على الرغم من محاولة البعض التقليل من أهمية بطولة كأس الخليج لكرة القدم، إلا أنها أثبتت أهميتها كحدث خليجي كبير، يسكن فـي نفوس أبناء المنطقة، ولا يمكن محوه من الذاكرة، فهي حدث متجدد تعاقبت أجيال على التنافس فـيه بأخوية فـي أجواء تتجاوز مفهوم الرياضة إلى أبعاد الألفة والمحبة والمصير المشترك.
وعندما يتعمق حدث بهذا المفهوم فإن تأثيراته الإيجابية، تزداد عمقا لتصل إلى التأثيرات الثقافـية والفنية، فقد رافقت بطولات كأس الخليج، قصائد وأغان خليجية، ومشاهد عمقت روح المحبة بين أبناء الخليج، عبر بطولات كأس الخليج منذ الثمانينيات من القرن الماضي ولا تزال راسخة فـي أذهان الأجيال، يتغنون بها ويستذكرونها كلما أقيمت بطولة خليجية.
تلك الأغاني المصاحبة لبطولات كأس الخليج، التي تبث على هيئة (فـيدو كليب) وتصاحبها مشاهد لمعالم خليجية ووجوه لأبناء الخليج، وتجسد ارتباطهم وتشابه مهنهم وأعمالهم وأرضهم وسماواتهم، تغرس فـي النفوس مفهوم (خليجنا واحد)، وهذا ما حصل، ظل خليجنا واحدًا متماسكًا، وكل بطولة تحيي ذلك الإرث الذي تأسس مع قيام مجلس التعاون الذي بقي منظومة قائمة رغم كل الظروف.
هذه البطولة ومنذ نشأتها، مدت جسور التواصل بين أبناء الخليج، وتطورت مع مرور السنوات، لتكون حدثا ينتظره الخليج ويتم الإعداد والتحضير له رسميا من قبل الجهات المعنية بالرياضة، لكن بالمقابل تجد تفاعلا تلقائيا من أبناء المجتمع الخليجي، وحرصا للحضور والتفاعل والمشاركة، والحماس الذي يغلب عليه طابع الروح التنافسية التي تحمل التنافس الأخوي والأبعاد التي تتجاوز منظور الفوز والخسارة إلى الأثر الإيجابي الذي تتركه كل بطولة فـي نفوس أبناء الخليج، ليودعوا بطولة وينتظروا بشغف بطولة قادمة.
وفـي ظل ما يحيط بالمجتمعات العربية عامة والخليجية خاصة، وسط منطقة ملتهبة بالصراعات والتنافر والفرقة، تظل بطولة كأس الخليج، أيقونة لمنظومة خليجية متماسكة، تجمع أبناءها العديد من العوامل المشتركة فـي الأرض واللغة والدين والثقافة ووشائج القربى والمصير الواحد.
هذه البطولات بحاجة إلى مزيد من الدعم لاستمراريتها وتأثيراتها الإيجابية فـي نفوس أبناء الخليج، فهذه البطولة لها من الإسهامات ما يدع مجالا للشك بأنها تحتل مكانة عميقة فـي نفوس الشعوب الخليجية، وخير دليل على ذلك ما تشهده هذه البطولات من تفاعل وحضور ومتابعة.
بطولة خليجي 26 التي استضافتها الكويت، ويلتقي فـيها منتخبنا الوطني لكرة القدم، بعد غد (السبت) مع نظيره البحريني فـي المباراة النهائية وبغض النظر عن الأداء والفنيات، والفوز أو الخسارة، يبقى استمرارها هو الأهم، فقد عكس التجمع الخليجي الأخوي فـي الكويت والمحبة التي قابل بها أبناء الكويت الأشقاء من كل دول الخليج الصورة الحقيقية لأبناء الخليج، حيث تبرز اللقاءات فـي الأسواق والتجمعات التي تقام فـيها المباريات، مشهد للتراث الذي تتميز به كل دولة خليجية، وتجد الألفة والمحبة التي يجتمع فـيها أبناء الخليج متحابين ومتآلفـين.
إن بطولة خليجي 26 ستظل باقية فـي نفوس أبناء الخليج، فقد أثبت أبناء الخليج تراص صفوفهم وقوة نسيجهم الأخوي، حيث لم تفلح كل المحاولات لتعكير صفو هذا التجمع الأخوي، وظلت كل هذه المحاولات كالغبار العابر، فتبقى اللحمة الخليجية أكبر من أي منغصات فـي صفو اخوي تجاوز كل ذلك بروح المحبة.
إن بطولة كأس الخليج أيقونة للفرح، ومحطة يقضي فـيها أبناء الخليج أياما من التنافس فـي أجواء تبعدهم قليلا عما يحيط من قسوة يمر بها العالم .. فالنفس تستحق أن تبتسم وتفرح، وتستمع لأصوات من الخليج، تردد: الله يا خليجنا .. تبارك بعز وهنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أبناء الخلیج کأس الخلیج
إقرأ أيضاً:
ما الذي يُخبرنا به التاريخ عن تأثير صدمات أسعار النفط؟
تؤثر الصدمات الجيوسياسية على أسعار النفط بشكل كبير، وسط ارتفاع الأسعار بعد ضربات "إسرائيل" لإيران، ما عكس مخاوف من تصعيد قد يُهدد إمدادات النفط العالمية، خاصة عبر مضيق هرمز.
وجاء في تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز"، أن المخاوف الجيوسياسية كانت تتصدر استطلاعات المستثمرين منذ سنة؛ حيث كانت تشير في الآونة الأخيرة إلى السياسات الأمريكية غير المتوقعة بشأن التعريفات، مضيفة أن "الخطر الجيوسياسي الذي يتجسد هو تهديد الصراع المستمر في الشرق الأوسط الذي يعرض إمدادات النفط العالمية للخطر".
وذكر التقرير أن أسعار النفط ارتفعت بنسبة 12 بالمئة بعد الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، وتصاعد النزاع مع استهداف "إسرائيل" محطة نفطية في طهران، مشيرًا إلى أن إيران تنتج 3.3 ملايين برميل يوميًا، يتم تصدير 2 مليون برميل منها.
وأضاف أنه "نظرًا لأن الطلب العالمي على النفط يقدر بـ 103.9 مليون برميل يوميًا وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، وأن السعودية والإمارات قادرتان على زيادة الإنتاج بسرعة بأكثر من 3.5 ملايين برميل يوميًا، فمن المرجح أن يكون من الممكن التعامل مع أي انقطاع حاد في الإنتاج الإيراني. ومع ذلك، أثار التصعيد مخاوف من أن تحاول طهران إغلاق مضيق هرمز أو مهاجمة منشآت النفط المجاورة".
وقالت إن "أبحاث البنك المركزي الأوروبي المنشورة في 2023 تشير إلى أن العلاقة بين الجيوسياسة وأسعار النفط والاقتصاد الكلي معقدة. فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة 5 بالمائة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر بسبب مخاوف من حرب في الشرق الأوسط، ثم انخفضت 25 بالمئة بعد 14 يومًا بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي. وفي سنة 2022، ارتفعت أسعار برنت 30 بالمائة بعد غزو روسيا لأوكرانيا، لكنها عادت إلى مستويات ما قبل الغزو بعد 8 أسابيع".
وتشير أبحاث البنك المركزي الأوروبي إلى أن الصدمات الجيوسياسية تؤثر على الاقتصاد العالمي من خلال قناتين، فعلى المدى القصير، تؤدي المخاطر إلى زيادة في أسعار النفط بسبب ارتفاع قيمة عقود النفط. أما في المدى الطويل، فتؤثر التوترات الجيوسياسية سلبًا على الطلب العالمي بسبب عدم اليقين الذي يؤثر على الاستثمارات والاستهلاك، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط وأسعارها. وبالتالي، تكون ضغوط أسعار النفط الناتجة عن الصدمات الجيوسياسية عادة قصيرة الأمد.
وأكد التقرير أن صدمات أسعار النفط في سنتي 1973 و1979 تسببت في ركود اقتصادي بالولايات المتحدة، مما أثار القلق بشأن تأثير الارتفاع الجيوسياسي المفاجئ في أسعار النفط على الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، أظهر بحث حديث من بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أن المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بأسعار النفط لا تؤدي إلى تأثيرات ركودية كبيرة. وحتى الزيادة الكبيرة في مخاطر نقص الإنتاج، كما في 1973 أو 1979، لن تؤدي إلا إلى انخفاض الناتج الاقتصادي بنسبة 0.12 بالمائة.
وأفاد بأن حالة عدم اليقين بشأن إمدادات النفط قد ترفع أسعار الخام على المدى القصير، لكن التأثيرات الاقتصادية العالمية ستكون محدودة ما لم تتحقق هذه المخاطر. ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي؛ فإن الأحداث الجيوسياسية الخطيرة التي وقعت منذ الحرب العالمية الثانية كانت عادة ما ترتبط بانخفاض طفيف في أسعار الأسهم على المدى القصير، دون تأثير طويل الأمد. ففي النهاية، تجاهلت أسواق الأسهم العالمية غزو العراق للكويت سنة 1990 وغزو روسيا لأوكرانيا 2022، بينما تظل سنة 1973 استثناءً بسبب تأثير الحظر النفطي الذي تسبب في انخفاض حاد للأسواق بعد 12 شهرًا.
وبين التقرير أنه سيعتمد الكثير على مدة تصاعد الصراع بين "إسرائيل" وإيران وكيفية تطوره. ويجدر الإشارة إلى أنه حتى خلال "حرب الناقلات" في الثمانينات، استقرت أسعار النفط بعد الارتفاع الأولي رغم الهجمات على أكثر من 200 ناقلة كانت تمر مضيق هرمز. ومن المحتمل أن تظل آثار أي اضطراب في إنتاج النفط في الشرق الأوسط محدودة ما لم يكن اضطرابًا كبيرًا.
لماذا لا ترتفع أسعار النفط؟
وفي تقرير آخر للصحيفة، جرى الإشارة إلى أن هجوم "إسرائيل" على المنشآت النووية الإيرانية تسبب في تصعيد الهجمات الصاروخية، مما دفع الأسواق للتركيز على أسعار النفط. ورغم احتمالية ارتفاع الأسعار، إلا أن خطر زيادة كبيرة يظل منخفضًا.
وقال روري جونستون، مؤسس كومودِتي كونتِكست: "مع احتمال ارتفاع الأسعار، يبيع معظم المستثمرين في حالات الارتفاعات الكبيرة مثل مخاطر إغلاق مضيق هرمز".
وأرجع التقرير الأسباب التي تدعو للاعتقاد بأن "الصراع سيظل محدودًا إلى عدة عوامل معروفة جيدًا: إيران في وضع ضعيف، وإسرائيل تحظى بدعم ضمني من الولايات المتحدة، وغيرها. كما توفر تاريخ أسعار النفط الحديث سياقًا مفيدًا لهذا التحليل، فباستثناء غزو روسيا لأوكرانيا، كانت التقلبات الكبيرة والمستدامة في أسعار النفط منذ بداية الألفية مدفوعة باتجاهات جيو اقتصادية أوسع، وليس الجيوسياسية".
لماذا لا يشبه هذا الصراع حرب أوكرانيا؟
أجاب التقرير عن ذلك "لأن روسيا منتج للنفط والغاز أكبر بكثير من إيران، ولأن اعتماد أوروبا على الإمدادات الروسية استدعى إعادة ترتيب سلاسل التوريد. كما أن الاقتصاد العالمي كان يكتسب زخمًا في ذلك الوقت، مما رفع الطلب على النفط، بينما يُتوقع تباطؤ الاقتصاد حاليًا".
وأوضح "مع ذلك، فإن الأحداث الجيوسياسية غالبًا ما تتسبب في تقلبات قصيرة الأمد في أسعار النفط، رغم أن التغيير قد يكون غير متوقع أحيانًا. كما أشار هانتر كورنفايند من رابيدان إينرجي، فإن غزو الولايات المتحدة للعراق في آذار/ مارس 2003 أدى إلى انخفاض مؤقت في أسعار النفط، قبل أن ترتفع مجددًا بعد ذلك".
وأكد أنه "بشكل عام، تؤدي الأحداث غير المستقرة في الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تؤثر على إنتاج النفط أو صادراته، إلى زيادة الأسعار. وكان من أبرز التحركات في التاريخ الحديث هجوم الطائرات المسيرة الإيرانية على منشآت النفط في السعودية 2019، مما أدى إلى توقفها لعدة أيام وأثر على الإمدادات العالمية".
واعتبر أنه "في سنة 2023، عندما هاجمت حماس جنوب إسرائيل، ارتفع السعر بسبب مخاوف من تصعيد إقليمي شامل، لكن لم يتحقق شيء من ذلك، ومنذ ذلك الحين، تعلم السوق تجاهل التصعيدات المتزايدة في المنطقة. فعندما اشتبكت إيران وإسرائيل في نيسان/ أبريل وتشرين الأول/ أكتوبر 2024، كانت التحركات اليومية في الأسعار محدودة إلى حد كبير".
وأفاد التقرير أن "أحداث هذا الأسبوع تختلف عن غيرها، ورغم أن الزيادة في الأسعار قد تبقى محدودة، فيجب أخذ المخاطر الكبيرة في الحسبان. ويشير جونستون إلى احتمال ضرب إسرائيل لمنشآت النفط الإيرانية في جزيرة خارج، مما قد يدفع إيران إلى استهداف مضيق هرمز ومنشآت نفطية إقليمية أخرى، مما يزيد من احتمالية نشوب حرب أوسع. ويؤكد أن حتى زيادة بسيطة في احتمال حدوث هذه المخاطر قد تؤدي إلى تغيرات كبيرة في سعر النفط".