التراكم الكمي للاحداث يؤدي إلى تغير نوعي في الواقع والفكر
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
عبد المنعم عجب الفَيا
تعلمنا فلسفة التاريخ ان العلاقة بين الواقع والفكر علاقة ذات تأثير متبادل (ديالكتيكية) بمعنى ان كل منهما يؤثر في الآخر ويتاثر به . فكل تغير في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يفرز معطيات جديدة تؤدي حتما الي تغير في الفكر وفي نظرة الناس للحياة وفي طريقة تعاملهم مع الواقع الجديد وتدفعهم للعمل على ابتكار الأساليب والحلول وإعادة ترتيب المواقف والاولويات بما يناسب ظروف المرحلة التاريخية الراهنة، وما تفرزه من معطيات وما تقتضيه من معادلات جديدة.
وكل ذلك يعود ليؤثر بدوره في دفع حركة الواقع مرة أخرى والتي سوف ينتج عنها هي الأخرى أفكار جديدة ورؤى جديدة، وهكذا دواليك تسير حركة التاريخ وتطور المجتمعات.
إن التاريخ لا يسير بحسب رغبات الناس أو على هدى من تصاميم مرسومة سلفا، وهذا لا ينفي الفعل الإنساني في التفكير والتخطيط، بل هو ضرورة لا مندوحة عنها. ذلك أن فاعلية الإنسان هي قطب الرحي في حركة التاريخ، ولكن كثيرا ما تأتي الخطط والبرامج التي يضعها الإنسان بعكس ما يشتهي أو على أقل تقدير لا تحقق النتايج المرجوة على الوجه المطلوب. فصيرورة التاريخ حافلة بالمفاجات والاحداث غير المتوقعة وبالمنعطفات الحادة وبالصعود والهبوط. وكل مرحلة تاريخية لها ظروفها وشروطها ومقتضياتها التي تستدعي الافكار والمواقف التي تناسبها.
والسياسي الحصيف هو الذي يقرأ حركة الواقع جيدا قبل أن يتخذ اي موقف حتى يكون الموقف الذي يتخذه ملايما للظرف التاريخي الذي يواجهه. وهو الذي يعيد حساباته وتحالفاته للتوافق مع ما يفرزه الواقع من معطيات ومعادلات جديدة، فان لم يفعل، فسوف يتجاوزه الواقع ويجد نفسه متخلفا عن الركب وعن حركة التاريخ التي تكتسح كل من لا يتواكب مع ما تطرحه من متغيرات.
إن من أسباب فشل التنظيمات والاحزاب والجماعات السياسية، هو تمسكها بموقف واحد وبرؤية واحدة على طول الخط، تطبقها في كل الظروف والأحوال بغض النظر عن تغيرات الواقع النوعية على الأرض، وعلى الرغم من حقيقة ان هذه الرؤى والمواقف لم تعد قادرة على الاستجابة لمتطلبات المرحلة التاريخية الماثلة واستيعاب المستجدات النوعية. فتحدث المفارقة بين الفكر والواقع، بين النظرية وتطورات الاحداث. ذلك ان النظريات والبرامج والشعارات السياسية متناهية، والوقايع والاحداث غير متناهية. والفيصل في النهاية هو الواقع، لا الأيديولوجيا والنظريات.
إن شجرة النظرية عجفا ضامرة، وشجرة الحياة دايمة الاخضرار. أو كما قال جوته.
عبد المنعم عجب الفيا
١٢ يناير ٢٠٢٥
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
كيف يسبب تغير المناخ زيادة تشكل الحفر الأرضية الغائرة؟
يسلط تواتر ظهور "الحفر البالوعية" في أنحاء متعددة من العالم الضوء على المخاطر الجيولوجية المتصاعدة في المناطق الزراعية وحتى السكنية، حيث تشير الدراسات إلى أن التغير المناخي أدى إلى زيادة وتيرة حدوث الحفر الأرضية من خلال تكثيف الأحداث الجوية "المتطرفة".
وتشير دراسة جديدة نشرت في مجلة "ساينس" إلى أن الزيادة العالمية في حدوث الحفر البالوعية كانت غالبا مدفوعة بالبنية التحتية القديمة وسوء استخدام الأراضي والتربة، وتغير المناخ بشكل متزايد.
اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3تشقق الأرض تحت طهران بسبب تغير المناخ يقلق الإيرانيينlist 2 of 3شاهد.. انهيار أرضي هائل في الهند يوقف حركة المرورlist 3 of 3ارتفاع عدد ضحايا الانهيارات الأرضية جنوبي إثيوبياend of listوتعرف الحفر البالوعية أو الغائرة بكونها منخفضات في الأرض تتشكل نتيجة تآكل التربة بفعل الماء، ويحدث هذا طبيعيا عندما يتسرب ماء الأمطار عبر التربة مما يؤدي إلى ذوبان الصخور الأساسية. كما قد يكون ناتجًا عن تسرب أنابيب المياه الجوفية، وعمليات التكسير الهيدروليكي لإنتاج الوقود الأحفوري، وأنشطة التعدين.
وتتطور الحفر الطبيعية نتيجة تفاعلات معقدة بين الصخور الكارستية القابلة للذوبان (مثل الحجر الجيري أو الجبس) والعمليات الهيدرولوجية. وقد تزيد الأنشطة البشرية من قابلية البيئة الطبيعية لتكوين الحفر التي تشكل مخاطر على حياة الإنسان والبنية التحتية والنظم البيئية.
وأشار هونغ يانغ أستاذ العلوم البيئية بجامعة ريدينغ البريطانية إلى احتمالية ظهور الحفر الغائرة أكبر في المناطق ذات "التضاريس الكارستية" أي المناطق التي تتكون من صخور أساسية قابلة للذوبان مثل الحجر الجيري أو طبقات الملح أو الجبس والتي يمكن أن تذوب بفعل المياه الجوفية. وقد نشر مؤخرًا بحثًا حول التخفيف من مخاطر الحفر الغائرة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ .
وتشير الدراسة إلى أن الصين تتضمن 600 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الكارستية معرضة لخطر كبير جراء انهيارات الحفر البالوعية. وفي إيران، يؤثر الهبوط الواسع النطاق على ما يقرب من 56 ألف كيلومتر مربع، أي 3.5% من أراضي البلاد، مما يؤدي إلى العديد من الحفر البالوعية، ويشكل مخاطر بيئية خطيرة.
إعلانأما في الولايات المتحدة، فهناك حوالي 20% من الأراضي معرضة للخطر، حيث تشهد ولايات فلوريدا وتكساس وألباما وميزوري وكنتاكي وتينيسي وبنسلفانيا أكبر الأضرار، كما توجد مناطق أخرى معرضة للخطر شمال إنجلترا، ومنطقة لاتسيو في إيطاليا، وقونيا في تركيا، وشبه جزيرة يوكاتان في المكسيك.
ويشير الدراسة كذلك إلى أن "الجفاف يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية، مما يُزيل الدعم الجوفي للأرض. وعندما تتبعه عواصف شديدة أو أمطار غزيرة باتت أصبحت أكثر شيوعا بسبب تغير المناخ، فإن الوزن المفاجئ للماء وتشبعه قد يُسبب انهيار الأرض الضعيفة".
ويعد سهل قونيا سلة غذاء تركيا منطقة كارستية معرضة لظهور الثقوب الأرضية الغائرة، حيث يؤدي الجفاف المتزايد إلى ظهور المزيد من الحفر في المناطق المأهولة بالسكان.
وقبل عام 2000 كان الباحثون في المنطقة يسجلون حفرة واحدة كل بضع سنوات، وفق فتح الله أريك الأستاذ بجامعة قونيا التقنية والذي يرأس مركز أبحاث الحفر بالجامعة. وعام 2024 وحده، وثّقوا وجود 42 حفرة.
وأصبحت الحفر الأرضية الغائرة تظهر بشكل متكرر في سهل قونيا في تركيا السنوات الأخيرة، حيث انخفضت مستويات المياه الجوفية بمقدار 60 مترا على الأقل مقارنة بعام 1970، ولا يمكن العثور على المياه الجوفية في بعض المناطق القريبة من حواف الحوض رغم حفر آبار أعمق من 300 متر.
وتشير الدراسة إلى أن الجفاف المرتبط بتغير المناخ يؤدي إلى انخفاض مستويات المياه الجوفية، لأن هطول الأمطار لا يُجدد مصادر المياه، ولكن يتم ضخ كميات كبيرة منها، مما يُفاقم خطر تكوّن الحفر. وفي المناطق المأهولة بالسكان، تكون المباني أكثر عرضة للانهيار.
وعادة ما يكون الأمر أكثر خطورة في المدن الكبرى بسبب تلوث الهواء والمياه التي تصبح أكثر حمضية، وتفتت الصخور التي تساهم في تماسك الأرض بشكل أسرع.
ولرصد الانهيارات الأرضية وتكون الفجوات الجوفية العميقة، يعتمد الخبراء غالبا على تقنيات مثل الاستشعار عن بُعد عبر الأقمار الصناعية والرادار الأرضي لتحديد مواقع الحفر قبل انهيارها، وكذلك مراقبة مستويات المياه الجوفية وإجراء مسوحات جيوتقنية قبل البناء في المنطقة.
وإذا تم العثور على فراغ أو تجويف تحت الأرض، يتم ملؤه بالإسمنت أو الجص أو التربة التي تتمتع بخصائص المُثبّت الطبيعي، أو ضغط التربة الرخوة، وذلك اعتمادًا على طبيعة الأرض وتركيبة الصخور والنشاط التكتوني.
أما إستراتيجيات الوقاية، فتشمل تنظيم الاستخدام المُفرط للمياه الجوفية، واستخدام تقنيات ري أكثر كفاءة، والتحكم في صرف المياه وإصلاح التسربات، وتطبيق قوانين بناء صارمة في الأراضي التي يفترض أنها رخوة.