المركز الدولي للقيم الإنسانية يدعو الإعلام لدعم أخلاقيات التعايش السلمي
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
أكد كتاب وإعلاميون عرب، أن وسائل الإعلام تلعب دورًا رئيسيًا في توجيه الرأي العام وصنع القرارات المجتمعية التي تسهم في ترسيخ قيم التعايش السلمي الدولي، وأنه متى ما كان الإعلام ملتزمًا بالقيم الأخلاقية، فإنه يصبح أداة لبناء مجتمع أكثر وعيًا وعدلاً، أما إذا غابت الأخلاقيات، فإنه قد يصبح مصدرًا للضرر.
جاء ذلك في مائدة مستديرة نظمتها لجنة الإعلام التابعة للمركز الدولي للقيم الانسانية والتعاون الحضاري في موضوع: "الإعلام والفاعلية الأخلاقية"، والتي بثت عبر حسابات المركز وصفحاته على مواقع ومنصات التفاعل الاجتماعية، يوم السبت 21 كانون أول / ديسمبر الحجاري.
شارك في النقاش الذي أدارته الإعلامية شيماء التجاري، كل من الإعلامية إسراء الشيخ من إسطنبول، وعادل الحامدي من لندن، وعبد الله مشنون من روما.
وأكدت التجاري في تقديمها للحوار أن الإعلام هو صلة الوصل التي من شأنها مد جسور التواصل بين الناس في مختلف بقاع العالم، وأنه يلعب دورا أساسيا في الانفتاح على كل ما يجري في العالم والتفاعل معه وفق ما تقتضيه قناعات الأفراد باختلاف مرجعياتهم وثقافاتهم ولغاتهم وأجناسهم.
وأشارت إلى أنه وفي ظل ما يعرفه العالم من متغيرات متسارعة ساهمت في تجددها الطفرة التكنولوجية والتحول الرقمي الذي اكتسح كل مجالات الحياة، بحيث أفرزت هذه المتغيرات أزمات حقيقية أرخت بضلالها على الوجود الإنساني ككل فغيبت حقيقته وزيفت معناه وغيرت وجهته نحو التيه والانحلال الخلقي وغياب المعنى وظهور النزعات الفردية والجنسية المدمرة للفطرة السوية.
وأكدت أنه كثيرا ما نجد أن الاستغلال السيء لسلطة الإعلام ونفوذه قد ساهم بشكل من الأشكال في مواصلة تغييب منظومة الأخلاق والقيم الإنسانية من حياة الناس عموما لتزيد من قوة الانتكاسة الأخلاقية التي يعرفها العالم بأسره.
وقالت: "أمام هذه الأوضاع وغيرها لم يعد أمام كل من له ضمير حي سوى التشمير عن السواعد من أجل إعادة لفت الأنظار نحو الدور الأخلاقي للإعلام.. وبناء عليه ترمي هذه المائدة المستديرة التي تنظمها لجنة الإعلام التابعة للمركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري إلى تناول موضوع "الإعلام وسؤال الفاعلية الأخلاقية" من خلال محاور هي كالتالي:
1 ـ الأدوار المنوط بالإعلام القيام بها في ظل الأزمة الأخلاقية العالمية
2 ـ إسهامات الإعلام في تكريس الفعل الأخلاقي الإعلامي
3 ـ تحديات ورهانات المرحلة
وتحدثت إسراء الشيخ، وهي صحفية وإعلامية، ومقدمة برامج في إسطنبول بتركيا عن الأدوار الأساسية التي يجب أن يقوم بها الإعلام في تعزيز القيم الانسانية خلال الأزمات الأخلاقية العالمية. وأشارت إلى أن العالم لا يعيش أزمة أخلاقية عالمية فقط، وإنما يعيش واقعا يتم فيه تصفية وإبادة القيم، تصفية الانسان وإبادته إبادة جماعية، وتدعو إلى ذلك وتشارك فيه عدد من وسائل الإعلام بشكل مباشر، حيث تقوم بالتواطؤ والتحريض المباشر مثلا على المسلمين بالدول الغربية عامة، وبفلسطين خاصة كما يبث أمام مرأى ومسمع العالم.
وأكدت الشيخ على الانعكاسات الخطيرة لتحريف الحقائق التي تروج لها وسائل الإعلام على أرض الواقع، حيث تروج للسردية الصهيونية وللإرهاب بالمفهوم الغربي، مما يسوغ القتل والإبادة للمدنيين، وأن غزة خير شاهد على هذا التقتيل والتدمير والإبادة الجماعية. وهو خير دليل على انحراف دور هذه الوسائل الإعلامية في نقل الحقيقة. مما يفرض التساؤل عن دورنا كإعلاميين بالمجتمعات العربية والإسلامية ـ في إطار المشترك القيمي ـ أمام هذه الأزمات الأخلاقية العالمية، لتحدده في الأدوار التالية:
ـ الاستمرار في نقل الصورة والمعلومة الحقيقية كما هي دون مبالغة أو دراما، فهي خير معبر عن تلك الحقيقة.
ـ تجنب الخضوع لاستفزازات وسائل الإعلام التي تدعم السردية الصهيونية،
ـ استحضار البعد المهني والأخلاقي في عملنا الإعلامي والصحفي،
ـ مراعاة المصطلحات التي توظف في نقل المعلومة والخبر حول فلسطين مثلا، وما يتعلق بها من تاريخ وواقع ورواية ومصطلحات ينبغي الترويج لها لدحر الرواية الغربية والصهيونية المنحرفة.
أما عادل الحامدي، مسؤول قسم أفكار في صحيفة "عربي21"، فذكر أن الإعلام الآن أضحى السلطة الأولى وأنه مسؤول عن تشكيل الوعي، وتوجيه الرأي العام في أي قضية من القضايا، وأن أغلب المنابر الإعلامية والمنصات الاجتماعية: تعبر عن الرأي وعن وجهة النظر الخاصة باجهة التي أوجدتها. ونبه إلى سرعة تفاعل الوطن العربي الآن أكثر مما مضى مع كثير من قضاياه بالمظاهرات والندوات الفكرية والقضايا القانونية... بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بفعل ثورة الاتصالات، مما يعطى سرعة أكبر في انتشار المعلومة.
انتقل الحامدي في معرض حديثه إلى ذكر أهم الأدوار التي يلعبها الإعلام في ظل الانفتاح الإعلامي وثورة الاتصالات:
ـ الإعلام نفسه تحول إلى قضية جوهرية في صناعة الرأي وليس فقط وسيلة أو أداة للدفاع عن قضايا مجتمعنا العربي والإسلامي، ومثل لهذا بتعامل الإعلام مع الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعب فلسطين أمام أنظار العالم، حيث نلاحظ الزوايا المتضادة التي يتم التعامل بها مع هذه الجرائم التي يقوم بها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
ـ الإعلام في وطننا العربي نستثمره حاليا لنصرة قضايا مجتمعنا دون أن نصل بعد إلى مرحلة إنتاج القنوات الإعلامية التي نتواصل بها مع العالم، بمعنى أن يكون العرب هم من يتحكمون في إيصال المعلومة إلى الرأي العام، وليس التعويل على قنوات عالمية مملوكة لجهات أجنبية تفتحها وتغلقها متى ما رأت ذلك في خدمة مصالحها.
ـ التعامل العربي والغربي على حد سواء مع منصات التواصل الاجتماعي يبين مستوى التردي القيمي والأخلاقي والإنساني الذي يعيشه العالم، وحجم التعدي على القيم الإنسانية الفطرية.
ـ بعض الجهات استثمرت وسائل التواصل الاجتماعي بغرض الترويج لمظلوميتهم، وتحدي محاولات منع وصول قضاياهم للعالم بسبب آلة القمع التي تحول بينهم وبين ذلك.
ـ النظام العربي الرسمي ظل يتعامل مع الإعلام بمختلف أنواعه على أنه ملكية خاصة للحاكم ولا يعرف أية استقلالية، ما يؤدي مباشرة إلى الانفراد بمصدر المعلومة، أي أن مصدر المعلومة جهة واحدة والقنوات التي يأتي من خلالها مملوكة لدات الكطراف، وهذا ما يفقد المعلومة مصداقيتها،
ـ نقل بعض وسائل التواصل الاجتماعي للمعلومات من جهة واحدة: فيه تضليل للرأي العام، وعدم بث الحقيقة كما يجب. وهي ـ أي هذه الوسائل ـ بذلك تسيء لصاحبها،
ـ مكنت هذه الوسائل في عصرنا الحالي كل شخص يتملكها من صناعة محتوى وتوجيه الرأي من خلال ما يبثه من حساباته ومنصاته الاجتماعية،
ـ تفاعل الإنسان مع فطرته السليمة والصحيحة يجعله على الطريق الصحيح الذي ينعكس على مدى تشبثه بقيم عظيمة: كالمساواة والعدل والحرية والتعاطف مع الآخر ورفض الظلم... ثم يعمل على الانخراط في بثها وإشاعتها.
أما عبد الله مشنون وهو إعلامي وكاتب صحفي بالمؤسسة الأوروبية الإعلامية بإيطاليا، فتناول الحديث عن دور الإعلام في تعزيز قيم الحوار المجتمعي حول القضايا الأخلاقية التي تبرز خلال الأزمات، فعرج على ذكر ما يشهده العالم الآن من انتشار واسع للإعلام، ومدى قدرته القوية على تقريب وجهات النظر وتحقيق التقارب بين الشعوب، مع التنبيه إلى ما قد تؤول إليه هذه الوسائل من جعلها أداة سلبية لنشر الشائعات، أو الأكاذيب، أو التلاعب بمصير الناس حيث التأثير الرقمي السريع على الإنسان في ربوع العالم.
وتساءل عن مدى ثبات الإعلام على نشر الحقيقة دائما؟ وبين استحالة ذلك بسبب أن الاعلام الآن أضحى وسيلة لتحقيق الربح السريع دون الأخذ بعين الاعتبار لمصدر المعلومة أو الأجندة التي يخدمها في شتى المجالات.
وتساءل: ما هو الدور الحقيقي للإعلام اليوم؟ وكيف يمكنه أن يظل أداة للبناء بدل الهدم والتخريب والتزوير للحقائق؟
وسرد مشنون مجموعة من الأدوار التي يمكن أن يقوم بها الإعلام في الأزمات العالمية ومنها:
ـ نشر الحقيقة ومحاربة التضليل الإعلامي؛ الاعلام هو المصدر الأساسي للمعلومات بالنسبة للجمهور،
ـ أن يكون الإعلام حارسا أمينا للحقائق كون هذه الأخيرة مسؤولية كبرى عند بث الأخبار،
ـ تعزيز القيم الإنسانية المشتركة، إذ الإعلام وسيلة لنشر قيم التسامح والتعاون والمساواة عندما يستخدم الإعلام قوته لإظهار الجوانب الإنسانية. بالتالي خلق مجتمع منسجم مدني مستوعب للتنوع،
ولكون المبادئ والمعايير الأخلاقية أساس الرسالة الإعلامية لبناء الثقة مع الجمهور المتلقي للخبر والمعلومة، وتعزيز الوعي المجتمعي وتحفيز النقاش حول القضايا التي تؤثر على المجتمع: قدم الضيوف في مداخلة ثانية مجموعة من الخطوات العملية لتكريس الفاعلية الأخلاقية للإعلام فجاءت كما يلي:
1 ـ ذكرت الإعلامية إسراء الشيخ أن تعزيز الفاعلية الأخلاقية للإعلام تبدأ من نقله للصورة كما هي بلا مواربة أو مبالغة، مع التأكيد على ضرورة الالتزام بالمصطلحات الإعلامية والسياسية كما هي والتي تخدم مختلف قضايانا العربية والإسلامية. كما اعتبرت السعي والبحث عن المعلومة بحد ذاته من الفاعلية الأخلاقية، ونبهت إلى خطورة الفجور في نشر الخصومة خصوصا في ظل الاختلاف الفكري أو الأيديولوجي لمكونات المجتمع، وأن تكون المنابر الإعلامية أبواقا لذلك. بل لابد من احترام مشاعر الآخر وكل آرائهم، والتحقق من كل خبر ومعلومة قبل بثها.
2 ـ أما عادل الحامدي فنبه إلى دور الإعلام الجديد والمؤثرين في صناعة المحتوى بعد أن كانت الوكالات الإعلامية الرسمية تنفرد ببث روايتها من جهة واحدة، كما هو شأن باقي المكونات التي تعتمد أدواتها الإعلامية الخاصة بها أيضا في بث مواقفها وآرائها.
وبين الحامدي أهمية المصداقية في التعامل مع الخبر وأثناء تحليله أو معالجة ملفات أخرى ذات أهمية من زوايا مختلفة، وختم بقوله إن الإعلام الجديد بجميع وسائله يمكنه أن يكون إحدى آليات التقارب والتفاعل والأمان والسلام بين المجتمعات. لكنه للأسف أزال كل الحجب التي كانت حائلا أمام الحديث عن الخصوصيات، وتجاوز كل الخطوط الحمراء التي لم يشملها الحديث سابقا. وحض الإعلاميين على التعالي عن الدخول في الخصوصيات الشخصية والانحياز للحقيقة.
3 ـ أما عبد الله مشنون فقد دعا إلى إطلاق مبادرات تدريبية، وتنظيم ورشات عمل ودورات للصحفيين والإعلاميين حول الأخلاقيات المهنية وأدوات التحقق من الأخبار، وتعزيز التعاون الدولي بإنشاء شبكات إعلامية تعزز التبادل الثقافي وتعمل على تقديم محتوى يعكس التنوع الثقافي وقبول الآخر، وتحفيز كل ذي محتوى قيمي عبر المؤسسات الإعلامية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة وخاصة الذكاء الصناعي بحكمة كأدوات تخدم الإعلاميين والصحفيين على التحقق من الأخبار.
ويعرّف المركز الدولي للقيم الإنسانية والتعاون الحضاري نفسه بأنه مؤسسة تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة وتشجيع التعاون بين الثقافات والحضارات المختلفة. ويسعى هذا المركز إلى بناء جسور التفاهم والاحترام بين الشعوب، وتعزيز السلام العالمي من خلال التركيز على المبادئ والقيم التي توحد الإنسانية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير الأخلاقية الاعلام علاقات اعلام ندوة أخلاق تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القیم الإنسانیة وسائل الإعلام الدولی للقیم هذه الوسائل الإعلام فی من خلال
إقرأ أيضاً:
صحافة المواطن: صالح الجعفراوي أنموذجًا
بقيت الصحافة والوسائل الإعلامية عمومًا محتكرة لعقود عديدة، مما شكّل نوعًا من تحديد نوع وإطار المعلومة التي تصل إلى الجمهور، لكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتزايد منصاتها ظهرت أنواع جديدة من الصحافة، منها ما يسمى في الدراسات الحديثة صحافة المواطن (Citizen Journalism) التي تعتمد على الفرد في نشر المعلومة، فوازنت بين الاحتكار المعلوماتي الذي كانت تمارسه المؤسسات الإعلامية وتأطيرها، وهكذا تحول كل فرد مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي إلى إعلامي محتمل قادر على صناعة الخبر بنفسه وتأطيرها.
تسمية هذا النوع من الصحافة بـ«صحافة المواطن» هو نوع من إبقاء المركزية للدولة في الوقت نفسه الذي تحرر هذه الصحافة الخبر والوصول إلى المعلومة من السيطرة المركزية للدولة، فأولا التسمية تستخدم لفظ المواطن (citizen) لوصف نوع الصحافة، واللفظ يشير إلى مسألة المواطنة في دولة ما، أي بالمفهوم العام هو فرد ينتمي إداريًّا/ سياسيًّا لدولة ما، ويقع في خانة المحكوم في مقابل الحاكم، لذلك لم تنتفِ صفة المركزية عن الدولة في التسمية، وفي هذا السياق تصف بعض الأدبيات هذا النوع على أنه «الصحافة التشاركية» و«الصحفي التشاركي» أي بمعنى المشاركة في المجال العام وعدم احتكاره للمعلومة كما تفعل المؤسسات الإعلامية سابقًا. وثانيًا، هذا النوع من الصحافة يحرر الخبر والمعلومة من السيطرة المركزية للدولة، إذ قبل ظهوره، لا يمكن الوصول إلى المعلومة الإعلامية إلا من خلال المؤسسات الإعلامية التي في الغالب إما أن تمتلكها الدولة أو تمولها لتتبنى أجندتها، لكن مع وجود هذا النوع من الصحافة أصبحت المعلومة حرة، يمكن أن تذاع بشكل حر من قبل أي فرد يمتلك هاتفًا ومسجّل في مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإن التضارب لا يكون في ذات المعلومة، وإنما في تأويلها، لكنها في ذاتها حرة لأنها يمكن أن تأتي من أكثر من مصدر فلا تكون حبيسة فاعل إعلامي واحد.
من النماذج المهمة التي مثلت صحافة المواطن خلال السنتين الأخيرتين أثناء الإبادة الجماعية على غزة، هو صالح الجعفراوي، الذي يعيش في غزة، إذ استطاع الجعفراوي -الذي استشهد يوم الأحد الماضي- أن ينقل، مع صحفيين آخرين، كثيرًا من الأحداث من خلال هاتفه، مما شكّل رواية بديلة غير مركزية للحقيقة، التي كانت تحتكرها وسائل الإعلام الغربية، حيث استطاعت هذه الصحافة التي مارسها الجعفراوي والآخرون في غزة، أن تصل بالحقيقة إلى الشعوب الغربية، مما دفعها أن تخرج من تضليل وسائل الإعلام الكبرى، وهو ما شكّل تحديًا حقيقيًا لوسائل الإعلام في أن تجادل أو تدافع عن السردية الصهيونية، ففي كل مرة كانت تضلل فيها الحقيقة تفقد هذه البرامج أو القنوات مصداقيتها لدى الجمهور، وبهذه الطريقة تحول صالح الجعفراوي من مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي إلى فاعل إعلامي مؤثر في الرأي العام العربي والعالمي، من خلال البساطة الإعلامية ونقل الصور والأحداث دون محاولة تأويلها أو تحليلها، فكل ما يفعله أن ينقل الحدث كما هو من عمق المأساة ذاتها، وقلب الإبادة والمجازر وليس بعيدًا عنها. حتى أصبحت حساباته الشخصية مصدرًا للأخبار في غزة وما يجري فيها.
على الرغم من التأثير البالغ للصحافة التشاركية (أو صحافة المواطن) على الجمهور المستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الجعفراوي كان يواجه التحديات التي يشترك فيها مع الصحفيين التشاركيين جميعًا، لا سيما في ظل الحرب، منها التحديات الأمنية، وهي المتعلقة بأمنه الشخصي، إذ هو مضطر ـ بناء على المنهجية التي اتبعهاـ أن يكون في قلب الحدث لتصوير الأحداث التي تقع كما هي، سواء كان في أحياء تقصف، أو يحدث فيها تبادل إطلاق النار، أو المستشفيات، مما جعل أمنه الشخصي مهددًا طوال السنتين الماضيتين، الذي يشكل تأثيرًا على صحته الجسدية والنفسية كذلك، فضلا عن عدم قدرته على النزوح أو الراحة، مما جعل استشهاده نتيجة لهذا التهديد الأمني أيضا، إذ استشهد بينما كان يصور إطلاق نار، إضافة إلى أنه يواجه بعض التحديات في المشككين في صحة الأخبار، وهو ما تتبناه السردية الصهيونية التي تنفي ما يصوره صالح الجعفراوي، أو تتهمه مع الشخصيات الواردة في الصور والمقاطع التي ينشرها على أنها مجرد تمثيل، وبالتالي هناك تشكيك مستمر في مصداقية المعلومة التي ينشرها، فضلا عن الشائعات المستمرة التي تنشر عنه للتقليل من مصداقيته الإعلامية. ومن هنا يُمكن للأفراد المتلقين عمومًا أن يصلوا لحالة الموازنة بين المصداقية وعدم الإضرار بالصحفي أو إلحاق الشائعات به، من خلال المقارنة بين مصادر المعلومة الواحدة وكيف يُمكن التفريق بين المعلومة في ذاتها وبين تأويلها.
شكلت تجربة الجعفراوي في ممارسة صحافة المواطن ظاهرة تستحق الدراسة من حيث إنها نقلت الإعلام وأعادت تعريفه باعتباره واجبًا إنسانيًا وأخلاقيا وليس مجرد مهنة، إذ الصحفي المواطن لا يتلقى أي أجر مقابل نشاطه الإعلامي ـ إلا في حالة الإعلان أو تعاقده مع مؤسسة تموله ـ وإنما يقوم بالأمر من دافع أخلاقي، وبهذه الطريقة يصبح المواطن قادرًا على إنتاج الحقيقة والمشاركة في البلوغ بها لتأدية تأثيرها على العقل الجمعي والفردي.