عن فلسطين.. في مرآة نعوم تشومسكي وإيلان بابيه
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
في كتابهما المشترك "عن فلسطين"، الذي يضم حوارا مطولا يجمع بين الكاتب والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، يحاول المؤلفان الإجابة عن أسئلة مهمة ويناقشان موضوعات شائكة، من خلال تحليل ينم عن فهم عميق لتاريخ القضية الفلسطينية وتأثيرها العالمي.
وبالإضافة إلى تقديم الكتاب -الصادر سنة 2023 في ترجمته العربية عن منشورات جدل بترجمة سالم عادل الشهاب- حلولا ومعالجات للقضية الفلسطينية وتحليله لواقع النزاع داخل المجتمع الإسرائيلي وصراعاته الطبقية، يشارك الكاتبان تجربتهما داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، وأهم التحولات التي طرأت على الرأي العام الأميركي، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية التي تبدو أكثر تقبلا للطرح المناهض لنظام الفصل العنصري من ذي قبل.
وتركز مناقشتهما، التي أدارها وتدخل فيها الناشط البلجيكي فرانك بارات، على الصهيونية كظاهرة تاريخية، وعلى نظام الفصل العنصري ومدى فعالية حملات المقاطعة، ثم عن حق العودة والحلول الممكنة للقضية التي تتأرجح بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة. وذلك من خلال 3 أقسام أولها عن الماضي في محاولة لفهم الفكر الصهيوني، والثاني عن الحاضر والدور الذي يجب أن يلعبه الناشطون المتضامنون مع فلسطين، أما الثالث فقد خُصّص لمناقشة مستقبل القضية الفلسطينية وتفكيك الخيارات المطروحة على طاولة النقاش.
يرى فرانك بارت أن القضية الفلسطينية ليست إلا تجسيدا لكل ما هو خاطئ في هذا العالم. مؤكدا -خلال حديثه عن الأسباب التي أدت إلى تبلور فكرة هذا الحوار- أن إسرائيل تستفيد من خرق القوانين الدولية بتواطؤ المؤسسات والحكومات الغربية، مما يعني أن للجميع دورا في إنهاء الظلم الذي يعيشه الفلسطينيون. ويأمل في هذا الصدد أن يساهم الكتاب في تحدي إعلام الحكومات الذي يساعد في تبرير جرائم الاحتلال، ومشددا على أن القضية الفلسطينية صارت قضية اجتماعية عالمية، يجب أن تتبناها كل الحركات التي تقاتل من أجل العدالة الاجتماعية.
وعلى سبيل التقديم يعدد المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه المعضلات التي يواجهها المطالبون بالعدالة لفلسطين، معتبرا أن حكاية فلسطين -من البداية حتى يومنا هذا- عبارة عن قصة بسيطة للاستعمار والاستيطان، ومع ذلك يعاملها العالم على أنها قصة معقدة ومتعددة الأوجه، وصعبة الفهم وبالتالي صعبة الحل أيضا.
ومردّ ذلك هو نجاح إسرائيل بمساعدة حلفائها في بناء تفسير متعدد الطبقات للقضية ومعقد لدرجة لا يستطيع أحد فهمه باستثنائها، مواجهة بذلك الآراء الأخرى إما بالسذاجة أو بمعاداة السامية في أسوأ الحالات.
إعلانومن الملاحظ للمتابع للرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، في السنوات الأخيرة، أن التغيير الجذري لموقفه والتزايد المستمر للأصوات الرافضة لسياسات إسرائيل، يواجَه بثبات موقف النخب السياسية والاقتصادية الغربية الداعم للدولة اليهودية. وتتجلى هذه الملاحظة أكثر في الاحتجاجات التي شهدتها العواصم العالمية والجامعات عقب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.
رؤية متبصرة للماضييتفق كل من نعوم تشومسكي وإيلان بابيه في سياق إجابتهما عن سؤال طرحه فرانك بارت، وشكّل منطلقا لنقاش معمق حول فلسطين، على أن الماضي يلعب دورا مهما لفهم الحاضر، إذ يعتبره تشومسكي مصدرا للإلهام والآمال، بينما يؤكد بابيه أن خطط السلام التي يطرحها المسؤولون تصر على إقصاء الماضي باعتباره عقبة أمامهم، في حين أن هذا الماضي هو كل شيء بالنسبة للمقموعين، ويوضح رأيه بأنه في الحالات التي تكون فيها مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية مثلا، فإن هؤلاء المسؤولين لا يطرحون فكرة إزالة هذه المستوطنات، وإنما يدفعون نحو فكرة تبادل الأراضي، بما يشبه الهروب المستمر إلى الأمام لحماية مكاسب الاحتلال.
وفي محاولتهما لتحديد مفهوم الصهيونية وتطوره التاريخي كجزء رئيسي يمكن من خلاله فهم الماضي فهما شاملا، يؤكد بابيه أن هناك تعريفات عدة لهذه الحركة، أبرزها وأكثرها حيادية على حد وصفه هو أنها "أيديولوجية"، ويعني ذلك -بالنسبة له- "أن اليهودية بوصفها حركة وطنية لديها الدافع والحق في الحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية". كما يلفت إلى وجود بُعد واحد للصهيونية لا يتغير مع الزمن وهو أنها استعمارية-استيطانية، ويوضح بالقول: "قد تتغير الوسائل المستخدمة لاستعمار فلسطين بمرور الزمن، لكن الرؤية لا تزال نفسها. من خلال هذا المشروع الاستعماري، تنبثق النظرة للسكان الأصليين على أنهم عقبة لنجاح هذا المشروع".
إعلانأما نعوم تشومسكي، فيقدم موجزا لتاريخ مفهوم الصهيونية والتغييرات التي لحقت به بعد قيام إسرائيل، مشيرا إلى أنه منذ عام 1948 أصبحت الصهيونية تعني دين الدولة.
ومن الملاحظات التي يرى تشومسكي أنها داعمة لفكرة عنصرية إسرائيل، محاولاتها لحجب ومنع أي حديث أو إشارة إلى النكبة والإقرار بها، في إشارة منه إلى قانون النكبة الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في 23 مارس/آذار 2011، وينص على منع إحياء ذكرى النكبة بدلا من "يوم استقلال إسرائيل".
ويتابع أنها بالإضافة إلى سياستها باستقطاب أكبر عدد من اليهود -التي ستؤدي إلى تدميرها ذاتيا- فإنها ارتكبت خطأ انتحاريا سنة 1971 برفضها معاهدة سلام كامل عرضتها مصر. ويشير تشومسكي في هذا الصدد إلى أن تفضيلها لنهج سياسة التوسع بدلا من السلام سيؤدي بها لأن تصبح دولة منبوذة وفاقدة للشرعية، وسيصبح دعم الولايات المتحدة الأميركية وسيلتها الوحيدة للبقاء. مؤكدا في الوقت ذاته أن "الناس الذين يدعون إلى مناصرة إسرائيل هم في الحقيقة مناصرون لسقوطها الأخلاقي، وربما لتدميرها الذاتي أيضا".
دور الناشطين في الصراعفي القسم الثاني من الكتاب، وفيما يبدو أنها نقطة خلافية بينهما، يناقش بابيه وتشومسكي دور الناشِطين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي يقلل فيه نعوم من أهمية وتأثير المقاطعة الأكاديمية الأميركية لإسرائيل، بسبب أنها أدت -من وجهة نظره- إلى تحويل التركيز على جرائم الاحتلال والدعم الأميركي لها، إلى مناقشة حرية التعبير في الأوساط الأكاديمية، وهو ما لا يفيد الفلسطينيين بل على العكس من ذلك، يشتت الانتباه على القضية الفلسطينية من دون أن يضر بإسرائيل، ويرى إيلان بابيه، الذي اشتهر بانتقاداته الحادة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، أن المقاطعة تُحدث تأثيرا واضحا على الأكاديميين في إسرائيل، ويجبرهم على تبني موقف واضح تجاه القمع والاحتلال، فيما يشبه تأثير الدومينو.
إعلانوفي هذا السياق، يشير تشومسكي إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأميركية في الصراع، معتبرا أن المفاوضات التي تقودها ليست سوى نكتة، خاصة أنها تقدم دعما عسكريا وسياسيا وأيديولوجيا كبيرا لإسرائيل، ليس من باب الرحمة، بل لأنها تخدم السياسات الأميركية ومصالحها. "فمن منظور الولايات المتحدة، تعد المفاوضات مجرد وسيلة يمكن من خلالها دعم استمرار إسرائيل في تمرير سياساتها، وأخذ كل ما تريده من الضفة الغربية، أو فرض الحصار على قطاع غزة وعزل الاثنين بعضهما عن بعض".
ومما يتفق حوله بابيه ونعوم، هو ضرورة العمل على إقناع الولايات المتحدة بتغيير موقفها الرافض لحلول التسوية الدبلوماسية التي تعتمدها، وتسليط الضوء على انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين داخل إسرائيل، وذلك لتشويه شرعيتها في نظر المدافعين عنها.
يبدو في نظر نعوم تشومسكي أن التحولات التي يعرفها المجتمع الإسرائيلي تحدث على نحو بشع وانتحاري، ذلك أن عقلية الإسرائيليين لم تعتد على تحمل أي مسؤولية، بل على العكس تؤمن بأن كل ما يحدث بسبب الآخرين وتساند نظامها في جرائمه. وهو ما يتوافق مع نظرة إيلان بابيه الذي يستبعد إمكانية حدوث تغيير من الداخل، خاصة في ظل العدد القليل للذين يحاولون التأثير داخل إسرائيل، وهو الأمر الذي يؤكد أن أي تغيير قد يحدث، فحتما سيكون من الخارج.
وقد سعى الكاتبان إلى تفكيك الحلول الممكنة لحل القضية الفلسطينية ومناقشتها من جوانب عدة، فإيلان بابيه يدافع في هذا السياق على أن الحل المناسب هو حل الدولة الواحدة التي تكون على مسافة واحدة من الجميع، باعتباره حلا يعزز فكرة أن الأرض واحدة والشعب واحد، ويحث على ضرورة عدم الاستسلام للنسخة الصهيونية لحل الدولتين لإيمانه بأن الدافع الأساسي وراء هذه الفكرة هو الرغبة في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض. في حين يبدو أن تشومسكي يميل إلى حل الدولتين وفق شروط يناير/كانون الثاني 1976، وهو ما يؤكده في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014، باعتباره حلا يحظى بالإجماع العالمي.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فكر القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة نعوم تشومسکی إیلان بابیه حل الدولتین من خلال على أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
إيمان الراشدي.. تحوّل الجدار إلى مرآة للهوية
خولة علي (أبوظبي)
تُعتبر الفنانة الإماراتية إيمان الراشدي، أحد الأسماء البارزة في فن الجداريات المعاصرة في دولة الإمارات، فمن خلال أعمالها، تسعى إلى توظيف الجدار كوسيط فني يعبر عن قضايا الهوية، والانتماء، والدور الفاعل للفن في تشكيل وعي بصري جماعي. رؤيتها تتجاوز الجانب الجمالي إلى بعد اجتماعي وثقافي، يجعل كل جدارية مشروعاً بصرياً ينبثق من خصوصية المكان ويتفاعل مع الجمهور بشكل حي ومستمر.
هوية المكان
اختارت إيمان الراشدي هذا النمط من التعبير كجزء جوهري من ممارستها الفنية، وإيمانها راسخ بأن الفن في الشارع ليس للجدران فقط، بل هو للناس، للمدينة، وللهوية، لافتة إلى أن الجداريات تفتح الحوار مع الناس في المساحات العامة. وأوضحت أن هذه التجربة تختلف تماماً عن الرسم على اللوحات، فبينما تظل اللوحة غالباً محصورة في دائرة معينة من الجمهور، تفرض الجدارية حضورها على المشهد العام، وتشكل مواجهة مباشرة مع الناس والمكان.
صياغة الرؤى
وتؤمن الراشدي بأن للمكان العام دوراً كبيراً في صياغة الرؤية الجمالية للجدارية، إذ ترى أن كل موقع يحمل ذاكرته الخاصة، وإيقاعه، وطبيعة سكانه. لذا تحرص دائماً على فهم السياق العمراني والثقافي قبل البدء بالرسم، مشيرة إلى أن الفكرة كثيراً ما تنبثق من تفاصيل المكان نفسه، لا من الخيال فقط. وقالت: هناك وعي دائم بأن الأثر البصري سيبقى لسنوات، وهذا يحملني مسؤولية تقديم عمل محترم ومعبر يليق بالمساحة التي يشغلها.
فردي وجماعي
وبين العمل الفردي والجماعي، أوضحت الراشدي أنها تفضل العمل الفردي عندما تكون الفكرة شخصية وعميقة، لكنها لا تخفي استمتاعها بالمشاريع الجماعية، خصوصاً تلك التي تتطلب تنوعاً في الخبرات وتنجز على نطاق واسع.
خصائص مختلفة
أما التحدي التقني الأكبر الذي تواجهه، فأوضحت الراشدي أنه يتمثل في تباين طبيعة الأسطح، حيث إن لكل جدار خصائص مختلفة تتطلب معالجات دقيقة للحفاظ على جودة الألوان وثباتها، وهذا ما يتطلب جهداً أكبر من فنان الجداريات.
تراث الليل
وتتحدث الراشدي عن آخر أعمالها جدارية بعنوان «تراث الليل»، والتي قدمتها ضمن «مهرجان سكة» للفنون والتصميم في دبي، حيث احتفت فيها بالهوية الثقافية والمرأة الإماراتية، كرمز حي للتراث المحلي، دمجت فيها عناصر من الفن العالمي، مستخدمة خلفية مستوحاة من لوحة «ليلة مرصعة بالنجوم» للفنان العالمي فان جوخ، في محاولة لصنع حوار بصري يربط بين التراث الإماراتي والرموز الفنية العالمية.
روح العصر
وأكدت الراشدي أنه دائماً ما تظهر المرأة الإماراتية كصوت فاعل في المشهد المعاصر، لا كمجرد عنصر جمالي، حيث تراها رمزاً للتماسك والوعي، والهوية النشطة، وهذه الرؤية تتجلى من خلال إعادة صياغة الرموز والألوان والأنماط التراثية بأسلوب بصري حديث، يصنع جسراً بين الماضي وروح العصر.
حدس وتخطيط
لا تعتمد الراشدي على الحدس وحده، ولا تسير وفق التخطيط فقط، بل تجمع بين الاثنين، حيث تبدأ بمخططات مدروسة، لكنها تترك مساحة للحدس أثناء التنفيذ، موضحة أن إيقاع الجدار والمكان، قد يغيران مسار الفكرة أحياناً. كما تتقن الراشدي استخدام الأكريليك في الجداريات، نظراً لسرعته وملاءمته للأسطح الكبيرة، بينما تفضل الألوان الزيتية في اللوحات، لما تمنحه من عمق وغنى بصري. ومن بين الفنانين المعاصرين، ترى في Banksy مصدر إلهام خاص، لما يحمله من ذكاء بصري في تحويل الجدران إلى رسائل اجتماعية بليغة.
وسائط رقمية
بدأت الراشدي في إدخال الوسائط الرقمية في تجربتها، حيث باتت تستخدم التحضيرات الرقمية لتصميم الجداريات، ما يساعدها على تصور النتيجة النهائية بدقة، كما تعاونت مؤخراً مع مكتب دبي الإعلامي في تنفيذ أعمال رقمية، ما فتح لها أفقاً جديداً في التعبير الفني. وعلى صعيد المعارض، شاركت في مهرجانات محلية، وفعاليات دولية في إسبانيا والمغرب.