لجريدة عمان:
2025-12-13@23:01:02 GMT

الربيع العربي.. الأحداث والتحديات

تاريخ النشر: 23rd, December 2024 GMT

17 ديسمبر 2010م.. انطلقت شرارة الربيع العربي، حين أحرق التونسي محمد بوعزيزي نفسه، فاندلعت في مدينته سيدي بوزيد مظاهرات عمّت تونس، وبعد أقل من شهر ترك الرئيس زين العابدين بن علي (ت:2019م) بلاده. كانت تونس الحجرة الأولى من رقعة الدومينو التي تتساقط أحجارها واحدةً تلو الأخرى، وآخرها في 8 ديسمبر 2024م، عندما رحل الرئيس السوري بشار الأسد عن دمشق إثر سيطرة قوات المعارضة عليها، التي بدأت نضالها عام 2011م.

كُتِبتْ دراسات ومقالات وقُدِّمتْ حوارات وتحليلات عبر مختلف واجهات الصحافة والنشر والإعلام والتلفزة.. والجامع بينها هو اتفاقها على أن الربيع العربي لم ينتهِ، وأن أحداثه جارية، إنه قطار انطلق ولن يقف حتى تتغير خارطة الوطن العربي. خارج نطاق التحليل، ونزولاً على أرض السياسة العربية، فإن الحكومات تدرك ذلك، وتدرك أن الشارع يتحرك من تحت أقدامها، وقد كشف سير الأحداث أنها تبذل جهدها لتجنب تأثير الربيع عليها، هذا بالنسبة للدول التي لم يكتسحها، أما التي اكتسحها فهي غارقة في صراعاتها، محاولة الخروج من مستنقع الدمار الذي أصابها، وهي تعاني من الاقتتال الداخلي، وتعاني أكثر من التدخلات الخارجية، التي يحاول كل طرف منها أن يفرض رؤيته في تشكّل الدولة الجديدة، من دون أن يرتد هذا التشكل بأثر سلبي على نظامه. وحتى يستبين حجم التحديات المستقبلية للربيع العربي ونوعها؛ ينبغي النظر في الخط العام لأحداثه خلال المدة المنصرمة.

الربيع العربي.. هو ثمرة حالة الشعوب العربية قبله، فقد كانت معظم الحكومات تعتبر الشعوب محكومة من قِبَلها، وليست شريكتها في الوطن وإدارته واتخاذ قراراته وسن قوانينه. فلا توجد أحزاب سياسية حقيقية ينضوي تحتها الشعب، ولا برلمانات معتبرة تمثله، ولا منابر إعلامية يعبر فيها عن رأيه. كانت هذه الحكومات تعاني من اللايقين السياسي والاقتصادات المهزوزة، والتعليم غير قادر أن ينهض بالأمة. وإعلام يقدم الإنجازات الحكومية، غاضاً الطرف عن حقيقة الحالة التي يعيشها الناس. والشعوب تعيش على حافة الفقر، وفرص العمل محدودة. أضف إلى ذلك؛ دخول العالم العصر الرقمي، وتواصل الشعوب فيما بينها، وتأثر العرب بالحالة الديمقراطية التي يعيشها العالم، دون قدرة الحكومات على إيجاد طرق توافقية للتواصل مع شعوبها، وقد ظلت خاضعة لبُنية الدولة العميقة التي يهيمن عليها متنفذون لهم مصالح لا يريدون التفريط بها، ولو على حساب عموم الشعب واستقرار الوطن.

أما أمريكا فقد كانت تعيد هيكلة الشرق الأوسط، وتنفذ مشروعها هذا بطريقين متلازمين: بمحاربة ما أسمته «الإرهاب الإسلامي»، دون اعتبار الأسباب التي أدت إليه، ولا الوضع الاجتماعي الناشئ من الحالة السياسية المحتقنة والممارسات العسكرية لأمريكا ذاتها في المنطقة. وبفرض الديمقراطية الغربية ببرنامج تأهيلي لمن تختارهم من «الناشطين الحقوقيين» في الشعوب العربية المقهورة، مما أوجد حالة من الحقد المتبادل بين الحكومات والشعوب؛ أدى إلى مزيد من السخط.

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. لم يكن غائباً عن التأثر بالربيع العربي، فقد عملت أمريكا على الدفع بالمنطقة إلى التطبيع مع إسرائيل، تحت طائلة خوف الحكومات من تمدد الإسلام السياسي نتيجة الفراغ السياسي الذي أحدثه الربيع، مما دفع إلى تهميش هذا التيار العريض - الذي عملت بعض حكومات المنطقة بنفسها على رعايته وتمكينه- حتى لا يقف عقبة كأداء أمام التطبيع، ونسيت بأن التهميش لا يؤدي إلى الاضمحلال.. بل إلى الانتعاش والعنف. ومن الآثار المباشرة التي أدت إليها هذه السياسة انفجار الأوضاع بغزة، وقيام المقاومة الفلسطينية؛ في مقدمتها حماس بطوفان الأقصى، الذي أدخل المنطقة في صراع مستعر، وجعل العالم على حافة حروب دولية. لقد وقفت إيران وسوريا مع المقاومة، وحشدت إيران معها حزب الله والمقاومة العراقية وأنصار الله اليمنيين لمساندة غزة، مما دفع الدول الحليفة لإسرائيل إلى العمل على تحجيم جبهات المقاومة، وتحقق لها ذلك بقتل إسرائيل قيادات عليا في المقاومة وإيران، مما أوهن الوجود الإيراني في المنطقة، فعاجلت قوى المعارضة السورية بالإطاحة بنظام الأسد، فأصبحت المنطقة في حالة توتر، سيحدد ما بعدها حكام سوريا الحاليون.

لقد أدى الربيع العربي إلى تدمير الدولة في بعض البلدان التي عصف بها، ثم لم تتمكن من بنائها من جديدة.. بل دخلت في دوامة الانقسام والعنف ولم تخرج منها. وهناك تفاؤل من البعض بأن سوريا الجديدة ستكون أوفر حظاً، وتتحول إلى دولة ديمقراطية مستقرة، ولكن سوابق المنطقة لا تبشر بذلك، فقد تمكن بعض البلدان التي أطيح بحكامها من الحفاظ على الدولة من الانهيار، ولم تتمكن من تبني الديمقراطية وعاد الاستبداد إليها، وأزيحت الحكومات المنتخبة بقوة السلاح أو بالحشد المضاد، وزُجَّ بقياداتها في السجون، وقد مضى على الثورات عقد ونصف دون أن تخرج هذه البلدان من مشاكلها كالفقر والاستبداد وهجرة العقول إلى عالم أفضل.

خليجياً.. نظر بعض الدول إلى أن المشكلة في الإسلام السياسي، وأن عليها الأخذ بالانفتاح الغربي، فانقلبت على التوجه الإسلامي عموماً، وفتحت الحياة الاجتماعية على القيم الغربية، ظناً منها أنها تسير في طريق التحول المستقر، وغفلت أن الانفتاح في الغرب ليس هو إلا ثمرة ثانوية للديمقراطية والحرية الفردية. إن هذا الانفتاح الذي تمارسه هذه الدول قد يؤول إلى اضطراب اجتماعي وسياسي لا تحمد عقباه، ولا يكفي أن تحمي الحكومات نفسها بتبني المشاريع الاقتصادية وتحقيق الرفاه الاجتماعي، فالمعتقدات أرسخ في النفس وأقوى في المجتمع من التحولات الطارئة.

ورأت دول خليجية أن تسير سيرتَها الأولى، فواصلت الوقوف مع الإسلام السياسي وتحولاته، باعتباره يشكل شريحة كبرى من الاجتماع البشري في المنطقة، كما أنه التيار الوحيد الذي لديه برنامج سياسي، ومن الصعب تهميشه. ورغم أن هذه النظرة تتمتع بنصيب من الصواب، إلا أن هذه الدول ذاتها تتحصن عن تأثير الإسلام السياسي عليها، وعاقبة هذه السياسة أن يؤثر هذا التيار على الجميع؛ إن نجح في ذلك، بما فيها الدول الداعمة له. في حين آثرت دول أخرى عدم تغيير مسار التعامل مع التحولات الاجتماعية والسياسية فيها، ورأت أن دمج القوى الناشطة في المجتمع هو السبيل الأنجع، وقد دخلت في إعادة التراتبية الاجتماعية، انطلاقاً من وضع ضوابط للجنسية.

أما سلطنة عمان التي نهجت نهجاً متزناً في التعامل مع الأمور السياسية والدينية؛ فقد رأت أن من المشكلات التي ينبغي معالجتها الديون وضعف الاقتصاد، فعملت بـ«خطة التوازن المالي» وتشجيع الاستثمار الخارجي، وهذا جيد. وعليها أن تسارع بمعالجة ملف الباحثين عن العمل والمسرحين من أعمالهم؛ فهو من أهم عوامل الاطمئنان الاجتماعي. وعليها كذلك النظر في الخطاب الديني والحراك الثقافي، وهما ملفان يحتاجان إلى وضع استراتيجية جديدة تستفيد من المعطيات الحضارية للبلاد، على أن تدفع بها إلى مستقبل مستقر ومتوازن ومسهم في التحولات المدنية التي تشهدها المنطقة، وهذا ما تبشر به النهضة المتجددة.

حتى الآن.. لا يبدو هناك مخرج حاسم من مسار الربيع العربي، وقد تتواصل التغييرات حتى تجد الحكومات حلاً للعلاقة بينها وبين الشعوب، فالمنطقة أمام جيل جديد؛ «الجيل زد» (مواليد:1995-2010م)، الذي لا يفكر كما نفكر، ولا طموحاته هي طموحات آبائه، ولا مشاكله هي مشاكل من سبقه. إن على الدول أن توجد لها «دعاتها» بين هذا الجيل، بحيث يكونون قادرين أن يتفهموا آليات التحول الاجتماعي والسياسي، وأن التدرج هو سنة الحياة. والساسة مجبرون بحكم الزمن على إيجاد صيغة تشاركية مع المجتمع، فهذا جيل برجماتي لا ينتظر الأماني المعسولة.. بل تلح عليه سرعة العصر أن يرى النتائج قريبة التحقق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإسلام السیاسی الربیع العربی

إقرأ أيضاً:

كشف شبكة التسول.. استغلال الأطفال يفضح العصابة بالكامل

ألقت الأجهزة الأمنية في القاهرة والجيزة القبض على عصابة متخصصة في التسول، تضم 11 سيدة ورجلا واحدا، بعد ثبوت إدارتهم شبكة إجرامية منظمة تستغل الأطفال والمواطنين لابتزاز المال في الشوارع.

القبض على شبكة تسول تهدد حياة الأطفال في الشوارع

كشفت التحريات أن العصابة كانت تستخدم أساليب إلحاحية وابتزازية، مستهدفة الأطفال الأحداث لإجبارهم على التسول وبيع السلع بطريقة مريبة. 

وأوضحت التحقيقات أن من بين المقبوض عليهم ست سيدات وستة رجال، بينهم سبعة لديهم سجلات جنائية سابقة، في حين تم ضبط 20 حدثا كانوا معرضين للخطر نتيجة استغلالهم في نشاطات التسول.

أكدت وزارة الداخلية أن الضبط جاء ضمن جهودها المتواصلة لمكافحة استغلال الأحداث، حيث تم نقل الأطفال المعرضين للخطر إلى أماكن آمنة، وتسليمهم لأهاليهم بعد أخذ التعهد اللازم لضمان رعايتهم بشكل مناسب. كما تم التنسيق مع الجهات المختصة لإيداع من تعذر الوصول إلى أهليتهم بإحدى دور الرعاية الاجتماعية لحمايتهم من أي ضرر مستقبلي.

أضافت التحريات أن العصابة كانت تعتمد على أساليب إجرامية دقيقة، تشمل إرغام الأطفال على البيع والتسول في الشوارع، وتوظيفهم كواجهة لتغطية نشاطاتها، بما يعكس تخطيطا محكما من قبل المنظمين. وبينت التحقيقات أن هذه الممارسات كانت تهدد حياة الأحداث بشكل مباشر، وتعرضهم لأخطار جسيمة أثناء تواجدهم في الشوارع لساعات طويلة.

اتخذت جهات التحقيق كافة الإجراءات القانونية اللازمة ضد المتهمين، حيث تم حبسهم احتياطيا، وتوجيه تهم إدارة شبكة للتسول واستغلال الأحداث، تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة. وأكدت المصادر أن جهود الشرطة ستستمر في ملاحقة كل من يحاول استغلال الأطفال أو المواطنين، وأن القانون لن يتهاون مع أي نشاط يضر بالأحداث أو بالمجتمع.

اعتداء بالأسلحة البيضاء في قلب القاهرة بسبب خلاف مرور بسيط التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة حول جريمة المنوفية بحق عروس وطفلها وفد أمني رفيع يصل موقع الهجوم الإرهابي في محافظة صلاح الدين العراقية العثور على 50 فيديو مخلا واتهام مدرب المنصورة بالتحرش بالناشئين القبض على مواطن مضطرب نفسيا يهاجم مصلين بسكين داخل مسجد بالإسكندرية تصادم مروع بالبحيرة.. 10 مصابين وإغلاق طريق رئيسي في النوبارية وفاة أبو مرداع تصدم المملكة.. جنازة تاريخية ومشاهد حزن واسعة بعد حادث مأساوية.. وزارة التربية المغربية تطالب بتحديث أسطول سيارات المفتشين فورا حى شمال الجيزة يحاصر منطقة انفجار الغاز ويزيل 7 منازل مهددة بالانهيار القبض على أخطر تاجر أسلحة ومخدرات في قوص

مقالات مشابهة

  • عبر الخريطة التفاعلية.. ما أهمية المنطقة التي وقع فيها كمين تدمر؟
  • مسار الأحداث يناقش أهداف إسرائيل من اغتيال رائد سعد
  • قمة المرأة المصرية تسلط الضوء على بناء الذات وهندسة الحياة المهنية في عالم الفرص والتحديات
  • هيئة مكافحة الفساد: الانقسامات ليست ذريعة والتحديات لن توقف العمل
  • كشف شبكة التسول.. استغلال الأطفال يفضح العصابة بالكامل
  • السلطات السورية تمنح الضوء الأخضر لاستعادة ممتلكات يهودية صادرتها الحكومات السابقة
  • «تسول أطفال الشوارع».. القبض على أفراد عصابات «الكتعة» بالقاهرة والجيزة
  • ضبط عصابة تستغل الأطفال فى التسول وبيع السلع بالقاهرة والجيزة
  • 1.2 مليار دولار من أموال شركات الطيران محتجزة لدى الحكومات| ما القصة؟
  • استغلال الأطفال في التسول.. حبس عصابات «الكتعة» بشوارع القاهرة