بقدر ما يعني الأمر اللغة الإنجليزيَّة فإن لَتْنَنَة (من اللاتينيَّة) المفردة العربيَّة «شيخ» قد اتخذت فـي النَّقحرة عدة أشكال حروفـيَّة منها “shaikh”، و ”shaykh” (وهذا يتصادى مع قائمة الّلتْنَنَة الصَّادرة من مكتبة الكونجرس الأمريكي، والمعمول بها فـي الأوساط الأكاديميَّة النَّاطقة بالإنجليزيَّة)، و “shayk”، و”cheikh”، و”sheikh”، و”sheik”.

غير أن ما لاحظته فـي أثناء إجراء هذا البحث هو أن ”sheik” و”sheikh” هما الأكثر شيوعًا واستعمالًا فـي الإنجليزيَّة المعاصرة. كذلك فإن النَّقْحَرَة “Sheikh” غالبًا ما ترد بالحرف الاستهلالي الكبير “S” حين تستخدم المفردة للإشارة إلى أشخاص عرب فعليين فـي مختلف المواقع السياسيَّة، أو الاجتماعيَّة، أو تلك الواقعة فـي نطاق الأعمال التجاريَّة وتبادلات واتفاقات «البزنس» ومصالح العلاقات العامَّة، والذين يحملون اللقب رسميّا وبالاعتراف المجمع عليه. بيد أن التَّوصيف الآخر لـ “sheik”، والذي لا يظهر دومًا مكتوبًا بالحرف الاستهلالي الكبير “S”، فإنه غالبًا ما يُستخدم للإشارة إلى «الشَّيخ» بالمعنى العام فـي الخطاب الثَّقافـي سواء كان اجتماعيّا (بصورة عامة) أو استحقاقيّا (بصورة خاصة). وفـي هذه الحالة فإنه من المألوف، فـي الوثائق المكتوبة والمنشورة كما فـي الصَّحافة المطبوعة بالإنجليزيَّة، ألا يظهر اللقب مطبوعًا بالحروف المائلة (إذ إنه، فـي الطباعة المائلة بالحروف اللاتينيَّة فـي الإنجليزيَّة، يعني الأمر عدة أشياء منها أن المفردة المطبوعة بحروف مائلة كلمة أجنبيَّة). وفـي عدم طباعة مفردة “sheik” بالحروف المائلة دلالة على أن اللغة الإنجليزيَّة قد هضمت تلك المفردة العربيَّة، واستوعبتها فـي قاموسها وخطابها، ولم تعد تعاملها بوصفها كلمة أجنبيَّة، بل إنها قد تبنَّتها، ولم تعد بحاجة إلى طباعتها بالحروف المائلة. كما أن مفردة «شيخ» بطريقة نطقها فـي اللغة الإنجليزيَّة - التي لا تتوافر على صوت الخاء بل يُستبدل الحرف فـي المفردة بنطق حرف الكاف (k)- تتجانس ونطق مفردة “chic” («شِيك») التي استعارتها الإنجليزيَّة من الفرنسيَّة، وتعني «أنيق»، أو «متألق»، أو «متطابق الهندام مع الذوق الرَّفـيع السَّائد»، أو «جيِّد الذَّوق»، أو «مصقول» (وفـي الحقيقة فإن كلمة «شِيك chic»، بذات المعاني، قد أصبحت متداولة فـي الدَّارجات العربيَّة أيضًا). وقد جرى اللعب على هذه الوشيجة الصوتيَّة بين كلمتي “sheik” («شيخ») و”chic” («جيِّد الذوق») وتوظيفها فـي السِّينما والحياة الفعليَّة الأمريكيتين معًا.

على سبيل المثال، فـيما يخص السِّينما الأمريكيَّة، نجد أن شخصيَّة دكسي ليونارد (أدَّت دورها بَت مِدلَر (Bette Midler وشخصية إدي سباركس (أدَّى دوره جيمس كان James Caan) فـي فـيلم «لأجل الجنود» [For the Boys] (من إخراج مارك رايديل Mark Rydell، 1991) تقومان برحلة متحمِّسة لدعم المجهود الحربي من المحيط الهادي إلى شمال إفريقيا، من خلال التَّرويح عن الجنود الأمريكيين المنخرطين فـي الحرب العالميَّة الثانية، وقد لُقِّبتا بـ “America’s sheikhist couple” (فمن النَّاحيَّة الصَّوتيَّة تصير الإشارة فـي “sheikhist” إلى الهندام الأنيق ذي الذوَّق، ومن النَّاحية الكتابيَّة تحضر صورة «الشَّيخ» العربي بالمرادفة والمرافقة الصَّوتيَّة) وذلك لدى قيامهما بأداء فقراتهما الاستعراضيَّة الترفـيهيَّة «العربيَّة» التي يكون فـيها سباركس مرتديًا زي «شيخ» عربي، ويعينه فـي ذلك، من باب اللازمة الاستشراقيَّة الكلاسيكيَّة، سرب من الرَّاقصات.

أما فـي وقت سابق لإنتاج فـيلم «لأجل الجنود»، وفـي الحياة الأمريكيَّة الفعليَّة، فـي سياق الأزمة النّفطيَّة التي تمخَّضت عن حرب أكتوبر 1973 العربيَّة -«الإسرائيليَّة» فقد أتت وزارة الطَّاقة الأمريكيَّة (DoE) بـ«كرة شيخيَّة» بامتياز، إذا ما جاز القول، لاستثارة وتحفـيز المشاعر القوميَّة الأمريكيَّة، وتشجيع المواطنين على الاقتصاد فـي استعمال الوقود مواجهةً لوقف تصدير النّفط العربي إلى الولايات المتَّحدة بسبب موقفها السِّياسي والعسكري الدَّاعم للدَّولة اليهوديَّة. ولهذا فقد طبعت وزارة الطَّاقة الأمريكيَّة أعدادًا كبيرةً من ملصقات المِصَدَّات الخلفـيَّة للسيَّارات يقول نصُّها: “Driving 75 is sheik; driving 55 is chic”(1). يعني الأمر ضمنيًّا أن قيادة السيَّارة بسرعة خمسة وسبعين ميلًا فـي السَّاعة تصرُّف غير مسؤول (فـي ورود كلمة «شيخ sheik») بينما قيادتها بسرعة خمسة وخمسين ميلًا فـي السَّاعة تصرُّف مسؤول وجيَّد (فـي ورود كلمة «شِيك chic»). وهذا الشِّعار يثبت بصورة بيِّنة و«اقتصاديَّة» (بكل معاني الكلمة) حقًَّا أن «الشَّيخ» قد أصبح رمزًا ومفردة مكتوبة (inscribed) بصورة حرفـيَّة فـي الوعي والنُّصوص السياسيَّة والاستراتيجيَّة المباشرة للأيديولوجيا الأمريكيَّة.

خلال العقود الفائتة التي نضجت فـيها الدِّراسات النَّقديَّة والنَّظريَّة السِّينمائية فـي الأكاديميا الأمريكيَّة إلى حدٍّ كبيرٍ صار يشار إليه بالبنان من باب الاقتداء، تَراكَمَ عدد مثير للإعجاب والتقدير من البحوث والمستفـيضة والدقيقة الخاصَّة بتمثيلات (representations) الآخر(ين) على الشَّاشة الكبيرة بناء على تواريخ وخلفـيِّات من تركيبات مُتخيَّلة و/أو أصول وطنيَّة، وعرقيِّة، ودينيِّة/أيديولوجيِّة، وجندريَّة. هذا مَسحٌ تمثيلي سريع لبعض من تلك الأطروحات والدِّراسات على سبيل المثال لا الحصر: الإيرلنديُّون والأسكتلنديُّون، والأوروبيُّون عمومًا، والأمريكيُّون الأصلانيُّون ) «الهنود الحمر» ومن فـي حكمهم وتفرعاتهم)، والأمريكيُّون الهسبانيُّون (ضمن تصنيفات وتنويعات أخرى للقادمين من أمريكا اللاتينيَّة)، والأمريكيُّون من ذوي الأصول الإفريقيَّة، والخُلاسيُّون (بمختلف التَّسميات الثقافـيَّة)، واليهود، والنِّساء، والآسيويون، والرُّوس (سواء فـي حقبة الاتِّحاد السوفـييتي أو بعد سقوط الشيوعيَّة)، والمنتمون إلى أقليَّات دينيَّة وأيديولوجيَّة شتَّى، والمِثليُّون الجنسيُّون بشتى تسمياتهم وتفرُّعاتهم، وغيرهم. لكن، فـي هذه الوفرة من التَّحليلات والمعالجات، فإن الاهتمام البحثي الجاد بدراسة تمثيلات (representations) العربي بصورة عامَّة (ضمن الجنسيَّات والهويَّات المحليَّة والإقليميَّة والقوميَّة على الصَّعيد العربي)، هذا ناهيكم عن تصويرات مرجعيته الأكثر حضورًا -أي العربي- الأصل وأيقونته الكبرى، أعني «الشَّيخ»، على وجه الخصوص، لا تزال تشكِّل النُّقطة العمياء والمكان الذي لا وجود له فـي القاموس الكبير للدِّراسات السِّينمائية النَّقدية والنَّظريَّة الأمريكيَّة، أو على خارطتها الفسيحة. وهذا الشُّح فـي البحث يبعث على الاستغراب حقّا بالنَّظر إلى أن «الشَّيخ» واحد من الأيقونات الغَيريَّة الكبرى فـي تاريخ وتبلورات السِّينما الأمريكيَّة، دائمًا، كما سبق وأن أوضحت.

----------------------------------

(1): انظر فـي هذا الصَّدد:

Jack Shaheen, ABSCM: Arabiaphobia in America (Washington: The American-Arab Anti-Discrimination Committee, n. d.).

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة الأمریکی

إقرأ أيضاً:

إدراج 3 مواقع فلسطينية في سجل التراث المعماري والعمراني العربي

رام الله (الاتحاد)

أخبار ذات صلة إيطاليا تعلن بدء إنزال المساعدات جواً على غزة السبت المقبل ترامب: نعمل على توفير الغذاء لأهالي غزة

أعلنت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، أمس، نجاحها في إدراج ثلاثة مواقع من فلسطين في سجل التراث المعماري والعمراني العربي، وهي البلدة القديمة في القدس، والبلدة القديمة في الخليل، والجامع العمري الكبير في مدينة غزة.
وقالت الوزارة، في بيان، إن ذلك جاء خلال اجتماع لمرصد التراث المعماري والعمراني في البلدان العربية والذي عقد مؤخراً في لبنان بدعوة وتنظيم من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية. 
وأشارت إلى أن «تسجيل هذه المواقع في سجل التراث المعماري والعمراني العربي يأتي في وقت بالغ الحساسية، حيث تواجه هذه المواقع، إلى جانب غيرها من معالم التراث الثقافي في فلسطين، اعتداءات ممنهجة من قبل الجيش الإسرائيلي ومستوطنيه، فالبلدات القديمة في كل من القدس والخليل تتعرضان بشكل يومي لمحاولات طمس الهوية العربية والإسلامية، في حين أن الجامع العمري الكبير في مدينة غزة، قد طالته آلة الحرب الإسرائيلية خلال العدوان الأخير، حيث تعرض لدمار واسع أتى على معظم أجزائه المعمارية والأثرية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي ولحرمة المساس بالمواقع الدينية والتراثية».

مقالات مشابهة

  • إدراج 3 مواقع فلسطينية في سجل التراث المعماري والعمراني العربي
  • «الثّقافة والعلوم للشّعر العربيّ».. جائزة ملهمة للاحتفاء بالقصيدة
  • اعلان الفائزين بجوائز كرنفال العقبة
  • الوزير البشير: الخط سيمكن من توريد ستة ملايين متر مكعب من الغاز يومياً وستكون البداية بتوريد 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً قادمةً من أذربيجان مروراً بتركيا وذلك ضمن مساعدة كريمة مقدمة من أشقائنا في دولة قطر
  • كرة القدم المصغرة.. الإمارات تقود مشهد التطوير العربي
  • بالفارسية.. الخارجية الأمريكية تحذر رعاياها من السفر إلى إيران
  • بعد إستقالة مصطفى الآغا.. من يقود برنامج العربي الشهير «الحلم»؟
  • بني ياس يواجه العربي الكويتي 6 أغسطس
  • إيرادات السينما المصرية أمس.. روكي الغلابة يتصدر والشاطر الوصيف
  • إيرادات السينما المصرية أمس.. دنيا سمير غانم تزيح أمير كرارة من الصدارة