يرى الكاتب الروسي سيرغي ليبيديف أن تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط يعود إلى تناقضات سياساتها التي تدّعي الليبرالية في حين تنحاز بشكل غير مشروط لإسرائيل، و"فشل مشاريعها" بدعم الربيع العربي والديمقراطية، وتوجهها المعلن لتقليص وجودها في المنطقة، مما أدى إلى التشكيك بمصداقيتها كحليف موثوق.

وقال ليبيديف -الأستاذ المحاضر بالجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي- في مقال رأي نشرته صحيفة "فزغلياد"، إن الأنظار تحوّلت في عام 2024 نحو الشرق الأوسط وتراجع النفوذ الأميركي خصوصا، نظرا للأحداث المتسارعة التي تهز المنطقة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2واشنطن بوست: أوروبا على حافة الهاوية وتواجه تهديدات في 2025list 2 of 2إعلام إسرائيلي: مهما دمرنا ستطلق الصواريخ وسيعود سكان شمال غزةend of list تناقضات أميركية

واعتبر الكاتب أن الولايات المتحدة التي تدّعي أن سياستها في الشرق الأوسط تستند إلى مبادئها الليبرالية، تتصرف على أرض الواقع بشكل يناقض تماما هذه الأيديولوجية، ومن ذلك دعمها غير المشروط لإسرائيل بغض النظر عن انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي.

وذكر الكاتب أنه خلال فترة الربيع العربي، دعمت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الاحتجاجات في جميع أنحاء المنطقة وتخلت عن حلفائها، على غرار الرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي.

وأضاف أن هذا التوجه أثار مخاوف الأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط، في حين اعتبر كثير من السياسيين في المنطقة أن الربيع العربي حدث مصطنع تقف وراءه أطراف خارجية.

إعلان الانسحاب من المنطقة

وتزامنا مع فشل المشروع الأميركي -كما يرى كثيرون-، أصبح حكام دول الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل، يتساءلون عن جدوى الاعتماد على الولايات المتحدة في أوقات الأزمات، وما إذا كانت مستعدة للتخلي عنهم وفق مصالحها، يتابع الكاتب.

وحسب رأيه، فإن رغبة واشنطن في تقليص وجودها في المنطقة -وهو الأمر الذي أعلنته منذ أكثر من عقد- يعدّ أيضا من العوامل التي دفعت الحكومات إلى التشكيك في الولايات المتحدة كحليف موثوق به.

وأكد الكاتب أن فكرة الانسحاب من الشرق الأوسط ظهرت خلال فترة رئاسة أوباما، الذي كان يعتقد أنه على الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري إلى الحد الأدنى وإدارة الأحداث في الشرق الأوسط دون التدخل المباشر، وهو ما يُعرف بـ"القيادة من الخلف".

وتابع أن إدارة بايدن اعتمدت رسميا السياسة ذاتها، وهو ما تؤكده الوثائق الرسمية، مثل إستراتيجية الأمن القومي التي تم اعتمادها في عام 2022، لكنه اعتبر أنه من المستبعد تفكير الولايات المتحدة في الانسحاب بشكل كامل من المنطقة.

وأوضح أنه بغض النظر عن مدى واقعية فكرة الانسحاب، فإن التصريحات الأميركية المتكررة في هذا الاتجاه تثير قلق حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة، التي بدأت تحاول تنويع شراكاتها الجيوسياسية حسب تعبيره.

الناتو العربي

وأضاف الكاتب أن هذه النقاشات استمرت خلال رئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترامب الأولى، حين حاولت الإدارة الأميركية تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، وروّجت لاتفاقيات أبراهام، وطرحت مبادرة إنشاء تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي، المعروف بـ"الناتو العربي".

ولكن تلك المبادرة بقيت حبرا على الورق ومن المستبعد تنفيذها على أرض الواقع وفقا للمقال، وكان المشروع يتضمن تشكيل قوات شرق أوسطية تحمي المصالح الأميركية في المنطقة، أساسا ضد الطموحات الإيرانية.

إعلان

وكان ذلك قبل أن يفاقم إعلان ترامب المتكرر احتمال سحب أنظمة الدفاع الجوي (باتريوت وثاد)، حالة التوتر في المنطقة.

دعم غير مشروط لإسرائيل

كما اعتبر الكاتب أن الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل على مدار عقود يهدد النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وتقوم إستراتيجية الأمن القومي التي تعتمدها الولايات المتحدة حاليا على تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول المنطقة مع الحفاظ على التزامها الثابت بضمان أمن إسرائيل.

وفي كتابهما بعنوان "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"، سلّط الكاتبان جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، وستيفن والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، الضوء على سبب دعم واشنطن غير المشروط لتل أبيب.

وحسب الكاتبين، فإن إسرائيل بذلت جهودا كبيرة لإنشاء لوبي إسرائيلي في واشنطن له تأثير قوي على السياسة الأميركية، إلى درجة أن أي سياسي أميركي أصبح يدرك أن معارضة إسرائيل بشكل علني يعني نهاية حياته السياسية.

وذكر الكاتب أنه وفقا لأكثر التقديرات تحفظا، ناهزت المساعدات التي خصصتها الولايات المتحدة لإسرائيل في الفترة الفاصلة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسبتمبر/أيلول 2024، أكثر من 22 مليار دولار، رغم غضب الرأي العام الأميركي من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة.

واعتبر المقال أن إسرائيل تشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعرقل جميع المبادرات السلمية، مراهنا على الدعم الأميركي المستمر لمواصلة عملية "التطهير العرقي" في القطاع.

وختم الكاتب أن كل هذه العوامل تؤثر سلبا على نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مما يشكل فرصة أمام لاعبين آخرين -على رأسهم روسيا والصين- لبسط نفوذهما في المنطقة، لا سيما وأنهما تعتمدان نهجا مختلفا تماما عن الولايات المتحدة.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات الولایات المتحدة فی فی الشرق الأوسط فی المنطقة الکاتب أن

إقرأ أيضاً:

ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!

لم يبقَ في عالمنا العربي إعلاميٌّ أو محلّلٌ سياسي، أو دخيلٌ على المهنتين، إلا وحاضر ودبّج مقالات على مرّ العقود الأخيرة عن «الشرق الأوسط الجديد». غير أنَّ الشرق الأوسط الذي نراه اليوم حالة مختلفة عما كنا نسمعه، مضموناً وظروفاً.

منطقتنا صارت، مثل حياتنا ومفاهيمنا السياسية - الاجتماعية، خارج الاعتبارات المألوفة. بل يجوز القول إنها باتت مفتوحة على كل الاحتمالات. وهنا لا أقصد البتة التقليل من شأن نُخبنا السياسية أو الوعي السياسي لشعوبنا، أو قدرة هذه الشعوب على التعلّم من أخطائها... والانطلاق - من ثم - نحو اختيار النهج الأفضل...

إطلاقاً!
اليوم، نحن وأرقى شعوب الأرض وأعلاها كعباً في الممارسة السياسية المؤسساتية في زورق واحد.
كلنا نواجه تعقيدات وتهديدات متشابهة. ولا ضمانات أن «تعابير» كالديمقراطية والحكم الرشيد في دول ذات تجارب ديمقراطية راسخة، كافية إذا ما أُفرغت من معانيها، لإنقاذ مجتمعات هذه الدول مما تعاني منه... وسنعاني منه نحن.

بالأمس، سمعت من أحد الخبراء أنَّ الاستخدام الواسع لتقنيات «الذكاء الاصطناعي» في مرافق أساسية يومية من حياة البشر ما عاد ينتظر سوى أشهر معدودة.

هذا على الصعيد التكنولوجي، ولكن على الصعيد السياسي، انضمت البرتغال قبل أيام إلى ركب العديد من جاراتها الأوروبيات في المراهنة عبر صناديق الاقتراع على اليمين العنصري المتطرف، مع احتلال حزب «شيغا» الشعبوي شبه الفاشي المرتبةَ الثانية في الانتخابات العامة الطارئة، خلف التحالف الديمقراطي (يمين الوسط)، وقبل الحزب الاشتراكي الحاكم سابقاً.

تقدُّم «شيغا» في البرتغال، يعزّز الآن حضور الشعبويين الفاشيين الذي تمثله في أوروبا الغربية قوى متطرفة ومعادية للمهاجرين مثل: «الجبهة الوطنية» في فرنسا، و«فوكس» في إسبانيا، و«إخوان إيطاليا» في إيطاليا، وحزب «الإصلاح» (الريفورم) في بريطانيا، وحزب «الحرية» في هولندا، وحزب «البديل» في ألمانيا.

ثم إنَّ هذه الظاهرة ليست محصورة بديمقراطيات أوروبا الغربية، بل موجودة في دول عدة في شرق أوروبا وشمالها، وعلى رأسها المجر. وبالطبع، ها هي ملء السمع والبصر في كبرى الديمقراطيات الغربية قاطبةً... الولايات المتحدة!

في الولايات المتحدة ثمّة تطوّر تاريخي قلّ نظيره، لا يهدد فقط الثنائية الحزبية التي استند إليها النظام السياسي الأميركي بشقه التمثيلي الانتخابي، بل يهدد أيضاً مبدأ الفصل بين السلطات.

هذا حاصل الآن بفعل استحواذ تيار سياسي شعبي وشعبوي واحد، في فترة زمنية واحدة، على سلطات الحكم الثلاث: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، يضاف إليها «السلطة الرابعة» - غير الرسمية - أي الإعلام.

ولئن كان الإعلام ظل عملياً خارج الهيمنة السياسية، فإنه غدا اليوم سلاحاً أساسياً في ترسانة التيار الحاكم بسبب هيمنة «الإعلام الجديد»، والمواقع الإلكترونية، و«الذكاء الاصطناعي»، و«أوليغارشي» ملّاك الصحف والشبكات التلفزيونية، ناهيك من وقف التمويل الحكومي لإعلام القطاع العام. وما لا شك فيه أن مؤسسات هؤلاء، بدءاً من رووبرت مردوخ (فوكس نيوز) وانتهاء بإيلون ماسك (إكس) ومارك زوكربرغ (ميتا) وجيف بيزوس (الواشنطن بوست)... هي التي تصنع راهناً «الثقافة السياسية» الأميركية الجديدة وربما المستقبلية، بدليل أن نحو 30 من وجوه إدارة الرئيس دونالد ترمب جاؤوا من بيئة «فوكس نيوز» ونجومها الإعلاميين.

في هذه الأثناء، يرصد العالم التحولات الضخمة في المشهد الأميركي بارتباك وحيرة.
الحروب الاقتصادية ليست مسألة بسيطة، وكذلك، لا تجوز الاستهانة بإسقاط سيد «البيت الأبيض» كل المعايير التي تحدد مَن هو «الحليف» ومَن هو «العدو»... ومَن هو «الشريك» ومن هو «المنافس»!
ولكن، في ضوء التطوّرات المتلاحقة، يصعب على أي دولة التأثير مباشرة في أكبر اقتصادات العالم وأقوى قواه العسكرية والسياسية. ولذا نرى الجميع يتابع ويأمل ويتحسّب ويحاول - بصمت، طبعاً - إما إيجاد البدائل وإما التقليل من حجم الأضرار الممكنة.

أما عن الشرق الأوسط والعالم العربي، بالذات، فإننا قد نكون أمام مشاكل أكبر من مشاكل غيرنا في موضوع اختلال معايير واشنطن في تحديد «الحليف» و«العدو».

ذلك أن الولايات المتحدة قوة كبرى ذات اهتمامات ومصالح عالمية. وبناءً عليه، لا مجال للمشاعر العاطفية الخاصة، وأيضاً لا وجود للمصالح الدائمة في عالم متغيّر الحسابات والتحديات.

في منطقتنا، لواشنطن علاقة استراتيجية راسخة مع إسرائيل التي تُعد «مركز النفوذ» الأهم داخل كواليس السلطة الأميركية ودهاليزها، والتي تموّل «مجموعات ضغطها» معظم قيادات الكونغرس ومحركي النفوذ.

ثم هناك تركيا، العضو المهم في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، والقوة ذات الامتدادات الدينية والعرقية والجغرافية العميقة والمؤثرة في رسم السياسات الكبرى.

وأخيراً لا آخراً، لإيران أيضاً مكانة كبيرة تاريخياً في مراكز الأبحاث الأميركية كونها - مثل تركيا - «حلقة» في سلسلة كيانات الشرق الأوسط، ولقد أثبتت الأيام في كل الظروف أن غاية واشنطن «كسب» إيران لا ضربها.

في هذا المشهد، ووسط الغموض وتسارع التغيير، هل ما زلنا كعرب قادرين يا ترى على التأثير في المناخ الإقليمي وأولويات اللاعبين الكبار؟

 الشرق الأوسط

مقالات مشابهة

  • الصين تحذّر الولايات المتحدة من «اللعب بالنار» بسبب تصريحات وزير الدفاع الأمريكي
  • ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • انخفاض سعر البتكوين وسط التوترات التجارية ومخاطر التضخم في الولايات المتحدة
  • خلافات ترامب وماسك تندلع علناً في الشرق الأوسط
  • الإماراتية شيخة النويس أول امرأة على مستوى العالم تفوز بمنصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة
  • الإماراتية شيخة النويس أول امرأة تفوز بمنصب الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة
  • من هي الإماراتية شيخة النويس أول امرأة تفوز بمنصب أمين عام الأمم المتحدة للسياحة؟
  • «حرة مطار الشارقة» تستعرض خدماتها في «الشرق الأوسط للساعات والمجوهرات»
  • نظرة على الشرق الأوسط في عقل ترامب