عن فلسطين.. في مرآة نعوم تشومسكي وإيلان بابيه
تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT
في كتابهما المشترك "عن فلسطين"، الذي يضم حوارا مطولا يجمع بين الكاتب والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، يحاول المؤلفان الإجابة عن أسئلة مهمة ويناقشان موضوعات شائكة، من خلال تحليل ينم عن فهم عميق لتاريخ القضية الفلسطينية وتأثيرها العالمي.
وبالإضافة إلى تقديم الكتاب -الصادر سنة 2023 في ترجمته العربية عن منشورات جدل بترجمة سالم عادل الشهاب- حلولا ومعالجات للقضية الفلسطينية وتحليله لواقع النزاع داخل المجتمع الإسرائيلي وصراعاته الطبقية، يشارك الكاتبان تجربتهما داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، وأهم التحولات التي طرأت على الرأي العام الأميركي، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية التي تبدو أكثر تقبلا للطرح المناهض لنظام الفصل العنصري من ذي قبل.
وتركز مناقشتهما، التي أدارها وتدخل فيها الناشط البلجيكي فرانك بارات، على الصهيونية كظاهرة تاريخية، وعلى نظام الفصل العنصري ومدى فعالية حملات المقاطعة، ثم عن حق العودة والحلول الممكنة للقضية التي تتأرجح بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة. وذلك من خلال 3 أقسام أولها عن الماضي في محاولة لفهم الفكر الصهيوني، والثاني عن الحاضر والدور الذي يجب أن يلعبه الناشطون المتضامنون مع فلسطين، أما الثالث فقد خُصّص لمناقشة مستقبل القضية الفلسطينية وتفكيك الخيارات المطروحة على طاولة النقاش.
يرى فرانك بارت أن القضية الفلسطينية ليست إلا تجسيدا لكل ما هو خاطئ في هذا العالم. مؤكدا -خلال حديثه عن الأسباب التي أدت إلى تبلور فكرة هذا الحوار- أن إسرائيل تستفيد من خرق القوانين الدولية بتواطؤ المؤسسات والحكومات الغربية، مما يعني أن للجميع دورا في إنهاء الظلم الذي يعيشه الفلسطينيون. ويأمل في هذا الصدد أن يساهم الكتاب في تحدي إعلام الحكومات الذي يساعد في تبرير جرائم الاحتلال، ومشددا على أن القضية الفلسطينية صارت قضية اجتماعية عالمية، يجب أن تتبناها كل الحركات التي تقاتل من أجل العدالة الاجتماعية.
وعلى سبيل التقديم يعدد المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه المعضلات التي يواجهها المطالبون بالعدالة لفلسطين، معتبرا أن حكاية فلسطين -من البداية حتى يومنا هذا- عبارة عن قصة بسيطة للاستعمار والاستيطان، ومع ذلك يعاملها العالم على أنها قصة معقدة ومتعددة الأوجه، وصعبة الفهم وبالتالي صعبة الحل أيضا.
ومردّ ذلك هو نجاح إسرائيل بمساعدة حلفائها في بناء تفسير متعدد الطبقات للقضية ومعقد لدرجة لا يستطيع أحد فهمه باستثنائها، مواجهة بذلك الآراء الأخرى إما بالسذاجة أو بمعاداة السامية في أسوأ الحالات.
إعلانومن الملاحظ للمتابع للرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، في السنوات الأخيرة، أن التغيير الجذري لموقفه والتزايد المستمر للأصوات الرافضة لسياسات إسرائيل، يواجَه بثبات موقف النخب السياسية والاقتصادية الغربية الداعم للدولة اليهودية. وتتجلى هذه الملاحظة أكثر في الاحتجاجات التي شهدتها العواصم العالمية والجامعات عقب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.
رؤية متبصرة للماضييتفق كل من نعوم تشومسكي وإيلان بابيه في سياق إجابتهما عن سؤال طرحه فرانك بارت، وشكّل منطلقا لنقاش معمق حول فلسطين، على أن الماضي يلعب دورا مهما لفهم الحاضر، إذ يعتبره تشومسكي مصدرا للإلهام والآمال، بينما يؤكد بابيه أن خطط السلام التي يطرحها المسؤولون تصر على إقصاء الماضي باعتباره عقبة أمامهم، في حين أن هذا الماضي هو كل شيء بالنسبة للمقموعين، ويوضح رأيه بأنه في الحالات التي تكون فيها مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية مثلا، فإن هؤلاء المسؤولين لا يطرحون فكرة إزالة هذه المستوطنات، وإنما يدفعون نحو فكرة تبادل الأراضي، بما يشبه الهروب المستمر إلى الأمام لحماية مكاسب الاحتلال.
وفي محاولتهما لتحديد مفهوم الصهيونية وتطوره التاريخي كجزء رئيسي يمكن من خلاله فهم الماضي فهما شاملا، يؤكد بابيه أن هناك تعريفات عدة لهذه الحركة، أبرزها وأكثرها حيادية على حد وصفه هو أنها "أيديولوجية"، ويعني ذلك -بالنسبة له- "أن اليهودية بوصفها حركة وطنية لديها الدافع والحق في الحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية". كما يلفت إلى وجود بُعد واحد للصهيونية لا يتغير مع الزمن وهو أنها استعمارية-استيطانية، ويوضح بالقول: "قد تتغير الوسائل المستخدمة لاستعمار فلسطين بمرور الزمن، لكن الرؤية لا تزال نفسها. من خلال هذا المشروع الاستعماري، تنبثق النظرة للسكان الأصليين على أنهم عقبة لنجاح هذا المشروع".
إعلانأما نعوم تشومسكي، فيقدم موجزا لتاريخ مفهوم الصهيونية والتغييرات التي لحقت به بعد قيام إسرائيل، مشيرا إلى أنه منذ عام 1948 أصبحت الصهيونية تعني دين الدولة.
ومن الملاحظات التي يرى تشومسكي أنها داعمة لفكرة عنصرية إسرائيل، محاولاتها لحجب ومنع أي حديث أو إشارة إلى النكبة والإقرار بها، في إشارة منه إلى قانون النكبة الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في 23 مارس/آذار 2011، وينص على منع إحياء ذكرى النكبة بدلا من "يوم استقلال إسرائيل".
ويتابع أنها بالإضافة إلى سياستها باستقطاب أكبر عدد من اليهود -التي ستؤدي إلى تدميرها ذاتيا- فإنها ارتكبت خطأ انتحاريا سنة 1971 برفضها معاهدة سلام كامل عرضتها مصر. ويشير تشومسكي في هذا الصدد إلى أن تفضيلها لنهج سياسة التوسع بدلا من السلام سيؤدي بها لأن تصبح دولة منبوذة وفاقدة للشرعية، وسيصبح دعم الولايات المتحدة الأميركية وسيلتها الوحيدة للبقاء. مؤكدا في الوقت ذاته أن "الناس الذين يدعون إلى مناصرة إسرائيل هم في الحقيقة مناصرون لسقوطها الأخلاقي، وربما لتدميرها الذاتي أيضا".
دور الناشطين في الصراعفي القسم الثاني من الكتاب، وفيما يبدو أنها نقطة خلافية بينهما، يناقش بابيه وتشومسكي دور الناشِطين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي يقلل فيه نعوم من أهمية وتأثير المقاطعة الأكاديمية الأميركية لإسرائيل، بسبب أنها أدت -من وجهة نظره- إلى تحويل التركيز على جرائم الاحتلال والدعم الأميركي لها، إلى مناقشة حرية التعبير في الأوساط الأكاديمية، وهو ما لا يفيد الفلسطينيين بل على العكس من ذلك، يشتت الانتباه على القضية الفلسطينية من دون أن يضر بإسرائيل، ويرى إيلان بابيه، الذي اشتهر بانتقاداته الحادة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، أن المقاطعة تُحدث تأثيرا واضحا على الأكاديميين في إسرائيل، ويجبرهم على تبني موقف واضح تجاه القمع والاحتلال، فيما يشبه تأثير الدومينو.
إعلانوفي هذا السياق، يشير تشومسكي إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الأميركية في الصراع، معتبرا أن المفاوضات التي تقودها ليست سوى نكتة، خاصة أنها تقدم دعما عسكريا وسياسيا وأيديولوجيا كبيرا لإسرائيل، ليس من باب الرحمة، بل لأنها تخدم السياسات الأميركية ومصالحها. "فمن منظور الولايات المتحدة، تعد المفاوضات مجرد وسيلة يمكن من خلالها دعم استمرار إسرائيل في تمرير سياساتها، وأخذ كل ما تريده من الضفة الغربية، أو فرض الحصار على قطاع غزة وعزل الاثنين بعضهما عن بعض".
ومما يتفق حوله بابيه ونعوم، هو ضرورة العمل على إقناع الولايات المتحدة بتغيير موقفها الرافض لحلول التسوية الدبلوماسية التي تعتمدها، وتسليط الضوء على انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين داخل إسرائيل، وذلك لتشويه شرعيتها في نظر المدافعين عنها.
يبدو في نظر نعوم تشومسكي أن التحولات التي يعرفها المجتمع الإسرائيلي تحدث على نحو بشع وانتحاري، ذلك أن عقلية الإسرائيليين لم تعتد على تحمل أي مسؤولية، بل على العكس تؤمن بأن كل ما يحدث بسبب الآخرين وتساند نظامها في جرائمه. وهو ما يتوافق مع نظرة إيلان بابيه الذي يستبعد إمكانية حدوث تغيير من الداخل، خاصة في ظل العدد القليل للذين يحاولون التأثير داخل إسرائيل، وهو الأمر الذي يؤكد أن أي تغيير قد يحدث، فحتما سيكون من الخارج.
وقد سعى الكاتبان إلى تفكيك الحلول الممكنة لحل القضية الفلسطينية ومناقشتها من جوانب عدة، فإيلان بابيه يدافع في هذا السياق على أن الحل المناسب هو حل الدولة الواحدة التي تكون على مسافة واحدة من الجميع، باعتباره حلا يعزز فكرة أن الأرض واحدة والشعب واحد، ويحث على ضرورة عدم الاستسلام للنسخة الصهيونية لحل الدولتين لإيمانه بأن الدافع الأساسي وراء هذه الفكرة هو الرغبة في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض. في حين يبدو أن تشومسكي يميل إلى حل الدولتين وفق شروط يناير/كانون الثاني 1976، وهو ما يؤكده في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014، باعتباره حلا يحظى بالإجماع العالمي.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فكر القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة نعوم تشومسکی إیلان بابیه حل الدولتین من خلال على أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
أحمد الرحال لـعربي21: فلسطين في الوجدان.. والاتفاقية مع إسرائيل ليست تطبيعا أو سلاما دون مقابل
عام مضى منذ أن انقلبت الحرب التي ظن الرئيس بشار الأسد قد حسمها لصالحه، بعد أن تمكنت قوة من مقاتلي المعارضة من التقدم من إدلب، المحافظة السورية الواقعة على الحدود مع تركيا، ودخول دمشق بقيادة أحمد الشرع يوم الـ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، والذي بات اليوم رئيسًا انتقاليًا، فيما يعيش الأسد في منفى في روسيا.
لا تزال سوريا غارقة في الدمار، ففي كل مدينة وبلدة، يعيش الناس داخل أبنية هشة، محروقة ومجوفة من الداخل بفعل سنوات من حرب طاحنة، ورغم تراكم أزمات "سوريا الجديدة"، فإن هذا البلد يبدو اليوم أقل اختناقًا بعد زوال الثقل القاسي الذي فرضه النظام المخلوع لسنوات طويلة.
تمكن أحمد الشرع من شق طريقه باتجاه الخارج والذي على ما يبدوا كان أسهل بكثير من الداخل، فقد نجح في إقناع السعودية والدول الغربية بأنه يمثل "أفضل فرصة لقيام مستقبل مستقر في سوريا"، كما وحضي بدعم أمريكي وأوروبي كبير تمخض عنه رفع العقوبات عن بلاده، أما في الداخل، فالصورة قد تكون مختلفة، حيث يدرك السوريون نقاط الضعف ومشكلات بلادهم أكثر من أي جهة أجنبية.
ورغم تأكيد الشرع أن بلاده منهكة من الحرب، وإنها لا تمثل تهديدًا لجيرانها ولا للغرب، مؤكدًا أنهم سيحكمون "لصالح جميع السوريين"، غير أن إسرائيل رفضت تلك الرسالة تمامًا ولم تقتنع كليا بالنوايا، فيما يواصل الرئيس ترامب الدفع باتجاه إنجاح اتفاق بين سوريا وإسرائيل الذي بات يواجه الكثير من العراقيل بسبب شروط يفرضها نتنياهو.
لاستقراء ما يمكن أن تحمله الأيام من أحداث بشأن سوريا، وحجم المنجزات والإخفاقات التي واكبت حكومة أحمد الشرع خلال عام مضى، أجرى موقع "عربي21" لقاءًا خاصا مع الخبير العسكري والمحلل السياسي العميد أحمد الرحال، وفيما يلي نص المقابلة:
أين ترى سوريا اليوم بعد عام من التحرير؟ هل تسير ضمن خطوات مدروسة باتجاه تحقيق العدالة والمساواة التي يرمي إليها الشعب، أم أن الإخفاقات كثيرة؟
نحن أمام إنجاز كبير، وهو إسقاط نظام الأسد، ومع ذلك لدى الشعب السوري مطالب أكبر بكثير مما تحقق، ولكن السلطة لا تملك عصا سحرية لتغيير الواقع، ومع وجود إخفاقات كبيرة، فإن هناك ثلاثة ملفات ضاغطة إن لم تُنفّذ فنحن في مشكلة، وهي ترسيخ الأمن، وإعادة بناء المجتمع، فضلاً عن الحاجة لمؤتمر حوار وطني وإعلان دستوري جديد وتأسيس حكومة تشاركية تعددية.
هل استطاع الرئيس أحمد الشرع محو سمة الإرهاب عنه، وتمكّن من إقناع الرأي العام بأنه تحول من مجاهد إلى رجل دولة؟
زيارة أحمد الشرع للبيت الأبيض دليل على وجود قناعة عربية ودولية بأن الرئيس السوري أزال عنه سمة تهمة الإرهاب، لكن المشكلة ليست في الرئيس الشرع، بل في بعض قيادات الصف الأول في هيئة تحرير الشام، وما حدث في الساحل السوري والسويداء من انتهاكات، وإن كانت فردية، دليل على ضرورة تغيير سلوك هؤلاء.
ما تفسيرك لطبيعة الحراك المعارض لحكومة أحمد الشرع في بعض المحافظات كالسويداء واللاذقية؟ مجلة الإيكونوميست ترجح اندلاع انتفاضة قريبًا ضد قادة سوريا الجدد. هل يمكن وصفها فعلًا بالانتفاضة؟
بقدر النجاحات الكبيرة التي حققتها السياسة السورية في الخارج، لكنها أخفقت في كثير من ملفات الداخل. لذا، من الضروري وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وخاصة في المفاصل الأمنية والعسكرية، لتجنب ما حدث في بعض المحافظات، والتي على إثرها خرجت تظاهرات معارضة للحكومة في دمشق. وفي المحصلة، تتحمل الحكومة المسؤولية لمعالجة الانقسامات وتجنب الخطر، رغم عدم وجود مخاوف من تطور الوضع للتصادم مع السلطات على غرار ما حصل في عام 2011، لكن بالتأكيد نحن بحاجة إلى مشروع وطني يجمع لا يفرق.
هل من المنصف اتهام سوريا الجديدة بأنها تخلت عن القضية الفلسطينية ولم تعد ضمن سلم أولوياتها، وباتت دمشق خارج معادلة الحكومات العربية المعادية لإسرائيل؟
قرارات الحكومة في دمشق واضحة، وهي أنها قسمت موضوع التفاوض مع إسرائيل إلى شقين، الأول هو اتفاق أمني يعيد الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل 18-12-2024، بمعنى العودة إلى الاتفاق الموقع عام 1974، وهذا أمر لا يعني بالضرورة السلام مع إسرائيل، ولطالما أكد الرئيس الشرعي ووزير الخارجية الشيباني أن سوريا ملتزمة بالموقف العربي، ومفاده لن نمنح إسرائيل سلامًا على بياض، ولا يعني أيضًا التخلي عن القضية الفلسطينية، فالنتيجة هو مجرد اتفاق وليس تطبيع.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
البعض يتهم حكومة الرئيس أحمد الشرع بالخضوع لإسرائيل، مستدلين بذلك بسلسلة الهجمات التي شنها الاحتلال على سوريا والتي لم تكن تُذكر خلال حكم الأسد، ما رأيك؟
نتيجة للتفاهمات التي كانت موجودة ما بين نظام الأسد وإسرائيل، تُرجمت إلى عدم شن الاحتلال هجمات على سوريا، وليس معنى هذا أن إسرائيل كانت تتخوف من الجيش السوري، فبعد عام 1973، لم يشكل الجيش للاحتلال رقمًا صعبًا، ونذكر هنا ما قاله رامي مخلوف عام 2011، أن أمن دمشق من أمن إسرائيل، كما أن تل أبيب هي من عارضت إسقاط نظام الأسد حتى تيقنت عام 2024، أن إيران لا تخرج من سوريا طالما نظام الأسد موجود، وبالتالي رفعت الغطاء عنه.
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
قبل أيام حذر مسؤولون إسرائيليون من خطورة دعم الرئيس ترامب لأحمد الشرع على أمن دولة الاحتلال، هل فعلاً سوريا بوضعها السياسي والاقتصادي الهش حاليًا تشكل تهديدًا لإسرائيل؟
كلام الرئيس، والشارع، وكل القيادة السورية كان واضحًا، وهو أننا اليوم لا نبحث عن عداء مع أحد، ولا نريد أن نبحث عن حرب مع أحد، بل نريد بناء مؤسسات الدولة، وتأمين معيشة المواطن السوري. وبالتالي، الكلام عن كون دمشق تمثل تهديدًا لإسرائيل بعيد عن المنطق، والحقيقة أن نتنياهو يبحث عن الذرائع للتحرش بسوريا منذ وصول الشرخ للسلطة، ومفاد رسالة تل أبيب أنها لن تنتظر سبع سنوات للوقوع في كمين طوفان الجولان كما حدث مع طوفان الأقصى.
كانت غزة حاضرة في هتافات الجيش السوري خلال مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير، هل تم بتوجيه مركزي أم باجتهاد فردي، أم إنها ورقة ضغط للدفع باتجاه تسريع الاتفاق مع إسرائيل؟
الخطاب السوري تجاه القضية الفلسطينية وغزة والضفة الغربية واضح، وهو في وجدان كل مواطن سوري، وهذا ما لمسناه خلال ترويض الهتافات في الاستعراض العسكري الذي حدث في دمشق بذكرى التحرير، وما يبدر من تصريحات بشأن دعم فلسطين هي مواقف معنوية فردية، ليس معناها أن ترسل سوريا جيشًا للقتال ضد إسرائيل.
لا ننكر وجود مؤيدين وحلفاء حتى اللحظة للرئيس المخلوع الأسد، سواء في الداخل أو الخارج، ولكن هل تعتقد أن ما تضمنته الفيديوهات المسربة وهو برفقة لونا الشبل قد أطاح بصورته؟
عام 2021، خسر بشار الأسد ما كان يملكه من دعم وتأييد لدى الطائفة العلوية، حيث تيقنوا أنه لا خير يرتجى منه، خاصة وأن البروباغاندا الإعلامية والاستخباراتية التي عمل عليها النظام تفككت خلال أعوام الحرب الأخيرة، كما أن إعلانه عن عدم قدرته على تأمين الرواتب وتقديم الخدمات، كلها أسباب فاقمت من السخط الشعبي ضد الأسد، لذا فإن ظهوره خلال المقاطع المصورة وهو يستهزئ بالجيش وقادته، بما فيها الميليشيات الوافدة التي كانت تدعمه، أكدت لمن لم يتأكد بعد مدى الاستخفاف الذي كان يتعامل به بشار الأسد مع مؤسسات وقطاعات الدولة، كما كشفت تلك المقاطع أن سوريا كانت تفتقد أساسًا لوجود رئيس يمتلك مواصفات الهيبة التي تؤهله لقيادة بلد غارق بالأزمات.
تعرض لأول مرة .. تسريبات تكشف أحاديث بين الأسد ولونا الشبل#سوريا#قناة_التغيير_الفضائية pic.twitter.com/6ea7dGdvs5 — قناة التغيير الفضائية (@AlTaghierTV) December 6, 2025
تباطؤ مسار العدالة مع الذكرى السنوية للتحرير
لا يمتد نفوذ الشرع إلى شمال شرقي سوريا، حيث يفرض الأكراد سيطرتهم على نحو 25 بالمئة من مساحة البلاد، ولا إلى أجزاء من الجنوب، حيث يسعى الدروز، إلى إقامة دولة مستقلة بدعم من حلفائهم الإسرائيليين، وعلى الساحل، يخشى العلويون تكرار "المجازر" التي تعرضوا لها في آذار/مارس الماضي رغم تعهد دمشق بالتحقيق ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والتي اتضح تورط العديد من الفصائل المنضوية ضمن الحكومة.
مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أعرب عن قلقه الشديد بشأن بطء وتيرة العدالة، وقال متحدث باسم المكتب إن السلطات الانتقالية اتخذت خطوات مشجعة لمعالجة الانتهاكات السابقة، لكنها ليست سوى بداية لما ينبغي القيام به، وأشار المكتب إلى أن بعض السوريين تحركوا بأنفسهم، أحياناً بالتعاون مع قوات الحكومة، مؤكدًا أن المئات قُتلوا خلال العام الماضي على يد قوات الأمن والجماعات الموالية لها، وعناصر مرتبطة بالحكومة السابقة، ومجموعات مسلحة محلية، وأفراد مسلحين مجهولين.
وأضاف أن الانتهاكات الأخرى شملت العنف الجنسي، والاعتقالات التعسفية، وتدمير المنازل، والإخلاءات القسرية، والقيود على حرية التعبير وحرية التجمع السلمي. وأوضح أن المجتمعات العلوية والدروز والمسيحيين والبدو كانت الأكثر تضررًا من موجات العنف، التي غذّتها خطابات كراهية متصاعدة على الإنترنت وخارجه، وهو ما شددت عليه منظمات حقوق عالمية، مثل العفو الدولي وهيومن رايتس ووتش، اللذين دعوا السلطات السورية إلى العمل من أجل خلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية.
بعد عام على سقوط الأسد، ينبغي للسلطات السورية، بدعم من المجتمع الدولي، العمل لخلق واقع تكون فيه حماية جميع السوريين وضمان حقوقهم أولوية. pic.twitter.com/K3e5HdOIgw — هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) December 9, 2025
"إسرائيل" واستغلال ضعف سوريا
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الشرع وحكومته يمتلكون ما يكفي من القوة للصمود في وجه أزمة أخرى بالخطورة نفسها، فإسرائيل ما تزال تمثل تهديدًا حاضرًا بالنسبة للسوريين، وفق تقرير لشبكة "بي بي سي"، فبعد سقوط الأسد، شن الاحتلال سلسلة واسعة من الغارات الجوية بهدف تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية للنظام السابق، كما وتقدم جيشه خارج مرتفعات الجولان المحتلة للسيطرة على أراض سورية إضافية ما زال يحتفظ بها حتى اليوم، واستغلت إسرائيل الفوضى في سوريا لإضعاف بلد تعتبره عدوًا، عبر تدمير أسلحة قالت إن من الممكن أن توجه ضدها.
أما محاولات الولايات المتحدة للتوسط في اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل فقد تعثرت خلال الشهرين الماضيين تقريبًا. تريد دمشق العودة إلى اتفاق أنجز برعاية هنري كيسنجر عام 1974، حين كان وزيراً للخارجية الأمريكية، بينما يصر نتنياهو على بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي التي استولى عليها، ويطالب بأن تنزع سوريا السلاح في منطقة واسعة جنوب دمشق، وخلال الشهر الماضي، كثفت إسرائيل توغلاتها البرية داخل سوريا. وتقدر نشرة "سوريا ويكلي"، التي توثق بيانات العنف، أن عدد هذه التوغلات كان أكثر من ضعف المتوسط الشهري طوال هذا العام.
وزير "إسرائيلي".. "الحرب مع سوريا حتمية"
صرح وزير الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي، أن الحرب مع سوريا "حتمية"، في ظل تصاعد التوترات الميدانية واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وجاء موقفه تعليقا على تسجيلات تظهر جنودا من الجيش السوري وهم يهتفون لغزة خلال مسيرة عسكرية أقيمت الاثنين احتفالا بالذكرى الأولى لـ"عيد التحرير"، ما أثار قلقا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
من هتافات الجيش السوري في مسير عسكري في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير الأولى:
غزة، غزة، غزة شعار، نصر وثبات، ليل ونهار
طالعلك يا عدوي طالع، طالعلك من جبل النار
اعملك من دمي ذخيرة، واعمل من دمك أنهار
pic.twitter.com/9GXwRMlxgO — سعيدالحاج said elhaj (@saidelhaj) December 8, 2025
وكتب شيكلي المنتمي لحزب "الليكود" بزعامة بنيامين نتنياهو تدوينة مقتضبة على حسابه في منصة "إكس"، أرفقها بخبر حول هتافات الجنود السوريين، واكتفى فيها بعبارة: "الحرب حتمية"، ورغم أن الحكومة السورية الحالية لم تظهر أي تهديد عسكري مباشر للاحتلال فإن الأخير يواصل تنفيذ توغلات داخل الأراضي السورية وغارات جوية أودت بحياة مدنيين ودمرت مواقع وآليات عسكرية تابعة للجيش السوري.
عام على سقوط الأسد.. ماذا تغير في سوريا؟
ومع مرور عام على تحرير سوريا وسقوط نظام الأسد، يعود السوريون بذاكرتهم إلى تلك اللحظات المفصلية في تاريخ بلادهم، لتبقى شاهدة على بداية مرحلة جديدة في تاريخ دمشق، ورغم كم الأزمات إلا أن هناك الكثير من المنجزات، منها تبييض السجون، حيث أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تم تحرير 24 ألفًا و200 معتقل كرقم تقديري، في حين لا يزال مصير 112 ألف معتقل ومختف قسريًّا مجهولًا حتى اللحظة.
كما تم رفع معظم التدابير التقييدية المرتبطة بنظام الأسد ورموزه خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد والتجارة الدولية، وفق المجلس الأوروبي والخزانة الأمريكية، فضلا عن عودة سوريا إلى الخريطة الدبلوماسية وسط حراك متسارع على مستوى رفيع، لإعادة دمجها في المنظومة الإقليمية، وفق كارنيفي للسلام الدولي، وعلى الصعيد الاقتصادي، قال تقرير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن هناك استقرارَا جزئيَا في سعر الصرف بعد تحسنه، وسط تقارير عن توفير أكبر للسلع نتيجة إعادة فتح خطوط التوريد.