
رأيتُ ذلك بعيني، رأيت مظاهرات ضخمة تجتاح عواصم ومدنًا أوروبية، تصرخ ضد الاحتلال وتُندد بإسرائيل، في مشهدٍ يُعيد إليك الأمل أن في هذا العالم قلوبًا تنبض بالحرية الحقَّة، وتُناصر العدل وحق الشعوب في الدفاع عن أرضها وترابها. ما زال في هذا العالم من يكافح لأجل فلسطين، وما زالت قضيتنا حيّة في قلوب الكثير من أبناء هذا العالم.
حين تسمع تلك الهتافات التي تخرج من حناجر الأحرار، تُدرك أن تحرير فلسطين لن يكون بأيادٍ رسمية مُرتبطة بأنظمةٍ لا تملك قرارها، وإنما سيكون على أيدي الأحرار في هذا العالم، يقودهم أبناء فلسطين المؤمنون بقضيتهم، أولئك الذين رفعوا راية "لا إله إلا الله" التي حرَّرت العرب يومًا من عبادة الأصنام، وهي الكلمة ذاتها التي ينبغي أن تجوب اليوم العالم لتُخلِّصه من الظلم والطغيان إلى عبادة الواحد الديّان.
أمة المليار مُطالبة اليوم بأن تُعيد قراءة تاريخها، وتستعيد كرامتها، وتُوظِّف ما لديها من إمكانات وأدوات سياسية وقانونية في الدفاع عن مُقدساتها ودماء أطفالها. إنها أمانة التاريخ وأمانة الشهداء الذين سقطوا وما يزالون يسقطون تباعًا من أجل كرامة هذه الأمة.
إنَّ في التاريخ دروس لا ترحم؛ فعلينا أن نتذكر أن كل أُمَّة تخلَّت عن قيمها وخذلت أبنائها، خسرت احترامها بين الأمم، وكما قال ابن خلدون في مقدمته: "الظلم مؤذن بخراب العمران"؛ فحين يعُم الظلم وتسكت الأمة عن نُصرة الحق، تتهاوى الدول كما تتهاوى أوراق الخريف.
ولنا في سقوط الأندلس عبرة لا تُنسى، حين تشرذم ملوك الطوائف وتنازلوا عن كرامتهم، فسلَّمُوا المدن واحدةً تلو الأخرى لعدوهم. ولنا في بغداد عبر عندما استسلمت لحصار التتار، حتى قيل يومها: "لم تبق في بغدادَ دارٌ إلا وسالت فيها الدماء"؛ فانتهت حضارة، وذُبحت كرامة، وتركنا وراءنا تاريخًا نندبه إلى يومنا هذا، وها هو التاريخ يتكرر في العراق في عصرنا الحديث فقد جلبنا الشيطان إلى الديار "فجاسوا خلال الديار".
فكل أُمَّةٍ باعت مُقدَّساتها، وضحَّت بمقدراتها، وتنازلت عن كرامتها مقابل وعودٍ زائفة أو خضوعٍ مُخزٍ، خسرت كل شيء. وها نحن اليوم نواجه امتحانًا جديدًا؛ فإمَّا أن نَثبُت على الحق كما فعل صلاح الدين في حطين، حين جمع شتات الأمة ورفع راية الجهاد دفاعًا عن القدس، أو نسقط في مزبلة التاريخ، كما سقطت ممالك الطوائف التي باعت كرامتها بالدنيا الفانية.
رابط مختصر