تركيا تقف على أعتاب تحقيق أكبر قدر من المكاسب في دوافعها الاستراتيجية الخاصة المتمثلة في السيطرة على شمال شرق سوريا الذي يهيمن عليه الأكراد على طول الحدود الجنوبية لتركيا، في حين يبدو صراع محتمل على السلطة وشيكًا بين الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا وهيئة تحرير الشام في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها أكراد، يستعد كلاهما لمستقبل غير مؤكد للتنازلات والتسويات القيادية السياسية.

الأكراد السوريون وتطلعاتهم

يشكل الأكراد أكبر مجموعة عرقية بلا جنسية في منطقة غرب آسيا، ويقيمون إلى حد كبير في تركيا والعراق وسوريا وإيران - ويقاتلون ضد الاستيعاب والقمع من أجل الحكم الذاتي الإقليمي والحكم الديمقراطي في الدول المعنية،

في سوريا، يشكل الأكراد 10٪ من إجمالي السكان، ويقيمون بشكل أساسي في المدن الشمالية الشرقية مثل حلب وكوباني ومنبج وعفرين والجزيرة ودمشق. كان الأكراد أداة فعالة في مكافحة البصمة المتوسعة للجماعة المتطرفة داعش في منطقة بلاد الشام على خلفية الفوضى التي أحدثها الربيع العربي.

منذ عام 2015، تعاونت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وقادت العمليات البرية التي هدمت خلافة داعش في الرقة، وقد أدى هذا الإنجاز العسكري إلى ترسيخ الأكراد كفاعل مهم في الساحة السياسية المتفرقة في سوريا وأحيا التطلعات الكردية لتحقيق إقليم لامركزي ومستقل في شمال شرق سوريا يسمى الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهو ما يشبه حكومة إقليم كردستان العراق التي تتمتع بوضع شبه دولة في العراق.

ومع ذلك، واجه "الحلم الكردي" العديد من العوائق في ظل نظام الأسد، وعلاوة على ذلك، أدت العمليات العسكرية التركية في المناطق الكردية السورية والموقف الغامض للولايات المتحدة، الحليف الأجنبي الرئيسي، إلى تفاقم المأزق الكردي، وفي حين عرضت واشنطن مساعدة أساسية ضد داعش، فإن إحجامها عن تحدي مصالح تركيا جعل الأكراد عرضة للخطر.

طموحات تركيا في سوريا ما بعد الأسد

لقد تطورت الأهداف الاستراتيجية التركية في سوريا منذ الربيع العربي، وكان أحد الأهداف المركزية لأنقرة إحباط التطلعات الكردية لإقامة كيان كردي مستقل في سوريا على طول حدودها الجنوبية، والتي تعتبرها تهديدًا وشيكًا لأمنها القومي.

تربط تركيا قوات سوريا الديمقراطية ومكونها الرئيسي، وحدات حماية الشعب، بحزب العمال الكردستاني، وهو كيان محظور ينفذ تمردًا في تركيا منذ عام 1984، والذي صنفته أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أنه جماعة إرهابية،  وسعت حكومة أردوغان المتعاقبة في أنقرة إلى القضاء على مساحات شاسعة من شمال سوريا تسيطر عليها وحدات حماية الشعب والتي يزعم أنها "ممر إرهابي"، مما يعرض سلامة أراضي تركيا للخطر.

من ناحية أخرى، كان الدعم السياسي والعسكري الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية ضد داعش دائمًا مصدرًا للخلاف بالنسبة لتركيا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، ومع ذلك، وعلى الرغم من دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية، فقد شنت تركيا، طوال الحرب الأهلية السورية وبعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في عام 2019، عدة هجمات عسكرية، مثل عمليات درع الفرات (2016)، وغصن الزيتون (2018)، ونبع السلام (2019)، في سوريا التي يهيمن عليها الأكراد.

ولتبرير عملياتها العسكرية داخل سوريا، دعت حكومة أردوغان إلى إنشاء "منطقة عازلة" أو "منطقة آمنة" بطول 30 كيلومترًا على طول الحدود السورية لإعادة تأهيل ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وهو ما أصبح مصدرًا للعبء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للاقتصاد التركي المنهار والليرة المتدهورة باستمرار.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: سوريا بشار الأسد المعارضة السورية ايران حزب الله اسرائيل هضبة الجولان تركيا سقوط نظام أكراد سوريا الأكراد السوريين الاسد دمشق روسيا أخبار مصر قمة الدول الثماني اردوغان سوریا الدیمقراطیة فی سوریا

إقرأ أيضاً:

أحمد الأشعل يكتب: خالد العناني.. انتصار جديد للقوة الناعمة المصرية في شهر الانتصارات

فوز الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والآثار الأسبق، بمكانة دولية رفيعة ليس مجرد خبر بروتوكولي عابر أو تكريم عادي يمر مرور الكرام، بل هو حدث يستحق أن نتوقف أمامه طويلًا، لأنه يحمل في طياته رسائل عميقة عن وجه مصر الحضاري، وعن تلك القوة الناعمة التي طالما تميزت بها مصر منذ آلاف السنين، واستطاعت أن تجعل منها دولة قادرة على التأثير والإلهام في محيطها والعالم بأسره.

خالد العناني ليس مجرد أستاذ جامعي بارع أو وزير سابق ناجح، بل هو نموذج للعقل المصري حين يتسلح بالعلم والمعرفة والقدرة على مخاطبة العالم بلغة يفهمها الجميع. فقد نجح خلال سنوات عمله في أن يجعل من الآثار المصرية لغة دبلوماسية وسياسية، ومن السياحة جسرًا للتواصل الحضاري بين الشعوب، ومن الثقافة قوة تفاوضية لا تقل أثرًا عن أي سلاح أو أداة من أدوات القوة الصلبة. إن حضوره الدولي اليوم يثبت أن مصر قادرة على إنتاج الرموز القادرة على المنافسة، وأن أبناءها ما زالوا يمثلون قوة بشرية وعلمية تستطيع أن تحمل اسمها إلى كل مكان.

هذا الفوز يؤكد أن القوة الناعمة ليست مجرد شعار يتردد في الخطابات، وإنما هي حقيقة متجذرة في تاريخ مصر. فمنذ فجر الحضارة، ومصر تقدم للعالم نموذجًا متفردًا يقوم على الفكر والفن والمعرفة والإبداع، قبل أن يقوم على القوة العسكرية أو الهيمنة الاقتصادية. اليوم، ونحن نحتفي بإنجاز خالد العناني، نجد أنفسنا أمام سؤال ملح: كيف يمكن تحويل هذه النجاحات الفردية إلى سياسة دولة متكاملة، تجعل من كل عالم وفنان ومبدع مصري سفيرًا دائمًا لمصر؟

المطلوب أن يكون هناك تبنٍ مؤسسي لهذه الكفاءات، وأن تُدرج القوة الناعمة ضمن أولويات الأمن القومي المصري. فالعالم الآن لا يقاس فقط بترسانات السلاح أو بحجم الاقتصاد، وإنما يقاس أيضًا بالقدرة على التأثير وصناعة الصورة الذهنية الإيجابية. مصر تمتلك مخزونًا حضاريًا وثقافيًا هائلًا، لكن الأهم هو كيفية استثماره واستدامة روايته للعالم، بحيث تصبح “الحكاية المصرية” حاضرة في كل المنتديات والفضاءات الثقافية والسياسية والإعلامية.

ويكتسب هذا الإنجاز معنى خاصًا بكونه يتزامن مع شهر أكتوبر، شهر الانتصارات، ذلك الشهر الذي يذكرنا دومًا بقدرة مصر على تحدي المستحيل وصناعة المجد. فإذا كان أكتوبر قد جسد أعظم انتصار عسكري في تاريخنا الحديث، فإن فوز خالد العناني يرمز إلى انتصار حضاري وفكري في ساحة مختلفة، لكنه لا يقل قيمة ولا أثرًا. ففي الميدان انتصرنا بالسلاح والإرادة، واليوم ننتصر بالفكر والثقافة والعلم والإبداع، لنؤكد أن مصر قادرة على أن تحقق الإنجازات على كل المستويات.

إن هذا الفوز لا يُحسب لشخص خالد العناني وحده، وإنما لمصر كلها، لأنه يعكس حقيقة أن أبناء هذا الوطن، أينما وُجدوا، قادرون على أن يكونوا سفراء لها. وهو في الوقت نفسه تذكير بأن القوة الناعمة المصرية ليست ذكرى من الماضي أو إرثًا محنطًا، بل هي مشروع مستقبلي متجدد يعيد تقديم مصر للعالم، ويثبت أن الحضارة المصرية لا تزال حيّة في عقول أبنائها وفي قدرتهم على الإبداع والتأثير.

هكذا تنتصر مصر مرة أخرى، وتبعث برسالة إلى العالم أن هذه الأمة لا تُقاس فقط بما مضى من أمجادها، بل بما تصنعه اليوم وما ستقدمه غدًا، وأنها قادرة دائمًا على أن تبقى في الصدارة، تصنع الرموز، وتصدّر الأمل، وتثبت أن الحضارة المصرية مشروع متجدد لا ينطفئ.

طباعة شارك الدكتور خالد العناني القوة الناعمة الفن والمعرفة

مقالات مشابهة

  • العراق: ضرورة التنسيق مع سوريا لمواجهة «داعش»
  • أحمد عاطف آدم يكتب: احذر.. الذكاء الاصطناعي يكذب ويبتز
  • بعد عامين على طوفان الأقصى…غزة التي غيرت العالم
  • أحمد الأشعل يكتب: خالد العناني.. انتصار جديد للقوة الناعمة المصرية في شهر الانتصارات
  • قائد قوات سوريا الديمقراطية يطالب بإقامة منطقة حكم ذاتي
  • تصعيد خطير شمال سوريا.. مواجهات عنيفة مع «قسد» وتركيا تلوّح بالتدخل
  • عبد الله الثقافي يكتب: الدكتور أحمد عمر هاشم تاج العلماء وصوت أهل السنة
  • مقتل 13 بالكونغو الديمقراطية والأمم المتحدة تطالب بحماية المدنيين
  • رئيس شمال قبرص يرد على زعيم القبارصة اليونانيين: “تركيا لا تُقصى”
  • تركيا: اتفقنا مع سوريا على إنشاء مركز عمليات مشترك