العراق: عندما تتحول سلطات الدولة إلى إقطاعيات!
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
أرسل القضاة التسعة الذين يتولون مجلس المفوضين في المفوضية العليا «المستقلة» للانتخابات في العراق، كتابا الى مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 5 كانون الثاني/ يناير 2025، يتعلق بانتهاء وِلايتهم القانونية، ورغبتهم في الاستمرار بعملهم!
وقد رد مجلس القضاء الأعلى بكتاب يوم 8 كانون الثاني/ يناير 2025 بأنه بما أن ولاية مجلس المفوضين هي 5 سنوات «قابلة للتمديد بناء على طلب «مجلسكم» (أي مجلس المفوضين) وتعذر حصول موافقة مجلس النواب على التمديد بسبب عدم انعقاد جلسة مجلس النواب ولتجنب الدخول في حالي فراغ دستوري أو قانوني، ولضمان اجراء الانتخابات في موعدها، قرر مجلس القضاء الأعلى، بالاتفاق، تمديد عمل مجلس المفوضين لمدة سنتين.
وقد اجتمع «قضاة» مجلس المفوضين في اليوم نفسه وقرروا «بالإجماع» استمرار «أداء مهامهم القانونية» لغاية انتهاء مدة التمديد «المشار اليها في كتاب مجلس القضاء الأعلى»!
وفي سياق هذه «السلاسة» في الطلب وفي القرار، لم يسأل أي من «القضاة» في مجلس المفوضين، وفي مجلس القضاء الأعلى، أنفسهم عن السند الدستوري أو القانوني لكل ما جرى! أو عن العلاقة بين هيئة مستقلة بموجب الدستور، وبين مجلس القضاء الأعلى لكي تكون هناك مخاطبات «إدارية» فيما بينهم! ولم يسألوا أنفسهم أيضا كيف يمكن لمجلس القضاء الأعلى أن يتحول إلى جهة تشريع! أو كيف يمكن للطرفين الضرب عرض الحائط بقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الذي رسم آلية محددة للتمديد!
كانت فكرة الهيئات المستقلة جزءا من النموذج الذي أراد الأمريكيون تطبيقه في العراق فيما يتعلق بالفصل بين السلطات، وأن تكون هذه الهيئات بعيدة عن السلطة المباشرة للسلطتين التنفيذية والتشريعية معا. وقد أفرد الدستور العراقي، لاحقا، لهذه الهيئات مكانة خاصة، حين عدها واحدة من السلطات الاتحادية منفصلة عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. إلا أن هذه الاستقلالية تم إنكارها مبكرا، ولم تستطع البنى الذهنية للنخب السياسية العراقية أن تتسق مع هذه الفكرة؛ ففكرة السلطة في ذهن الطبقة السياسية في العراق تعني ضمنا الهيمنة، لذلك انتهى الأمر إلى محاولات إنكار استقلالية هذه الهيئات وتحويلها، بشكل منهجي، إلى ممثليات للأحزاب المهيمنة، ثم وُئدت هذه الاستقلالية «الدستورية» تماما بقرار مسيس من المحكمة الاتحادية رقم 88 لسنة 2011، الذي جردها من صفة الاستقلالية وجعلها تابعة للسلطة التنفيذية!
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات واحدة من هذه الهيئات؛ فباستثناء الدورة الأولى التي شكلها الأمريكيون أنفسهم بموجب الأمر رقم 92 الذي أصدرته سلطة الائتلاف المؤقتة في 31 أيار/ مايو 2004، أي قبيل نهاية ولايتها وتسليم مهامها للحكومة المؤقتة، أما بقية الدورات الثلاث التي تشكلت في الأعوام 2007 و 2012 و2017، فقد كانت مجرد ممثليات للأحزاب المهيمنة على مجلس النواب لحظة تشكيلها!
وقد شُرع قانون جديد للمفوضية عام 2019، في سياق علاقات قوة جديدة، وتقرر أن يتكون مجلس المفوضين هذه المرة من 9 قضاة، يتولى مجلس القضاء الأعلى «اختيار» 7 منهم وفقا للمحاصصة الطائفية (خمسة شيعة واثنان سنة) فيما يرشح مجلس القضاء في إقليم كردستان العضوين الكرديين الباقيين، وأن تكون ولاية المجلس 4 سنوات غير قابلة للتمديد (المادة 7 أولا). لكن مجلس النواب شرع تعديلا على القانون (القانون رقم 34 لسنة 2023) مدد بموجبه هذه الولاية لتكون 54 شهرا تبدأ من تاريخ 7 كانون الثاني 2020 (المادة 1). ثم شرع قانونا لتعديل هذه الولاية مرة أخرى (القانون رقم 13 لسنة 2024) لتصبح 60 شهرا تنتهي في 6 كانون الثاني/ يناير 2025 «قابلة للتمديد بناء على طلب مجلس المفوضين وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب».
وبذلك يكون «قضاة» المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، قد وجهوا كتابا إلى «غير ذي صفة» (وهو هنا مجلس القضاء الأعلى) بموجب التوصيف القانوني، يطلبون فيه التمديد لولايتهم. كما أن
«قضاة» مجلس القضاء الأعلى قد خالفوا نصا قانونيا صريحا يعطي صلاحية تمديد ولاية مجلس المفوضين لمجلس النواب حصرا، فالتشريع لا يلغى إلى بتشريع. وأصدروا كتابا غير قانوني بالتمديد دون أن يكون لهم صلاحية اصداره في الأساس، فقد انتحلوا بهذا صفة المشرع!
وحين يعمد «قضاة» محكمة التمييز، وقضاة «الصنف الأول» إلى التلاعب بالنظام السياسي، ويخالفون نصوصا قانونية صريحة، ويحولون أنفسهم إلى سلطة تشريع، فثمة مشكلة حقيقية هنا تتعلق بالقضاء العراقي عموما، وبمدى مهنية قضاته، ومدى التزامهم بالدستور والقانون، وهو ما يلقي ظلالا سوداء قاتمة على قرارات هذا القضاء، بما فيه المحكمة الاتحادية العليا التي تحدثنا مرارا عن عدم مهنيتها، وقراراتها التابعة لمزاج الفاعل السياسي الشيعي الأقوى!
والمشكلة، حقيقة، تتجاوز القضاء هذه المرة، لتطال مجلس النواب الذي يفترض أنه السلطة الأولى في الدولة بموجب الدستور، وبالتالي لا يمكن له أن يسمح لمجلس القضاء الأعلى أن ينازعه صلاحياته الدستورية! وتطال أيضا رئيس الجمهورية الذي يُفترض أن «يسهر على ضمان الالتزام بالدستور»!
لكن الجميع يعرف أن الحاكم في العراق هو علاقات القوة وليس الدستور أو القانون، وعلاقات القوة وحدها هي من تفسر كيف أصبح مجلس القضاء الأعلى إقطاعية خاصة، وتجاوز صلاحياته وتحول إلى سلطة تشريع؛ فهذه ليست المرة الأولى التي يقوم بانتهاك الدستور والقوانين، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد. والجميع يعرف أن لا أحد في جمهورية الخوف، سيمتلك الجرأة للاعتراض على هذا القرار، بل سيتواطأ الجميع على الصمت!
سبق أن كتبت متهكما أن على الدولة العراقية أن تقوم بتعديل المادة الأولى من الدستور العراقي لتقرأ كالآتي: «جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري (قضائي) ديمقراطي. ومجلس القضاء الأعلى ضامن لوحدة العراق» بدلا من « جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق» ولكني اقترحه اليوم جادا تماما، وأجزم أن هذا التعديل سيحظى بالأغلبية المطلقة، إن لم يكن بالإجماع، في مجلس النواب العراقي!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق المحكمة الاتحادية العراق الديمقراطية المحكمة الاتحادية أزمة دستورية سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المفوضیة العلیا المستقلة للانتخابات مجلس القضاء الأعلى مجلس المفوضین کانون الثانی مجلس النواب هذه الهیئات فی العراق
إقرأ أيضاً:
«التشكيليين» تدعو أعضاءها للمشاركة في التنافس على جوائز الدولة للتفوق في الفنون والآداب
دعت نقابة الفنانين التشكيليين أعضاءها للتقدم للمشاركة في التنافس على جوائز الدولة للتفوق في الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية لعام 2026 ممن لم يشاركوا حتى هذه اللحظة حيث أن أخر موعد للمشاركة هو 31 ديسمبر الجاري.
وتبلغ قيمة الجوائز الإجمالية، وفقا لما أعلنته إدارة الجائزة، 700 ألف جنيه مصري، إضافة إلى 7 ميداليات فضية، على النحو التالي: جائزتان في مجال الآداب، و جائزتان في مجال الفنون، و3 جوائز في مجال العلوم الاجتماعية.
ويُشترط ألا تُقسَّم الجائزة أو تمنح لشخص واحد أكثر من مرة في نفس الفرع.
وتضمنت شروط التقدم للترشح على هذه الجوائز: أن يكون المتقدم من مواطني جمهورية مصر العربية، ألا يكون قد حصل على إحدى الجوائز التشجيعية من المجلس الأعلى للثقافة إلا بعد مرور خمس سنوات على الأقل، مع تقديم إنتاج جديد بعد هذه الفترة، مع تقديم ما لا يزيد عن خمسة أعمال (نسخة ورقية وأخرى على أسطوانة مدمجة)، وتقديم سيرة ذاتية وبيانات شخصية لا تتجاوز 10 صفحات بصيغة Word، و صورة من بطاقة الرقم القومي وصورة شخصية حديثة، وخطاب معتمد من البنك برقم الحساب البنكي للمتقدم (أو إقرار بقبول تحويل قيمة الجائزة على البريد المصري).
وتقديم أعمال تثبت مرور 15 عامًا أو أكثر على بداية النشاط الإبداعي أو الفكري (كتاب منشور برقم إيداع، أو إفادات معتمدة من الجهات التي قامت بتنفيذ أو عرض الأعمال الفنية)، ولا يُعتد برسائل الماجستير أو الدكتوراه كإثبات للنشاط.
ويستقبل المجلس الأعلى للثقافة طلبات الترشح، على أن تُسلم الأعمال والأوراق المطلوبة إلى الإدارة العامة للجوائز والمسابقات بالمجلس الأعلى للثقافة (1 شارع الجبلاية - الجزيرة - القاهرة).
اقرأ أيضًا:
«تؤام روحي».. لبلبة تكشف عن طبيعة علاقتها بالفنان عادل إمام
روني: تلقيت تهديدات بالموت بعد رحيلي عن إيفرتون إلى مانشستر يونايتد
كشف أثري جديد.. العثور على نصف معبد للملك «ني أوسر رع»| صور