تهكَّمَ بعض أصدقائي، وهم من الأصدقاء المقرّبين على مقالي ما قبل الأخير، والذي كان بعنوان: هل سيستجيب نتنياهو لـترامب؟، بالقول: كان الأجدر بالعنوان أن يكون: هل سيستجيب ترامب لنتنياهو؟، في تلميح إلى خضوع ترامب لإرادة الأخير، كما هو الحال ــ حسب آراء هؤلاء الأصدقاء، وحسب آراء غالبية كبيرة من الناس ــ بالنسبة لكلّ إدارة أميركية أخرى.
كما نعرف الآن، فقد تغيّر الموقف الإسرائيلي باتجاه التعبير عن درجة غير مسبوقة من الاستعداد لعقد الصفقة، وظهر أثناء وبعد زيارة مندوب ترامب ومستشاره إلى كلّ من الدوحة وتل أبيب، ما لم يظهر قبلها، وفجأةً بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية تتحدث عن قرب التوقيع عليها، وعن إنجاز أكثر من 90% من بنودها!
المهم هنا أننا بتنا على بعد أيّام من إنجاز هذه الصفقة، وباتت بنودها معلنة، وقامت وسائل إعلام إسرائيلية رسمية بنشر محتواها.
وهنا يمكننا العودة إلى نفس السؤال، دون أن نصل إلى نفس الأجوبة التي ذهبنا إليها في ذلك المقال.
ليس من الصائب أن ننتظر إجابة بـ"نعم" أو بـ"لا" عن سؤال من هذا النوع، وليس صائباً أبداً أن نعتبر الإجابة هنا أو هناك، وكأنّها قاطعة وجازمة، وذلك لأن مثلها هي في الواقع "نعم"، وهي مرفقة بـ"لكن" قوية، وهي مربط الفرس في المسألة كلّها.
كان معروفاً أنّ تهديدات الرئيس المنتخب بتحول الشرق الأوسط إلى "جحيم" لم تكن سوى رعونة وتبجّح واستعراضات دعائية مكشوفة، طالما أننا نعرف جميعاً أن ترامب لا يملك في الواقع ما يفعله أكثر مما فعله، ومما قام به نتنياهو على أكمل وأوحش وجه، وعلى كلّ وجه.
وكان معروفاً لترامب أن نتنياهو سيستجيب لا محالة، لأنه لا يملك، لا هو، ولا غيره "ترف" رفض الطلب، والأخير كان يدرك أن ترامب يريد من خلال هذه الرعونة وهذا التبجّح الظهور بمظهر من أجبر الإقليم على "الرضوخ" لتهديداته على طريقة "ذبح القطّة في ليلة الدخلة" في انتظار أن يُفصح ترامب ــ وربّما أنه قد أفصح لنتنياهو قبل الآن ــ عن الصيد الثمين الذي ينتظره نتنياهو، أو سلّة السخاء المنتظر تقديمها من أجل الإبقاء عليه، وعلى حكومته في سدّة الحكم، ومن أجل عدم سقوطها بسرعة، ومن أجل مساعدة نتنياهو على "تجاوز" أيّ أزمات قد تنجم عن قبول الأخير بالصفقة والتوقيع عليها.
وإذا كان أهمّ ما يهدف إليه نتنياهو هو أن لا يفقد "الحكم"، وإذا كان لا يملك "ترف" رفض الاستجابة لرغبة الرئيس الجديد، تصبح الإمكانية الوحيدة أمامه الآن هي اللعبة التي من شأنها أن توفّر الاستجابة والعمل على أساسها، من جهة وعدم سقوط الحكومة من جهة أخرى.
هنا سنكتشف أنّ كلّ جعجعات بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ليست سوى "همّة" إعلامية، وسنكتشف أنّ عُتاة "اليمين" والتطرُّف الفاشي سيوافقون على الصفقة، شأنهم شأن نتنياهو بانتظار الوعود السخيّة من ترامب لاقتطاع الجزء الأكبر من الضفة، أو لجزء كبير منها، وربما لكل هضبة الجولان السورية المحتلة، كمرحلة أولى من أجل اقتطاعات جديدة مستقبلاً.
وبالمناسبة فإنّ نتنياهو يدرك أنّ لا مقدّسات عند ترامب، بما فيها الشخصيات، وبما فيها التحالفات، وبما فيها أكثرها أهمية، وأقربها إليه.
نهم ترامب للمنافسة مع الصين جعله يمهّد لإدارة ظهره عملياً لدولة بحجم كندا، وجعله يفصح عن أطماع تصل إلى البلطجة في العلاقة مع المكسيك، وفي "ضمّ" أكبر جزيرة في العالم "غرينلاند"، وفي قطع "طريق الحرير" بأيّ ثمن، فهل بقاء نتنياهو وطواقمه مسألة "تتفوّق" على ما بات يُفصح عنه ترامب، وما يخطّط له على المستوى الكوني الشامل؟
أبداً وبالمطلق، وإذا كان من مطلق هنا فهو دولة الاحتلال، وليس بالمطلق من يحكم في هذه الدولة، وقد يكون من المصلحة المباشرة لترامب أن يتخلّص من كل أنواع "المشاغبين" بمن فيهم نتنياهو نفسه.
أهمية نتنياهو بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة هي أهمية مؤقّتة وليست "ذخراً" إستراتيجياً كما يمكن أن يعتقد بعضنا.
والدرس الآخر، وهو درس للأنظمة العربية، فإذا كان ما أوردناه صحيحاً بالنسبة لنتنياهو وهو كذلك، فهل سيكون الزعماء العرب، وأنظمة العرب السياسية أقرب إلى ترامب من نتنياهو و"اليمين" الفاشي فيها؟
أخشى ما يخشاه ترامب حالياً إذا سقطت حكومة نتنياهو وهي لن تسقط الآن، وعلى الفور على ما يبدو، أخشى ما يخشاه هو أن تتحوّل الأمور من مرحلة المشاغبة الإسرائيلية إلى مرحلة الفوضى الشاملة فيها.
الفوضى الشاملة ستخلط كل الأوراق، ليس داخل دولة الاحتلال، وإنّما في الإقليم كلّه، ولم يعد ممكناً ترك أمور الإقليم سائبة في هذه المرحلة من الترتيبات المخطّط لها مستقبلاً.
لن يترك ترامب لـ"اليمين" الفاشي في دولة الاحتلال الفرصة الكافية لابتلاع الدولة الليبرالية حسب تعبير الأستاذ عصام مخّول، أو لن يسمح الآن، وإلى وقتٍ في المدى المتوسط بأن يتم هذا الابتلاع، أو إدخال دولة الاحتلال في أتون صراع داخلي قد يتحول في أيّ لحظة إلى صراع حاد وعنيف، لا سيّما أنّ عصابات المستوطنين لديها عشرات آلاف قطع السلاح، و"اليمين" الفاشي في أغلب الظن لديه تشكيلات مخفية داخل الجيش، وداخل الأجهزة الأمنية بأذرعها كافة.
زُعماء كُثر في الإقليم يتحسسون رؤوسهم، لأنّهم يُدركون أنّ القادم الجديد إلى البيت الأبيض "طلّق المقدّسات" طلاقاً بائناً بينونة كبرى، وزعماء في مختلف أقاليم الدنيا باتوا أكثر قلقاً من أيّ وقتٍ مضى على اختلالات مباغتة في بلدانهم بسبب "الترامبية" في نسختها الجديدة والمنقّحة، والرئيس الجديد لن يحسب حساباً سوى للأقوياء الذين يملكون أوراقاً رابحة في صفقاته وحساباته.
أقلّ من ستّة أشهر أو سنة على أبعد الحدود، سنشهد تغيّرات كبيرة في خارطة، وفي وجه الإقليم.
وعن هذه التغيرات، وهذه الخرائط ستكون لنا أكثر من وقفة.
الأيام الفلسطينية
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه نتنياهو ترامب الاحتلال نتنياهو الاحتلال صفقة التبادل ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال من أجل
إقرأ أيضاً:
إعلام عبري: مبعوث ترامب سيلتقي نتنياهو ضمن اتصالات سرية تمهيدا للمرحلة الثانية في غزة
إسرائيل – ذكرت وسائل إعلام عبرية أن المبعوث الأمريكي توم باراك سيصل إلى إسرائيل يوم الاثنين المقبل في إطار الاتصالات السرية بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.
وأوضح موقع “والا” العبري: “من المتوقع أن يصل المبعوث الأمريكي توم باراك، إلى إسرائيل يوم الاثنين المقبل، حيث يأتي وصوله في خضم تسارع ملحوظ في المحادثات السياسية والأمنية تمهيدا للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة، وهي محادثات تجري بعيدا عن الأضواء، لكنها تثير العديد من التوترات”.
وأضاف الموقع: “في خضم كل هذا، استهدفت إسرائيل رائد سعد الرجل الثاني في حركة الفصائل، وهي عملية لم تبلغ إسرائيل الأمريكيين عنها إلا بعد وقوعها، في الوقت نفسه، تواصل إسرائيل عرقلة الضغوط الأمريكية للتحرك سريعا نحو المرحلة التالية، ريثما يعاد جثمان ران غويلي”.
وأشار الموقع إلى أن الولايات المتحدة تعمل بالفعل مع شركائها في الاتفاق ومع الدول الوسيطة على الخطوات اللاحقة، حتى وإن كانت الإعلانات الرسمية لا تزال متأخرة.
كما أضاف أن “زيارة باراك لإسرائيل ليست وليدة الصدفة. فقد أشار علنا في الأيام الأخيرة إلى الجهود الأمريكية الرامية إلى استقرار الساحة الإقليمية عبر تحسين العلاقات مع أنقرة، بل وألمح صراحة إلى معارضة إسرائيل لانضمام تركيا إلى القوة متعددة الجنسيات المزمع مشاركتها في غزة”.
وأوضح باراك، خلال مؤتمر صحفي في واشنطن، أنه “على الرغم من أن إسرائيل تنظر بعين الريبة إلى العلاقات الوثيقة بين أنقرة وحركة الفصائل، فإن واشنطن تعتقد أن لتركيا دورا محتملا على الأرض”.
كما أكد باراك أن “تركيا وقطر كانتا عاملا رئيسيا في تحقيق وقف إطلاق النار وإعادة الأسرى، لأنهما تركتا قنوات الاتصال مفتوحة، وأن الجيش التركي لديه القدرة على المساهمة في استقرار الوضع وخفض التوترات”.
المصدر: RT + إعلام عبري