الوضع السورى.. ومستقبل ليبيا
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
من السابق الحكم على مستقبل سوريا فى ظل تعدد اللاعبين الدوليين على الأراضى السورية، وسعى كل القوى الدولية والإقليمية لتقديم نفسها فى المشهد السورى وفرض نفوذها خلال المرحلة الانتقالية التى تؤسس لشكل الدولة السورية بعد سقوط نظام الأسد الذى أسس للطائفية والعرقية فى سوريا، ولم يستطع تجاوز المرحلة الأولى من الربيع العربى منذ عام 2011 وكانت سببًا فى هجرة وتشريد ما يقارب نصف الشعب السورى، وسقوط كثير من المحافظات والمدن السورية فى أيدى الجماعات الإرهابية وتيار الإسلام السياسى والمعارضة السورية، حتى جاءت لحظة التفاهمات الدولية الجديدة لمسرح الأحداث فى أوكرانيا والشرق الأوسط، لتتخلى روسيا عن النظام السورى مقابل مصالحها المباشرة فى أوكرانيا وحماية أمنها القومى فى مواجهة الغرب، وفى ذات اللحظة انسحبت إيران من المشهد السورى مقابل تأمين منشآتها النووية باعتبارها أهم أهدافها الاستراتيجية، لتتصدر تركيا المشهد السورى وتصبح اللاعب الرئيسى فى سوريا نتيجة دعمها لهيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع فى دخول دمشق وإعلان سقوط النظام السابق.
التحركات الدبلوماسية الأخيرة، تكشف عن بعض من جوانب الغموض للحالة السورية، خاصة بعد زيارة الوفد الأمريكى ولقائه مع أحمد الشرع وعدد من أعضاء هيئة تحرير الشام التى تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية كجماعة إرهابية، فى تغير دراماتيكى يكشف عن تلون وازدواجية السياسية الأمريكية طبقًا للمصالح الأمريكية الإسرائيلية وتحقيق أهدافهما الاستراتيجية فى الشرق الأوسط.. أما زيارة وزير الخارجية التركى هاكان فيدان قبل أيام كانت كاشفة بجلاء عن أن الرابح الأكبر من أزمة سوريا هى تركيا كما جاء فى المؤتمر الصحفى مع أحمد الشرع عندما أكد أن التنسيق كامل على محاور عدة وأتى على رأسها العمل مع القيادة الجديدة على تحرير كامل الأراضى السورية من الجماعات الإرهابية والمسلحة إلى خارج سوريا، كاشفًا عن التعاون فى شتى المجالات ودعم تركى سياسى وفنى خلال المرحلة الانتقالية لإعادة بناء المؤسسات السورية وأيضًا عمليات الإعمار وبناء البنية الأساسية للدولة السورية، مشيرًا إلى البدء فى ترتيب زيارة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى سوريا فى تأكيد على الهيمنة التركية على سوريا، وفى ظل تشتت وغياب موقف عربى موحد لما يحدث فى سوريا نتيجة أيديولوجيات طائفية وعرقية تحدد مواقف بعض الأنظمة العربية، وعمل البعض الآخر كوكلاء لقوى كبرى، أو بعض الأنظمة التى ترفض التعامل مع تيار الإسلام السياسى والجماعات الإرهابية.
خطورة الوضع السورى لا يقف عند حد الوضع المجهول لمنطقة الشام وتأثيرها على الأمن القومى العربى والنزعة العروبية لهذه المنطقة بالغة الأهمية، وإنما يمتد تأثيرها لما هو أبعد وأخطر وتحديدًا على الأمن القومى المصرى، فى ظل ما تشهده المنطقة من إنتاج موجة من تيارات الإسلام السياسى ودعمها للسيطرة على الدول، كهدف استراتيجى أمريكى لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.. ومع تلاقى المصالح والأهداف التركية الأمريكية فى سوريا والهيمنة التركية على الوضع السورى، يجب التوقف أمام تصريحات وزير الخارجية التركى حول مستقبل جبهة النصرة ونقلها خارج سوريا، خاصة أن الكل يعلم أن تركيا لها مصالح فى الغرب الليبى وتدعم حكومة الغرب وتيار الإسلام السياسى، الذى بات ينتظر الدعم ويتحين الفرصة لتكرار التجربة السورية فى ليبيا، الأمر الذى يدعو الشعب الليبى الآن، وأكثر من أى وقت مضى إلى التحرك واتخاذ خطوات جادة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لحماية دولته ومقدراته من المخططات الخارجية وغزو تيارات الإسلام السياسى إلى الغرب لفرض واقع جديد على ليبيا، وهو نفس الأمر الذى يدعو الدولة المصرية إلى تحركات فاعلة ومسبقة تشكل خطوطا حمراء جديدة أمام محالات العبث بمستقبل ليبيا باعتبارها حدود الأمن القومى المصرى المباشر.
حفظ الله مصر
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صواريخ مستقبل سوريا القوى الدولية الإسلام السیاسى فى سوریا
إقرأ أيضاً:
الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!
كيف تشعرُ عندمَا تصحو كل يومٍ على حدَث ما أو خبر ما يشعرك بأنَّك تنتمي إلى عصر مضى؟ بأنَّ المفاهيم التي عشتها وآمنت بها لعقود عديدة... انتهت صلاحيتها؟
ملايين، بل عشرات الملايين، يدركون الآن، مثلي، أن الفترة المنصرمة من حياتنا كانت سراباً، وأن المُثل التي زُرعت فينا وتربّينا عليها وتعلّمناها في مراحل مختلفة من أعمارنا أَوْهَى من خيط العنكبوت.
ما نعيشه هذه الأيام فظيع. والأفظع منه ما نحن موعودون به قريباً. فاعتباراً من يوم غد، مع فتح كل بياناتنا الخاصة لأحدث نماذج الذكاء الاصطناعي، لن تبقى لأي منّا خصوصية. ولن تظل هناك حُرمات وممنوعات على «أوليغارشيي» المعلوماتية المتجسّسين علينا، والمتصرّفين بها على مزاجهم أو مزاج الأجهزة «الاستخباراتية - السياسية» التي تحرّكهم لخدمتها.
هنا نحن نقف عاجزين أمام سُلطة عاتية غير منتخبة، غدت فعليّاً فوق القانون، الذي ما عاد يُطبق إلا على الضعيف العاجز عن الاعتراض، أو «الغريب» المُهدّد في كل لحظة بالتوقيف التعسّفي أو التَّرحيل على الشبهة. وفي هذه الأثناء تقف القوّتان المفترض بهما حماية العدالة عاجزتين أو محاصَرتين:
الأولى: القضاء... المُهمَّش والمُستضعف والمشكوك في أمره. إذ تحوّل القُضاة -المعيّنون في تصويت سياسي برلماني في بعض الدول الديمقراطية- إلى شاهد زور «يبصُم على بياض»، أو ما عاد القُضاة الشرفاء يأمنون على حياتهم وأمن عائلاتهم أمام انفلات الغوغاء المتطرفين العنصريين.
والثانية: الإعلام... المفترض به أنه «سلطة رابعة» في الدول الموصوفة بـ«الديمقراطية». إذ جرى استيعابه وكمّ أفواهه عبر صفقات الاستحواذ الاحتكارية والهيمنة الضاغطة على مفكّريه وكُتّابه وباحثيه، وجارٍ أيضاً ابتزازه وتجاوزه عبر استخدام الذكاء الاصطناعي بديلاً جاهزاً للإعلاميين المحترفين ذوي الخبرة.
وهكذا، ما عاد القضاء يتحرّك لوقف التجاوزات، ولا الإعلام يؤدّي رسالته الرقابية... التي لطالما كانت منبر حوار ومتنفّساً يحول دون تدهور الانسداد السياسي إلى صدامات وفتن وأعمال عنف.
في بريطانيا نُشرت، هذا الأسبوع، تقارير مُقلقة لا تقتصر على الدورين السياسي والعسكري اللذين تلعبهما لندن الآن دعماً لإسرائيل في موضوع غزة، ولا تبنّي الحكومة العمالية المُسمّيات والتعريفات الليكودية لواقع ما يحدث في فلسطين المحتلة... بل تمسّ أيضاً مستقبل وجود بعض الجاليات المُهاجرة في بريطانيا.
وإذا كان اليمين العنصري في فرنسا وهولندا وألمانيا قد دأب خلال السنوات الأخيرة علناً على ممارسة سياساته المعادية للمهاجرين، تُشير التقارير المنشورة في لندن إلى خطط مُعدّة منذ سنوات عدة لسحب جنسية ملايين المجنّسين والمقيمين من ذوي الأصول المهاجرة وتهجيرهم!
الخطط تحمل بصمات رئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير، الذي وسّعت حكومته (بين 1997 و2007) «إطار» مسوّغات نزع الجنسية وشطب الإقامة. ومن ثم، لم يعُد هناك شخص من أصول مهاجرة -بالأخص من العالم الإسلامي والثالث- في مأمن من الترحيل. ولعل ما يزيد الأمر خطورة أنه يُكشف بينما ترتفع أسهم اليمين العنصري، ويحاول حزبا السلطة التقليديان (المحافظون والعمال) استجداء أصواته عبر تبنّي مطالبه.
في الولايات المتحدة، لا يقل الأمر خطورة مع قرع البيت الأبيض طبول الحرب على فنزويلا تحت غطاء «شرعة مونرو» (عام 1823)، التي جعلت من أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى «حديقة خلفية» للولايات المتحدة.
وبالفعل، بدأت واشنطن العد العكسي لاحتلال فنزويلا؛ حيث أكبر احتياطي نفط مُثبت في العالم، بعدما كانت ذريعتها الأولى «وقف تهريب المخدرات».
الإعداد لغزو فنزويلا يأتي، كما نتذكّر، بعد مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب كندا بالانضمام إلى الولايات المتحدة، وتهديده باحتلال جزيرة غرينلاند المرتبطة رسمياً بالدنمارك... وعمله الآن على سحب أربع دول أوروبية (إيطاليا والمجر وبولندا والنمسا) من الاتحاد الأوروبي.
بالتوازي، بين تبريرات غزو فنزويلا وإسقاط نظامها اليساري، بحجة «سوء إدارة الاقتصاد»، قرّر الرئيس ترمب دعم نظام الأرجنتين بمبلغ 40 مليار دولار. للعلم، الأرجنتين يحكمها راهناً اليميني المتشدد خافيير ميلاي، الذي كان مهدّداً بهزيمة انتخابية مذلة لولا الدعم الأميركي السخي!
جدير بالذكر أن دعم الأرجنتين بمليارات الدولارات يتزامن مع تزايد الانتقادات الداخلية للبيت الأبيض من الديمقراطيين والليبراليين، الذين يتسابقون على نشر إحصاءات تعكس خلفية تراجع نسبة تأييد ترمب في استطلاعات الرأي.
وزير التجارة الأسبق روبرت رايش (بين 1993 و1997) يلفت في تغريداته شبه اليومية إلى تسارع الاستقطاب بين ثروات القلّة ومداخيل السواد الأعظم من المواطنين. ومما قاله أخيراً إن 70 في المائة من الاقتصاد يعتمد على إنفاق المستهلكين المحلي، ولكن مع تكدّس الثروات في أيدي 10 في المائة فقط من الشريحة الأغنى، ما عاد بإمكان باقي الأميركيين شراء ما يكفي لإدامة تحريك العجلة الاقتصادية.
هنا تتضح أكثر فأكثر أهمية نفط فنزويلا لواشنطن، إلى جانب التنبّه لتصريحات مسؤولين أميركيين عن «أهمية» تشيلي وبوليفيا والأرجنتين بوصفها مصادر أساسية لمادة الليثيوم... الاستراتيجية!
وطبعاً، هذا يحصل أمام خلفية وثيقة «استراتيجية 2025 للأمن الوطني» الأميركية، التي تضمّنت اعتبار الهجرة «مصدر تهديد للحضارة الغربية»!
لجهة تكدّس الثروات في أيدي القلة، أورد السناتور الديمقراطي اليساري بيرني ساندرز، أخيراً، أن ثروات كبار المليارديرات ازدادت بشكل كبير منذ انتخاب ترمب لفترته الرئاسية الثانية. فوفق ساندرز، ازدادت ثروة إيلون ماسك (تسلا) بـ187 مليار دولار، ولاري إليسون (أوراكل) بـ78 ملياراً، وجيف بيزوس (أمازون) بـ36 ملياراً، ومارك زوكربرغ (ميتا) بـ25 ملياراً، في حين يحصل 60 في المائة من الأميركيين على مداخيلهم دفعةً دفعة.
أيضاً مع قضاء الذكاء الاصطناعي على مزيد من الوظائف، ترتفع نفقات الطعام والسكن باطراد. وبالنسبة لنفقات الطبابة والرعاية الصحية، بينما يُفلس نحو 530 ألف أميركي سنوياً بسبب عجزهم عن تحمل هذه النفقات، لا وجود لهذه الظاهرة في السواد الأعظم من دول أوروبا ودول العالم الراقية!
الشرق الأوسط